شهدت
إيران أحداثًا كبيرة خلال عام 2022 والتى
تمثل أبرزها في توقف مفاوضات الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (4+1) بشكل مباشر والولايات
المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر ووصولها إلى طريق مسدود، واندلاع الاحتجاجات
الشعبية التى قامت إثر مقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني على يد شرطة
الأخلاق بسبب مخالفتها لقواعد اللباس العام، فضلاً عن تدهور مستوى معيشة المواطن
الإيراني بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة الناشئة عن استمرار فرض العقوبات الاقتصادية،
وتصاعد حدة الانتقادات من قبل كل من الإصلاحيين والأصوليين لحكومة إبراهيم رئيسي.
وعليه، سيتم
العرض فيما لأبرز تفاصيل هذه الأحداث، وخاتمة حول استشراف مستقبلها في عام 2023:
أولاً- توقف مفاوضات الاتفاق
النووي
رغم
استئناف المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة (4+1) عقب تنصيب الرئيس الإيراني
الجديد إبراهيم رئيسي بقيادة رئيس وفد التفاوض ونائب وزير الخارجية للشؤون
السياسية باقري كني، إلا أنها توقفت بعد
ذلك في أغسطس لعام 2021 على خلفية مجموعة من الأسباب تمثل أبرزها في عدم رغبة
القيادات الإيرانية بالتسرع في العودة مستندة إلى أن الوقت يلعب في صالح إيران والعكس،
وأن المماطلة في هذا السياق، عبر الاستفاضة في التفاصيل الصغيرة والمعقدة خلال
المفاوضات، يمكن أن تغير حسابات الأطراف المختلفة، وتعزز مكاسب إيران بشكل أكبر
مما هى عليه في الوقت الحالي.
ومن
ناحية أخرى، تخشى إيران من مجئ إدارة جمهورية أو حتى أن تقوم إدارة بايدن بالخروج
من الاتفاق بعد العودة إليه، ولاسيما أن الطرفين لم يتوصلا إلى الضمانات التى يمكن
أن تقف كحجر عثرة حيال ذلك. وبالتوازي مع ذلك، يبدو إنه تمارس المزيد من الضغوط
على إدارة بايدن في الداخل الأمريكي سواء من الجمهوريين أو حتى الديمقراطيين
بالضغط على إيران في هذا الإطار، سواء فيما يتعلق بتقديم أكبر قدر ممكن من
التنازلات وصولاً إلى الرغبة في التريث بشأن العودة إلى الاتفاق أو منع التوصل إلى
هذه النقطة من الأساس.
وهو
الأمر الذي تزايدت حدته بعد تصاعد الاحتجاجات في إيران عقب مقتل الفتاة اكردية
مهسا أميني في 16 سبتمبر الفائت، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران من
قبل القوى العالمية وتمسك كافة التيارات السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية
بضرورة فرض المزيد من العقوبات المرتبطة بحقوق الإنسان على إيران، الأمر الذى من
شأنه أن يعرقل جهود العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة الشاملة مع إيران، إلا
لم ينسفها من الأساس، بالنظر إلى مطالب إيران بالتوقف عن فرض العقوبات.
ثانيًا- تصاعد الاحتجاجات
الشعبية
انطلقت
في 16 سبتمبر الفائت تظاهرات كبيرة ومازالت متواصلة في إيران بحلول شهرها الثالث،
على خلفية مقتل فتاة إيرانية على يد شرطة الأخلاق، وكشفت الكثير من التقديرات عن
أن هذه التظاهرات تختلف عن الاحتجاجات السابقة من جوانب عدة يتمثل أبرزها في دخول
العامل القومي العرقي على الخط؛ فرغم أن معظم الاحتجاجات التي تشهدها إيران تنطلق
من المناطق الطرفية ثم تنتقل إلى المحافظات الأخرى حتى تصل إلى العاصمة طهران.
ويمكن تفسير ذلك في ضوء أسباب عديدة، يتمثل أبرزها في حرص النظام على منح الأولوية
لتأمين العاصمة، وتصاعد الأزمات المعيشية في المناطق الطرفية، وتزايد تأثير
الجماعات العرقية المسلحة التي تستخدم الحدود مع الدول الأخرى لشن هجمات ضد النظام
وأجهزته وقواته المسلحة، إلا أن بروز العامل الكردي والتفاف بقية العرقيات الأخرى
حوله ولاسيما فيما يتعلق بالبلوش والسنة، عزز من صدى الاحتجاجات وأدى إلى
استمرارها.
ورغم
بروز العامل النسوي في هذه الاحتجاجات، إلا أن المزيد من الرجال خرجوا أيضًا
لتأييد صحوة النساء والمطالبة بحقوقهن. وبينما بدأت هذه التظاهرات بناءًا على
أسباب سياسية، إلا أن ذلك امتد فيما بعد ليشمل بقية الجوانب ولاسيما الاقتصادي
والاجتماعي. كما يظهر البعد الثالث من بين الاختلافات التى تميز هذه الاحتجاجات في
استمرارها حتى الشهر الثالث، بالخلاف مع احتجاجات عام 2009 التى استمرت لمدة أسبوع
واحتجاجات نوفمب لعام 2019 التى امتدت لعشرة أيام فقط.
ويبدو أن
المدة الطويلة التى استمرت عليها احتجاجات مهسا أميني وهي ثلاثة أشهر يرجع إلى
التراخي النسبي للقبضة الأمنية لقوات الحرس الثوري والشرطة الإيرانية، ورغم رغبتهم
في فض الاحتجاجات مرة واحدة نتيجة إدراكهم لكم الخسائر البشرية التى يمكن تكبدها
حيال مثل هذه الطرق غير الأدامية. ويتصل هذا العامل بمتغير آخر يتمثل في البعد
الدولى البارز الذى اكتسبته مثل هذه الاحتجاجات؛ حيث ظهر ذلك بداية من خروج
مظاهرات مؤيدة لها في أكثر من 50 عاصمة أوروبية وعربية حول العالم، وصولاً إلى فرض
المزيد من العقوبات من قبل القوي الدولية مثل كندا والمانيا والولايات المتحدة
الأمريكية على إيران، وطرد إيران من لجنة المرأة التابعة للجمعية العامة للأمم
المتحدة، فضلاً عن تعيين المنظمة الأممية لـ3 حقوقيات للتحقيق في قضية مقتل مهسا
أميني في إيران وهن المحامية لدى المحكمة العليا في بنجلادش "ساره حسين"،
وأستاذة الحقوق في جامعة وورويك في المملكة المتحدة الباكستانية "شاهين سردار
علي"، ومديرة "مركز العدل والقانون الدولي" الذي يعنى بالدفاع عن
حقوق الإنسان في الأمريكيتين فيفيانا كرستيشيفيتش.
ثالثًا- تدهور وضع الاقتصاد
الإيراني
شهد عام
2022 تصاعد لبعض المؤشرات الاقتصادية السلبية مثل معدل التضخم؛ حيث يعد ارتفاع
معدل التضخم واقعاً متأصلاً في الاقتصاد الإيراني، إذ شهد ارتفاعاً في معظم
السنوات خلال العقدين الماضيين، باستثناء عامي 2016 و2017 فقط حيث كانت معدلات
التضخم أقل من مستوى الـ 10%، نتيجة رفع العقوبات عن إيران إثر إبرام الاتفاق
النووي، لكن شهدت السنوات الأخيرة تفاقماً في معدلات التضخم، لتبلغ 40.1% خلال عام
2021، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وفي
السياق ذاته، تواصل انهيار العملة الإيرانية انخفاضاً أمام الدولار خلال الأشهر الماضية،
ليصل إلى مستويات قياسية من الانخفاض، تأثُراً بتوقف المحادثات النووية بين إيران
والقوى الغربية؛ حيث فقد الريال الإيراني أكثر من ربع قيمته منذ بداية العام ليصل
أكثر من 360 ألف ريال مقابل الدولار، فضلاً عن أن محاولات السلطات الإيرانية لدعم
الريال قد تسببت في تآكل الاحتياطي النقدي.
وكذلك، وفقاً
لبيانات البنك الدولي بلغ معدل البطالة في إيران 11.5% من إجمالي القوة العاملة
خلال عام 2021، وبلغت البطالة بين الإناث نحو 19% وبين الذكور حوالي 9.9%. وعليه، يعاني
الإيرانيون تراجع مستويات المعيشة، في ظل القرارات التي اتخذتها الحكومة بشأن
التخلي عن دعم الدولار المخصص لاستيراد السلع الغذائية أو ما يُعرف بالدولار
التفضيلي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية بما في ذلك
القمح، مما زاد من الضغوط على الأسر الإيرانية. ولم تنجح سياسات الحكومة الإيرانية
في تعويض الفئات المتضررة من آثار ارتفاع الأسعار.
وتأسيسًا
على ما سبق، ارتفعت معدلات الفقر في إيران
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الماضية، حتى أن حوالي ثلث السكان
أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، فيما تشير أحدث إحصاءات صادرة عن البنك الدولي إلى أن
معدل الفقر في إيران قد بلغ حوالي 27.6% عام 2019.
رابعًا- زيادة الانتقادات في
مواجهة حكومة رئيسي
رغم
التوجه المتشدد الذى جاءت به حكومة رئيسي في أغسطس 2021، إلا أنه مع الاداء
الاقتصادي الضعيف لحكومته وقرب انعقاد الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال
السنوات القليلة القادمة دفع المزيد من الإصلاحيين، بل وحتى الإصلاحيين لتوجيه
المزيد من الانتقادات لحكومة رئيسي، للتعبير عن عدم ارتباطهم أو بالاحرى رضاهم عن
أداء حكومته وأنهم يتطلعون للأفضل.
وفي هذا
السياق، اعترض الكثير من المسؤولين الإيرانيين على الأساليب التى اتبعتها حكومة
رئيسي بشأن قضايا عدة تمثل أبرزها في الاتفاق النووى والعلاقة مع القوى الكبرى،
والقمع المتزايد الذي تتعامل من خلاله حكومة رئيسي مع المحتجين في إيران، واتضح
ذلك في تصريح رئيس شركة "خاتم الأنبياء" سعيد محمد خلال تغريدة له على
منصة التواصل الاجتماعي توتير في 22 ديسمبر 2022 حول مدى المهنية والكفاءة التى
يوجد عليها الفريق الاقتصادي للحكومة، قائلاً: "التناقض ونقص التخطيط والخبرة هي آفات
الفريق الاقتصادي للحكومة، ولا شك أن استعادة الفريق الاقتصادي من منظور الكفاءة
هي إحدى الأولويات، وطبعاً صمت البرلمان مدعاة للتفكير، بالتأكيد إرضاء الناس أهم
من إرضاء المساهمين، لكن يبدو أن الجميع راضٍ عن هذا الفريق باستثناء الناس".
كما أكد الناشط
السياسي الأصولى منصور حقیقتپور في تصريح
له مع وكالة أنباء إيلنا في 19 ديسمبر 2022 على أنه بهذا السعر للدولار تتحول نصف
ثروة الإيرانيين إلى "قشة". وقال حقیقتپور في ذلك: "تولت حكومة
رئيسي عندما كان الدولار يساوي 23 ألف تومان، لكن وصل اليوم إلى 38 ألف تومان،
الأمر الذي يجعلنا نتساءل أين دور الإصلاحات الاقتصادية التى تحدثت عنها الحكومة؟".
وختامًا: رغم
ظهور عدد بعض المؤشرات التى تكشف عن إمكانية عودة الأطراف المتفاوضة مع إيران إلى
استئناف مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة مرة أخرى خلال عام 2023، إلا إنه من
المتوقع أن تتصاعد الأزمة الاقتصادية في إيران ما لم يتم رفع العقوبات عنها بعد
العودة إلى الاتفاق النووي. ومن ناحية أخرى، ربما تتواصل الاحتجاجات ما لم تقدم
الحكومة على تقديم المزيد من التنازلات أمام غليان الشارع الإيراني، وبالتالي
استمرار الانتقادات الموجهة لحكومة رئيسي، في ظل الأداء الضعيف للفريق الاقتصادي
وعدم ملاحظة أية أثار ملموسة لمزاعم الحكومة عن القيام بإصلاحات.