لا
تزال أزمة اللاجئين تضرب أوروبا بشدة رغم الإجراءات الأوروبية المتعددة التي
تبنتها دول الإتحاد خلال السنوات القليلة الماضية. في 2016، وقعت أوروبا اتفاقا مع
تركيا بهدف الحد من تدفق اللاجئين عبر بحر ايجه التركي، كما أطلقت أوروبا العملية
ايريني بهدف مجابهة تهريب اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط. بالفعل، نجحت هذه
الإجراءات في تقليل تدفق اللاجئين، إلا أن الأزمة لم تتوقف مطلقا.
مؤخرا،
بدأت أزمة جديدة تلوح في الأفق بسبب إقدام اللاجئين على دخول أوروبا من بوابة
بيلاروسيا التي قدمت تسهيلات كبيرة للاجئين لدرجة أن سفاراتها في الشرق الأوسط
كانت تمنح تأشيرات للسوريين والعراقيين دون أي تدقيق أمني. وقد هدفت بيلاروسيا من
ذلك إلى ممارسة الضغط على أوروبا بهدف إجبارها على تقديم تنازلات سياسية وتقديم دعم
اقتصادي ورفع العقوبات.
رد فعل
أوروبي
في
رد فعل قوي على هذه التطورات، أعلن الإتحاد الأوروبي أنه سوف يضاعف عقوباته ضد
بيلاروسيا، كما أعلن أنه سوف يقوم بفرض عقوبات ضد أي مسؤول حكومي يساهم في تهريب
اللاجئين إلى أوروبا عبر الأراضي البولندية. كما اتهم الإتحاد بيلاروسيا بشكل صريح
بتبني خطة ممنهجة بهدف تقويض الأمن الأوروبي من خلال محاولة تصدير أزمات جديدة
لدول الإتحاد التي تؤيد فرض عقوبات على بيلاروسيا بسبب ملف حقوق الإنسان والعلاقات
مع روسيا.
على
صعيد آخر، تستخدم القوات البولندية كل الوسائل المتاحة والممكنة من أجل منع عبور
اللاجئين التي يرغب معظمهم بالذهاب إلى ألمانيا باعتبارها أقوى اقتصاد في أوروبا
والدولة الأكثر استقبالا للاجئين في أوروبا.
وفي نفس
الوقت، تقوم القوات البيلاروسية بشن هجوم كبير على اللاجئين من أجل دفعهم إلى عبور
الحدود البولندية. وتصف بولندا الوضع على حدودها بالمقلق وتقول أنها تتوقع عملية
اختراق ممنهجة من اللاجئين في أي وقت. كما تتوقع بولندا أن يعمل اللاجئين على
اختراق الحدود من مناطق مختلفة بهدف تشتيت القوات البولندية.
من المتوقع
أن تتضمن العقوبات الأوروبية فرض قيود على وتجميد حسابات مسئولين من الحكومة
البيلاروسية مقربين من الرئيس لوكاشينكو، فضلا عن شركات طيران ووكالات سفر تنقل
اللاجئين من الشرق الأوسط إلى بيلاروسيا. كما قد تتضمن العقوبات منع شركات الطيران
التي تقل لاجئين من الهبوط في أوروبا مستقبلا بسبب تشكيلها تهديد للأمن الأوروبي.
بالمقابل من ذلك، رفضت بيلاروسيا العقوبات الأوروبية وأكدت أنها تحاول إعادة
اللاجئين إلى بلادهم، فضلا عن محاولاتها دفعهم بعيدا عن الحدود البولندية، إلا أن
اللاجئين يقاومون الإجراءات الحكومية.
سيناريوهات
متوقعة
يبدو أن
بيلاروسيا قد تعلمت من التجربة التركية في الضغط على أوروبا من خلال قضية اللاجئين
بهدف الحصول على منافع اقتصادية. وفي نفس الصدد، قد تعلمت أوروبا أيضا أن فرض
العقوبات قد لا يجدي نفعا مع الأنظمة الاستبدادية التي تحاول خلق أزمات خارجية
بهدف إيجاد مبرر للأزمات الاقتصادية الداخلية. وفقا لذلك، يمكننا أن نرسم عدة سيناريوهات
للأزمة بين بيلاروسيا وأوروبا على النحو التالي:
1- تفاهم الأزمة: وفقا لهذا السيناريو، سوف تستمر
بيلاروسيا في استقطاب اللاجئين من الشرق الأوسط ووسط آسيا والسماح لهم بالعبور نحو
الحدود البولندية، الأمر الذي سوف يدفع الإتحاد الأوروبي لفرض حزمة عقوبات قوية
على بيلاروسيا. علاوة على ذلك، سوف تصدر بولندا تعليمات لحرس الحدود بعدم السماح
للاجئين بعبور الحدود تحت أي ظرف. كما سوف يتم دعم الموقف البولندي من الدول
الكبرى في الإتحاد. ويراهن الإتحاد الأوروبي على الظروف المناخية الباردة التي قد
تدفع اللاجئين للعودة طواعية بعد فقدان الأمل بعبور الحدود.
2- تجاوز الأزمة سريعا: وفقا لهذا السيناريو، سوف
تقوم أوروبا بفرض عقوبات شكلية على عدد من الشخصيات البيلاروسية مقابل أن تقوم
بيلاروسيا بوقف تدفق اللاجئين واجبارهم على العودة. أيضا، سوف تغض أوروبا الطرف عن
الممارسات القمعية التي تقوم بها الحكومة البيلاروسية بهدف إجبار اللاجئين على
العودة إلى أراضيهم. وفقا لهذا السيناريو، سوف تقوم أوروبا بتقديم دعم اقتصادي
محدود لحكومة بيلاروسيا لضمان عدم تكرار الأزمة مستقبلا.
3- الحل الكامل: وفقا لهذا السيناريو، فإن
الإتحاد الأوروبي سوف يقوم بإلغاء كل العقوبات الاقتصادية على بيلاروسيا مقابل وقف
تدفق اللاجئين بشكل نهائي. علاوة على ذلك، سوف يقدم الإتحاد الأوروبي عروضا أخري
تتعلق بدعم البلاد اقتصاديا وسياسيا مقابل ابتعادها عن روسيا. ولذلك، نجاح هذا
السيناريو لا يتوقف فقط على الرغبة الأوروبية والبيلاروسية، ولكن أيضا النفوذ
الروسي على بيلاروسيا سوف يلعب دورا كبيرا في تحدي مسارات الأزمة.
في النهاية، نجد أن أزمة اللاجئين تسبب أرقا
للأوروبيين وتجعل من ابتزازهم أمرا سهلا للغاية. ولذلك، سوف تقوم أوروبا باتخاذ كل
الإجراءات الضرورية من أجل ضمان أمنها وعدم السماح للاجئين بالتدفق إلى أراضيها
لأن ذلك يشكل تهديدا حقيقيا لوحدة الإتحاد ويمنح اليمين المتطرف فرصة للصعود.
مراجع:
1-
بي
بي سي، أزمة المهاجرين بين بيلاروسيا وبولندا: لماذا يخاطر مواطنو المنطقة العربية
بحياتهم، https://www.bbc.com/arabic/inthepress-59321685
2-
بي
بي سي، الإتحاد الأوروبي يعتزم مضاعفة عقوباته ضد مينسيك بسبب ازمة اللاجئين، https://www.bbc.com/arabic/world-59290646