ضعوط متوازية...هل يؤثر التقارب التركى- العربي على العلاقات مع إيران؟
شكَّلت
زيارة الرئيس التركي لدولة الإمارات العربية المتحدة، في فبراير 2022، ذروة مسار
التهدئة والحوار بين تركيا ودول خليجية، كجزء من مسار التحول في السياسة الخارجية
التركية تجاه قوى إقليمية كانت على خصومة معها استمرت لسنوات. حرص أردوغان على
التأكيد على أن هذه الزيارة، التي وُقِّعت خلالها عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين
الجانبين، تمثل مقدمة لمرحلة جديدة ومختلفة في علاقات البلدين وكذلك في علاقات
بلاده مع دول الخليج، خصوصية الزيارة تنبع من كون البلدين مثَّلا طرفَي النقيض في
حالة الاستقطاب الإقليمي لسنوات عديدة، وكانت الخصومة بينهما هي الأشد في المنطقة،
حيث تبادلا اتهامات تتعلق بقضايا الأمن القومي.
وفي هذا
السياق، أشارت بعض التقديرات إلى أن تقارب تركيا مع الإمارات العربية المتحدة وحديثًا
مع المملكة العربية السعودية، وسعيها لعودة العلاقات مع جمهورية مصر العربية من
الممكن أن يؤثر على علاقاتها مع إيران، ولاسيما أن الرئيس التركي استبدل زيارته
التى كانت مقررة لإيران بزيارة للإمارات العربية المتحدة، بل وقام بتوطيد العلاقات
مع إسرائيل التى تعتبر المنافس التقليدي لإيران في المنطقة.
وإتساقًا
مع ما سبق، توجد عدة قضايا خلافية بين إيران وتركيا من الممكن أن تزيد التوترات
بشأنها، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
أولاً- ملف المياه
دخل
المناخ مرحلة الشحن بين أنقرة وطهران، وتزايدت الخلافات حول عدد من القضايا
الثنائية المهمة، وفي الصدارة منها السدود التركية على المعابر المائية العابرة
للحدود، والتي أثارت قلق طهران، خاصة أن السدود التي دشنتها تركيا تسببت -إلى حد كبير-
في تقليص حصة طهران من الماء.
وأدت
أزمة السدود التركية إلى توتر غير مسبوق مع طهران، إلى حد أنها باتت تهدد بحرب
سدود محتملة في ظل تنافس البلدين غير المرتبطين باتفاقية حول إدارة الثروة المائية
العابرة للحدود. ولهذا أعرب وزير الخارجية الإيراني، في 10 مايو 2022 ، عن استيائه
أمام البرلمان الإيراني من قيام تركيا ببناء سدود على الأنهار الحدودية بين
البلدين، وأضاف "أنه ليس من المقبول لإيران أن تقوم تركيا بإجراءات في مجال
بناء السدود تكون نتيجتها مشاكل للشعب الإيراني وشعوب المنطقة، ونعلن بصوت عالٍ
معارضتنا لهذه الإجراءات".
ثانيًا- رفض تركيا أن تكون
إيران دولة نووية
وجهت
تركيا في الآونة الأخيرة انتقادات غير مسبوقة هي الأولى من نوعها للبرنامج النووي
الإيراني. وفي هذا السياق، أشار السفير التركي لدى واشنطن “حسن مراد مرجان” في
مقال له على موقع مركز "موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط"، في أبريل
الماضي، إلى أن برنامج إيران النووي يُهدد تركيا وإسرائيل على حد سواء، وشدد في
مقاله على ضرورة التعاون المشترك بين تركيا وإسرائيل للتعامل مع التهديدات
الإقليمية.
كما سعى
الرئيس بايدن مؤخراً إلى تعزيز التفاهمات مع الرئيس التركي أردوغان، خاصة بعد دوره
في عملية الوساطة لحل الصراع الأوكراني، وهو الأمر الذي وفر بيئة خصبة للقفز على
جانب معتبر من الملفات الشائكة بين أنقرة وواشنطن. وتعي طهران أن التطبيع التركي
الإسرائيلي الأخير، وكسر حدة التوتر بين أنقرة وواشنطن على خلفية تنسيقهما المشترك
في الأزمة الأوكرانية؛ يؤدي إلى اختلال التوازنات القائمة في المنطقة لغير صالح
قضايا إيران الملحة، وبخاصة برنامجها النووي. وهنا، يعتقد بعض المراقبين أن اتجاه
إيران، في 28 يناير 2022، لقطع الغاز الطبيعي عن تركيا لمدة ١٠ أيام، كان بمثابة
رسالة سياسية توجهها طهران لأنقرة.
ثالثًا- التوسع الإيراني في
سوريا عقب الحرب الأوكرانية
تشهد
سوريا حالياً كثيراً من التصعيد والمخاطر، لا تقتصر على تزايد الضربات الجوية
الإسرائيلية، وتزايد ضغوط تركيا بورقة اللاجئين، بل أيضاً تحركات عسكرية متنوعة
لتركيا وإيران، فضلاً عن تردد أقاويل لم تثبت عن تراجع يصل إلى انسحاب روسيا
جزئياً، بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية، وأن هناك فراغاً ستشغله أطراف أخرى،
سواء إيران أو التنظيمات المتطرفة الموظفة للدين، وعلى رأسها "داعش".
وتستمر
الميليشيات الإيرانية بمد النفوذ محاولة سد الفراغ الروسي إثر انشغال موسكو
بالعملية العسكرية في أوكرانيا. فبعد انتشارها أوائل أبريل 2022 في موقع استراتيجي
وسط البلاد عقب انسحاب فصائل حليفة لروسيا، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان،
السبت، نقلاً عن مصادر ميدانية أن الميليشيات الإيرانية عززت تواجدها ضمن مناطق
جنوبي حماة. وأضافت المعلومات أنها عمدت إلى تحويل اللواء 47
التابع لجيش النظام في سوريا بجبل معرين بريف حماة الجنوبي إلى قاعدة عسكرية خاصة
بفيلق القدس، مشيرة إلى أن هذه القاعدة هي المسؤولة عن إدارة التواجد الإيراني في
المحافظة ككل مع مطار حماة العسكري. كما ذكرت أن القاعدة الإيرانية في جبل معرين
أصبحت تضم مركزا لتدريب القوات الإيرانية، فيما وصل إليها مؤخرا تعزيزات عسكرية
تحوي أسلحة نوعية وعناصر.
وأتت هذه التطورات بعد أيام قليلة من انتشار
الميليشيات الإيرانية في موقع استراتيجي وسط سوريا بعد انسحاب فصائل حليفة لروسيا،
حيث وصلت تعزيزات ضخمة يوم الخامس من أبريل2022، من الحرس الثوري
الإيراني ضمت نحو 40 آلية عسكرية وأكثر من 17 سيارة وشاحنة بيك آب مزودة برشاشات
متوسطة وأخرى تقل عناصر من حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى عدد من العربات
المصفحة والآليات العسكرية للفرقة الرابعة في قوات النظام وعشرات من عناصرها.
ختامًا: رغم
تصاعد التوتر بين إيران وتركيا، إلا أنه ليس من المتوقع أن تتصاعد بينهما حتى
الصراع على خلفية العلاقات الاقتصادية القوية فيما بينهما، وحاجة كل من تركيا
وإيران للتنسيق مع بعضهما البعض في كل من سوريا والعراق.