قمة غلاسكو: الأهداف وعقبات مواجهة التغيرات المناخية العالمية
انطلقت أعمال مؤتمر الأطراف
للمناخ "كوب 26" والمعروفة أيضًا بالمؤتمر السادس والعشرين للأطراف في
الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي - في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، في 31
أكتوبر 2021؛ حيث يسعى قادة العالم إلى وضع حد لارتفاع درجة حرارة الكوكب، وسط
آمال في أن تُساعد هذه القمة على الحد من تبعات الاحتباس الحراري والتغيرات
المناخية التي تشهدها
وأعلن رئيس مؤتمر الأطراف للمناخ
ألوك شارما خلال الافتتاح أن هذه القمة هي "الأمل الأخير والأفضل" لحصر
الاحترار بـ 1,5 درجة مئوية وهو الهدف الأكثر طموحًا في اتفاق باريس، في فظل مشاركة وفود تمثل نحو 200 دولة لبحث سبل
التقليل من الانبعاثات بحلول عام 2030 والمساعدة في تحسين الحياة في كوكب الأرض، وإن
كان التوصل لاتفاق سيكون أصعب مقارنة بما تم تحقيقه في قمة باريس منذ خمس سنوات،
حين وافقت تقريبًا جميع دول العالم على معاهدة تهدف لمتابعة الجهود للحد من ارتفاع
درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، كما أنه في ظل ارتفاع درجة حرارة الأرض
بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري التي يسببها الإنسان، يحذر العلماء من أن إجراءً
عاجلًا مطلوب من أجل تفادي كارثة مناخية.
أهداف متعددة
يأخذ
مؤتمر الأطراف هدفه من اتفاق باريس التاريخي الذي أبرم في العام 2015 والذي شهد
موافقة الدول على وضع حد للاحترار العالمي عند "أقل بكثير" من درجتين
مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي، و1,5 درجة مئوية إذا أمكن.
ويقول
خبراء إن القيام بخطوات ملموسة في السنوات العشر المقبلة سيكون الحل الوحيد
للمساعدة في الحد من الآثار المدمرة؛ حيث أعلنتالمنسقة في شؤون المناخ في الأمم
المتحدة باتريشا إسبينوزا خلال افتتاح "كوب26" في غلاسكو إنه يجب على
الدول تغيير طريقة عملها أو قبول فكرة "أننا نستثمر في انقراضنا".
وضمن هذا السياق تهدف القمة إلى
تصفير الانبعاثات الغازية خلال العقود الثلاثة المقبلة والإبقاء على ارتفاع معدل
حرارة كوكب الأرض بنسبة لا تتخطى درجة ونصف مئوية، واتخاذ قرارات جريئة وشجاعة
والالتزام بتنفيذها؛ حيث أنه منذ انعقاد قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992،
اتخذت معظم دول العالم وبدرجات متفاوتة قرارات للتعامل مع هذه المشكلة التي أصبحت
مستعصية غير أن الالتزام بهذه القرارات تعثر، وبقي أحيانًا مجرد حبر على ورق لأن
تنفيذ هذه القرارات بات مكلفًا اقتصاديًا ولا سيما بالنسبة للدول الصناعية
باعتبارها السبب الأساسي لتوث الكوكب، والجميع يعرف أن لكل قائد دولة حسابات خاصة
داخلية وخارجية.
كما أنه بالتزامن مع ظاهرة
الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، فسوف يؤثر ذلك سلبًا على
المحاصيل الزراعية حول العالم، بجانب ارتفاع درجة الحرارة وهو ما سيساهم في ذوبان
الجليد وارتفاع منسوب المحيطات والبحار، وبالتالي تنشأ ظواهر الفيضانات والتصحر
وغيرها من الظواهر المصاحبة لارتفاع درجة الحرارة، ومن المتوقع ازدياد عدد أيام
الحر الشديد إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2080 وبعد ذلك، مما يؤدي إلى حالات وفاة
نتيجة الإجهاد الحراري أو الجفاف، أو أمراض تتعلق بالقلب والجهاز التنفسي.
عقبات مختلفة
كشفت أحدث التقديرات الصادرة عن
الأمم المتحدة، أن التزامات خفض الكربون التي ستأتي بها الدول إلى مؤتمر غلاسكو،
ستضع العالم أمام منعطف خفض ارتفاع درجة
الحرارة إلى أقل 2.7 درجة مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي. وينتظر أن تشارك دول من كبار المسؤولين عن الانبعاثات، مثل روسيا
والصين، كما أنه في حال لم يكن ثمة تعهد من قبل هؤلاء بالخفض، فإن النتيجة ستكون
سيئة، من جانب آخر فإن هناك حالة من التفاؤل ما زالت تسري في العالم، وسط اعتقاد
بأن الابتعاد عن الوقود الأحفوري سيؤدي إلى مزيد من الازدهار والصحة والتحسن في
الاقتصاد.
وتأسيسًا عليه؛ فإن تحدي التغير
المناخي لا يعترف بحدود وطنية، بل يهدد الحياة على كوكب الأرض بالكامل. وتحقيق
التنمية المستدامة يتطلب منهجية شاملة، لذا يجب على الدول أن تكثف إجراءاتها على
وجه السرعة للتكيف مع الواقع المناخي الجديد، والعمل على تأسيس تحالف عالمي حقيقي
للالتزام بصافي انبعاثات صفرية.
بالإضافة إلى أن العقبات أمام
تنفيذ كل ذلك هي اقتصادية محضة، وعلى مجموعات المفاوضين ثم قادة الدول في مرحلة
لاحقة الالتزام بشكل واضح في قمة غلاسكو والاتفاق على آلية لمراقبة هذه
الالتزامات، وهذا هو الاختبار الحقيقي لجدية هؤلاء، وذلك من خلال توسيع استخدام
الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإنتاج الهيدروجين الأخضر، كمصادر طاقة صديقة للبيئة،
خاصة لأنه في حال إذا ارتفعت درجات الحرارة بأكثر من 4 درجات مئوية قد تغيب مدن
بأكملها مثل الإسكندرية وشنغهاي وميامي وغيرها من المدن التي ستضيع تحت أمواج
البحر.
ضمن نفس السياق فإن للدول الأقل نموًا في العالم وضعت قائمة
بأولوياتها، إذ تريد من البلدان الغنية والمتقدمة أن تفعل التالي:
* الوفاء بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار (حوالي 73 مليار جنيه استرليني)
سنويًا لمساعدتها في التأقلم مع التغير المناخي.
* الموافقة على وقف تام للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس
الحراري قبل عام 2050، على أن تكون هناك أهداف محددة للدول المسؤولة عن النسبة
الأكثر من الانبعاثات، كالولايات المتحدة وأستراليا وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي.
* الاعتراف بالأضرار والخسائر التي تعرضت لها، كالآثار المترتبة
على ارتفاع منسوب مياه البحر أو الفيضانات المتكررة.
* وضع صيغة نهائية للقواعد التي تنظم كيفية تطبيق الدول
للاتفاقات الموقعة في السابق.
إن الدول النامية لم تسهم تاريخيًا
إلا بنسبة قليلة من الانبعاثات الضارة التي تقف وراء التغير المناخي، وسكان العالم
الأكثر ثراء الذين تبلغ نسبتهم 1 في المئة مسؤولون عما يزيد عن ضعف كمية
الانبعاثات التي تنتجها نسبة الـ 50 في المئة الأكثر فقرًا من سكان العالم في
الوقت الراهن. كما أن الدول الأفقر أكثر عرض
للآثار الضارة لموجات الطقس المتطرف، لأنها أكثر اعتمادًا على البيئة الطبيعية في
الحصول على الغذاء والوظائف، وليس لديها الكثير من المال الذي تستطيع أن تنفقه على
تخفيف تلك الآثار.
في الختام: تتعدد الرؤى حول ما يمكن أن تقدمه قمة غلاسكو
حول طبيعة السياسات والإجراءات المزمع اتخاذها لمواجهة التغيرات المناخية في ظل
التنافس الاقتصادي بين الدول الكبرى، وتفاوت استراتيجيات الدول من حيث قدرتها على
تنفيذ البرامج الاقتصادية من خلال الاعتماد على مفهوم الاقتصاديات الصديقة للبيئة
أو الاقتصاد الأخضر خاصة بالنسبة للدول
النامية والصاعدة والتي لا تمتلك القدرة على التحول في هذا الاتجاه.