تداعيات الانخراط: ماذا يعني توقيع تركيا وليبا اتفاق جديد للنفط؟
وقعت تركيا مذكرة تفاهم حول النفط
والغاز مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. رئيس مجلس
النواب الليبي عقيلة صالح اعتبر مذكرة التفاهم غير قانونية وغير ملزمة لأن ولاية
حكومة الدبيبة "منتهية قانونًا". يذكر أن توقيع هذه الاتفاقيات جاء بعد
مرور 3 سنوات على إبرام اتفاق مثير للجدل بين حكومة الوفاق الوطني السابقة برئاسة
فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تضمن ترسيما للحدود البحرية بين
البلدين وتعاونًا أمنيًا، سمح لأنقرة بالتدخل عسكريا في ليبيا عبر إرسال قوات
تابعة ومرتزقة أجانب، ساعدت في صدّ هجوم شنّه الجيش الليبي للسيطرة على العاصمة
طرابلس، وهو ما أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي حينها.
وضمن السياق ذاته، احتجّ المجلس
الرئاسي الليبي ضدّ حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، معتبرًا أن
إبرام أيّ اتفاق مع أيّ جهة يتطلب التشاور معها والمصادقة عليه من الجهات
التشريعية. وجاءت هذه التطورات بعدما أشعلت الاتفاقيات الجديدة الموقعة بين حكومة
الدبيبة وتركيا، سجالًا سياسيًا واسعًا داخل ليبيا، وأحدثت مزيدا من الانقسامات
داخل البلاد، التي تعيش على وقع نزاع على السلطة بين حكومتين متنافستين، بين أطراف
دافعت على جدوى هذه التفاهمات الجديدة وفائدتها على البلاد.
رفض متعدد
أبرمت أنقرة اتفاقيات جديدة مع حكومة
الدبيبة، تتيح لشركاتها التنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية. وذلك خلال
زيارة أداها وفد تركي رفيع المستوى إلى العاصمة طرابلس، يترأسه وزير الخارجية
مولود جاووش أوغلو ومعه وزراء الدفاع خلوصي أكار والطاقة والموارد الطبيعية
والتجارة وكبير مستشاري الرئيس التركي، إبراهيم كالين، وتحظى تركيا بثقل كبير لدى
القوى الحاكمة في غرب ليبيا منذ دعمها العسكري لحكومة الوفاق في صد هجوم قائد قوات
شرق ليبيا الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، على العاصمة طرابلس في 2019.
ولم يتضح على الفور ما إذا كانت ستظهر
أي مشروعات في الواقع تتضمن أعمال تنقيب في "المنطقة الاقتصادية
الخالصة"، التي اتفقت عليها تركيا وحكومة سابقة في طرابلس في عام 2019، مما
أثار غضب دول شرق البحر المتوسط الأخرى. ومن منظور تلك المنطقة الاقتصادية الخالصة فإن البلدين
يتشاركان في حدود بحرية.
ومن ناحية أخرى، أعلنت كلّ من مصر
واليونان معارضتهما لأي نشاط في "المناطق المتنازع عليها" شرق البحر
المتوسط، وأكدتا أنّ حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أية
اتفاقيات دولية أو مذكرات تفاهم. وظهر في هذا الاتجاه مجموعة من المواقف منها
وزارة الخارجية اليونانية؛ حيث أعلنت أثينا بأنها تمتلك حقوق سيادية في المنطقة
تنوي الدفاع عنها "بكل الوسائل القانونية مع الاحترام الكامل للقانون الدولي
للبحار". وأن اتفاق عام 2020 بين أثينا ومصر يحدد
منطقتيهما الاقتصاديتين الخالصتين في شرق البحر المتوسط، وقال دبلوماسيون
يونانيون إن هذا الاتفاق ألغى فعليًا اتفاق 2019 بين تركيا وليبيا. وأن حكومة
الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أية اتفاقات دولية أو
مذكرات تفاهم، كما أعلن رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح: مذكرة التفاهم غير
قانونية؛ حيث وقعت عليها حكومة بدون تفويض، وأضاف أن توقيع الاتفاقيات والمعاهدات
ومذكرات التفاهم الدولية "تتم من خلال رئيس الدولة أو البرلمان"، مشددًا
على أن التعامل مع الحكومة في ليبيا "يكون عبر الحكومة الشرعية التي نالت ثقة
البرلمان وهي حكومة، فتحي باشاغا".
مسارات محتملة
حرّكت زيارة تركية "خاطفة"
المشهد في ليبيا، خلال الساعات الماضية بشقيه الداخلي والخارجي، وبينما أعلنت
أنقرة توقيع مذكرتي تفاهم مع "حكومة الوحدة الوطنية" سادت جملة من
المواقف الرافضة لهذه الخطوة، لاعتبارات تتعلق بجدلية "عدم شرعية
الأخيرة".
وعمليًا، ستفتح الاتفاقية مساحات أكبر
أمام تركيا للتنقيب عن الطاقة في البحر المتوسط، في مناطق ذكرت اليونان وقبرص أنها
تابعة لهما. كما وصفتها مصر من قبل بأنها "غير قانونية"، وتتصاعد مخاوف
من انزلاق ليبيا مجددًا إلى حرب أهلية في ظل وجود حكومتين متصارعتين منذ أن منح
مجلس النواب بطبرق مطلع مارس 2022 الثقة لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا.
وقد حصلت حكومة الوحدة الليبية المؤقتة
برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على مزيد من الدعم المعلن من أنقرة التي عززت اليوم،
من نفوذها في غرب ليبيا، بعدما أبرم وفد تركي رفيع المستوى في زيارة للعاصمة
طرابلس، اتفاقيات جديدة مع حكومة الدبيبة. وقال الدبيبة، إنه ناقش بصفته وزيراً للدفاع مع وزير الدفاع التركي
خلوصي آكار، التعاون العسكري بين البلدين، وعددًا من البرامج التدريبية للجيش
الليبي، وتوفير مجموعة من التجهيزات المتطورة لعدد من الأركان العامة بالجيش.
وامتدادًا لذلك، نقلت تركيا في 6
أكتوبر 2022 أي بعد الاتفاق بأيام دفعة جديدة من المرتزقة من عناصر الفصائل
المسلحة الموالية لها في شمال سوريا، إلى غرب ليبيا، بعد زيارة وفدها الوزاري
لطرابلس، كما استأنفت جسرها الجوي إلى غرب ليبيا. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن طائرة عسكرية تركية نقلت مجموعة
جديدة من المرتزقة السوريين إلى ليبيا، مشيراً إلى أن الطائرة انطلقت من العاصمة
التركية أنقرة، وعلى متنها دفعة جديدة من المرتزقة السوريين، الذين تجنّدهم
المخابرات التركية في ليبيا، حيث وصلت إلى مصراتة الليبية؛ لإقحامهم في الحرب
الليبية.
في الختام: إن اتجاه أنقرة إلى تعزيز
علاقتها مع حكومة الدبيبة يعكس الميل التركي المتزايد إلى دعم الدبيبة على حساب
باشاغا. وهذا يزيد من مخاطر تصادم المصالح بين تركيا ومصر في ليبيا". وفي حين أن القاهرة لا تبدو
متضررة مثل اليونان من الاتفاقات التركية الليبية، فإن قلقها من تصاعد النفوذ
التركي في ليبيا لا يزال يُشكل مُحددًا رئيسيًا في مقاربتها لتركيا، بالإضافة إلى
ذلك فإن الموقف الأوروبي سيتشكل بصورة أكثر راديكالية في التعامل مع تركيا فيما
يتعلق بهذه التطورات خاصة وأن هذه المنطقة تنظر إليها الدول الأوروبية باعتبارها أحد
البدائل للحصول على موارد الطاقة بسبب الأزمة الروسية.