اتهمت
السلطات الأوكرانية روسيا بإرسال دبابات وقناصة إلى خط التماس في شرقي أوكرانيا
الذي مزقته الحرب في محاولة لاستفزاز القوات الأوكرانية، وتأتي هذه الاتهامات وسط
مخاوف من حشد أعداد ضحمة من القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية في مؤشر
على خطط روسية لغزو أوكرانيا.
وتثير
التوترات على الحدود الروسية الأوكرانية مخاوف كييف والغرب من غزو روسي محتمل
لأوكرانيا، فيما تنفي موسكو أي نية للقيام بعملية عسكرية وتتهم الغرب بـالتهويل،
لكن حجم الحشد على حدود الجمهورية السوفيتية السابقة كبير، وهو ما يعزز التكهنات
بأن حربًا تلوح في الأفق؛ حيث تصاعدت حدة التوترات مرة أخرى هذا العام وسط تقارير
عن زيادة القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية، والتي يخشى المسؤولون
الأوكرانيون والغربيون أن تشير إلى خطة موسكو لغزو جارتها السوفيتية السابقة، في
ظل مخاوف روسية من انضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو"، وهو ما سيؤدي إلى
نقل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى الحدود الغربية لروسيا.
اتهامات متبادلة
تتهم
كييف وحلفاؤها موسكو بحشد قوات ومدرعات، تتهم روسيا الغرب بمضاعفة
"الاستفزازات" من خلال إجراء مناورات عسكرية في البحر الأسود، في منطقة
تعتبر موسكو أنها تدور في فلكها. ويقول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن
الأوكرانيين وداعميهم من أميركا وأوروبا الغربية هم من يحرضون على الحرب. واتهمت
موسكو أوكرانيا بنقل نصف جيشها، حوالي 125 ألف شخص، إلى الشرق. وزعمت أن كييف كانت
تخطط لمهاجمة المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا. وتقول
أوكرانيا إن هذا ليس أقل من مبررات للتغطية على خطط روسيا الخاصة.
سعى الرئيس الروسي من خلال تصريحه
الخميس إلى التصدي لمسألة اضطهاد المتحدثين بالروسية خارج حدود روسيا، الذين يعيش
كثير منهم بمنطقة دونباس، شرقي أوكرانيا. واعتبر أن نشر رهاب روسيا بمثابة الخطوة الأولى نحو الإبادة الجماعية. وقال متحدثًا عن منطقة
الصراع في أوكرانيا: "نرى ونعلم ما يحدث في دونباس. بالتأكيد يبدو الأمر مثل
إبادة جماعية".
وربما يصبح تصريحات روسيا مبررًا
لعمل عسكري، فقد قال فلاديمير دشاباروف، الرجل الثاني في لجنة الشؤون الدولية
بمجلس الاتحاد الروسي، في أوائل ديسمبر/كانون الثاني إن نصف مليون أوكراني في
المناطق التي يسيطر عليها المتمردون لديهم الآن جوازات سفر روسية. وقال إنه إذا
طلب زعماء المتمردين مساعدة روسيا، بالطبع، لا يمكننا التخلي عن مواطنينا.
ووسط هذا
القلق المتزايد، عقد الرئيس الأميركي، جو بايدن، عبر الفيديو، قمة مع الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين، أكد الأول خلالها من جديد "دعم الولايات المتحدة
لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها"، ودائما ما تتهم أوكرانيا والغرب موسكو
بإرسال قوات وأسلحة عبر الحدود لدعم الانفصاليين الموالين لروسيا، الذين سيطروا
على منطقتين شرقيتين في عام 2014، بعد وقت قصير من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 14 ألف شخص في المنطقة، ولا تزال التسوية
السياسية بعيدة المنال رغم إبرام اتفاق سلام، وزادت الخروق لهذا الاتفاق بشكل خاص
هذا العام.
وقال
البيت الأبيض إن بايدن عبر لنظيره الروسي عن "القلق العميق" لدى
الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين جراء الحشد العسكري قرب أوكرانيا، ولوح
بعقوبات اقتصادية شديدة وتدابير أخرى في حال قررت موسكو اجتياح البلاد.
ردع غربي
اجتمع وزراء خارجيّة مجموعة السبع
في ليفربول منددين بالمناورات الروسية عند الحدود الأوكرانية. وكررت واشنطن دعوة
روسيا الى احتواء التوتر، مؤكدة أن القوى الغربية مستعدة لفرض عقوبات شديدة على
موسكو في حال وقوع هجوم. كما سعت لإثناء روسيا عن غزو أوكرانيا، وشكلت جبهة موحدة
للتحذير من العواقب الوخيمة لأي خطوة مثل هذه وحثت روسيا على العودة إلى طاولة
التفاوض.
من جانب آخر، أوضحت الولايات
المتحدة أنها ملتزمة بمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن "أراضيها السيادية"،
لكن الرئيس بايدن أشار إلى أن العمل العسكري ليس مطروحًا على الطاولة؛ لذا، حتى لو
رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بـالخطوط الحمراء لروسيا بشأن انضمام أوكرانيا إلى
الناتو أو أي شيء آخر.
وضمن السياق ذاته، يبدو أن أكبر
أداة في ترسانة الغرب هي العقوبات. تحدث بايدن عن "تكاليف حقيقية
للغاية" إذا اتخذت روسيا إجراءً عسكريًا، ويتحدث المسؤولون الأمريكيون عن
تدابير اقتصادية قوية ودعم الجيش الأوكراني. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الإدارة الأميركية أنها ستوفد مساعدة وزير
الخارجية المكلفة بشؤون أوروبا كارين دونفريد إلى أوكرانيا وروسيا سعيًا إلى إحراز
تقدم دبلوماسي يضع حدًا للنزاع في دونباس بشرق أوكرانيا، وذلك عبر تنفيذ اتفاقات
مينسك الموقعة في عام 2015 لإنهاء النزاع الذي كان اندلع قبل عام في هذه المنطقة
الأوكرانية بين قوات كييف وانفصاليين موالين لروسيا.
ومن ناحية أخرى، أعلنت المسئولة
في وزارة الخارجية البريطانية، فيكي فورد، إن المسؤولين البريطانيين يفكرون في
تمديد الدعم الدفاعي. وفيما يتعلق بالتدابير الاقتصادية، فقد تكون
الأداة الأكبر هي التهديد بفصل النظام المصرفي الروسي عن نظام الدفع السريع
الدولي. ولطالما كان يُنظر إلى ذلك على أنه الملاذ الأخير. وهناك تهديد رئيسي آخر هو منع افتتاح خط أنابيب الغاز نورد ستريم
2 الروسي في ألمانيا، والموافقة على ذلك يتم النظر فيها حاليًا من قبل منظم الطاقة
في ألمانيا. وقد تكون هناك أيضًا
إجراءات تستهدف صندوق الثروة السيادية الروسي أو قيود على البنوك التي تحول الروبل
إلى عملات أجنبية.
مسارات عديدة
على الرغم من
أن مسألة إرسال روسيا لقوات على حدود الجمهورية السوفيتية السابقة ليست جديدة، إلا
أن حجمها هذه المرة كان ما أثار المخاوف بشكل خاص.
وقد أظهرت صور حديثة من أقمار اصطناعية تراكمًا في المعدات على
الحدود، بما في ذلك دبابات ومدفعية.
وتقول الاستخبارات الأميركية إن موسكو وضعت خططًا لشن هجوم عسكري
يشارك فيه نحو 175 ألف جندي، يبدأ في وقت مبكر من العام المقبل. ولا تعرف وكالات
الاستخبارات الأميركية ما إذا كانت موسكو ستمضي بالفعل قدمًا في خطة الغزو، لكن
مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إيه) ويليام بيرنز أعلن أن طريقة الحشد
تجعل روسيا قادرة على التصرف بطريقة شاملة.
وتتعدد في هذا الإطار مسارات المواجهة بين روسيا من جانب وأوكرانيا والدول
الغربية من جانب آخر، وهذه المسارات ترتبط بصورة مباشرة بالعلاقات الروسية الغربية؛
حيث عززت الدول الغربية من تحذيراتها لروسيا وأرسلت مجموعة من الأسلحة الخفيفة
والمتوسطة لتعزيز قدرات الجيش الأوكراني، كما تم مناقشة مختلف سبل مواجهة المطروحة
أمام أوكرانيا والدول الغربية لمواجهة التحركات الروسية، ولكن ستظل مختلف الآليات
مطروحة ما لم يتم التوصل إلى تهدئة على المناطق الحدودية وفق اتفاق مينسك.