عودة التهديدات: هل تؤثر الاضطرابات الأمنية على مسار الانتخابات الليبية؟
يحتدم
الجدل بشأن مسار السباق الرئاسي في ليبيا الذي يهدف لإنهاء عقد من الاضطرابات،
وذلك بعد حدوث وقائع تثير المخاوف من اندلاع أعمال عنف على نطاق أوسع خلال التصويت،
بل وتزايدت التكهنات حول إمكانية إعلان السلطات الليبية خلال الأيام القادمة عن
تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى حين توفير الضمانات الأمنية لتنظيمها، وأبرزت
الأوساط أن مفوضية الانتخابات مدعوة مبدئيًا إلى نشر القائمة الرسمية النهائية
للمترشحين للسباق الرئاسي، لكن خلافات حادة لا تزال تسبب في اتساع حالة الغموض حول
الشخصيات المثيرة للجدل، وحول التزام الفرقاء بالنتائج بعد الإعلان عنها.
وفي بيان، أعربت بعثة الأمم
المتحدة للدعم في ليبيا عن انزعاجها الشديد إزاء التقارير المتزايدة عن
"الترهيب والتهديد" ضد القضاة والموظفين في السلك القضائي، لا سيّما
أولئك الذين يتعاملون مع الشكاوى المتعلقة بالانتخابات وضد المرشحين في عدد من
المناطق في ليبيا. وأنها تلقت تقارير تشير إلى قيام مجموعة مسلحة يُزعم أنها تنتمي
إلى القوات التي تسيطر على سبها بعرقلة عمل المحكمة في سبها مجددا. كما أشارت التقارير
إلى أن القضاة مُنعوا من الحضور شخصيًا وأداء الواجبات المنوطة بهم بحسب القانون
مما يعيق وبشكل مباشر العملية الانتخابية.
مخاوف متعددة
أعلن رئيس غرفة العمليات الرئيسة
بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات سعيد القصبي تعرض 4 مراكز انتخابية تابعة
لمكتب الإدارة الانتخابية بمنطقة العزيزية (غربي طرابلس) ومركز واحد تابع لمكتب
الإدارة الانتخابية بطرابلس لعمليات سطو مسلح انتزعت على إثرها عددًا من بطاقات
الاقتراع عنوة بقوة السلاح. وأضاف أن أحد موظفي الإدارة الانتخابية بالعاصمة
طرابلس قد تعرض للاختطاف من قبل مسلحين، وتعد هذه المرة الأولى التي يتم الإعلان
فيها عن قيام مسلحين من غرب البلاد بالهجوم على مراكز انتخابية للاستيلاء على
البطاقات التي لم يستلمها أصحابها.
وفي لقاء مع رئيس مجلس المفوضية
الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، استنكر المبعوث الأممي «محاولات منع
الليبيين من ممارسة حقهم الديمقراطي في المشاركة بالعملية الانتخابية»، مطالبًا
باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق كل من يعرقل العملية السياسية والانتخابات وفقًا
للقوانين الليبية القائمة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. كما كررت البعثة الدولية
في ليبيا دعواتها إلى الأطراف والسلطات المعنية اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة
لتسهيل عمل النظام القضائي مع الاحترام الكامل لاستقلاليتهما.
وضمن السياق ذاته، تلخص كلوديا
غازيني الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية أن أساس كل هذه المشاكل وهو جود قانون
انتخابي غير واضح مليء بالتناقضات، بالإضافة إلى تزايد الشكوك حول قدرة السلطات
على حماية مراكز الاقتراع. فعلى الرغم من التقدم السياسي المسجل منذ توقيع وقف
إطلاق النار بين المعسكرين المتناحرين (سلطات الشرق وسلطات الغرب) في أكتوبر العام
الماضي، لا يزال الأمن غير مستقر، في ظل استمرار وجود مجموعات مسلحة ومرتزقة
أجانب. كما أنه من وجهة نظر تنظيمية وتقنية وقانونية، فإن احتمال (تنظيم الانتخابات)
منخفض للغاية، بجانب أن العملية الانتخابية هشة للغاية وغير مكتملة وفيها خلل،
ومؤسسات طرابلس تعاني من الانقسامات السياسية، لكن تحالفًا على المستوى الدولي
يواصل القول إنه يجب تتم في 24 ديسمبر 2021.
هشاشة الأوضاع الأمنية
دخلت ليبيا المرحلة الحاسمة من
الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر والتي عُرف مرشحوها بالفعل، لكن
استمرار الخلافات بين المعسكرات المتنافسة والتوترات على الأرض تلقي بظلال من الشك
على إجرائها.
على المستوى النظري، يبدو أن
البلاد مستعدة للخطوة الكبيرة المرتقبة إلى الأمام في انتقالها السياسي الطويل بعد
عقد من الفوضى. وهذا ما يريد المجتمع الدولي تصديقه، وقد دعا في مؤتمر دولي حول
ليبيا عقد في باريس منتصف نوفمبر 2021، إلى إجراء انتخابات شاملة وذات مصداقية،
وهدّد بفرض عقوبات على كل من يقف في طريق تحقيق ذلك. وضمن السياق ذاته تؤكد
المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا استعدادها لتنظيم الانتخابات
الرئاسية. ونشرت القائمة الأولى للمرشحين، وتقوم حاليًا بتوزيع بطاقات الناخبين،
ما يجعل العملية تبدو طبيعية إلى حد ما.
على المستوى الميداني، تظهر صور
وتقارير لا سيما تلك الواردة من جنوب البلاد، وتحديدًا مدينة سبها، أكبر مدن
المنطقة، أن العملية الانتخابية تسير في حقل ألغام لا يمكن فيه التنبؤ بمصير عملية
سياسية بدأت قبل عام تقريبًا على أساس خارطة طريق تنص على إجراء انتخابات رئاسية
وبرلمانية. وقالت الحكومة الليبية
المؤقتة في بيان أنها تتابع بقلق بالغ التوترات التي تشهدها المدن الليبية بين
أنصار المرشحين من دون أن تتمكن من التدخل. وتعجز الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا
عن ضبط سلوك المرشحين وانصارهم، في ظل عدم توحيد القوات العسكرية الليبية بعد،
وسيطرة هذه القوات فعليًا على شرق البلاد وأجزاء هامة من الجنوب.
كما تأتي هذه التوترات بعد أن
تزايدت الدعوات في منتصف نوفمبر الماضي إلى مقاطعة الانتخابات خصوصًا من مدن في
الغرب، كما دعا عدد من المكاتب المواطنين الى سحب بطاقاتهم الانتخابية تحت ضغط من
جماعات معادية لترشيح سيف الإسلام الذي قُتل والده خلال ثورة شعبية في البلاد عام
2011.
في الختام: هناك تعقيدات وتشابكات للأوضاع الأمنية الداخلية الليبية في ظل عدم توحيد المؤسسة العسكرية والانقسام
السياسي الداخلي، بالإضافة إلى انتشار المرتزقة والجماعات المتطرفة واستمرار
التدخلات الخارجية، وسيطرة القبائل على التوجهات التصويتية للمرشحين، وعلى الرغم
من الاهتمام الإقليمي والدولي بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في نهاية شهر
ديسمبر 2021 إلا أن التطورات الميدانية التي تشهدها ليبيا أفرزت مجموعة متنوعة من
التحديات التي يمكن أن تنعكس بصورة سلبية في إطار إمكانية هذا الحدث المهم والذي
يتم الإعداد له منذ أكثر من عام داخليًا وخارجيًا ضمن الجهود الخاصة بتسوية الأزمة
والوصول إلى تحقيق الاستقرار.