ظل العامل الخارجي....والتعاطي الأمني لإيران مع الاحتجاجات
ألقت
الوسائل القمعية التى استخدمتها الأجهزة الأمنية في إيران إثر وفاة الفتاة
الإيرانية التى تدعي مهسا أميني في 16 سبتمبر الفائت بظلالها على الأليات التى
تستخدمها إيران في هذا الإطار، والتى ينطوى أبرزها على القتل والاعتقال، وإستخدام
الغازات المسيلة للدموع. وبالتوازى مع ذلك، أعلن الحرس الثوري الإسلامي عن سلسلة
من الضربات العسكرية ضد جماعات المعارضة الكردية المسلحة في 42 موقعًا في أنحاء
إقليم كردستان العراق؛ حيث بدأت الضربات في 24 سبتمبر 2022، وأدعى القائد العام
للقوات البرية للحرس الثوري الإيراني، العميد محمد باكبور، إنه تم استخدام 73
صاروخًا باليستيًا وعشرات الطائرات بدون طيار لضرب مراكز القيادة الرئيسية وملاجئ
جماعات المعارضة الكردية في أربيل والسليمانية.
وبعد
أسبوع واحد فقط، بدأت القوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني تدريبات استمرت
ثلاثة أيام في منطقة واسعة تغطي مقاطعتين شمال غربي البلاد على الحدود مع أرمينيا
وأذربيجان. وفي هذا السياق، تقوم طهران بانتظام بضربات
ضد الجماعات الكردية وأجرت تدريبات سابقة ردًا على التوترات في ناغورنو كاراباخ،
لكن التدريبات الأخيرة جاءت خلال فترة هدوء في الاشتباكات وحوار سياسي بين أرمينيا
وأذربيجان، لذا، فإن التوقيت يثير تساؤلات بشأن الأساس المنطقي لهذه التطورات
العسكرية.
فلسببين
رئيسيين يبدو أن الأنشطة العسكرية الإيرانية مرتبطة بشكل أكبر بالاضطرابات
الداخلية واسعة النطاق. أولاً، خوفًا من تلاقي التهديدات الداخلية والخارجية، تسعى
الجمهورية الإسلامية إلى استعادة الردع وإظهار القوة، بما يعنى إنها إشارة إلى
إدراك النظام المتنامي للضعف وسط الاضطرابات الداخلية. وثانيًا، تستفيد استراتيجية
القمع للجمهورية الإسلامية من عملية عسكرية خارج حدود إيران يمكن أن تستخدمها
للمبالغة في التهديدات الانفصالية.
أولاً- الإضطرابات الداخلية
تتمثل أحد
الأبعاد المهمة للعمليات العسكرية الأخيرة هو مخاوف القيادة من التهديدات الخارجية
وسط الأزمات الداخلية. منذ أوائل عام 2000 على الأقل، حددت العقيدة العسكرية
الإيرانية أحد سيناريوهات الحرب المستقبلية على أنها حرب مختلطة قد تتزامن فيها
احتجاجات وطنية واسعة النطاق مع هجوم عسكري خارجي. الأمر الذى يشير إلى أن هناك
شعور قوي بين النخب العسكرية بأن الأعداء، مثل إسرائيل والولايات المتحدة
الأمريكية، قد يرون فرصة لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية والهياكل
العسكرية الحيوية في خضم أزمة داخلية. وعلى هذا النحو، يشعر القادة العسكريون
الإيرانيون بالقلق من أن الاضطرابات الداخلية قد تكون ذريعة لضرب إيران.
ومثل هذه
المخاوف بشأن مخاطر الحرب في منتصف فترات عدم الاستقرار الداخلي تنبع، على وجه الخصوص،
من هجوم صدام حسين عام 1980 على إيران؛ حيث أفاد قال كبير الإستراتيجي العسكري
والمؤرخ الإيراني الجنرال محمد دوروديان، الذي كان مسؤولاً في السابق عن صياغة
العقيدة العسكرية الإيرانية في وقت ما بإن قرار الرئيس العراقي تأثر آنذاك بتقديراته لحجم عدم الاستقرار الداخلي
وضعف الدولة بعد الثورة الإسلامية. وفي
معرض التعبير عن إيمان مشترك بالجيش الإيراني
قال دورديان: "كان صدام غير راضٍ عن معاهدة الجزائر لعام 1975، ومع
الضوء الأخضر للقوى الخارجية التي قدّمت أن هذا هو الوقت المناسب لحل عسكري
لنزاعاتها". في الواقع، يخشى القادة العسكريون الإيرانيون من مخاطر انتهازية
عسكرية مماثلة في الظروف الحالية.
ووفقًا
لهذا الرأي، قد يفترض أعداء إيران أن أزمة داخلية كبيرة يمكن أن تؤدي إلى انشقاقات
في صفوف القوات المسلحة وتؤثر سلبًا على استعداد وحسم الرد الإيراني. وأيضًا، تشير
الاضطرابات إلى ضعف الجمهورية الإسلامية، مما قد يؤثر على حسابات الخصوم حول القوة
الإجمالية للقوات المسلحة. وبالتالي، يزعم الذين يروجون لهذه الحجة أن الحسابات
الخاطئة حول قوة إيران يمكن أن تزداد، مما يزيد من مخاطر المواجهة العسكرية وسط
الأزمة الداخلية.
ووفقًا
لهذا المنطق، فإن العملية العسكرية خارج الحدود الإيرانية والتدريبات العسكرية في
المنطقة الحدودية الشمالية الغربية تشير إلى استعداد القوات المسلحة وحسمها، على
الرغم من الاضطرابات في البلاد، على أن يتمثل الهدف الاستراتيجي في الحد من احتمال
حدوث سيناريو يتصاعد فيه تهديد عسكري خارجي وتهديدات داخلية في وقت واحد، مما قد
يكون قاتلاً للجمهورية الإسلامية.
لذا،
تسعى القيادة إلى إقناع خصومها بأنه بينما تسعى إيران للسيطرة على الاضطرابات
الداخلية، فإن قدراتها العسكرية لن تتأثر سلبًا. وقد يفسر نفس الأسلوب في التفكير
سبب اختيار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الظهور في حفل تخرج ضابط عسكري إلى
جانب كبار القادة العسكريين في 3 أكتوبر، بعد فترة من الغياب عن الاجتماعات
العامة.
ثانيًا- العمليات العسكرية كجزء من استراتيجية القمع
أصدرت
وزارة المخابرات الإيرانية في 30 سبتمبر2022 بيانًا زعمت فيه أنه تم اعتقال 77
عضوًا من الجماعات الانفصالية الكردية، واتهمت الوزارة المعتقلين بقيادة
الاحتجاجات وتأجيج العنف في إيران، الأمر الذى يشير إلى إنه العملية العسكرية في
كردستان العراق باتت جزءًا مكملًا
لاستراتيجية القمع للنظام.
أولاً،
هدف السلطات هو الاستفادة من مشاعر القومية الإيرانية والتلاعب بها وإذكاء المخاوف
من الانفصالية لمحاولة إحداث صدوع في الدعم العام للانتفاضة، وبالنسبة للمؤسسة
الأمنية، فإن التهديد بالانفصال، أو شبح الحرب الأهلية، هو أداة لإقناع الطبقة
الوسطى بالتخلي عن الاحتجاجات على مستوى الشارع. وفي هذا السياق، كشف إثنين من
الخبراء البارزين في القضايا العرقية والكردية في طهران، على أن أجهزة المخابرات
الإيرانية تسهل سرًا أنشطة جماعات المعارضة. ويبدو أن إعطاء هذه الجماعات مساحة
للعمل يساعد الجمهورية الإسلامية في أوقات الأزمات على استغلال الخوف من
الانفصالية كأداة لإدارة التصور العام.
وثانيًا،
تستخدم السلطات الإيرانية التهديد بالانفصال كمبرر لعمليات القمع القاسية واستخدام
القوة تحت عنوان الحفاظ على الأمن القومي؛ حيث يمكن للسلطات أن تبني أساسًا
قانونيًا لأقصى قدر من القمع على أساس مسؤولية الدولة عن حماية وحدة أراضي إيران. ويتمثل
جزء أساسي من حملة المعلومات المضللة للجمهورية الإسلامية في نقل رسالة إلى
الجمهور مفادها أن قوات الأمن تقاتل ضد العناصر الانفصالية الممولة من الخارج
والتي اختطفت الاحتجاجات ، في حين لا يتم توجيه أي استخدام حكومي للقوة تجاه
الجمهور الإيراني الأوسع، بما يساهم من وجهة نظرهم في تعزيز شرعية النظام.
ثالثًا- نظرة مستقبلية
من غير
المرجح أن تسعى طهران إلى إشعال فتيل تصعيد إقليمي كجزء من تبرير قضاياها الداخلية؛ حيث تتبع طهران نموذجًا
معقدًا من التكيف العقلاني مع بيئة التهديد المتطورة. وقد يكون من المضلل إجراء
مقارنة تاريخية خطية مع تصعيد 2019 و 2020 عندما قررت طهران رفع مستوى التهديد
تجاه الجهات الفاعلة الإقليمية ردًا على حملة "الضغط الأقصى" التي شنتها
إدارة الرئيس السابق دونالد جيه ترامب.
فالآن،
يبدو أن الأولوية القصوى لطهران هي منع التقارب المحتمل بين التهديدات الداخلية
والخارجية، على عكس الإدعاءات القائلة بأن إيران قد تقرر توجيه ضربة عسكرية ضد
المصالح السعودية والضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية في النقاط الساخنة مثل
اليمن، فمن المرجح أن تظل طهران مركزة على تعزيز موقفها الرادع والسعي إلى أقصى حد
من القمع داخل إيران.
على أن تشمل
الخيارات الممكنة استئناف العمليات العسكرية داخل العراق (على ثقة من أنه لن
تستجيب حكومة العراق ولا حكومة إقليم كردستان، إن وجدت، بأي طريقة يمكن أن تؤدي
إلى التصعيد). وفي هذا السياق، حذر رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، اللواء
حسين باقري، السلطات في كردستان من استئناف العمليات إذا لم يتم اتخاذ إجراءات
للحد من أنشطة الجماعات الانفصالية. بينما تتضح الخيارات الأخرى في الخطاب القاسي
من القادة العسكريين حول تكاليف التدخل الأجنبي، مثل تحذير القائد العام للحرس
الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، بشأن تدخل المملكة العربية السعودية في
الشؤون الإيرانية من خلال وسائل الإعلام، وقد تكون التدريبات العسكرية الجديدة على
الجدول أيضا.
ولكن نظرًا
لأن الخوف الوجودي للقيادة الإيرانية يتصاعد في مواجهة الاضطرابات المستمرة ، فقد
لا يمكن التنبؤ به في ردود أفعالها على التطورات العسكرية الإقليمية مثل التعزيزات
الجديدة في القواعد الأمريكية في المنطقة أو المحادثات الدولية حول الخيارات
العسكرية ضد برنامج إيران النووي.