انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على سياسات الطاقة في ألمانيا
لا
شك أن الأزمة الروسية الأوكرانية أحد أبرز المواضيع المطروحة على الساحة منذ فترة
زمنية ليست بالقليلة، وذلك لما يترتب عليها من تغير في موازين القوى سواء على
المستوى العالمي أو حتى على المستوى الإقليمي، وما تسببت فيه من تداعيات على كثير
من القطاعات كالطاقة وسلاسل إمداد الغذاء لاسيما على دول الجوار الأوروبي، حيث تعد
ألمانيا أحد أبرز المتأثرين من تلك الأزمة.
فألمانيا
التي طالما كانت أحد أبرز اللاعبين على المسرح السياسي العالمي باعتبارها أحد أكبر
القوى الاقتصادية والعسكرية باتت تعاني الآن خطراً متقعاً ناجماً عن تداعيات الحرب
الروسية الأوكرانية، ما جعلها بين شقي رحى مواجهة الخطر الروسي القادم من الشرق
باعتباره تهديداً لأمن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو الداعم لأوكرانيا والتي تعتبر
ألمانيا جزءاً من كليهما على حساب مصالحها المشتركة مع روسيا، والتي تتجسد بشكل
واضح في إمدادات الغاز المتدفقة من روسيا إليها.
ونتيجة
لقوة المصالح الإستراتيجية الألمانية الأوروبية، اختارت ألمانيا الانحياز للمعسكر
الغربي ومواجه الغضب الروسي الذي انعكس في قطع إمدادات الغاز الطبيعي عن دول
أوروبا المساندة لأوكرانيا والتي وصفها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"
بأنها دول غير صديقة، وهو الأمر الذي انعكس بالسلب على الاقتصاد الألماني وبوجه
التحديد قطاع الطاقة في ألمانيا، التي كانت تعتمد بنسبة كبيرة على الغاز القادم
إليها من روسيا، لإدارة عجلة اقتصادها، وتدفئة المنازل والمنشئات، الأمر الذي
استدعى إحداث تغيرات من قبل الحكومة الألمانية في سياسات الطاقة المتبعة هناك، وهو
ما تهدف هذه الدراسة لعرضه ومناقشته، وذلك من خلال الوقوف على أبرز التعريفات
والمصطلحات المتعلقة بالموضوع، فتتناول الدراسة تعريف الأزمة مع توضيح أهم
مؤشراتها، كذلك الأمر فيما يتعلق بمفهوم السياسات العامة للدولة ومؤشراتها، كما
تسعى الدراسة لتوضيح أهمية قطاع الطاقة ومكوناته.
ومن
جانب آخر تسلط الدراسة الضوء على أبعاد الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها على أرض الواقع
فيما يتعلق بقطاع الطاقة الألماني مستخدمين في ذلك عدسة منهج تحليل النظم لمحاولة
عرض وتحليل سياسات الطاقة الجديدة والبدائل المتاحة لدى الحكومة الألمانية لمواجهة
هذه الأزمة، سواء كان ذلك بالدفع نحو تعزيز استخدام الطاقة النووية، أو حتى
بالعودة لاستخدام الفحم والوقود الأحفوري، جنباً إلى جنب مع ترشيد الاستهلاك، لكي
لا يتسع الفتق على الرتق، وتنجو ألمانيا من تداعيات تلك الأزمة.
مشكلة الدراسة
تسعى الدراسة إلى الإجابة عن تساؤل رئيسي وهو ما تداعيات
الأزمة الروسية الأوكرانية على سياسات الطاقة في ألمانيا؟
وذلك من خلال الإجابة على عدة تساؤلات فرعية أهمها :
1. ما أبعاد الأزمة الروسية الأوكرانية؟
2. ما مدى تأثر قطاع الطاقة في ألمانيا بالأزمة
الروسية الأوكرانية؟
3. كيف اختلفت سياسات الطاقة في ألمانيا بعد اندلاع
الأزمة الروسية الأوكرانية؟
فرضية الدراسة
تبنى
الدراسة على فرضية أن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية يمثل تهديداً لسياسات
الطاقة في ألمانيا.
أهمية الدراسة
تنبع أهمية الدراسة من الآتي:
1.
الأهمية
العلمية: حيث تتناول الدراسة مفاهيم: الأزمة، السياسات العامة، الطاقة.
2.
الأهمية
العملية: حيث تحاول الدراسة الوصول إلى:
·
معرفة
مدى تأثر قطاع الطاقة في ألمانيا بالأزمة الروسية الأوكرانية
·
السياسات
المتبعة من الحكومة الألمانية لمواجهة تلك الأزمة بما يحقق مصالحها في ذلك القطاع.
أهداف الدراسة
تهدف الدراسة إلى:
1. توضيح معالم وأبعاد الأزمة الروسية الأوكرانية.
2. معرفة مدى انعكاسات تلك الأزمة على قطاع الطاقة في
ألمانيا.
3. عرض السياسات المتبعة من الحكومة الألمانية لمواجهة
تلك الأزمة.
منهجية الدراسة
في هذه الدراسة سيتم استخدام منهج تحليل النظم، لمحاولة فهم مدى
تأثر قطاع الطاقة في ألمانيا بالحرب الروسية الأوكرانية، وذلك من خلال معرفة أهم
السياسات التي تم اتخاذها حيال هذا القرار (هذه القضية)، ودراسة أهم القوى المؤثرة
على تلك السياسات مثل قرارات الحكومة الألمانية بقيادة المستشار الألماني
"أولاف شولتز"، ومخرجات هذه السياسات على المجتمع الألماني.
مفاهيم الدراسة
الأزمة:
عرفها
"فولتر ريموندا" بأنها حدوث خلل جسيم في العلاقات الطبيعية بين الدول
ذات السيادة؛ بسبب عجزها عن حل نزاع قائم بينها، كما يرى أن الأزمة قد تتمثل في
الأنشطة الرامية إلى تهديد وجود الدولة أو مصالحها الحيوية.
وعرفها
الكاتب السياسي "آلاستير بوتشان" أنها تحدٍ متعمد يقابله رد فعل مدروس،
وفي هذه العملية يسعى كل من طرفي النزاع إلى توجيه الأحداث لصالحه.
بينما
يحصر "هنري كسينجر" مفهوم الأزمة في مجرد كونها عرضا لوصول مشكلة ما إلى
المرحلة السابقة مباشرة على الانفجار، مما يقتضي ضرورة المبادرة بحلها قبل أن
تتفاقم عواقبها.
ويرى
الدكتور عباس رشدي العماري أن الأزمة عبارة عن فعل، أو رد فعل إنساني يهدف إلى
توقف، أو انقطاع نشاط من الأنشطة، أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع؛ بهدف إحداث
تغيير في هذا النشاط أو الوضع لصالح مدبره.
ومما
سبق يمكن تلخيص أهم مؤشرات الأزمة في الآتي:
·المفاجأة:
حيث تفاجئ الدول وصانعي القرار بحدوثها.
·التهديد:
حيث تهدد الأهداف العليا والأمن القومي للبلاد.
·ضيق
الوقت: حيث تتوالى وتتلاحق أحداثها، ما لا يسمح لصانع القرار باستعراض كافة
البدائل المتاحة.
السياسات
العامة للدولة
عرفها
"منري توني" بأنها تلك الوسائل المعتمدة من خلال الحكومة في سبيل إحداث
تغيرات معينة داخل النظام الاجتماعي للدولة.
ويرى
"توماس داي" أنها العلاقة بين الوحدة الحكومية وبيئتها؛ فهي تعبير عن كل
شيء تقوم به الحكومة، وأنها اختيار الحكومات لما تفعله، وما لا تفعله ضمن مجال
معين.
بينما
يرى "جيمس اندرسون" أنها الأهداف التي تقرر الحكومة تنفيذها في محتلف
مجالات النشاط التي تتدخل فيه الدولة.
واعتبرها
"دي كوسيولاس" أنها تلك القرارات والخطط التي تضعها الهيئات الحكومية من
أجل معالجة القضايا العامة في المجتمع.
وعرفها
"ديفيد استون" بأنها توزيع القيم في المجتمع بطريقة سلطوية آمره من خلال
القرارات والأنشطة الإلزامية الموزعة لتلك القيم في إطار عملية تفاعلية بين
المدخلات والمخرجات والتغذية العكسية.
ومما
سبق يمكن تلخيص أهم مؤشرات السياسات العامة للدولة في الآتي:
·حكومية:
بمعنى أنها تصدر من حكومات الدول.
·هادفة: فهي
تتم بناء على معطيات موجودة وتهدف لتحقيق نتائج محددة.
·ذات
تغذية عكسية: حيث تستخدم نتائجها في إعادة رسم تلك السياسات سواء بالاستمرار، أو
التعديل، أو الإلغاء.
قطاع الطاقة
هو
القطاع الذي يقوم عليه اقتصاد الدول، وتتكامل فيه جميع الأنشطة الاقتصادية
المتعلقة بالطاقة ومنتجاتها التي تنقسم وفقا للأمم المتحدة إلى:
· طاقة متجددة: وهي الطاقة الناتجة عن مصادر طبيعية
بحيث تتجدد بمعدل يفوق ما يتم استهلاكه مثل أشعة الشمس، والرياح، ولا تسبب
انبعاثات ضارة بالبيئة.
· طاقة غير متجددة: وتتمثل في الوقود الأحفوري (الفحم،
والنفط، والغاز) الذي يستغرق تشكيله مئات الملايين من السنين، ويتسبب عند حرقه
لإنتاج الطاقة في انبعاثات ضارة بالبيئة.
عرض موجز للدراسات السابقة
يمكن تصنيف الدراسات السابقة إلى:
1.
دراسات متعلقة بالمفاهيم
وتشمل:
·العماري، عباس رشدي، إدارة
الأزمات في عالم متغير (القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر،1993 )
تناول الكتاب مجموعة من الأفكار المتعلقة بالدراسة،
والتي تدور حول إدارة الأزمات؛ حيث تستفيد الدراسة من الكاتب في الجوانب الآتية:
مفاهيم الدراسية الرئيسية المتعلقة بتعريف الأزمات، وكيفية إدارتها، أوجه
الاستفادة منها.
·اندرسون،
جيمس، صنع السياسات العامة، ترجمة د.عامر الكبيسي (تيكساس، دار المسيرة للنشر
والتوزيع والطباعة، 2009)
والذي يتناول طبيعة السياسات العامة؛ وهو ما استفادت
الدراسة منه في عرض مفهوم السياسات العامة، وكيفية صنعها لتحقيق أهداف الدول،
وأبرز المعوقات التي قد تواجهها، والنتائج المترتبة عليها.
·كدواني،
مروة ممدوح، الأزمة الدولية (أسيوط، جامعة أسيوط، 2021)
حيث استفادت الدراسة من عرض الكتاب لمفهوم الأزمة، و
توضيحه لأبعادها ومؤشراتها، مع ذكره لأمثلة عليها.
2. دراسات متعلقة بقطاع الطاقة والأزمة الروسية الأوكرانية
وتشمل:
·رؤوف،
فتيحاني، دور متغير الغاز الطبيعي في العلاقات الروسية الأوروبية مارس2000- مارس2014 (الجزائر، جامعة الجزائر، 2016)
حيث عرضت هذه الدراسة طبيعة العلاقات
الروسية الأوروبية منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة سنة 2000 ،وهذا على ضوء متغير الغاز الطبيعي؛ بالتالي تمت
معالجة مكانة هذه المادة في السياسة الطاقوية الروسية، وكذلك كيفية توظيفها في
العلاقات الروسية الأوروبية.
·رسول،
محفوظ، الأزمة الأوكرانية والأمن الطاقوي الروسي-الأوروبي في الفترة 2006-2016 ( الجزائر، جامعة الجزائر،
2017)
والذي تناول مفهوم أمن الطاقة، وطبيعة العلاقات بين
روسيا كدولة منتجة للطاقة والاتحاد الأوروبي كمستهلك، وتأثر تلك العلاقة بالأزمة
الأوكرانية خلال الفترة من2006-2016
·دنفر،
صفية، انعكاسات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الغربية (الجزائر، جامعة
محمد خيضر، 2019)
وتناولت هذه الدراسة الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا،
ومعرفة الأسباب التي أدت إلى الأزمة الأوكرانية، وربط عوامل التدخل الروسي والغربي
بمسار تطور الأزمة الأوكرانية، كما تناولت التأثيرات التي أحدثتها الأزمة
الأوكرانية على العلاقات الروسية الغربية.
تقسيم الدراسة
·المبحث الأول: الأزمة الروسية الأوكرانية: مفاهيم أساسية
المطلب الأول: الأزمة وخصائصها
المطلب الثاني: السياسات العامة للدولة
المطلب الثالث: سياسات الطاقة (المفهوم والعناصر)
·المبحث الثاني: تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على ألمانيا
المطلب الأول: أسباب الأزمة الروسية الأوكرانية
المطلب الثاني: انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على ألمانيا
·المبحث الثالث: سياسات الطاقة في ألمانيا
المطلب الأول: سياسات الطاقة في ألمانيا قبل اشتعال الأزمة الروسية
الأوكرانية
المطلب
الثاني: سياسات الطاقة في ألمانيا
بعد اشتعال الأزمة الروسية الأوكرانية
أولا: الأزمة الروسية
الأوكرانية: مفاهيم أساسية
تستحوذ الأزمة الروسية
الأوكرانية في الوقت الحالي على قدر كبير من الاهتمام سواء للباحثين في مجال
العلوم السياسية أو حتى للعوام من الناس؛ وذلك لما ترتب عليها من تداعيات انعكست
بشكل واضح نتيجة للعولمة على حياة الشعوب، ومن ثم وجب في بداية الدراسة تناول بعض المفاهيم
الأساسية حول الأزمة الروسية الأوكرانية كمفهوم الأزمة وخصائصها، ومفهوم السياسات
العامة، وتوضيح مفهوم وعناصر سياسات الطاقة.
المطلب الأول: الأزمة وخصائصها
لطالما
يشهد المسرح السياسي العالمي العديد من الأزمات الناجمة عن تغيرات بيئية سواء
باختلال توازنات القوى أو باحتدام تضارب المصالح بين القوى الإقليمية أو العالمية،
والتي قد تؤثر بشكل واضح وشديد الخطورة إذا لم يتم احتواؤها والحد منها، وفي هذا
الصدد لزم عرض عدة مفاهيم:
الأزمة
فالأزمة
عبارة عن فعل، أو رد فعل إنساني يهدف إلى توقف، أو انقطاع نشاط من الأنشطة، أو
زعزعة استقرار وضع من الأوضاع؛ بهدف إحداث تغيير في هذا النشاط أو الوضع لصالح
مدبره.
كما
تعرف الأزمة على أنها حالة من الاضطراب أو الشدة، وهي نقطة تحول قد تكون للأحسن أو
الأسوأ، وبهذا فهي تحمل إمكانية الفرصة والخطر في آن واحد، وهي وليدة ظروفها
ووضعها الذي توجد فيه سواء كانت على مستوى الفرد أو المجتمع أو المؤسسة أو الدولة.
وتسبب
الأزمة تغيراً في الحياة العادية للمجتمع والوقت الذي يستغرق من حدوث الأزمة إلى
عودة الحياة يسمى وقت الاسترجاع.
وفي
أوسع معانيها تعني الأزمة السياسة موقف مفاجئ يهدد بتحول جذري في الوضع القائم
بسبب المفاجأة، وضيق الوقت القراري، والتهديد القائم للمصالح، وبهذا المعنى
تحدث الأزمة للفرد كما للجماعة والدول.
وتأخذ
الأزمة بعدين أساسيين:
البعد
الأول: بعد الرعب الناجم عن التهديد الخطير للمصالح
والأهداف الجوهرية الخاصة بالطرف المتضرر من الأزمة، وما يترتب عليه من هلع وخوف
يفتح الباب لمزيد من الهواجس والشكوك والاحتمالات المتعارضة على نطاق واسع نتيجة
اتساع نطاق المجهول وتصاعد أحداث الأزمة.
البعد
الثاني: بعد الزمن الناجم عن الوقت المحدد أمام مديري
الأزمات لاتخاذ قرار سريع وصائب، ولا يتضمن أي خطأ، لأنه لن يكون هناك وقت للتأخير
أو لإصلاح الخطأ وذلك لنشوء أزمات جديدة أشد وأصعب من أولى قد تقضي على الكيان
الإداري ذاته، ولا تبقي على أي أعمدة أو قواعد تكفل له الاستمرار.
إدارة الأزمة
يشير
مفهوم إدارة الأزمة إلى كيفية التغلب على الأزمة باستخدام الأسلوب الإداري العلمي
لمحاولة تجنب سلبياتها والاستفادة من الإيجابيات.
كما
تعني إدارة الأزمة التعامل مع الأزمات من أجل تجنب حدوثها من خلال التخطيط للحالات
التي يمكن تجنبها، وإجراء التحضيرات للأزمات التي يمكن التنبؤ بحدوثها، في إطار
نظام يطبق مع هذه الحالات الطارئة عند حدوثها بغرض التحكم في النتائج أو الحد من
أثارها التدميرية.
الإدارة بالأزمة
تستند
الإدارة بالأزمة إلى افتعال الأزمات وتغذيتها واستقطاب عوامل مؤيدة لها، وإجبار الكيان المستهدف على الخضوع
لتأثيرها.
ويطلق
على الإدارة بالأزمات "علم صناعة الأزمة" للتحكم والسيطرة على الآخرين
عن طريق افتعال الأزمات، ولا تحقق الأزمة المفتعلة أهدافها إلا إذا استوفت مواصفات
أهمها: الإعداد المبكر لها، وتهيئة مسرح التنفيذ، والتوزيع الدقيق للأدوار على
منفذيها، تحديد التوقيت الملائم للتنفيذ، وإيجاد مبرراته وذرائعه.
المطلب الثاني: السياسات
العامة للدولة
في ظل الأزمات والتحديات التي تواجه الدول، إضافة إلى
ازدياد الاحتياجات ونقص الموارد؛ ازدادت الحاجة لوجود آلية ترسم خطط الدولة
تمهيداً لتنفيذها على أرض الواقع، ومن هنا ازداد الاهتمام بمفهوم السياسة العامة
للدولة، فيوجد تعريف واسع للسياسة العامة يقول بأنها "العلاقة بين الوحدة
الحكومية وبيئتها".
وتعريف آخر يرى أن السياسة العامة "هي تقرير أو
اختبار حكومي للفعل أو عدم الفعل".
ويرى
كارل فريدريك أنها "برنامج عمل مقترح لشخص أو لجماعة أو لحكومة في نطاق بيئة
محددة، لتوضيح الفرص المستهدفة والمحددات المراد تجاوزها سعياً للوصول إلى هدف أو
لتحقيق غرض مقصود".
كما
يمكن تعريف السياسة العامة بأنها "تلك التي تطورها الأجهزة الحكومية من خلال
مسؤولياتها، علماً بأن بعض القوى غير الحكومية أو غير الرسمية قد تسهم أو تؤثر في
رسم وتطوير بعض السياسات العامة، وتستمد خصوصيتها من كونها متخذة من قبل السلطات
المخولة، كما يقول ديفيد استون، من جانب النظام السياسي، وهؤلاء عادة هم المشرعون
والقياديون والحكام والملوك والرؤساء والمجالس والهيئات العليا، إنهم هم المسؤولون
وهم الذين يتمتعون بالسلطات لرسم السياسات والتصرف في إطار صلاحياتهم التي تكون
عامة مقيدة ومحددة وليست طلقة".
وقد عرفت موسوعة العلوم السياسية السياسة العامة بأنها
"برنامج معد للقيم المستهدفة والممارسات، وهي عملية وضع وتطبيق التحديات
والمطالب والتوقعات فيما يخص مستقبل علاقات الذات مع الغير، وقد أكد البعض على
عنصر الإكراه فوصفت السياسة بأنها الإكراه المخطط عمداً، أو أقوال تحدد غرض ووسائل
وموضوع ممارسة الإكراه داخل سياق علاقات القوة في المنظمات".
ومن
هذا التعريف يمكن استنتاج أن السياسة العامة هي:
· برنامج يتم إعداده من أجل تحقيق أهداف معينة.
· عملية وضع وتطبيق التحديات والمطالب المستقبلية.
· تتضمن الإكراه على الفعل، إذن فهي ملزمة.
ووفقاً لكتابات جيمس أندرسون فإن السياسة العامة تشمل
عدة جوانب أهمها:
1.
الأعمال الموجهة نحو أهداف مقصودة، ولا تشمل التصرفات
العشوائية التي قد تحدث عن بعض المسؤولين.
2.
البرامج والأعمال المنسقة الصادرة عن القادة الحكوميين،
وليست القرارات المنفصلة المنقطعة.
3.
الأمر بالتصرف في اتجاه معين، أو النهي عن القيام
بتصرفات غير مرغوب فيها، أو السكوت وعدم التصرف.
كما يمكن تجزئة مصطلح السياسة العامة إلى:
1.
مطالب السياسة: وتشمل كل ما يطرح على المسؤولين من جانب الآخرين سواء
كانوا من الأهالي أو من الفاعلين الرسميين في النظام السياسي، وذلك للتحرك إزاء
قضية معينة أو بالتوقف عن المضي في اتجاه ما.
2.
قرارات السياسة: وتشمل ما يصدره الموظفون العموميون المخولون بإصدار
الأوامر والتوجيهات المحركة للفعل الحكومي.
3.
تصريحات السياسة: وهي تعبيرات رسمية أو عبارات موحية بسياسة عامة، وتشمل
الأوامر الشفهية والتفسيرات القانونية والضوابط المحددة للسلوك وأراء الحكام
والقضاة وحتى خطب المسؤولين وشعاراتهم التي تعبر عن المقاصد العامة والأغراض
المطلوب تحقيقها.
4.
مخرجات السياسة: هي الانعكاسات الناجمة عن السياسة العامة، وقد تكون تلك
المخرجات مختلفة عما يتوقع تحققه أو ما تنص عليه السياسة نفسها.
5.
عوائد السياسة: وهي النتائج التي يتلقاها من تطبيق السياسة
العامة سواء كانت هذه النتائج مقصودة أو غير مقصودة.
ولا بد من وضع نظام متكامل لمتابعة ومراجعة وتقييم مراحل
تنفيذ السياسة في ضوء التغذية العكسية، وتتمثل أهمية هذه المرحلة في إمكانية تحقيق
بعض التعديلات الضرورية التي تستوجبها المتغيرات البيئية بما تشمله من ظروف
اقتصادية وسياسية واجتماعية، كما أن هذه المتابعة تكون بمثابة صمام الأمام للنظر
في إيقاف مراحل التنفيذ والعودة لاختيار بديل آخر.
المطلب الثالث: سياسات
الطاقة (المفهوم والعناصر)
يعد قطاع الطاقة أحد أهم الركائز التي تقوم عليها مصالح
الدول واقتصادياتها، ومن ثم تقوم الدول بوضع سياسات طاقة ضمن إستراتيجيتها الشاملة
تهدف تحقيق قدر أكبر من التنمية في ذلك القطاع.
إن التعريف النظري لمصطلح الطاقة هنا هو قدرة المادة على
إعطاء قوة قادرة على إنجاز عمل معين، وتنقسم الطاقة إلى مصدرين أساسيين هما:
1.
مصادر طاقة غير متجددة: وهي عبارة عن مصادر ناضبة، أي أنها سوف تنتهي عبر زمن
معين لكثرة الاستخدام، وهي متوفرة في الطبيعة بكميات محدودة وغير متجددة، مثل
الفحم والنفط والغاز.
2.
مصادر طاقة متجددة: وهي عبارة عن مصادر طبيعية دائمة وغير ناضبة، أي متوفرة
في الطبيعة ومتجددة باستمرار، وهي نظيفة أي لا ينتج عنها تلوث بيئي، مثل الطاقة
الشمسية وطاقة الرياح.
وتعرف سياسات الطاقة بأنها مجموعة الخطط والإجراءات
والإستراتيجيات الوطنية التي تتخذها الجهات الرسمية في الدولة من أجل تأمين تلبية
الطلب على مصادر الطاقة المختلفة، وهي تنقسم إلى نوعين:
1.
سياسات الطاقة المتعلقة باستغلال مصادر الطاقة المحلية.
2.
سياسات الاستيراد لمصادر الطاقة من الخارج، ويتفرع من
هذا النوع من سياسات الاستيراد نوع آخر من سياسات الطاقة وهو سياسة المقايضة مع
الدول الأخرى فيما يخص الطاقة، وهذا يحدث في ظروف سياسية معينة، وهي حالة استثنائية.
والجدير بالذكر أن دول العالم حالياً تسعى لتعظيم
الاستفادة من الطاقة المتجددة وإحلالها محل الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة
التقليدية غير المتجددة، وذلك نظراً للتحديات المناخية الراهنة التي تواجه العالم،
وما تتميز به مصادر الطاقة المتجددة من استدامة وعدم تلويث للبيئة؛ حيث يرى برنامج
الأمم المتحدة لحماية البيئة (UNEP) الطاقة المتجددة أنها تلك التي لا يكون
مصدرها مخزوناً ثابتاً ومحدوداً في الطبيعة، وتتجدد بصفة دورية أسرع من وتيرة
استهلاكها، وتظهر في الأشكال الخمسة التالية: الكتلة الحيوية، أشعة الشمس، الرياح،
الطاقة الكهرومائية، طاقة باطن الأرض.
بينما
تعتبر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ((IPCC أن الطاقة
المتجددة هي كل طاقة يكون مصدرها شمسي، جيوفيزيائي أو بيولوجي والتي تتجدد في
الطبيعة بوتيرة معادلة أو أكبر من نسب استعمالها، وتتولد من التيارات المتتالية
والمتواصلة في الطبيعة، كطاقة الكتلة الحيوية، والطاقة الشمسية، وطـاقـة بـاطـن
الأرض، وحـركـة الـمـيـاه، وطـاقـة الـمـد والـجـزر فـي المحيطات، وطـاقـة
الـريـاح، ويـوجـد الكثير من الآلـيـات الـتـي تسمح بتحويل هـذه الـمـصـادر إلـى
طـاقـات أولـيـة، كـالـحـرارة والـطـاقـة الكهربائية، وإلـى طاقة حركية باستخدام تكنولوجيات
متعددة، تسمح بتوفير خدمات الطاقة من وقود وكهرباء.
ثانيا: تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على
ألمانيا
أثرت
الأزمة الروسية الأوكرانية على كثير من المصالح الاقتصادية والسياسية في دول
العالم شتى لاسيما دول الجوار الأوروبي وتحديداً ألمانيا كمحور للدراسة، وهو ما
سيتم تناوله في هذا المبحث، ولا يمكننا الوصول لانعكاسات الأزمة الروسية
الأوكرانية على ألمانيا دون التعرض أولاً لأسباب تلك الأزمة.
المطلب الأول: أسباب الأزمة الروسية الأوكرانية
جغرافياً؛
تمتد روسيا بين قارتي أوروبا وآسيا؛ إذ تشغل روسيا شرق أوروبا وشمال آسيا في الوقت
نفسه، حيث ينتمي لأوروبا خمس مساحة روسيا (22%)، بينما ينتمي لآسيا ما يزيد عن
(3/4) من مساحة روسيا، أما أوكرانيا فتقع غرب الحدود الروسية وشرق أوروبا.
ديمغرافياً؛
ينتمي الروس والأوكرانيون –على حد السواء- إلى الفرع السلافي الشرقي والديانة
المسيحية الأرثوذكسية.
وبالرغم
من أن أوكرانيا كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي إلا أنها أعلنت استقلالها عنه عام
1991 عقب تفككه، كما فرضت أوكرانيا سيادتها على شبه جزيرة القرم والتي سبق وأن
ألحاقها بأوكرانيا قانونياً عام 1954.
ومنذ
ذلك الحين يحاول المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة استقطاب أوكرانيا لمحاصرة
روسيا الاتحادية وريثت الاتحاد السوفيتي، إلا أن روسيا لم تقف مكتوفة الأيدي فهي
الأخرى تسعى لبسط نفوذها في البلدان المتفككة للاتحاد السوفيتي والمتاخمة لحدود
روسيا، وذلك لحماية مصالحها وأمنها القومي وعمقها الاستراتيجي، ومن هنا سعى كل طرف
لأن يصل لحكم أوكرانيا تيارات أو أشخاص موالين له، إلى أن نجح البرلمان الأوكراني
المدعوم من الغرب في عزل الرئيس الأوكراني "يانكوفيتش" الموالي لروسيا
وذلك في فبراير2014 .
ومن
جانبها استغلت روسيا الفوضى التي غرقت فيها أوكرانيا لتقوم بالتدخل العسكري في شبه
جزيرة القرم للسيطرة عليها وذلك بحجة حماية المواطنين من أصول روسية فيها.
وترجع
أهمية أوكرانيا الجيوسياسية نظراً لأنها من بين جميع دول الاتحاد السوفيتي السابق،
تبقى هي الأهم بالنسبة لروسيا، حيث أن أوكرانيا تشرف على المياه الدافئة لأسطول
البحر الأسود الروسي، كما أنها أكثر الطرق قرباً من روسيا إلى البلقان، والبحر
المتوسط.
بالإضافة
إلى ذلك فإن الغاز والنفط الروسي المصدر لأوروبا يمر عبر أوكرانيا، حتى أنه وصل في
عام 2014 إلى حوالي 40% من الغاز الطبيعي الروسي يمر عبر أوكرانيا.
وعلى
الجانب الآخر ينظر الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا باعتبارها موقعاً متميزاً بين
قارة أوروبا وآسيا، وأنها نقطة لتوسيع تخوم الاتحاد باتجاه الشرق ما يزيد من فرص
فرض سيطرته على روسيا والدول الخاضعة للنفوذ الروسي.
وظل
صراع النفوذ بين روسيا والغرب على الأراضي
الأوكرانية قائماً، وبوصول الرئيس الأوكراني "فلاديمير زلينسكي" الموالي
للغرب إلى سدة الحكم، ازداد التلويح بورقة ضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وحلف
الناتو في وجه الدب الروسي، ما أثار غضب الروس وجعلهم يكشرون عن أنيابهم، حيث أطلق
الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في 24 فبراير عام 2022 ما أسماه عمليات
عسكرية شرق أوكرانيا للدفاع عن الأقليات الروسية في إقليم الدونباس، وهو ما أعتبره
الغرب غزواً روسياً على أوكرانيا، إلا أن بعض المختصين اعتبروا أن العملية التي
أقدم عليها الرئيس الروسي في شرق أوكرانيا خطوة دفاعية استباقية لوجود تهديد أمني
مباشر لبلاده.
المطلب الثاني:
انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على
ألمانيا
نالت الأزمة الروسية الأوكرانية من كافة النواحي
الاقتصادية والسياسية والاقتصادية، وعند الحديث عن أمن الطاقة
العالمي، لا يمكن تجاوز روسيا أو التقليل من أهميتها الإستراتيجية كمصدر رئيسي للطاقة
على مستوى العالم, حيث أنها ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمعدل 11 مليون
برميل يوميا.وتعد روسيا من اكبر مصدري الغاز الطبيعي بمعدل 238.1 مليار متر مكعب
وبفارق شاسع عن اقرب منافسيها وهى الولايات المتحدة الأمريكية 137.5مليار متر مكعب، وقد استغلت روسيا هذه القوة القاهرة كسلاح لها حتى أصبحت أيدي
الأوروبيين مغلولة فلا يستطيعون وقف التوغل الروسي بدون دفع الفاتورة, حيث ارتفعت أسعار
الغاز على المستهلك الأوروبي بنسبه تتعدى 190 في المائة، لذا يمكن القول أن الرئيس
الروسي "بوتين" يجلس ويده على الصنبور يفتح أو يغلق كيفما شاء فقد بات
المصير الآن في أيدي موسكو.
ووسط
صراع الاتهامات المتبادلة حول المسؤول قطع خطوط الغاز الروسي لألمانيا وهما خطي
غاز نوردستريم الذين يصدران الغاز من روسيا إلى ألمانيا ومنها إلى أوروبا الغربية،
ما انعكس بالسلب على الاقتصاد الألماني.
ومن
مؤشرات تنامي التداعيات السلبية لحرب أوكرانيا على الاقتصاد الألماني، ما أعلنته
الحكومة في برلين 27 أبريل 2022 بشأن توقعات النمو الاقتصادي خلال العام الجاري،
إذ خفضت توقعات نموا الناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 2.2%. تشاؤم دوائر صنع
القرار الاقتصادي في برلين شمل أيضا أسعار الاستهلاك، إذ استبعدت تراجعها على
المدى المنظور، فيما سيستمر معدل التضخم
في الارتفاع ليصل إلى 6.1%، وهو معدل نادر في ألمانيا ولم يتم تسجليه إلا في حالات
استثنائية، كالفترة التي تلت توحيد الألمانيتين أو خلال الأزمة النفطية في سبعينات
القرن الماضي. ويذكر أن التضخم وصل إلى مستوى قياسي قدره 7.3% خلال شهر مارس
الماضي.
ثالثا: سياسات الطاقة في ألمانيا
من المعروف أن ألمانيا هي أحدى أقوى
دول القارة الأوروبية اقتصاديا، ولما كانت الطاقة لبنة أساسية في بناء اقتصاديات
الدول، أصبح بديهياً أن تهتم ألمانيا بقطاع الطاقة ووضع الاستراتيجيات والخطط التي
تحقق التنمية فيه وتواجه كل خطر يعيقه، ومن خلال هذا المبحث سيتم عرض أبرز سياسات
الطاقة في ألمانيا قبل وبعد اشتعال الأزمة الروسية الأوكرانية.
المطلب الأول:
سياسات الطاقة في ألمانيا قبل اشتعال الأزمة الروسية
الأوكرانية
سعت
ألمانيا من قبل اشتعال الأزمة الروسية الأوكرانية لتطوير قطاع الطاقة بما يتناسب
مع تطلعات الاستدامة وتحديات المناخ، حيث أن ألمانيا كانت من الدول الأكثر اهتماما
بالنفط منذ السبعينيات في أعقاب الحظر النفطي العربي عام 1973 فقامت بإنشاء عشرات محطات الطاقة النووية،
إلا أن الطاقة النووية مخاوف أخرى مما سنح بالفرصة إلى التحول للطاقة المتجددة خاصة
بعد فوز الحزب الأخضر بالانتخابات الرئاسية في ألمانيا عام1998 الذي اصدر قرار
سياسي بالتخلي عن الطاقة النووية والتوجه للطاقة المتجددة والتي شكلت نقطة تحول أساسية
تاريخية في السياسة الوطنية للطاقة الألمانية.
ومن
ثم سعت ألمانيا للتحول الطاقوي "Energiewende" وهو المصطلح الذي أدخلاه كلا من صحيفتي
نيويورك تايمز 2014 و الايكونوميست 2012 هذا المصطلح في تقريرهم، كما استخدم هذا
المصطلح لأول مره عام 1980 لتعتمده كثيراً من الكتب ومن ضمنهم كتاب "فولكر
هوف" عام 1986، ويصف البرنامج التحول الطاقوي من الطاقة النووية إلى الطاقة المتجددة
)طابع الشمس والرياح) والاعتماد على إدارة الطلب على الطاقة.
أخذت الحكومة الألمانية
قرار التحول الطاقوي عام 2010 وارتكز على الآتي:-
·
التحول
النووي والتخلص من الطاقة النووية بحلول عام 2022.
·
الطاقوية
وإدارة الطلب.
·
التوسع
والاعتماد على الطاقة المتجددة.
·
الحد
من الغازات الدفيئة.
حيث يهدف البرنامج إلى الوصول إلى اقتصاد صناعي أكثر تطورا في أوروبا
وتخفيض انبعاثات الكربون بنسبه 80%-90% بحلول عام 2050 من خلال توفير أكثر من 80% من الكهرباء.
أبرز خصائص هذا النظام:
·
سياسي
يهدف إلى التحول نحو الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.
·
خفض
الانبعاث الكربونية والوصول إلى اقتصاد ألماني منخفض الكربون.
·
إدارة
الطلب على الطاقة.
·
توفير
إمدادات طاقوية بأسعار ممكنه.
·
الاعتماد
على مزيج من الطاقة مثل طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والضوئية.
وقد كانت نتائج برنامج التحول الطاقوي التحول ناجحا حيث تم إنتاج طاقة متجددة
في ألمانيا 2016 تغطى 32% من استهلاك الكهرباء.
وقامت ألمانيا بدعم مشاريع
الطاقة المتجددة بعده وسائل تتمثل فى الاتى:
· توفير
قروض بفائدة منخفضة لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة.
· توفير
البيئة المناسبة لهذه الشركات التي تعمل في نطاق الطاقة المتجددة ومن أهمها قانون
ينظم استخدام ودعم الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة المتجددة
· وضعت
الحكومة الألمانية أسعار الكهرباء في حدود معقولة لأصحاب الشركات لتصبح عامل جذب
لاستثمار أكبر.
وبالرغم من ذلك إلا أن ألمانيا لم تتحول بشكل كامل في قطاع الطاقة، فهي ما زالت تعتمد على الوقود
الأحفوري أيضا، وما يهمنا هنا هو حجم الوارد من النفط الروسي المستهلك في أوكرانيا
إلى حوالي55%.
المطلب الثاني: سياسات الطاقة في ألمانيا بعد اشتعال الأزمة الروسية الأوكرانية
إن
شدة تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على قطاع الطاقة في ألمانيا استلزم بالضرورة
أن يتخذ صناع القرار في ألمانيا عدة إجراءات وتدابير لمواجهة تلك الأزمة.
ففي إطار سعيها إلى وقف الاعتماد على الغاز الروسي،
حاولت برلين الحصول على إمدادات بديلة من الغاز من كل من النرويج وهولندا.
وتعتزم أيضا شراء خمس محطات عائمة لاستيراد الغاز
الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة، لكن الأمر لا يبدو سهلا، إذ ينبغي بناء
خطوط أنابيب جديدة تمتد من الساحل إلى بقية ألمانيا، الأمر الذي من شأنه أن يستغرق
عدة أشهر.
كما تعمل ألمانيا على زيادة استخدامها للفحم وإطالة عمر
محطات الطاقة التي كانت تخطط لإغلاقها - على الرغم مما لذلك من آثار سلبية على
البيئة.
وقد اتجهت الحكومة الألمانية أيضا لرعاية اكتشافات حقول
الغاز في دول أفريقيا النامية مثل السنغال، حيث ذهب المستشار الألماني "أولاف
شولتز" إلى السنغال في مايو لمتابعة تطوير حقل غاز من المتوقع افتتاحه العام
المقبل، بنية استيراد ألمانيا إنتاجات ذلك الحقل.
كما
توجهت الحكومة الألمانية للحصول على إمدادات الغاز من قطر، حيث وافقت قطر على مدّ
ألمانيا بمليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا على مدى 15 عاما على الأقل،
وذلك اعتباراً من عام2026.
وفي
مجال الطاقة الشمسية، يشار إلى أنه قبل الحرب في أوكرانيا، التي نجم عنها تصدر أمن
الطاقة الأولويات، كانت الحكومة الألمانية قد تعهدت بأن تصل نسبة إنتاج الكهرباء
من مصادر الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية إلى 80 بالمائة بحلول عام 2030
فيما تصل النسبة في الوقت الحالي إلى 42 بالمائة، كذلك تعهدت الحكومة بالوصول
للحياد الكربوني في توليد الكهرباء بحلول عام 2035 فيما اتخذت البلاد خطوات لتحقيق
هذه الخطة الطموحة، ومع اندلاع الحرب، ارتفع إنتاج الطاقة الشمسية إلى مستوى قياسي
في يوليو/ تموز الماضي للشهر الثالث على التوالي فيما بلغ إنتاج الكهرباء من أنظمة
الطاقة الشمسية الكهروضوئية 8.23 تيراوات / ساعة خلال الشهر ذاته ما يشكل خمس صافي
إنتاج الكهرباء، لكن هذا الرقم كان أقل من إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة التي
تعمل بالفحم البُني (الليغنيت) الذي يعد غير مكلف ومتوفرا داخل البلاد ويشكل نسبة
22 بالمائة من إنتاج الكهرباء، وقد أنتجت ألمانيا اكتر من 5 جيجاوات إضافية من ما
يشكل زيادة بنسبة 10 بالمائة عن عام 2020، فيما بلغت الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية
إجمالاً 59 جيجاوات لتتجاوز بذلك قدرات محطات الرياح, وفقاً لتقديرات معهد
فراونهوفر لأنظمة الطاقة الشمسية بمدينة فرايبورغ الألمانية، وقال "هارى فيرث"
رئيس وحده أبحاث الطاقة أن تقديرات الحكومة
تشير إلى أن الهدف يرمى إلى توليد 250 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام ،2032
فيما سيرتفع استهلاك الكهرباء من الطاقة الشمسية إلى 715 تيراوات بحلول عام 2030.
ونجحت
ألمانيا في افتتاح أول محطة عائمة للغاز الطبيعي المسال لتقليل اعتمادها
على الغاز الروسي والتي اكتملت في وقت قصير وكان على متنها المستشار "أولاف
شولتز" وأفصح عن التخطيط لثلاث محطات أخرى في لوبمين وبرونسبوتل وستاد،وستقوم
FSRU
Hoegh Esperanza وهي سفينة
تخزين للغاز الطبيعي المسال ، بخدمة المحطة لإعادة الغاز الطبيعي المسال إلى
الحالة الغازية وتسليمه مباشرة إلى شبكة الغاز. ووصفها المستشار الألماني بأنها
"مساهمة مهمة لأمننا".
وفيما
يتعلق بتوفير الطاقة، فقد وضعت ألمانيا قواعد تلزم المباني العامة بأن تكون درجه التدفئة
19 درجه مئوية كحد أقصى في فصل الشتاء وأن المباني العامة والمعالم الأثرية لن
تضاء ليلا.
ومن
كل هذا يتضح أن الحكومة الألمانية لم تقف مكتوفة الأيدي، وتسعى إلى تعويض الطاقة
التي فقدتها جراء تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، أو على الأقل تقليل حدة تلك
التداعيات.
خاتمة
في ضوء ما سبق توصلت الدراسة إلى نتائج نبرز أهمها
فيما يلي:
أن
الأزمة الروسية الأوكرانية لها جذور تاريخية تعكس صراع الهيمنة بين دول الغرب
وروسيا، وأن تلك الأزمة قد أثرت بشكل واضح على المسرح السياسي الدولي، وألقت
بظلالها على الأوضاع الاقتصادية لكافة الفاعلين فيه.
ولما
كانت ألمانيا أحدى أهم دول الجوار الأوروبي القريبة من بؤرة الصراع، بالإضافة إلى
أن لها مصالح مشتركة بينها وبين أطراف الأزمة، وأنها تعتمد بشكل كبير على الوقود
الروسي في إدارة عجلة اقتصادها، ما جعلها عرضة للغضب الروسي المتمثل في ورقة
إمدادات النفط والغاز عندما اختارت
ألمانيا الانحياز لحلف الناتو وأوروبا الداعمين لأوكرانيا.
كما توصلت الدراسة إلى أن انعكاس الأزمة الروسية الأوكرانية كان
بالسلب على المصالح الألمانية لاسيما قطاع الطاقة الألماني الذي تضرر وبشدة من تلك
الأزمة نتيجةً لاعتماده بشكل كبير على النفط الروسي، وهو الأمر الذي دفع الحكومة
الألمانية لاتخاذ عدة تدابير لمواجهة تلك الأزمة أو للحد من تداعياتها، لأنه ليس بالإمكان
إيجاد حل نهائي لها في الوقت القريب نظراً لكبر حجم الاعتماد على النفط الروسي قبل
اندلاع الحرب، ما يصعب من تعويض تلك التدفقات بسهولة وسرعة.
المراجع العماري، عباس رشدي، إدارة الأزمات في عالم متغير (القاهرة، مركز الأهرام
للترجمة والنشر، 1993)، ص23 -فرحي،
تقية، إدارة الأزمة والإدارة بالأزمة: دراسة مفاهيمية نقدية (الجزائر، مجلة دراسات
جامعة عمار ثليجي بالأغواط، أغسطس 2016)، العدد45، ص167 -الشيخ، سوسن سالم، إدارة ومعالجة الأزمات في الإسلام (القاهرة، دار النشر
للجامعات، 2003)، طبعة1، ص13 -كدواني، مروة
ممدوح، الأزمة الدولية (أسيوط، جامعة أسيوط، 2021)، ص8 -عليوة،
السيد، صنع القرار السياسي في منظمات الإدارة العامة (القاهرة، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، 1997)، ص251 -أحمد،
أحمد إبراهيم، إدارة الأزمات: الأسباب والعلاج (القاهرة، دار الفكر العربي، 2002)،
ص35 -توفيق،
عبد الرحمن، إدارة الأزمات: التخطيط لما قد يحدث (القاهرة، مركز الخبرات المهنية
للإدارة، 2004)، ص18 -الخضيري،
محسن أحمد، إدارة الأزمات: علم امتلاك كامل القوة في أسد لحظات الضعف (القاهرة،
مجموعة النيل العربية، 2002)، ص20-21 -الرويلي، علي
بن هلهول، الأزمات: تعريفها-أبعادها-أسبابها، الحلقة العلمية الخاصة بمنسوبي وزارة
الخارجية "إدارة الأزمات" (الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية،
2001)، ص32-33 - Eyestone, Robert, The Treads of Public Policy: A Study in Policy
Leadership (Indianapolis, Bobbs-Merrill,1971), P1 - Dye, Thomas R., Understanding
Public Policy (Englewood Cliffs, N. Prentice-Hall 2nd ed., 1975), P1 - Friedrich, Carl J., Man and
His Government (New York, MacGrow-Hi, 1963), P79 - Easton, David, A Systems
Analysis of Political Life (New York, Wile, 1965), P212 - ربيع، محمد محمود، مقلد، إسماعيل صبري، وآخرون،
موسوعة العلوم السياسية (الكويت، جامعة الكويت، 1994) ج3، ص451 - أندرسون، جيمس، صنع السياسات العامة، ترجمة عامر
الكبيسي (عمان، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 2002)، ص16-18 -بورياح، سلمى، دور
مراكز الأبحاث والدراسات في صنع السياسات العامة، دراسة حالة لمركز الاقتصاد
المطبق من أجل التنمية في الجزائر1985-2009 (الجزائر، كلية العلوم السياسة
والإعلام جامعة الجزائر، 2011)، ص47 -أخو ارشيدة، عقلة،
أثر سياسات الطاقة الأردنية على الاستقرار السياسي في الأردن 1990-2012 (عمان، دار
المسيرة للنشر، الجامعة الأردنية كلية الآداب، 2013)، ص4،6 - الموقع الالكتروني لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة،
https://www.unep.org/ar - Edenhofer Ottmar, eds., Renewable Energy Sources and
Climate Change Mitigation: Summary for Policymakers and Technical Summary:
Special Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change ( -دوجين، ألكسندر،
جيوبولتيكيا روسيا، ترجمة عاطف معتمد (القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2017)، ص2 - بن
قيطة، مراد، العمق الحيوي: مكانة أوكرانيا في العمق الاستراتيجي الروسي (الجزائر،
جامعة الجلفة مجلة آفاق العلوم، 2018)، العدد11، ص196 - عتريس،
محمد، معجم بلدان العالم (القاهرة، الدار الثقافية للنشر، 2000)، ص35 - نافع، بشير، العمق الحيوي: الأزمة
الأوكرانية تفجر الصراع على أوروبا من جديد (الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات، 2014)، ص5 - راشد،
باسم، تهديد جيواستراتيجي: حسابات القطب الروسي بالأزمة الأوكرانية (القاهرة، مجلة
السياسة الدولية، 2014)، العدد169، ص122 - Galoni, Helena Yakovlev, Two Decades of the Russian Federation's
Foreign Policy in the Commonwealth of Independent States: The Cases of Belarus
and Ukraine (the European Forum at the Hebrew University of Jerusalem, 2011),
P39 - Vincent, L. Research Service
,RL33460 , August 3, 2016), www.crs.gov - Wilson, Jeanne L, Colour Revolution (the view from
Moseaw and Beijing.Journal 370, Communst studies and transmition Politics,
2009), P25 - الأزمة الروسية الأوكرانية - التداعيات والمآلات (المعهد
المصري للدراسات، 2022)، https://eipss-eg.org -سلطان، أحمد، هل توقف القوة القاهرة
الأوكرانية نبض الطاقة عن القارة الأوروبية (القاهرة، مجلة السياسة الدولية،
18مايو2022)، http://www.siyassa.org.eg/News/18299/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%A8%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9-.aspx - زنيند،
حسن، حرب أوكرانيا تضع الاقتصاد الألماني على صفيح ساخن (DW،
30أبريل2022)، https://www.dw.com/ar/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B5%D9%81%D9%8A%D8%AD-%D8%B3%D8%A7%D8%AE%D9%86/a-61635728 - Gründinger,
Fachmedien Wiesbadenm drivers of energy transition , energiepolitik und
klimaschutz.( Energy policy and climate protection, 2017) - تكواشت، عماد، سياسات التحول نحو الطاقة المتجددة:
دراسة تحليليه لتجربتي ألمانيا والصين (الجزائر، جامعة البلدية، 2022) ص88-90 - نوردستريم
1: ما سبب الأهمية البالغة لخط أنابيب الغاز الروسي؟الأوروبية (عربيةBBC NEWS ، 5سبتمبر2022)، https://www.bbc.com/arabic/world-62787131 [1] - Gbadamosi, Nosmot, Africans
Decry Europe’s Energy Hypocrisy (foreignpolicy, 20 July 2022), https://foreignpolicy.com/2022/07/20/europe-africa-energy-crisis-oil-gas-fossil-fuels-russia-ukraine-war/ - قطر
توقع اتفاقية لمد ألمانيا بالغاز الطبيعي لمدة 15 عاما على الأقل (FRANCE24 ، 29نوفمبر2022)، https://www.france24.com/ar/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/20221129-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%AF-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A9-15-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%84 - أزمة
الطاقة تعيد الاهتمام بصناعة الطاقة الشمسية في ألمانيا (DW ، 11أغسطس2022)، https://www.dw.com/ar/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%87%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7/a-62767311 - افتتاح
أول محطة غاز عائمة في ألمانيا لخفض اعتماد البلاد على الغاز الروسي (بالعربيةCNN ، 17ديسمبر2022)، https://arabic.cnn.com/business/article/2022/12/17/germany-opens-first-floating-lng-terminal-russian-gas - هيغارتي،
ستيفاني، أزمة الطاقة: سبعة حلول تلجأ إليها الدول للتغلب على ارتفاع أسعارها؟ (عربيةBBC NEWS ،
30أغسطس2022)، https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-62724707