تركيا واليونان.. توترات مستمرة
يقول المسؤولون اليونانيون إن العلاقات مع تركيا كانت متوترة للغاية
قبل الانتخابات المتوقع إجراؤها في كلا البلدين في يونيو المقبل، مما قد يؤدي إلى
وقوع حادث عسكري في بحر إيجه أو شرق البحر المتوسط يمكن أن يؤدي إلى صراع أوسع.
وتعتقد اليونان أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى خلق أزمة أمن قومي من
شأنها أن تعزز شعبيته، التي تتضاءل بعد 20 عامًا في السلطة نتيجة الأزمات
الاقتصادية المتلاحقة التي برزت بشكل كبير مع تراجع سعر الليرة التركية وزيادة نسب
التضخم. في أغسطس الماضي، أعلنت تركيا أن ربما تأتي تغزو الجزر إذا لم تحترم
اليونان الاتفاقيات الموقعة بين البلدين والتي تلزم تنص على ضرورة أن تكون الجزر
خالية من السلاح.
حرب 1919-1922
دائما ما يتحدث الأتراك عن الحرب اليونانية التركية من 1919-1922،
والتي هزمت فيها الجيوش التركية محاولة يونانية للسيطرة على غرب الأناضول. في عام
1923، منحت معاهدة لوزان اليونان جزر شرق بحر إيجة ووضعت قيودًا على البنية
التحتية العسكرية هناك. وتصر تركيا أن اليونان تجاوزت تلك الحدود وعليها بالتالي
التنازل عن الجزر. على صعيد متصل، تصر الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أن إن
سيادة اليونان على الجزر لا جدال فيها.
وقد ازداد التوتر بين تركيا واليونان بعدما أخبرت الأخيرة الولايات المتحدة بعد تزويد تركيا بمقاتلات جديدة من طراز اف-16 لأن تركيا تمثل تهديد عسكريا مباشرا لليونان. كما أكدت اليونان أن تركيا قد قامت بأكثر من 7000 انتهاك جوي للمجال الجوي لليونان. "آخر شيء يحتاجه الناتو في الوقت الذي ينصب فيه تركيزنا على مساعدة أوكرانيا على هزيمة العدوان الروسي، هو مصدر آخر لعدم الاستقرار في الجناح الجنوبي الشرقي لحلف الناتو" قال رئيس الوزراء اليوناني.
دور غاز
المتوسط في تصاعد النزاع
تتعلق القضية الثانية بالحقوق السيادية لاستغلال الغاز الموجود تحت
سطح البحر خارج المياه الإقليمية - وهي منطقة تُعرف بالمنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ). تمنح قواعد اتفاقية
الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) اليونان 500 ألف كيلومتر مربع (193 ألف ميل مربع) من المنطقة
الاقتصادية الخالصة في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط. وتعد تركيا ليست من
الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ولا توافق على توفيرها
للجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر. في عام 2019، وقعت تركيا اتفاقية
بحرية مع ليبيا تقطع ممرًا عبرها. وندد الاتحاد الأوروبي بهذا الاتفاق ووصفه بأنه
"غير قانوني"، لكن تركيا وقعت في وقت سابق من هذا الشهر اتفاقية
"استكشاف وتنقيب" مع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس داخل الممر، مشيرة
إلى أنها سترسل سفن مسح إلى هناك. اقترحت اليونان التحكيم في نزاع المنطقة
الاقتصادية الخالصة في محكمة العدل الدولية في لاهاي، لكنها ترفض مناقشة حقوقها في
المياه الإقليمية تحت تهديد الحرب.
تعتقد العديد من المحللين أن اليونان لا يجب أن تتفاوض على حقوقها
السيادية في البحر المتوسط او بحر إيجه، لأن مجرد التفاوض يعني أن تركيا تمتلك
الحق في مناطق تقع تحت السيادة اليونانية. ويرى العديد من المحللين أن اليونان
بحاجة إلى استراتيجية لتوسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلًا بحريًا، على أن تكون
استراتيجية متداخلة تمكن اليونان من تطبيق قانون البحار بدلاً من مجرد الاحتجاج
به. ويقترح العديد من المحللين العسكريين أن تقوم اليونان بتمديد نفوذها العسكري
أولا خارج جزيرة تكريت ثم تتوسع جنوبا بعد ذلك. بالفعل، طالبت اليونان بـ 12 ميلًا
بحريًا من المياه الإقليمية قبالة ساحلها الأيوني في 26 أغسطس 2020، في ذروة
أزمتها الأخيرة مع تركيا.
في ذلك الوقت، قال وزير الخارجية نيكوس ديندياس إن المياه الإقليمية
قبالة جزيرة كريت ستكون المياه الإقليمية التالية التي سيتم تمديدها. من المتوقع
أن تسهم هذه الخطوة في زيادة التوتر بشكل كبير مع تركيا خاصة أن الأخيرة قد قامت
بترسيم حدودها البحرية مع ليبيا، الأمر الذي جعل المنطقة الواقعة جنوب جزيرة تكريت
والتي تنوي اليونان التوسع فيها منطقة اقتصادية خالصة لكل من تركيا وليبيا.
وبسبب هذه الأزمة، تسعى اليونان لتقوية علاقتها مع الدول الواقعة
جنوب البحر المتوسط، وخصوصا مصر، من أجل تقوية موقفها في نزاعها الجيوسياسي مع
تركيا. تركيا بدورها تدرك أهمية مصر الكيرة في هذا الملف، ولذلك تعمل جاهدة على
إصلاح العلاقات مع مصر. وقد بدا ذلك واضحا للغاية خلال لقاء الرئيس المصري بنظيره
التركي في قطر أثناء افتتاح بطولة كأس العالم في نوفمبر الماضي. بعد ذلك، عبر
الرئيس التركي عن رغبته الصريحة في تحسين العلاقات مع مصر لأهميتها الكبيرة في
المنطقة، كما خرج وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو ليتحدث عن العلاقات
التاريخية بين البلدين، في إشارة واضحة لرغبة أنقرة تحسين العلاقات مع مصر.
في النهاية، تعد الخلافات بين تركيا واليونان تاريخية، وتلعب جزء بحر ايجه الدور الرئيسي في هذا الصراع، حيث تطالب أنقرة بسيادتها على بعض الجزء التي تسيطر عليها اليونان. علاوة على ذلك، تري أنقرة أن اليونان قد استخدمت الجزء لأغراض عسكرية، وهو أمر يخالف اتفاقية لوزان.