مقدمة:
تعتبر القبيلة مصطلح قديم،
كلاسيكي، تداولته الألسن والأقلام عبر القرون وكرسته الكتب السماوية وتحول إلى
مصطلح ذي إيحاءات دينية واضحة وإلى مفهوم سيسيولوجي جوهري وموضوع آتنربولوجي
مركزي؛ وهو يتميز بالتجدد ومواكبة التطور، لأن من المصطلحات ما يعيش ويعتريه البلى
ويموت، ومنها ما يستمر ويصمد في وجه الزمن، ومنه مصطلح القبيلة؛ فهو مرن وقادر على
التكيف مع مجريات الحياة ولا أدل على ذلك من الاستعمالات الكثيرة التي تعاورته ولم
تنل من جدته وصلابته؛ فما إن يخفت صوته
لفترة حتى تعود إليه نضارته ويتجدد شبابه ويشرع الناس في تداوله ومقاربته بأدوات
وآليات مختلفة؛ وهذا ما فعله الباحثون من مؤرخين وعلماء اجتماع وساسة
وانتروبولوجيين في العصور الوسطى والحديثة؛ وقد جاءت مقارباتهم في سياقات وظروف
مختلفة فرضت العودة إلى مصطلح القبيلة، والاستعانة به لبحث وتحليل تاريخ الشعوب
والقبائل العربية والإفريقية، ومنها قبائل المغرب.(1)
لذلك تعد القبيلة تنظيما سياسيا
واجتماعيا ورابطة دموية ـ تحالفية، ووحدة شعورية ولا شعورية ميزت العديد من
المجتمعات البشرية؛ وتعتبر منطقة المغرب العربي من بين المجالات الجغرافية التي
تطور فيها هذا النظام الاجتماعي عبر العصور واتخذ أشكالا مختلفة وعرف ديناميات
مستجدة حسب الفترات التاريخية ونوعية
السلطة السياسة التي تظهر هنا أو هناك، ولعل ذلك ما دفع المفكر جاك بريك إلى القول
أن منطقة المغاربة هي مجال للتقاطعات الكبرى والانشطارات والديناميات السياسية ـ الاجتماعية
ظلت فضاء رحبا للبحث عن هوية الذات من خلال استراتيجيات مختلفة مثل الأنساب
والهجرة والترحال والمناورة".(2)
وهذا المعطى يدفعنا إلى القول
بأنه لدراسة التنظيم القبلي سيسيولوجيا وأنثروبولوجيا لا بد من العودة إلى
التاريخ، فالتاريخ وحده يعيننا في فهم القبيلة، خاصة بالنسبة لهذه المنطقة الواقعة
ما بين البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء التي تشكل واسطة العقد ما بين
حضارات مختلفة تماما كما تمثل الآن حدود العالم الإسلامي من الناحية الغربية.(3)
وفي هذه المقالة سنقتصر على
"قبيلة أولاد دليم " وخاصة أولاد الرميثية : الأصل والنسب، الموقع
الجغرافي، الجهاد ضد المستعمر الأجنبي.
أولاً- أصل وفروع قبيلة أولاد
دليم
تنتمى قبيلة أولاد دليم(4)،
إلى بنو حسان وهم تجمع قبلي معقلي من سكان الجزيرة العربية استوطنوا المغرب منذ أن
دخل الهلاليون شمال إفريقيا. بعض النسابة مثل ابن خلدون يعتبرهم من عرب اليمن،أما
آخرون من أمثال المؤرخ المغربي أحمد خالد الناصري مؤلف "طلعة المشتري"، فيلحقهم
بالسلالة الهاشمية، يعتبر أن حسان الجد الجامع هو ابن المختار بن محمد ابن معقل بن
موسى الهراج بن جعفر الأمير بن إبراهيم العربي بن محمد الجواد بن علي الزينبي بن
عبدالله بن جعفر الطيار أبي طالب.(5)
وقد قال المختار السوسي "أولاد
دليم ـ هكذا يجري اللفظ على الألسنة ـ مع أن المشهور في التاريخ من قديم ديلم
بتقديم الياء على اللام" كما يؤكد ذلك عبد العزيز بنعبد الله بقوله:
"وأصل دليم ديلم". فقبيلة "أولاد دليم" من حيث النسب من أبرز
القبائل التي يعترف لها بالأصل العربي الصرف، فهم عرب أقحاح نقلوا إلى الصحراء لغة
الضاد، وشيم النجدة، والشجاعة، والكرم، وتأصل الخصال الحميدة في مختلف جذوعهم،
وعدم استكانتهم لأية قوة عبر التاريخ، وتصديهم للغزاة في كل زمان ومكان، وهم كعرب
الجزيرة ينتجعون الكلأ، ويربون الإبل، ويتنقلون في أنحاء الصحراء للتجارة،
ويتبارزون في الفروسية وروح الإيثار والسخاء. (6)
وهنا أبيات في هذا المقام ل الشعار "المختار
ولد محمدا".
بنو دليم معشر محترم - فيه الشجاعة وفيه الكرم
أحفاد جعفر لهم
قيم - ليست لغيرهم من اهل القيم
جدهم ابنه الجواد الذي - يعطي
الولائد ويعطي الخدم
سائل فرنسا عن بطولاتهم - في عهد الاحتلال عهد الظلم
وسل ضيوفهم وزوارهم - ممن
مشت به إليهم قدم
لازال فيهم سرهم ثابتا - سر
الإبا سر علو الهمم
سر السماحة وسر الندى - سر الشجاعة وسر الشمم
وكما أكد ذلك عالم الاجتماع ابن
خلدون حيث قسم القبيلة إلى ثلاثة فروع وهم: ذوي عبيد الله وذوي منصور وذوي حسان،
الذين يقول فيهم " موطن ذوي حسان من درعة إلى البحر المحيط".(7)
كما قسمهم الكاتب المختار ولد حامد إلى طائفتان: "وأما
أولاد دليم فطائفتان :
-الطائفة الأولى: أولاد اسنان (وهم أولاد
دليم الشرق) وبطونهم:
-أولاد المولاة وهم أولاد السلطان بن سنان بن مولاة.
وفروعهم: أولاد احمادو بن بله، وأولاد بوكرزية وأولاد بوهنده وأولاد شاكر وأولاد
الشبلاوي والسكارنه وأولاد العطافي وأولاد الدرعي.
-الطائفة الثانية: (أولاد امعرف وهم دليم
الساحل ) وبطونهم أولاد الشويخ وأولاد الرميثية.
فمن أولاد الشويخ: أولاد اللب وأولاد سدوم والوعران
والكرع وأولاد سالم.
ومن أولاد الرميثية: أولاد بأعمر ولوديكات وأولاد
تڴدي وأولاد لخليڰة والسراحنة”.غير أن الاسم لم يحتفظ به إلا أولاد الرميثية".(8)
أما شجرة أولاد دليم-:
"وهم من أولاد بويا اعلي بن أعمر الفائز بن أرميث بن أمعرف بن دليم حسان بن
المختار بن عقيل بن معقل بن موسى الهراج بن جعفر الأمير بن محمد بن علي الزينبي بن
عبدالله بن جعفر (الطيار) ودليم بن حسان أمه فارسية".(9)
أما تاريخ وصول "قبيلة أولاد
دليم" إلى الصحراء هو تاريخ وصول بني معقل الجعفرين إلى
المغرب، وذلك في منتصف القرن السادس الهجري وهذا متفق عليه تقريباً".(10)
أما الموقع الجغرافي للقبيلة
"أولاد دليم _الرميثية" .."فيمتد من جنوب منطقة بوجدور شمالا إلى
الرأس الأبيض والحدود الموريتانية جنوبا، ومن البحر المحيط الأطلسي غربا إلى حدود
أدرار صطف الشرقية والكريان شرقا".(11)
ويعتبر مركزهم "الرسمي قرية
الداخلة (جهة الداخلة وادي الذهب_ تيرس) وقد عبر عن ذلك المولى إسماعيل في رسائله
إلى ولده المأمون، حيث عبر في رسالته الثالثة المؤرخة بعشرين من جمادي الأولى عام
1103 ه موافق ل 1692 م، عن أولاد دليم أنهم قبيلة كبيرة تشتمل على أفخاذ وشعب
كثيرة، وفيهم أولاد سنان وأولاد معرف...".(12)
ثانياً- قبيلة أولاد دليم وجهادها
للاستعمال الأجنبي
رغم وجودها في المجال الحيوي
للاحتلال الذي تعاقب على البلاد وتَـنَوَّع على مدى خمسة قرون، فقد عُرفت قبيلة
أولاد دليم برفضها للوجود الأجنبي، وجهادها الدائم ضد الاستعمار، وكان بداية ذلك
هزيمتها لهولندا، التي هي يومئذ قوة عظمى، وفرضها عليها تغيير استراتيجيتها
وسياستها المحلية، هو في الحقيقة مشهد فريد في التاريخ.(13)
ففي شهر يوليو من سنه 1633 اندلعت معركة في مرسى ﭼور، المعروف علمياً بـ Portendik[2] فــقـُتل فيها والي هولندا(حاكم البلاد آنذاك) وعدد من حاميته.
وقع ذلك إثر إهانة شيخ[3] إحدى القبائل المحلية. يقول Kolterman
Till "وبدل أن يثأر الهولنديون لمن قتل من
مواطنيهم، فقد أدركوا أن السلوك السيء للحاكم المذكور وعدم تكيف حاميته مع عقلية
البظان، كانا السبب فيما وقع من أضرار،
لذلك قرروا عودة الحامية إلى الوطن- الأم والكفَّ عن التدخل في الشئون السياسية
المحلية".(14)
وكل المعطيات المتوفرة تؤكد أن
المعركة كانت مع قبيلة أولاد دليم، وأن إهانة الشيخ المذكور لم تكن إلا السبب
المباشر، حيث كانت الظروف الموضوعية مهيأة لاندلاع الجهاد ضد المستعمر
الجديد(هولندا) بعد أن رحل الأول (البرتغال) من غير أن يعرف الجهاد توقفا أثناء
فترت سيطرته. (15)
كما يذكر مارمول كاربلخال (1520-1600) لقبيلة
“أولاد دليم"(16) القوة العسكرية (ثلاثة آلاف فارس وعشرين ألف
راجل)، كما يذكر لهم الثروة الكبيرة – خاصة في الإبل- ويصفهم بأنهم “محاربون
ممتازون"(17) لذلك،
تذكر المصادر أن قبيلة أولاد دليم كانت آنذاك قوة سياسية وعسكرية كبيرة لدرجة أن
الفضاء الساحلي كان يسمى بلاد "أولاد
دليم".(18)
كما تعتبر معركة أم التونسي
التاريخية سنة 1351 ه الموافق ل 1932 م
بقيادة "سيدي ولد الشيخ ولد العروسي من أعظم هذه المعارك التي واجهت
المستعمر الأجنبي الفرنسي، وكانت اخر المعارك التي واجهة فيها قبيلة أولاد دليم
المستعمر الإسباني والفرنسي معارك جيش التحرير في معركة "تكل" سنة
1957 بقيادة" غوثاه ولد الراغب ولد عبيد
الله"، حيث كبد رجال أولاد دليم ومن معهم من المجاهدين الصحراويين المحتل
الإسباني خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، حتى أصبح يطلب النجدة من حلفائه
الفرنسيين.(19)
وهنا أسماء بعض المعارك التي شارك
فيها أولاد دليم وكانو قيادتها ضد
الاستعمار الفرنسي والإسباني :(20)
§ معركة تگل سنة 1957 بقيادة غوثاه ولد أهل عبيد الله
§ معركة واد الشياف 1958 بقيادة عبدالله ولد باهية
§ معركة الدواس سنة 1912 بقيادة سيد احمد ولد براي
§ معركة ام التونسي سنة 1932 بقيادة سيدي ولد الشيخ
ولد لعروسي
§ معركة نواذيبو سنة 1908 بقيادة محمد ولد اعلي سالم
§ معركة الحوض سنة 1912 بقيادة سيد احمد ولد ميشان
§ معركة اكنيتير سنة 1911 بقيادة بوزيد ولد احمد زين
§ معركة الخلجان سنة 1914 بقيادة احمد لعبيد الله
§ معركة تكانت سنة 1907 بقيادة احمد ولد الخطاط
§ هجوم نواذيبو 1916 بقيادة بكار ولد الغيلاني
§ معركة نواذيبو الثاني سنة 1910 بقيادة عثمان ولد
حبت
§ معركة ادرار سنة 1910 بقيادة داهي ولد الشيخ ول
لعروسي
§ عملية احميم سنة 1929 بقيادة اسويليمه ولد الفراح
§ معركة ودان سنة 1925 بقيادة براهيم ولد المختار
§ عملية احريگ الدبش سنة 1933 بقيادة ابراهيم السالم
ولد ميشان
§ عملية اكصير اطرشان سنة 1909 بقيادة محمد ولد احمد
ابراهيم
§ معركة اكرارت لفرس سنة 1909 بقيادة اولاد اعلي سالم
§ معركة لگلات سنة 1958 بقيادة غوثاه ولد عبيد الله و
محمد سالم ولد بهايا
§
معركة
احريگ الوتات بداية سنة 1934 بقيادة براهيم السالم ولد ميشان.
في الختام، يظهر إن تفسير الوقائع والمعارك
التاريخية التي قادتها وشاركت فيها قبيلة أولاد دليم، هو اختزال وتبسيط لتاريخ
مجتمع، ظل رافضا عبر الزمن للوجود الأجنبي، والقرون الخمسة التي توالت على البلاد
فيها "الاحتلالات": البرتغالية والهولندية والفرنسية وأخيرا الإسبانية،
شاهدة على ما قدمت قبيلة أولاد دليم عبر التاريخ من قوافل الشهداء في معارك الشرف
ضد الاحتلال، وعلى رباطها الدائم على الثغور دفاعاً عن وحدة الوطن.
الهوامش
1)
جورج
بالانديه،الانثرويولجيا السياسية،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
والتوزيع،بيروت،2007.
2)
انظر،
محمد دحمان،دينامية القبيلة الصحراوية في المغرب بين الترحال والإقامة.
3)
انظر،خالد
بوفريوا،سوسيولوجيا القبيلة الصحراوية،على الموقع :www.lakome2.com تم زيارته بتاريخ/12/06/2022/.
4)
يبين فحص
D.N.A نقاء سلالة أولاد دليم وأنهم أنقى السلالات
العربية في الصحراء، وبما لقلة اختلاطهم بصنهاجة.انظر أنساب العرب، على الرابط:www:anssab.com
5)
انظر،إبن
خلدون،ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن
الأكبر،مؤسسة جمال للطباعة والنشر،بيروت.
6)
انظر، المختار
السوسي،المعسول، الجزء 18، ص 130.
7)
ابن
خلدون،نفس المرجع السابق.
8)
المختار
بن حامد، حياة مورتانيا،جزء الجغرافيا،معهد الدراسات الافريقية بالرباط،دار الغرب
الاسلامي، بيروت، 1994،ص86.
9)
بشر أحمد
حيدره،تاريخ الصحراء الغربية وقبائلها العربية-الطبعة الأولى-سنة 2015م.ص58.
10) بشر أحمد
حيدره، نفس المرجع .
11) بشر أحمد حيدره،نفس المرجع،ص59
12) بشؤ أحمد
حيدره،نفس المرجع.
13)
محمد
البرناوي،اولاد دليم في بداية القرن السابع عشر يهزمون هولندا وتخضع لشروطهم،جامعة
نواكشوط،انظر الرابط:ww.alqad.info، بتاريخ 10_02_201.
14) Kolterman Till « Allemands et Néerlandais sur la
cote du Trarza 1633-1724 Conférence à l’Université de Nouakchott.le 10 mars
2002.
15) محمد البرناوي،اولاد دليم في بداية القرن السابع
عشر يهزمون هولندا وتخضع لشروطهم،نفس المرجع السابق.
16) مارمول كاربخال –إفريقيا- ترجمة محمد حجي وأحمد
توفيق –الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر-الرباط- ص108.
17) مارمول كاربخال،نفس المرجع.
18) محمد البرناوي،اولاد دليم في بداية القرن السابع
عشر يهزمون هولندا وتخضع لشروطهم،نفس المرجع السابق.
19) بشر أحمد حيدره،نفس المرجع،ص63.
20) انظر الرابط التالي:
https://tirismedia.net/archives/.