تكشف
تقديرات عدة عن إنه في الوقت الذى بذل فيه مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني
جهودًا كبيرة لبناء المزيد من الثقة مع الشعب الإيراني قبيل اندلاع الثورة
الإسلامية في عام 1979، إلا أن ذلك تضاءل مع الوقت ولاسيما بعد سيطرة رجال الدين
بصورة كبيرة على مفاصل نظام الحكم في إيران، وسعت بعض الكيانات المعتمدة عليهم مثل
الحرس الثورى في تأسيس الإمبراطورية الاقتصادية الخاصة به. مما أدى إلى زيادة
معدلات التضخم والبطالة والفقر.
أولاً:- إحصاءات داعمة
كانت
جمهورية إيران الإسلامية دولة قائمة على المثل الثورية للعدالة الاجتماعية والحرية
والاستقلال منذ أن صعد رجال الدين إلى السلطة في عام 1979، وطوال العقدين الأولين
من وجودهم، تمكن نظام ولاية الفقيه من توليد رأس مال اجتماعي كبير من خلال محاربة
الفقر ورفع فئات الدخل الأقل إلى الأعلى للخروج
من الفقر، والعمل على تحضر قسم كبير من المناطق الريفية في البلاد، لكن يتضح أن
ذلك هو ما يفشل الآن في الحفاظ عليه.
وفي هذا
السياق، تظهر البيانات أن رأس المال الاجتماعي لسكان الحضر في إيران الذي كان أقل
من 55٪ في منتصف الثمانينيات وصل إلى 76٪ في عام 2021، وذلك بالاعتماد على عدد من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية مثل
متوسط العمر المتوقع، والوصول إلى الخدمات الصحية ومحو الأمية والتعليم العالي التي ولّد شرعية
واسعة للجمهورية الإسلامية بين الشرائح الأكثر تحفظًا من السكان. وأيضًا، تصميم نظام
الدعم الذي من شأنه تمكين الطبقات الاجتماعية الدنيا لزيادة شرعية النظام بين الفئات
المستهدفة المذكورة. وبالتالي، كانت إحدى الحجج في تقييم بقاء النظام هي حقيقة أنه
يمكن الاعتماد على أقلية قوية لدعمه.
ثانيًا- تأكل شرعية النظام
تشير كل
الدلائل إلى أن النظام قد فشل فشلاً ذريعاً في الحفاظ على رأس المال الاجتماعي
المذكور، وعلى الرغم من أن الشرعية المتراكمة نشأت بناءً على المؤشرات الاجتماعية
والاقتصادية، فمن الواضح أن التوقعات قد تغيرت حيث أصبح السكان أكثر حداثة
وتعليمًا. ومن وجهة النظر الأكاديمية، فإن العوامل التي تؤثر على مستوى رأس المال
الاجتماعي للحكومة هي الشفافية والمساءلة، ونوعية الحكم ، وسيادة القانون،
واللاعنف والاستقرار السياسي، ومكافحة الفساد. كلها عوامل فشل فيها النظام ككل والحكومات
المتعاقبة دون الالتفات إلى التوقعات الشعبية المتغيرة.
ومن
المثير للاهتمام أن الرئيس إبراهيم رئيسي قد حدد المشكلة وأعلن بعد انتخابه في عام
2021 أن زيادة رأس المال الاجتماعي ستكون "المشروع الضخم" لحكومته. وقال
رئيسي "ما من شيء أهم من خدمة الناس والحفاظ على السلام والأمل في
المجتمع". وهنا، يتفق الخبراء على أن إدارة رئيسي فشلت حتى الآن في
"خدمة الشعب"، ومع ذلك، بدأت المشاكل قبل تنصيب رئيسي رئيساً في عام
2021.
فخلال فترة
حكم حسن روحاني (2013-2021)، تم إجراء عدد من الدراسات التي حددت الحوكمة الرشيدة
كأهم عنصر في توليد الشرعية ورأس المال الاجتماعي للحكومة. وبدلاً من تعزيز
الممارسات الجيدة، تدهور واقع الحكم بدرجة كبيرة لدرجة أن العديد وصفوا الفساد
وسوء الإدارة على أنهما أكبر تهديدات الأمن القومي في البلاد.
فعلاوة على حالات الاختلاس الواضحة للغاية، أصيب
جميع السكان بخيبة أمل أيضًا من سوء إدارة جائحة COVID-19، لاسيما بعد
إدراك أن السياسات المضللة فيما يتعلق باستيراد اللقاحات تسببت في وقوع المزيد من
الضحايا. وفي هذا السياق، على المرء أن يدرك أنه على عكس قرارات السياسة الخارجية
أو قضايا الاختلاس، فإن قضايا مثل الصحة العامة والتضخم تصيب كل أسرة في البلاد.
كما أن الصيغة المطبقة لإلقاء اللوم على المؤامرات الأجنبية عن كل فشل في الحكم قد
فقدت فائدتها أيضًا. ويتوقع المجتمع، وخاصة الأجيال الشابة، المساءلة، وقد فشلت
هياكل الحكم الحالية في تعزيز مثل هذه المساءلة.
ثالثًا- ضعف أداء الحكومة
والنظام
وحتى بعد
الاختفاء النسبي لجائحة كورونا ، لم يكن هناك اهتمام حقيقي بالمطالب العامة. وفي
هذا السياق، يعتقد السياسي الإصلاحي وعضو مجلس مدينة طهران السابق غلام رضا أنصاري
أن عدم التفاعل بين حكومة رئيسي وأعضاء النخبة أدى إلى فجوة بين الحقائق
الاجتماعية والخطط والسياسات الحكومية.
وأحد
الأمثلة البارزة على ذلك، هو كيف أوقفت الحكومة سعر الصرف المدعوم الذي أدى إلى
زيادة غير مسبوقة في أسعار المواد الغذائية؛ حيث اشتكى عدد من وسائل الإعلام على
نطاق واسع من الكيفية التي أدت بها الزيادة المفاجئة في أسعار الخبز إلى خيبة أمل
الطبقات ذات الدخل المنخفض. وتعد الثقة المتضائلة لسكان الريف في النظام ككل واحدة
من العمليات الأساسية التي قوضت رأس المال الاجتماعي للنظام. فخلال الأشهر القليلة
الأولى من حكومة رئيسي ، كان عذر المسؤولين الجدد هو إلقاء اللوم على إدارة
روحاني. ومع ذلك، بعد مرور أكثر من 16 شهرًا على حكومة رئيسي، من الواضح أنها
مشكلة منهجية تؤدي إلى تراكم خيبة الأمل والمشاعر السلبية تجاه النظام ككل.
ومن
المثير للاهتمام أن حقيقة تصاعد الغضب الاجتماعي لم تكن سراً.، ففي ديسمبر 2021، أفاد
وزير التعليم السابق والنائب الحالي للمجلس حميد رضا حاجبابائي بأنه يجب على
الحكومة تعزيز رأس المال الاجتماعي بنشاط و "توفيق كل مواطن غاضب من نظامه
بسبب القضايا الاقتصادية والاجتماعية".
ومع ذلك،
فإن الحكومة لم تتصالح فقط مع أي من المواطنين المحبطين، بل طورت منهجية مذلة تجاه
النقد البناء من خلال اعتقال ومضايقة أي شخص يشير إلى سوء الإدارة، فالناشط
والمعلق السياسي عباس عبدي يشرح الوضع على النحو التالي: "أحد الأسباب هو
غض الطرف عن الواقع". فهم يعتقدون أنهم إذا لم يروا المشكلة، فلن تكون
موجودة! أو بعبارة أخرى، يتجاهلون النقاد والمعارضين ويظنون أنه بتجاهلهم أو
إذلالهم ستحل المشكلة ويختفي النقاد، والحقيقة إنهم لا يتجاهلونهم فحسب، بل إنهم
يشوهونهم.
رابعًا- التهميش المتعمد
لم يحد هذا النهج من قبل السلطات من
نطاق مناقشات الخبراء حول القضايا الحالية فيما يتعلق بالمرأة والشباب والبيئة
والظلم الاجتماعي وحقوق العمال وما إلى ذلك ، ولكنه أدى إلى خيبة أمل العديد من
شرائح السكان.
وعليه، من الواضح أن قلة الاهتمام
بالمطالب الشعبية وتبديد رأس المال الاجتماعي دفع المجتمع إلى مستوى أصبحت فيه
الاضطرابات الاجتماعية هي الطريقة الوحيدة لإيصال مظالمهم إلى النظام، علاوة على
ذلك، تتسبب كل دورة من الاحتجاجات الاجتماعية في إيران في تكاليف مادية وغير مادية
هائلة، مما يزيد من تفاقم المظالم.
وإذا لم يكن هناك شيء آخر ، فإن الموجة
الحالية من الاحتجاجات في إيران يجب أن تجبر ناخبي النظام على إعادة النظر في
مستوى دعمهم وشرعيتهم في المجتمع دون المبالغة والتشويه المعتاد وإدراك أنها هبطت
إلى ما يقرب من الصفر. وهنا، فإن استعادة الشرعية ودرجة معينة من الثقة ستتطلب
إصلاحات وإجراءات جريئة من شأنها أن تكسب ثقة الطبقات الاجتماعية المختلفة. وتشير
تعليقات كبار القادة إلى أنهم ينظرون إلى أي تخفيف لنهجهم العدواني على أنه علامة
ضعف، وبالتالي، يغيب عن إدراكهم أن المطالب الاجتماعية لن تختفي.
وختامًا: في حين أن هناك
الكثير من عدم اليقين بشأن مستقبل الموجة الحالية من الاحتجاجات، إلا أن هناك
أمرًا واحدًا مؤكدًا، أن الفشل في تلبية مطالب المجتمع من أجل تحسين هياكل الحكم
سيخيب آمال الشرائح السكانية المحبطة بالفعل، مما يمهد الطريق لأشكال جديدة، فالاحتجاج
والمواجهة بات مع نظام ليس لديه رأس مال اجتماعي متبقي للاستثمار في مستقبله.