صراعات مشتعلة....ما هي أسباب تفاقم الأزمة السياسية في العراق؟
لم يؤد
انعقاد الانتخابات التشريعية العراقية في أكتوبر 2021 إلى تفكيك حالة الانسداد
السياسي في العراق، ولكن على العكس من ذلك أسفرت عن تصاعد حالة الاحتقان بين قطبين
من الطائفة الشيعية، وهما الزعيم الديني مقتدى الصدر من جهة، ومن جهة أخرى تحالف
مكون من أحزاب وفصائل مقربة من إيران، ولاسيما قائد مليشيا الحشد الشعبي هادي
العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ورغم
تراجع زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر عن شن التظاهرة المليونية التى دعا لها سابقا
والتي كان من المقرر أن يتم انعقادها في 20 أغسطس 2022، ودعوات الحوار التى دعا
لها العديد من القادة العراقيين مثل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلا أن ذلك ليس
من المتوقع أن يؤدى إلى تهدئة الأوضاع في العراق.
أولاً- الدعوة إلى عقد
انتخابات نيابية مبكرة
تتمثل
أخر التطورات العراقية في إمهال الصدر مجلس القضاء الأعلى، أسبوعًا لحل البرلمان،
على أن يدعو رئيس الجمهورية إلى انتخابات مبكرة؛ فرغم أن هذا المسار، يحظى بقبول أغلب
الأحزاب السياسية، لكنّ هناك اعتراضات تتعلق بالآلية والتوقيت، مِن قبل قوى الإطار
التنسيقي، التي تسعى إلى تشكيل حكومة جديدة، تأخذ على عاتقها تهيئة الأمور
للانتخابات المبكرة، وهو ما لا يرضاه الصدر.
و في ظل
تلك التطورات بدأت بعض الأحزاب العراقية
إعادة تموضعها استعدادًا للانتخابات المقبلة، مثل مراجعة بعض الأخطاء، وتحسس العمق
الجماهيري، بشكل أكبر، ودراسة الأجواء المحلية والإقليمية، فضلًا عن تتبع الوعي
الحاصل والمتراكم، عقب الاحتجاجات التي شهدها العراق، وذلك عبر حوارات وندوات
واجتماعات متكررة.
لكن رغم
ذلك ، فإن الانتخابات المقبلة مرهونة بالقانون الجديد الخاص بها الذي تسعى بعض
القوى إلى إقراره وفيما إذا كان سيُعتمد الفائز الأكبر أو اعتماد معادلة (سانت
ليغو) الذي يعتمد على القائمة الفائزة.
ثانيًا- التنافس بين الصدر
والمالكي
في الوقت
الذى يرى فيه التيار الصدرى الذى حصل في
الانتخابات البرلمانية الفائتة على 73 من
أصل 329 صوتا ليأتى في المرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات، ويأتي بعده في المركز
الثاني الإطار التنسيقي المكون من ائتلاف عدة قوى شيعية، أنه لابد من تشكيل حكومة
أغلبية وطنية ذات كفاءات. يرى الاطار التنسيقي وأبرز قياداته رئيس الوزراء الأسبق
نوري المالكي انه يجب تشكيل حكومة توافقية، لتصل الأزمة ذروتها عند ترشيح رئيس
وزراء وهو وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شياع السوداني، في حكومة رئيس
الوزراء السابق حيدر العبادي.
ويتهم التيار الصدري المرشح المحتمل لرئاسة
الوزراء محمد السوداني بقربه من رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي المنافس الابرز
للتيار الصدري، وعقب ذلك طلب مقتدى الصدر في يونيو من أعضائه الفائزين في
الانتخابات البرلمانية بالاستقالة، وبعدها في شهر يوليو اقتحم مئات من انصار
التيار الصدري مبنى البرلمان مرددين عبارات مهاجمة للاطار التنسيقي ومتهمين اياه
بانه مدعوم من ايران.
ويأتي
ذلك بعد أن دخلت تسريبات منسوبة لنوري المالكي على خط الصراع بينه وبين الصدر،
والذي يمتد إلى عدة سنوات خلت، لتعلن دخول علاقاتهما مرحلة قصوى من التأزم، حيث سمع
كلام منسوب للمالكي يوضح فيه نيته اقتحام مدينة النجف والتخلّص من الصدر، إضافة
إلى وصفه الصدر بأنه "جاهل ولا يفهم في السياسة شيئاً"، وبما يوحي أن
المالكي و"الإطار التنسيقي" لن يسمحا للصدر بتولي الزعامة السياسية
الشيعية، فيما فهم الصدر، في المقابل، بأن هناك قوى تريد كسر إرادته، وليس ثني
ذراعه فقط، وبالتالي، دخل هو ونوابه وأتباعه في لعبة التحدّي مع أحزاب الإطار
التنسيقي وقواه، فنزلوا إلى الشارع بالتظاهرات والاعتصامات، واجتاحوا مكاتب
الحكومة والبرلمان في المنطقة الخضراء. وردّت عليهم أحزاب الإطار التنسيقي وقواه
بمظاهرات ومسيرات مضادة خارج المنطقة الخضراء، وبالتأكيد على عزمها المضي في تسمية
محمد شياع السوداني رئيسا جديدا للوزراء.
وفي هذا
السياق، يقف الشارع العراقي حائراً في أمره حيال ما يحدُث في شوارع بغداد
وساحاتها، وخصوصا الناشطين الذين خرجوا في تظاهرات واحتجاجات في أكتوبر الأول عام
2019 ضد القوى والأطراف نفسها التي تستخدم حالياً احتجاجات الشوارع في إطار صراعها
على السلطة والزعامة في العراق، ولا تتعرض لأي عقاب من أحد، بل إن تظاهراتها
واعتصاماتها محمية من قوى أمنية مسلحة، وتؤمن للمتظاهرين زجاجات المياه والطعام،
بينما يتهم ناشطون عراقيون القوى الأمنية والمليشيات الشيعية نفسها بقتل مئات من
متظاهري عام 2019 من دون أن تنال أي عقاب.
ثالثًا- الخلاف حول هوية
رئيس الجمهورية
يوصف
الخلاف والصراع بين الحزبين الكرديين في العراق على أنه قديم جديد حيث؛ دخل
الطرفان بمرشحين أثنين معركة حسم من يتولى منصب رئيس الجمهورية في 2018، وبعد صراع
مرير فاز صالح بالموقع الرئاسي بعد جلسة تصويت تنافسية بينه وبين مرشح الحزب
الديمقراطي الكوردستاني فؤاد حسين.
إلا ان
الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد ان اصبح الاول في الإقليم وفق نتائج الانتخابات
البرلمانية في أكتوبر الماضي، وتصدرعلى مستوى إقليم كوردستان العراق بـ 31 مقعداً،
يرى اليوم بان الاستحقاق الانتخابي هو الفيصل الآن لتحديد المناصب السياسية ولا
سيما السيادية منها في العراق، وعليه من حقه تحديد هوية رئيس الجمهورية العراقية،
واستناداً على ذالك قدم عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني،
هوشيار زيباري، أوراق ترشحه رسمياً لمنصب رئاسة جمهورية العراق، إلا ان الاتحاد
الوطني الكوردستاني ومن خلال رئيسه بافل جلال الطالباني، تمسك بترشيح الرئيس
العراقي الحالي برهم صالح لدورة ثانية، كون أن منصب رئيس الجمهورية هو استحقاق
للاتحاد ولا يجوز التدخل في خياراته، بحجة الاستحقاق الانتخابي.
وعلى مدى
الدورات الانتخابية الأربعة الماضية، شغل الاتحاد الوطني الكوردستاني منصب رئاسة
العراق منذ العام 2006، حيث أن رؤساء الجمهورية الثلاث، الذين تعاقبوا على المنصب
هم من الاتحاد الوطني الكوردستاني، حيث اصبح جلال الطالباني رئيساً للجمهورية،
لدورتين متتاليتين، وخلف الطالباني في منصب الرئاسة القيادي في حزبه محمد فؤاد
معصوم، والذي خلفه في العام 2018 الرئيس العراقي الحالي برهم أحمد صالح، بعد صراع
محموم مع منافسه، مرشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة
إقليم كوردستان أنذاك.