مع استمرار الأزمة
الإنسانية في اليمن، وفيما كانت الأطراف الدولية تُكثف جهودها لتوسيع الهدنة في
اليمن على مدار الشهر الماضي كان مجلس الأمن الدولي دائم التأكيد والحث لجميع
الأطراف المتحاربة في اليمن على ضرورة تكثيف المفاوضات بشكل عاجل من أجل تمديد
الهدنه قبل انتهائها مُسلطًا الضوء على ما جناه اليمن من ثمار ملموسة نتيجة
الاتفاق بين الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثي والذي دخل شهره السادس الآن، والتي
تمثلت في انخفاض بنسبة 60% في عدد الضحايا، بالإضافة إلى تضاعف الوقود القادم من
ميناء الحديدة أربعة أضعاف، بينما سمحت الرحلات الجوية القادمة من العاصمة صنعاء
ل21 ألف شخص بتلقي العلاج الطبي، وكذلك السماح بدخول المساعدات الإنسانية القادمة
من الخارج.
كان قد تم الإعلان عن
الهدنة لأول مرة في الثاني من أبريل الماضي لمدة شهرين في البداية ثم جرى التجديد
في يونيو لمدة شهرين آخرين، ثم مرة أخرى في أغسطس لتمثل تلك أطول فترة هدوء نسبي
في اليمن منذ أكثر من سبع سنوات من الحرب. والآن وبعد انتهاء الهدنة مازالت الأمم
المتحدة تبذل قصارى جهدها لتجديد الهدنة مرة آخرى أملًا في أن يترجم ذلك لوقف دائم
لإطلاق النار تمهيدًا لحوار سياسي وتسوية سلمية.
ترحيب حكومي..وتعنت حوثي
أعلن مبعوث الأمم المتحدة
في اليمن "هانز غروندبرج" يوم الأحد الثاني من أكتوبر عدم التوصل لاتفاق
على تمديد الهدنة، وبينما كانت ترحب الحكومة اليمنية بمقترح الأمم المتحدة لتمديد
الهدنة حسب ما قد صرح به وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" بعد
لقاء جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن "رشاد العليمي" وما تلاه
من تأكيد الحكومة اليمنية موافقتها على المقترح المعدل الذي عرضه المبعوث الأممي
الخاص لليمن "غروندبرج" من قبل، في محاولة منها لإنجاح الجهود الرامية
للتخفيف من المعاناة الإنسانية لجميع أبناء الشعب اليمني دون تمييز، يأتي الرفض
الحوثي للمقترح السابق دون التطرق إلى ما طرأ عليه من تعديلات وكان المقترح قد
تضمن دفع المرتبات للتخفيف من معاناتهم، وفتح طرق محددة في تعز ودخول سفن الوقود
إلى ميناء الحُديدة دون عوائق، وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق
العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين، كما تضمن الشروع في مفاوضات
لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة تمهيدًا لإجراء حوار وطني من أجل
التسوية السلمية.
ويرجع التعنت الحوثي
واتباع هذا النهج المتكرر من المراوغة ووضع العراقيل أمام أي تسوية سلمية محتملة
في اليمن إلى العديد من الأسباب ومنها الدعم الإيراني للحوثيين وهو ما يشجع
الميليشيا الانقلابية على مواصلة انتهاكاتها، حيث تُعتبر ميليشيا الحوثي أحدى
وكلاء طهران في المنطقة التي تستخدمه في الضغط على السعودية وقوات التحالف العربي
فضلًا عن مساومة طهران بالملف اليمني لتحقيق مكاسب في ملفات أخرى، وعلى رأسها
تخفيف حدة العقوبات الأمريكية على طهران، ناهيك عن الملف النووي الإيراني وهو ما
يفسر التعنت الحوثي في الوقت الحالي بشأن قرارتمديد الهدنة نظرًا لعدم التوصل
لاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، أضف إلى ذلك سعي الحوثيين لتحقيق بعض المكاسب
الميدانية لتعويض ما لحق بهم من خسائر في مرحلة ما قبل إعلان الهدنه وهو ما انعكس
في الخروقات المتكررة للهدنة من قبل جماعة الحوثي وأخرها الهجوم على تعز وهو ما
فسر قبول الحوثيين بالهدنة في 2 أبريل الماضي لإعادة ترتيب أوراقهم مرة أخرى
بإيعاذ من طهران التي كانت على وشك الدخول في جولة أخرى من المفاوضات بشأن الملف
النوووي.
واقع الصراع في اليمن
ترجع حالة عدم الاستقرار
وديمومة الصراع التي يشهدها اليمن إلى العديد من الأسباب منها شحة الموارد
والتضاريس الوعرة، وضعف الهوية السياسية الجامعة، والتي أفرزها تاريخ طويل من
انقسام سياسي مزمن. فعلى مدار التاريخ لم يعرف اليمن الحكومات المركزية التي تبسط
سيطرتها الفعلية وتحكم نفوذها على جميع أراضيه، إلا في حالات نادرة ولم تكن تشمل
جميع أراضي الجمهورية اليمنية الحالية. بينما ساهمت حالة العزلة التي فرضها الموقع
الجغرافي تحت حكم الأئمة في تخلف اليمن عن التطورات التي كان يشهدها العالم،
وتقوية كيانات ما دون الدولة (قبائل، مشيخات، سلطنات). وبالنظر إلى طبيعة الحرب في
اليمن والتي هي خليط غير متوازن من الحرب الأهلية والحرب الدولية والحرب بالوكالة
والحرب الطائفية المذهبية، فالصراع القائم في اليمن ليس تعبيرًا عن صراع مستقل
قائم بذاته، إنما يمثل وجهًا من وجوه صراع مركب متعدد الأطراف تتداخل فيه مصالح
إيرانية وأمريكية وإسرائيلية وسعودية وإمارتية فضلًا عن العوامل الثقافية
والطائفية والأجندات المحلية للقوى الفاعلة والمؤثرة في الحرب.
يزداد المشهد اليمني
تعقيدًا يومًا بعد يوم وتزداد حدة الأزمة الإنسانية بمرور الوقت ما لم يتم التوصل
إلى اتفاق يُنهي الصراع في ظل تشابك المصالح وتوافر العوامل التي تحفز ديناميات
الصراع والتي تتمثل في استمرار تقديم الدعم الخارجي للأطراف المتحاربة والتي تزداد
يومًا بعد يوم مع اتباع بعض الدول استراتيجيات من شأنها إطالة أمد الصراع وعدم
وجود موقف دولي حازم تجاه الأوضاع في اليمن.
مآلات الحرب
ليس من السهل التنبؤ
بطبيعة مسار الحرب في اليمن في ظل تعقيدات المشهد الحالي، ولكن بالنظر لآخر تطورات
الأوضاع يمكن أن نُقدر مسار الحرب أو عملية السلام وفق السيناريوهات التالية:
· السيناريو الأول: استمرار
الحرب وإنتاج حلول مؤقتة
يعكس هذا السيناريو
استمرار بقاء الحرب والضغوط الميدانية وإنتاج الحلول المؤقتة وهو الأرجح في المشهد
والثابت عمليًا وفق المعطيات الحالية وهو ما كان يحدث على مدار 7 سنوات من الحرب،
ويستند هذا السيناريو إلى أن نواة الحل السياسي لم تتشكل بعد بالإضافة إلى عدم
تقديم أحد الأطراف خارطة طريق متفق عليها من جميع الأطراف يمكن الإرتكاز إليها في
الحوار السياسي، وما يفرض وقوع هذا السيناريو هو فشل الأمم المتحدة مؤخرًا في
إعادة تمديد الهدنة مرة أخرى وفق ما أعلن عنه المبعوث الأممي في اليمن "غروندبرج"،
ويعزز فرضية هذا السيناريو وجود مصالح وحسابات دولية إقليمية متداخلة يجب مراعتها
عند الشروع في محاولة فعلية لإنهاء الأزمة.
· السناريو الثاني: التقسيم
التفتيت
يعزز السيناريو الأول من إمكانية
تحقق السيناريو الثاني فمع استمرار الحرب و وفقًا لأخر التطورات الميدانية وفشل
الأمم المتحدة والأطراف الدولية في إعادة تمديد الهدنة تدعم تلك المتغيرات صور
التقسيم طبقًا للأوضاع الميدانية، إذ يحتفظ كل طرف بما حققه من مكاسب على أرض
الواقع في ظل عدم القدرة على التوصل لحلول ترضي جميع الأطراف، حيث بات أمر تقسيم
اليمن بشكل قانوني أمر غير مستبعد مع الأخذ في الإعتبار التقسيم الضمني الواقع
طبقًا للأوضاع الميدانية، إذ تلوح في الأفق أبعاد دولة فيدرالية تتمتع أقاليمها
بالحكم الذاتي وهذا ما يعززه مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الانفصالية
الموالية له وتمركز قوات الحوثي في الشمال محتفظه بما حققته من مكاسب مع الأخذ في
الإعتبار الاعتبارات الدينية المذهبية والعشائرية عند إجراء التقسيم، إن كان هذا
السيناريو غير مرجح حاليًا لكنه وارد الحدوث على المدى البعيد أو المتوسط.
خيارات متعددة
على المجتمع الدولي
والأطراف الدولية إن أرادت التوصل لحل للأزمة اليمنية أن تراعي شواغل الأطراف
الفاعلة والمؤثرة في الصراع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر دون الاقتصار على
مبادرات تخاطب الأطراف المحلية للصراع من دون الأخذ في الاعتبار مصالح القوى
الإقليمية والدولية، فالصراع اليمني هو صراع بين قوى إقليمية، أشعلته عوامل وقوى
داخلية، لذلك كان من المتوقع منذ البداية رفض جماعة الحوثي تمديد الهدنة نظرًا
لعدم التوصل لاتفاق بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي لذلك عاودت
إيران الضغط مرة أخرى من خلال وكلائها وأذرعها المسلحة وهو ما انعكس مؤخرًا على
الأوضاع في العراق وترجم فعليًا في رفض جماعة الحوثي تمديد الهدنة.
ختامًا، من المرجح أن
تستمر ميليشيا الحوثي في المراوغة بشأن أي مبادرات سياسية لحل الأزمة اليمنية
طالما مازالت تتلقى الدعم الخارجي في ظل
غياب الضغوط الدولية الحقيقية لإجبارها على قبول الحل السياسي.