لماذا أخفق العرب في المونديال؟: تحليل سوسيولوجي باستخدام نظرية القواعد المتصارعة
ذهبت الفرق الوطنية العربية الأربع (مصر، المغرب،
تونس، السعودية) للمشاركة في مباريات كأس العالم لكرة القدم المقامة بروسيا.
تسبقهم إلى هناك آمال وطموحات الشعوب العربية، الحالمة بفرحة تأكيد الذات الرياضية
العربية في هذا المحفل الكبير. وسرعان ما تبخرت الأحلام ودب اليأس والحزن في نفوس
الجماهير من المحيط إلى الخليج. الآن لم يعد للنقد الرياضي دور مهم وحاسم في تحليل
نتائج العرب في المونديال، كما لم يعد لمؤسسات الرياضة العربية دور في كشف وتبرير
أسباب هذا الاخفاق الكبير. لأن ما حدث ليس حالة فنية طارئة أفضت إلى هذا المآل،
وإنما هي حالة اجتماعية ظاهرة تحتاج إلى نوع آخر من التحليل، وأدوات مختلفة للفهم.
الآن فقط لابد أن يتدخل التحليل السوسيولوجي لوضع النقاط على الحروف. وفي هذا
المقال سنحاول أن نقدم تفسيراً لما حدث، باستخدام أدوات ومفاهيم نظرية القواعد
المتصارعة.
نظرية القواعد المتصارعة
هي نظرية جديدة في علم
الاجتماع، تحاول فهم علاقة الفعل بالبناء الاجتماعي، وتفسر عمليات التغير التي
تصيب هذه العلاقة في زمان ومكان محدد . تقسم النظرية الفعل الاجتماعي إلى ثلاثة
أنواع رئيسية، هي الأفعال الاجتماعية الحيوية، الفكرية، والروحية. فبعض الأفعال
الرياضية كما سنرى بعد قليل، ينتمي إلى النوع الحيوي، وبعضها الآخر ينتمي إلى
النوع الفكري.
وتفترض النظرية أن أفراد
المجتمع، حين يمارسون أي نوع من الأفعال المذكورة، في الأحوال الروتينية، فإنهم
يلتزمون بقواعد مستقرة ومتبلورة في العقل الجمعي. نسميها بالقواعد البنائية. وهي
بالتالي تنقسم الى قواعد حيوية وفكرية وروحية. لكن بعض هذه القواعد، بمرور الوقت
وتعاقب عوامل التغير المختلفة، تصبح غير ملائمة لتنظيم السلوك، فيسعى الأفراد إلى
تعديل هذه القواعد أو تغييرها بالكامل. ونرى إن اخفاق العرب في المجال الرياضي،
يرجع إلى هيمنة قواعد تقليدية منظمة للفعل الرياضي الحيوي الذي يعتبر أساس التقدم
في الرياضة التنافسية، ولابد من فهم هذا الواقع حتى يمكن تغييره.
كما تذهب النظرية إلى أن
لكل مجتمع ثلاثة أبنية فرعية تشكل معا ما تسميه النظرية البناء الاجتماعي ثلاثي التركيب،
وهي البناء التفاعلي الذي ينظم علاقات وتفاعلات افراد المجتمع غير الرسمية
والتلقائية، فيما ينظم البناء المؤسسي العلاقات والتفاعلات الرسمية داخل
مؤسسات المجتمع المختلفة. ويبقى البناء النفقي الذي يتأسس على قواعد بنائية
مضادة للقواعد السائدة في البنائين التفاعلي والمؤسسي، وهذا البناء النفقي ينظم
الأعمال غير المشروعة من وجهة نظر المجتمع، كشبكات الجريمة والفساد وغيرها. لذلك
تفترض النظرية أن القواعد المنظمة للفعل الاجتماعي في كل بناء من هذه الأبنية
الفرعية في حالة صراع بيني شبه دائم، مع التسليم بوجود أنماط من التكامل الجزئي أو
التعايش يمكن أن تربط بينها في بعض الأحيان. بعد هذه النبذة المختصرة ننتقل إلى
موضوع المقال.
تعريف الفعل الإجتماعي الرياضي
هو دافع شخصي لتحقيق غرض حيوي
أو فكري، يتجسد في ممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة، ويتشكل بحسب البيئة
المادية وما توفره من موارد وبنية أساسية، كما يتشكل بحسب البيئة الاجتماعية التي
تحدد مكانة الرياضة في حياة الأفراد، وأحيانا يتأثر بالحالة الدينية السائدة في
المجتمع. وغالبا ما ينتظم الفعل الرياضي أو الممارسة الرياضية في روتين الحياة
اليومية على منوال أفعال وثيقة الصلة اكتسبت وضعا نموذجيا أو قاعديا سابقا،
وأحيانا يحقق أغراضه الحيوية أو الفكرية على نحو جديد بسبب متغير أو أكثر من عوامل
التغير، فماذا نعني بالفعل الرياضي كغرض حيوي، أو فكري؟
(1) الفعل الرياضي الحيوي: يكون الفعل الرياضي حيويا حين يسهم مباشرة في الاحتفاظ بحياة الفرد
واستمرار نوعه، وبقاء الجماعة التي ينتمي إليها. وعليه فإن الطفل حين يمارس نشاط
اللعب الحركي داخل المنزل أو يؤدي التدريبات الرياضية المختلفة داخل المدرسة، فإنه
يمارس رياضة حيوية وضرورية للنمو والحفاظ على الصحة والوقاية من الأمراض. ومن ثم
فلابد أن تخضع هذه الممارسة الحيوية إلى قواعد بنائية منظمة (داخل الأسرة أو
المدرسة، أو الأندية) وإلا تحولت إلى طاقة يبذلها الفرد بعشوائية لا تؤدي الثمرة
المطلوبة. وحين يحرص الفرد البالغ على ممارسة الرياضية لاكتساب لياقة بدنية تمكنه
من أداء عمله بكفاءة، أو حين تفرض على أفراد الأمن والجيش وبعض المهن الأخرى قواعد
صارمة لممارسة الرياضة من أجل انجاز المهام بالدقة والسرعة المطلوبة، كل ذلك
وغيرها, تدخل ضمن الأفعال الرياضية الحيوية التي تسهم في حصول القوة والسيطرة على
الموارد والبشر والحفاظ على بقاء الجماعة.
(2) الفعل الرياضي الفكري: نوع آخر من الأفعال الرياضية تنظمه القواعد الفكرية التي
تساعد الفرد على الانطلاق والاستمتاع والاستكشاف وتحقيق التطلعات الفردية، واستثمار
الملكات العقلية والمهارات الحركية والقوة الجسمية للأفراد. وداخل هذا النوع من
الفعل الرياضي تقع كل الألعاب الرياضية التنافسية الفردية والجماعية، التي تمارس
على سبيل الهواية أو عبر مباريات رسمية تديرها الاندية والاتحادات الرياضية على
المستوى المحلي أو الاقليمي أو العالمي.
(3) العلاقة بين الفعل الرياضي الحيوي
والفكري:
إن فهم العلاقة بين نوعي
الفعل الرياضي، يتيح لنا التعرف بسهولة على أسباب الاخفاق المستمر في الرياضة
العربية، ونشدد هنا على أن الفعل
الرياضي الحيوي هو أصل الفعل الرياضي الفكري (التنافسي) وليس العكس، فمعظم
الرياضات التنافسية كانت من قبل أفعالا رياضية حيوية، ثم تحولت بفعل التغير
والاكتشافات والاختراعات التكنولوجية إلى ألعاب رياضية، كالفروسية مثلا، ونذكر
القارئ بمثال من عام 490 قبل الميلاد، حين نشبت معركة بين اليونانيين والفرس، في
منطقة «ماراثون» باليونان، انتصر فيها اليونانيون على الفرس بعد نزاع طويل. وبعد
الانتصار انطلق مقاتل يوناني من منطقة ماراثون الى العاصمة أثينا، جريا على
الأقدام مسافة 40 كلم، ليعلم مواطنيه بخبر الانتصار على الفرس. إن ما قام به
الجندي هنا هو فعل رياضي حيوي، أصبح بعد مئات السنين ملهما للإنسان لكي يطور فعلا
رياضيا فكريا في عام 1896، سمي بسباق المسافات الطويلة أو المارثون.
وعليه، فإن من الصعوبة
البالغة حدوث تقدم أو تطور مستمر في الرياضات التنافسية الفردية أو الجماعية إلا
في وجود قواعد سائلة وفعالة لتنظيم الفعل الرياضي الحيوي. والملاحظ أن هذه الحقيقة
غائبة عن مجتمعاتنا العربية - لجملة من الأسباب نذكرها تباعا- ما يجعل من الطاقة المبذولة والموارد المهدرة
في تطوير الفعل الرياضي من أجل الحصول على مكانة عالية في المنافسات العالمية،
كلها تذهب أدراج الرياح. وإن حدثت بعض الانتصارات تكون مؤقتة ومحصورة في رياضة
واحدة ومرتبطة بمهارات استثنائية لبعض اللاعبين. هذا الواقع ينقلنا إلى سؤال كيف
تصبح القواعد الرياضية الحيوية فعالة وسائلة؟ مع لفت انتباه القارئ إلى أن مصطلح
السيولة هنا يختلف جذريا عن مفهوم السيولة في كتابات زيجموند باومان.
فاعلية القواعد الرياضية الحيوية
تكتسب القاعدة البنائية
الرياضية فاعليتها وقدرتها على تنظيم الفعل الاجتماعي الرياضي عبر عمليتين: الأولى
نسميها بلورة القاعدة في العقل الجمعي والثانية انشاء نظام الجزاء
(العقاب أو المكافأة) لدفع الأفراد إلى الامتثال بالقاعدة المتبلورة.
(1) بلورة القواعد الرياضية الحيوية:
هذه العملية تتم عبر مراحل
ثلاث متزامنة، تبدأ بمرحلة اكساب الناشئة دلالات القاعدة من الناحية
اللغوية لتوظيفها في عملية الاتصال والتعبير عن الرغبة في الفعل وثيق الصلة بهذه
القاعدة. وهذه المرحلة لا تتم بالطريقة الملائمة في المجتمعات العربية، حيث يشير
الواقع المعاش إلى غياب المفردات والمفاهيم الدالة عن الفعل الرياضي داخل الأسرة،
مثل مفاهيم اللياقة البدنية، وظائف الجسم وتشريحه، أسماء وأنواع الرياضات المختلفة
وقواعد لعبها، الخ.
كما يلاحظ غياب القاموس
الرياضي على مستوى مؤسسات التربية، حيث تكتفي المدارس برفع شعار شديد العمومية لا
يساعد على بلورة القواعد المنظمة للرياضية، وهو شعار (العقل السليم في الجسم
السليم). لدينا مشكلة في ترسيخ الجانب التواصلي للقاعدة يؤدي إلى غياب المعرفة
النظرية بالرياضات المختلفة وأهميتها في حياة الإنسان.
المرحلة الثانية لبلورة
القاعدة البنائية الرياضية، تتم عبر تعريف الفرد بالقيمة النفعية الملموسة لممارسة
الفعل الرياضي الحيوي ممارسة منتظمة أو وفق قواعد محددة، مثل النمو والصحة العامة
والوقاية من الأمراض، وزيادة القدرة على بذل الشغل والانتاج وغيرها من العوائد
الملموسة، ثم المرحلة النهائية تتم عبر تعريف الفرد بالقيمة المطلقة للقاعدة
وفق ثالوث الحق والخير والجمال.
إذا تمت هذه المراحل على نحو ملائم، تتبلور
القاعدة الرياضية الحيوية في العقل الجمعي، ويصبح الالتزام بها التزاما اراديا
طوعيا، ما يؤدي إلى تطور ملموس في قدرات أفراد المجتمع الرياضية. الأمر الذي يمثل
قاعدة متينة وصلبة لتطور النوع الثاني من الفعل الرياضي التنافسي. ولا يتوقف الأمر على رياضة بعينها، فكلما
اتسع نطاق تطبيق القواعد الرياضية الحيوية لتطال كافة أفراد المجتمع، كلما نشأت
حالة رياضية تقدمية تطال كافة الألعاب.
ولا يخفى على القارئ أن
المراحل الثلاث لبلورة القواعد الرياضية الحيوية تعاني من مشكلات عميقة، فالأسرة
العربية غير واعية ومؤسسات التربية ذاهلة عن القصد. وتبقى المحصلة عدم قدرة
المجتمع العربي على اكتشاف ملكات أفراده الجسمية ولا مهاراتهم الاستثنائية، وغير
قادر على تصنيف الأفراد بحسب ما يتمتعون به من هذه الملكات والمهارات. وبذلك تفقد الرياضة
التنافسية أهم وأول مكون في تأسيسها. ننتقل إلى الوظيفة الثانية للقاعدة والتي
تمثل الجانب المأساوي من مشكلة الرياضة العربية.
(2) نظام الجزاء في القواعد الرياضية
الحيوية:
لكل قاعدة منظمة للسلوك البشري نظام للجزاء
(المكافأة أو العقاب) الرمزي أو المادي، الذي يدفع الفرد إلى الامتثال للقاعدة.
وفي مجال القواعد الرياضية الحيوية، توجد مشكلة عميقة على مستوى الأسرة العربية،
فهذه الأسر تتبنى قواعد تقليدية بعضها خاطئ أو متحيز أو خارج الزمن. ولأن عملية بلورة
القواعد الرياضية الحيوية التي ذكرناها تتم بعشوائية ودون وعي ومعرفة كافية، فإن
نظام الجزاء يتجه نحو الاعتباطية وأحيانا التعسف. كيف ذلك؟
فاللعب الحركي للطفل يعد أول
طريق الفرد نحو ممارسة الرياضة الحيوية ممارسة رشيدة، ونادرا ما يخضع اللعب الحركي
الحيوي إلى التوجيه والتنظيم من قبل أفراد الأسرة الكبار بسبب قلة الوعي وعدم
المعرفة،. ما يؤدي إلى إهدار طاقة الطفل دون الحصول على نمو متوازن، وأحيانا يصنف
اللعب الحركي المفرط من قبيل السلوك غير المرغوب فيه، ويخضع الطفل للتعنيف جراء
هذا اللعب.
وحين يشب الطفل عن الطوق ويبدأ في الخروج مع
أقرانه وممارسة هواياته الرياضية، لا تتقبل الأسرة هذا السلوك وتقيمه وفق قواعدها
التقليدية، باعتباره فعلا يقلل من حظوظ الأبناء في تحصيل العلم. ومن ثم يصبح
الناشئ النموذجي في الأسرة العربية، قليل اللعب كثير القراءة.
وفي أحيان كثيرة يحدث صراع
بين القواعد الدينية، والقواعد الرياضية الحيوية أو الفكرية، بحيث تلقي القواعد
الدينية بظلالها على الفعل الرياضي، فيحدث تمييز واضح في قواعد ممارسة الرياضة الحيوية
بين الأبناء الذكور والاناث، تحرم بموجبه الإناث من ممارسة الغالبية العظمى من
الرياضات، أما النذر اليسير من الرياضات المسموح للمرأة فيخضع لقيود صارمة، ما يؤدي إلى تهميش المرأة
العربية في الحقل الرياضي.
المتأمل لهذه الحقائق الملموسة
يستنتج أن الرياضة الحيوية (أصل التقدم في الرياضة التنافسية) تنتظم في المجتمع
العربي وفق قواعد تقليدية وتقوم على جزاء العقاب وليس المكافأة. وهذا الوضع
المتخلف، يولد لدى أفراد المجتمع منذ الصغر احساسا لا شعوريا بأن ممارسة الرياضة
فعل غير مرغوب فيه، الأمر الذي يترك أثره السيكولوجي في اللاعب العربي، يتجسد في
صورة احساس دائم بعدم الثقة لا يفلت منه الا القليل.
هذه الثقافة التقليدية لا
تقف عند حدود البناء التفاعلي المباشر داخل الأسرة أو العائلة الممتدة أو الحي
السكني. ولكنها تؤثر بعمق في البناء المؤسسي، إلى حد القول بأن ثمة علاقة تكامل
سلبية تربط بين البناء التفاعلي المباشر والبناء المؤسسي، وكان من المفترض أن
يقوم البناء المؤسسي بدوره في بلورة القواعد الرياضية الرشيدة وليس الاستسلام
للبناء التفاعلي وقواعده التقليدية، كيف ذلك؟
الملاحظ أن المدرسة العربية
لا تملك استراتيجية لإكساب الناشئة المعرفة الرياضية، أو تطوير مهارات الأفراد
وتصنيفهم رياضيا للاستفادة منهم مستقبلا. وهناك اختزال واضح للرياضة في كرة القدم،
واستمرار لتهميش المرأة في الحقل الرياضي، تماهيا وتكاملا سلبيا مع تهميشها داخل
البناء التفاعلي المباشر، وتعطيلا لقاعدة المساواة بين المرأة والرجل التي تكفلها
كل الدساتير العربية. وبالتالي فلا غرابة
أن تكون الرياضة النسائية العربية هزيلة على المستوى المحلي، وخارج دائرة التصنيف العالمي.
يرتبط بذلك أن الرياضة لا تدخل ضمن عمليات تقييم الطالب في
المراحل التعليمية المختلفة. وتعد نشاطا هامشيا داخل مدارسنا غالبا ما يكون ضحية
للاستلاب، باختصار حصة التربية الرياضية في المدارس العربية من الحصص غير
الضرورية، يمكن التغاضي عنها احيانا أو يحل محلها حصص اخرى بحسب الظروف. نفس نظرة
البناء التفاعلي المباشر (الطالب النموذج قليل اللعب كثير القراءة).
وحين ينتقل الفرد إلى المعاهد أو الجامعات، لا يصادف
تغييرا بطبيعة الحال، رغم وجود مسابقات رياضية في مختلف الألعاب، ولكنها مسابقات
غير منتجة لا تؤدي إلى رفع مكانة الرياضة في المجتمع، واكتشاف المواهب والأبطال،
وإنما تستهدف اثبات النشاط الرياضي الجامعي، كعمل بيروقراطي تنص عليه اللوائح
وتخصص له الموارد، ومن المنطقي في حال
هكذا أن تنفق الموارد المخصصة في عمليات
تنظيم الفعاليات، ولا تصرف على العمليات الفنية لتطوير المهارات والتدريب ورعاية
الموهوبين، على خلاف ما يحدث في الجامعات غير العربية ( قارن مثلا دوري الجامعات
الأمريكية في كرة السلة، وفي ألعاب القوى).
خاتمة
عند هذا الحد نتوقف ونكرر
السؤال: هل القواعد الرياضية الحيوية تعتبر في الحالة العربية قواعد فعالة وسائلة
تؤدي إلى التقدم والارتقاء في ميدان الرياضات التنافسية ؟ وبناء على ما سبق من
تحليل نستنتج أن هذه القواعد الرياضية الحداثية لم تتبلور بشكل كاف في عقول الأفراد،
على مستوى اللغة والتواصل والمعرفة النظرية أو القيم النفعية أو المطلقة، وأن
ممارسة الرياضة الحيوية يتم وفق قواعد تقليدية تنظر إلى اللعب والرياضة بنظرة سلبية، وتنطوي على نظام
جزاء يتقدم فيه العقاب والحرمان والتمييز الجندري على الحرية والمساواة والمكافأة.
وسوف تظل هذه المشكلة
معوقة لأي تقدم رياضي عربي، بسبب علاقات تكامل سلبية بين البنائين التفاعلي
والمؤسسي، بحيث تخضع فيه القواعد الرياضية العربية الى الأصل التفاعلي التقليدي،
ولا تنتمي إلى القواعد الرياضية الحداثية. وبسبب هذه العلاقة تصبح القواعد
الرياضية الرشيدة ضعيفة وغير فعالة، غير مؤثرة في الفعل الرياضي الحيوي، وهذا
الوضع لا يمكن أن يترتب عليها تقدم ملموس ومستمر في ميدان الفعل الرياضي الفكري
(الرياضات التنافسية). مع التسليم بوجود طفرات مؤقتة في بعض الأحيان، ولكنها طفرات
محصورة في نوع من الرياضات، وليست حالة عامة تطال الحقل الرياضي بكامله.
إن اخفاق العرب في مونديال
كرة القدم، ومن قبل ذلك النتائج الهزيلة التي تحصلت عليها الفرق العربية المشاركة في أولمبياد ريو دي
جانيرو، لا يمكن اكتشاف أسبابه من خلال النقد الفني الرياضي، المنشور على صفحات
الجرائد أو الدائر على شاشات التلفاز، ومن الخطأ الجسيم تحميل الفرق المشاركة
(لاعبين أو مدربين) في الفعاليات الرياضية العالمية مسئولية هذا الاخفاق الكبير،
الذي تعود جذوره إلى أسباب اجتماعية.
إننا بصدد ظاهرة اجتماعية
بالدرجة الأولى، وقد حاولنا في هذا المقال التعرف على القواعد الرياضية الحيوية
والفكرية، وعلاقة البناء التفاعلي المباشر بالبنية المؤسسية للحقل الرياضي. وبطبيعة
الحال فإن للحقل الرياضي علاقات متشابكة ومتداخلة مع الحقلين السياسي والاقتصادي،
كما أن للبناء النفقي (الفساد بكافة أنواعه) دورا في تكريس التخلف الرياضي العربي،
كل ذلك يحتاج من المختصين دراسات متعمقة من أجل تقديم مقترحات علمية لصناع القرار
العربي، تسهم في الخروج من هذا المأزق الرياضي المزمن.
المراجع:
أحمد موسى بدوي. 2018. القواعد المتصارعة: نظرية عربية جديدة في علم الاجتماع. مجلة وادي النيل. عدد 18(3): 217-272