هل سيخرج العراق من أزمة ما بعد الانتخابات البرلمانية؟
بدأت الثلاثاء الموافق 3 يوليو 2018 جولة إعادة الفرز
اليدوي لنحو 10% من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية العراقية التي انعقدت
مايو الماضي، وذلك بعد قبول المحكمة الاتحادية للتعديل الثالث لقانون الانتخابات
الذي أقره البرلمان العراقي بخصوص طعون عدد من النواب على الانتخابات الأخيرة،
وتسعى هذه الورقة لتناول تلك القضية وتوضيح مألات الأوضاع في البلاد حتى وصلت
للحظة الراهنة، والتي يمكن بها وصف العملية الانتخابية على أنها سلسلة من الأزمات
المتتابعة والمعبرة عن تناقضات الداخل ونفوذ الخارج.
المسار
أعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية في 16 مايو
2018 نتائج الانتخابات البرلمانية، التي عُقدت في 12 مايو من العام ذاته لانتخاب
329 عضواً في مجلس النواب، وعلى أساسها يتم اختيار رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، وجاء
فيها تحالف سائرون الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في المركز الأول،
بعدد 54 مقعداً، بينما جاء تحالف الفتح بزعامة هادي العامري في المركز الثاني
بحوالي 47 مقعداً، ثم تّبعها ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الحالي حيدر
العبادي 42 مقعداً، تلاها ائتلاف دولة القانون بعدد 25 مقعداً، ثم الحزب
الديمقراطي الكردستاني بنحو 23 مقعداً، وحصل ائتلاف الوطنية على 21 مقعداً.(1)
وأعقب إعلان النتيجة حالة من الجدال بين مختلف الأوساط
السياسية بشأن عمليات تزوير مزعومة، وتقدم 85 نائباً بطلب لعقد جلسة طارئة لمناقشة
ما اعتبروه تزويراً في الاقتراع، واحتمال التصويت على إلغاء نتائج الانتخابات، ولم
تُعقد هذه الجلسة لعدم اكتمال النصاب القانوني وهو 165 عضواً، فقد بلغ عدد النواب
الحاضرين 105 أشخاص، لذا قام سليم الجبوري رئيس المجلس بتحويلها إلى جلسة تداولية.
ثم قام البرلمان العراقي لاحقاً بالطعن في النتائج، وصوت
الأعضاء على قرار إعادة العد والفرز بنسبة 10%، وإلغاء تصويت الخارج، وهو ما أغضب
بعض القوى السياسية، لاسيما الفائزة في البرلمان، والتي اعتبرت مثل تلك الخطوة تُشكل
تهديداً لهم، وأن الهدف منها عودة الخاسرين إلى البرلمان من جديد، وحذر الكثيرون
من ذلك باعتباره سيفتح الباب أمام أزمات سياسية جديدة.
وفي المقابل، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات
الخميس 31 مايو 2018 أنها لن تتجاوب مع قرارات البرلمان إزاء ذلك الموضوع، وأنها
ستنتظر قرار المحكمة الاتحادية العراقية بشأن الوضع، وعللت بأن ما تم نشره من صور
وفيديوهات تُشير إلى تزوير وانتهاكات للانتخابات، هو أمر غير صحيح، وأن كثير من
المقاطع المصورة قديمة أو مفبركة ولا صحة لها.(2)
موقف
القوى السياسية المختلفة من النتائج
انقسمت الكتل السياسية إلى فريقين، أولهما يعمل على
استصدار قرار برلماني بإلغاء النتائج، وإعادة العد والفرز بدقة، وتصدر هذا الاتجاه
الكتل السنية والشيعية والتركمانية، وثانيها طالب بضمان عدم تغيير نتائج
الانتخابات، بما سيؤدي إليه ذلك من تأخير عملية تشكيل الحكومة الجديدة، ويمثل ذلك
الاتجاه عدد من قوى الشيعية والكردية الفائزة.(3) وكانت أبرز المناطق التي شهدت
اعتراضات على النتائج هي كركوك والسليمانية وأربيل والموصل والأنبار.
واعتبر الكثير من النواب الجدد أن تلك الطعون بمثابة
حيلة من الأعضاء في مجلس النواب المنتهية ولايته للاحتفاظ بمقاعدهم، واعربوا عن
مخاوفهم حول إمكانية خسارة مكاسبهم، لذا تحركوا قانونياً للوقوف ضد تلك المحاولات،
ولمنع ضياع الأصوات التي فازوا بها.
حسم
الجدال
أيدت المحكمة الاتحادية العليا في العراق الخميس 21
يونيو 2018 القانون الذي أقره البرلمان حول إعادة فرز الأصوات في الانتخابات
البرلمانية بنسبة 10%، كما قضت على جانب أخر بعدم دستورية قرار البرلمان بإلغاء
أصوات الخارج، وعلى هذا الأساس سيتم إعادة الفرز ما يقرب من 11 مليون بطاقة، وتحت
إشراف قضاة عينتهم المحكمة يتولوا دور المفوضية التي جمد البرلمان عملها، بجانب
إشراف مراقبين دوليين لمنع التلاعب بالنتائج الجديدة.
ومن جانب الكتل السياسية، ففور صدور قرار المحكمة تسارعت
ردود أفعال تلك القوى إزائه، ورحب ائتلاف الوطنية وتحالف النصر بالقرار، وصرح
علاوي بأن الحكم يُعد ضربة قاصمة لمن قام بالتزوير، وذهب نائب رئيس الجبهة
التركمانية حسن توران إلى أن القرار جاء منصفاً ومطابقاً للدستور، وقال وزير
الهجرة والقيادي في حركة التغيير الكردية جاسم الجاف عن تأييده وحركته لما حدث
أيضاً. (4) أما حركة سائرون الحائزة على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، فقد
أعربت عن تحفظها على القرار.(5)
وأعرب عدد من الشخصيات السياسية عن تخوفهم من حدوث فراغ
دستوري، بسبب انتهاء عمل البرلمان الحالي في 30 يونيو 2018، بُناء على ما هو منصوص
عليه في الدستور، بالنظر لأن عملية إعادة الفرز قد تستغرق وقتاً طويلاً.(6)
وأنهى مجلس النواب العراقي يوم السبت 30 يونيو 2018
دورته الحالية، بعد أن فشل في تمديد عمله لكون ذلك يحتاج إلى تعديل دستوري؛ حيث
تنص المادة 56 من الدستور على أن عمر البرلمان حوالي 4 سنوات غير قابلة للتمديد، واستنفذ
البرلمان الحالي بالفعل تلك المدة، وزعم أعضاء البرلمان أن هدفهم من جراء فكرة
التمديد، كان تحقيق التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية. وعلى جانب أخر، تعيش
البلاد حالة من التحضيرات لإعادة فرز الأصوات في الانتخابات التشريعية السابقة، وأشارت
المفوضية الانتخابية أنها ستتم يوم الثلاثاء 3 يوليو 2018.(7)
وبشكل عام، يُثير ما حدث التساؤلات حول مدى شرعية
استمرار الحكومة العراقية الحالية في أداء أعمالها لحين انتهاء إعادة الفرز، وعدم
وجود برلمان جديد يملأ الفراغ النيابي الذي تعيشه البلاد خلال تلك الفترة.
ماذا
بعد حكم إعادة الفرز؟
أظهرت الانتخابات عدد من التطورات أبرزها تلك المتعلقة
بالتحالفات بين الكتل المختلفة من أجل توزيع المناصب بينهما، وخاصة قائمة سائرون
التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد، ففي البداية عبر الكثير من الباحثين عن
سعادتهم بوصول التحالف الذي يتزعمه مقتدى الصدر، لكونه يدعوا إلى تخليص العراق من
الطائفية والمحاصصة، ثم تلاشت تلك الآمال سريعاً بعدما صرح بتحالف كتلته مع ائتلاف
الفتح الحاصل على المركز الثاني في الانتخابات، والمعروف عنه صلته بإيران.
وتلى ذلك تحالفاً بين كتلتي رئيس الوزراء العراقي حيدر
العبادي ومقتدى الصدر، اللذان أشارا إلى أن التحالف بينهما هو عابر للطائفية،
وأكدا على أنهما لا يمانعان انضمام أي فريق أخر إليه(8)، ثم أكد فيما بعد القاضي
جعفر الموسوي المتحدث باسم زعيم التيار الصدري أن الاتفاقات السابقة سارية، وأنه
سيتم الإعلان قريباً عن الكتلة الكبرى لتشكيل الحكومة(9)، وهو ما يعني استمرار
التحالف مع ائتلاف الفتح.
وفي تصريحات أحد قيادي الفتح وهو حنين قدو قال أنه ليس
صحيحاً أن هناك اضطراب في العلاقات بين هادي العامري ومقتدى الصدر بعد التحالف مع
العبادي، بل إن العامري هو من أقنع العبادي بالانضمام إلى تحالف سائرون مع الفتح.(10)
وعلى صعيد الكتل السنية، فقد نشرت عدد من وكالات الأنباء
على لسان أحد السياسيين العراقيين أن رئيس البرلمان المنتهية ولايته سليم الجبوري
متواجد في أنقرة مع عدد من الشخصيات السنية، بهدف التوصل إلى توافق حول تكوين تكتل
سني مكون من أكثر من 45 نائباً، ونفت تلك القيادات أي صلة بينها وبين المسئولين
الأتراك، وأرجعوا سبب اختيار تركيا لعقد اللقاء لمجرد كونها مكان ملائم للتواصل
بينهما.(11)
وتوضح تلك التحالفات المرتبكة إلى استمرار الطائفية
والاثنية كمحرك لدفة السياسة العراقية، وأن ما ظهر إبان الانتخابات من موجة تفاؤل
حول التخلص من ذلك الميراث الثقيل للتمايز والمحاصصة إنما ذهب أدراج الرياح، وإذا
أمعنا النظر إلى حجم الدور الخارجي من القوى الإقليمية والدولية في تلك
الانتخابات، لاكتشفنا مدى تعقد العملية السياسية في البلاد، فالتحالف المذكور بين
كتلتي الصدر والعامري، إنما تم بعد زيارة قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني
ومعه مجتبي نجل علي خامنئي إلى العراق، وعقدهم سلسلة من المقابلات والاجتماعات،
نتج عنها تحالف سائرون والفتح، هذا الأمر لا يوضح سوى مواصلة التدخل الأجنبي
وبالتحديد النفوذ الإيراني في البلاد.
ويطرح إعادة الفرز اليدوي إشكالية متعلقة بتأخير تشكُل
الحكومة وإضعاف الأحزاب، إلى جانب إمكانية حدوث تغييرات جوهرية في النتائج من
الممكن أن تُحدث مزيد من الاضطرابات والتوترات، وإذا أتت العملية بنتائج مغايرة
تماماً من الممكن أن يتم إعادة الانتخابات مرة أخرى، وهو أمر سيكبد البلاد مزيد من
الخسائر في ضوء المشاكل الأمنية والسياسية التي تُعاني منها، وعلى رأسها عدم
القضاء الكلي على تنظيم داعش، والتناحر بين القوى السياسية المختلفة، وبدأت تظهر
ارهاصات تلك العراقيل مع حريق صناديق الاقتراع في بغداد وكركوك.
وختاماً، ستستمر هذه الصورة المتأزمة بشكل أو بأخر خلال الفترة القادمة، وهناك بعض العوامل التي ستعمل على إطالة أو تقصير أمدها، تأتي أهمها فيما ستُسفر عنه عمليات إعادة الفرز في الأيام المقبلة، باعتبارها المحك الذي إما سيؤدى إلى استمرار النتائج بشكلها الحالي دون تغييرات جوهرية، وبالتالي ستبقى التحالفات القائمة على ما هي عليه، في ضوء التدخل الإيراني وصراعها على النفوذ مع بعض القوى الإقليمية والدولية، وبما سينعكس على الحالة الأمنية والاقتصادية المتدهورة بالبلاد، أو احتمالية إعادة الفرز الكلي وفقاً لقرار المحكمة في حالة تغيرت نسبة 25% من النتائج بشكل مختلف عما سبق، وهو الأمر الذي من الصعب حدوثه بالنظر لصناديق الاقتراع التي تم الاعتداء عليها بالحرق من قبل أطراف مجهولة، وبما سيدفع في النهاية إلى إعادة الانتخابات برمتها، وهو ما يعني دخول البلاد في مسارات أكثر تعقيداً واستقطاباً.
المراجع
1
– نادر همامي، نتائج نهائية.. كتلة "سائرون" بزعامة الصدر تتصدر الانتخابات
البرلمانية في العراق، روسيا اليوم، 19 مايو 2018، على الرابط: arabic.rt.com/middle_east/944882-كتلة-الصدر-تفوز-54-مقعدا-في-لانتخابات-البرلمانية/
2
– أكثم سيف الدين، الطعن بنتائج الانتخابات
العراقية يهدد مقاعد نواب جدد، العربي الجديد، 1 يونيو 2018، على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/politics/9a10a578-9799-4106-b58f-35022aa2187d
3
– حسين داود، أحزاب عراقية تنتظر قرار المحكمة الاتحادية لمعرفة مصير الانتخابات،
الحياة اللندنية، 4 يونيو 2018، على الرابط: alhayat.com/article/4584662/سياسة/الخليج/أحزاب-عراقية-تنتظر-قرار-المحكمة-الاتحادية-لمعرفة-مصير-الانتخابات
4 – حمزة مصطفى، العراق:
المحكمة العليا تحسم الجدل حول تعديل قانون الانتخابات، الشرق الأوسط، 22 يونيو
2018، على الرابط: ماذا بعد قرار المحكمة الاتحادية في العراق؟
5 – إبراهيم
حسان، سائرون تتحفظ على قرار المحكمة العراقية بالسماح بإعادة فرز أصوات
الانتخابات يدويا، اليوم السابع، 21 يونيو 2018، على الرابط: youm7.com/story/2018/6/21/سائرون-تتحفظ-على-قرار-المحكمة-العراقية-بالسماح-بإعادة-فرز-أصوات/3842446
6
- ماذا بعد قرار المحكمة الاتحادية في العراق؟، الحرة العراقية، 21 يونيو 2018،
على الرابط: alhurra.com/a/ماذا-بعد-قرار-المحكمة-الاتحادية-في-العراق/443093.html
7
– البرلمان العراقي يعلن رسميا انتهاء عمله للدورة الحالية، روسيا اليوم، 30 يونيو
2018، على الرابط: arabic.rt.com/middle_east/954050-البرلمان-العراقي-يعلن-رسميا-انتهاء-عمله-للدورة-الحالية
8
- العبادي والصدر يعلنان تحالفاً سياسياً وغموض
حول دور العامري، الشرق الأوسط، 24 يونيو 2018، على الرابط: aawsat.com/home/article/1310036/العبادي-والصدر-يعلنان-تحالفاً-سياسياً-وغموض-حول-دور-العامري
9
- المتحدث باسم الصدر يكشف موعد الإعلان عن الكتلة الكبرى، بغداد بوست، 24 يونيو
2018، على الرابط: thebaghdadpost.com/ar/story/108993/المتحدث-باسم-الصدر-يكشف-موعد-الإعلان-عن-الكتلة-الكبرى
10
- تحالف الفتح يكشف حقيقة انسحابه من التحالف مع "سائرون" بزعامة الصدر،
بغداد بوست، 28 يونيو 2018، على الرابط: thebaghdadpost.com/ar/story/109753/تحالف-الفتح-يكشف-حقيقة-انسحابه-من-التحالف-مع-سائرون-بزعامة-الصدر
11
– ماذا يفعل سليم الجبوري ورفاقه في تركيا، بغداد بوست، 1 يوليو 2018، على الرابط:
thebaghdadpost.com/ar/story/110133/ماذا-يفعل-سليم-الجبوري-ورفاقه-في-تركيا