المقومات والمؤشرات: تصاعد دور ومكانة دولة الإمارات العربية المتحدة في النظام الدولي 2023
احتلت
دولة الإمارات العربية المتحدة في السنوات الماضية مركزًا مؤثرًا في المشهدين
الإقليمي والدولي، وأصبحت طرفًا فاعلًا وأصيلًا في القضايا الدولية، وشريكًا مهمًا
للوحدات الدولية وللهيئات والمنظمات الأممية، وذلك باعتمادها رؤى استراتيجية وتحقيقها
لإنجازات نوعية في شتى القطاعات الحيوية داخليًا، وتبنيها سياسة تعميق الشراكات
وتنويع شبكة الحلفاء، والحياد الإيجابي والمتوازن وعدم التدخل في الشؤون الداخلية
للدول، وبانخراطها المحمود في جهود مواجهة الأزمات والتحديات العالمية إلى جانب دورها
الاستثنائي في تعزيز الاستقرار ونشر قيم وثقافة السلام والتسامح ومكافحة خطاب
التطرف والكراهية ومواجهة الإرهاب.
نستدلُ
على هذه الحقائق من الأدوار التي اضطلعت بها دولة الإمارات في زمن الرئيس المؤسس
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "يرحمه الله"، وفي عهد الرئيس الشيخ خليفة
بن زايد آل نهيان "يرحمه الله" وخلفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل
نهيان، رئيس الدولة، "يحفظه الله"، وبالمنجزات التي حققتها داخل حدودها
وخارجها، بدءًا من سن التشريعات لتكريس المساواة والعدالة وتجسيد القيم العربية
والإسلامية، مرورًا بإغاثة الدول النامية حول العالم للحدّ من معدلات الفقر والبطالة
والقضاء على الجوع وتعزيز مشاريع التنمية المستدامة، وصولًا إلى احتواء التوترات
والأزمات في المنطقة وخارجها، وتبني المواقف الإيجابية تجاه القضايا العربية
والإسلامية ونُصرتها في المحافل الدولية، وغيرها من المساهمات الجادّة التي تُحسب
للإمارات وتُسجل في صحيفتها.
ترصدُ هذه
الدراسة المقومات التي تمتلكها دولة الإمارات والأدوار التي قامت بها على امتداد
السنوات الماضية وتؤهلها لمكانةٍ لائقة ومعتبرة في النظام الدولي، مع استقراء
مستقبلها في العام المقبل 2023، على خلفية توظيف هذه المقومات وتعزيزها بما يخدم
أهدافها ويُحقق تطلعاتها.
أولًا- مقومات القوة
الذاتية الإماراتية:
لقد
حدّدت دولة الإمارات منذ الإعلان عن قيامها في كانون الأول 1971، رؤى استراتيجية
لتحقيق إنجازات نوعية شاملة في شتى القطاعات الحيوية لتعزيز ازدهار الدولة بشكل
مستدام وضمان مستقبل أجيالها، وذلك عبر الخطط التنموية الطموحة التي حددتها في أربع
محاور(1): الاتحاد في المسؤولية: من أجل التحلي بالطموح والمسؤولية،
والمشاركة بفعالية في بيئة اجتماعية واقتصادية دائمة التطور، وبناء مجتمع حيوي
مترابط؛ الاتحاد في المصير: عبر ضمان تنمية متوازنة بين الإمارات السبع، من خلال
التنسيق الفعال بين الجهات الاتحادية والمحلية، وتكامل التخطيط والتنفيذ على
المستوى الوطني في كافة المجالات، إضافة إلى ضمان الأمن والاستقرار، وتعزيز مكانة
الدولة وإبراز دورها كنموذج رائد على الساحة الدولية؛ الاتحاد في المعرفة: من خلال
اعتماد اقتصاد معرفي متنوع ومرن، تقوده كفاءات وطنية وتعزّزه أفضل الخبرات بما
يضمن تنمية بعيدة المدى للإمارات، إضافة إلى الاستفادة القصوى من الشراكات
الاقتصادية العالمية، والاتحاد في الرخاء: من خلال التطلع إلى اعتماد أنظمة تعليم
متطورة، وتقديم خدمات صحية تتعدى مفهوم العلاج إلى الوقاية من الأمراض والحفاظ على
البيئة، وفقًا للحقائق والشواهد التالية:
-
التطوُّر في القطاعات الاقتصادية، بعد اكتشاف النفط في الخمسينات، حدث
تغيير جذري في هيكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في دولة الإمارات، وانعكس بشكلٍ
كبير على ازدهار قطاعات استخراج النفط الخام والغاز الطبيعي، وتجارة الجملة
والتجزئة، وخدمات الصيانة والتصليح، والعقارات، والشركات وخدمات الأعمال، والإنشاءات
والبناء، والتصنيع وغيرها من القطاعات التي أرست اقتصادًا قويًا يعكسه ارتفاع
مؤشر نسبة الاستثمار، مع فائض في الميزان التجاري، وانخفاض مؤشر نسبة المديونية.
-
الناتج
المحلي الإجمالي، وفقًا للتقرير الاقتصادي السنوي 2021، بلغ
الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بالأسعار الثابتة 1.418.9 مليار درهم لعام
2020، بينما بلغ الناتج المحلي بالأسعار الجارية 1.317.9 مليار درهم. وبالنسبة
للتوزيع القطاعي للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 2020، فقد استحوذت
القطاعات غير النفطية المتنوعة على 70.9% من الناتج الحقيقي، بينما بلغت نسبة
مساهمة القطاع النفطي 29.1% من الناتج الحقيقي. ومن بين القطاعات غير النفطية فقد
استحوذ قطاع "تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات" على النصيب الأكبر
وبنسبة 12.0% من الناتج الحقيقي، تلاها كل من قطاع "الصناعات التحويلية"
بنسبة 8.8% وقطاع "التشييد والبناء" بنسبة 8.3% وقطاع "الأنشطة
المالية وأنشطة التأمين" بنسبة 8.2%.(2)
-
الشراكات
الاقتصادية، وعلى مستوى تعزيز الشراكات الاقتصادية، قامت الإمارات بتوقيع اتفاقيات
التعاون الاقتصادي والتجاري والتقني مع عدد كبير من دول العالم، حيث تُسهم هذه
الاتفاقيات في تنمية وتعزيز التعاون مع الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقيات على
أساس تبادل المنافع وتعزيز المصالح المشتركة وفقاً للقوانين والنظم المعمول بها.
وتتركز هذه الاتفاقيات في مجالات الصناعة، والزراعة، والاتصالات، والتعليم والبحث
العملي، وتكنولوجيا المعلومات، والطيران، والمواصلات، والسياحة، والثقافة وغيرها.
وتُرسي هذه الاتفاقيات آليات لتحقيق أهدافها وغاياتها من خلال منصات التعاون مثل
اللجان الاقتصادية المشتركة ومجموعات العمل وفرق العمل واللجان الفرعية المتخصصة.
وتضع هذه المنصات إطار عمل قصير المدى للتعاون بين البلدين، ويتم عقدها بشكل دوري
لضمان استمرار العلاقات الاقتصادية لدولة الإمارات مع نظيراتها الدولية.(3)
وقد عزّزت القدرات الاقتصادية من دور الإمارات في الانضمام للتكتلات الاقتصادية
الدولية المهمة، حيث أصبحت مراقبًا في "مجموعة العشرين" التي تضم أكبر
الاقتصادات العالمية وشاركت في اجتماعاتها الأخيرة بفعالية.(4)
-
استضافة الفعاليات العالمية، كما احتلت الإمارات موقعًا متقدمًا
في استضافة الفعاليات والأنشطة الدولية، منها المؤتمرات والمنتديات والملتقيات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية، فكانت أول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا تستضيف معرض "إكسبو
2020 دبي"، وتمكنت من جمع 191 دولة للمرة الأولى في تاريخ المعرض الممتد على
170 عامًا، وهذه واحدة من استضافات دولة الإمارات لفعاليات عالمية، فيما هي تُعدّ
وجهة ومحطة للأنشطة والفعاليات التي أقامتها أو استضافتها على امتداد السنوات
الماضية.
-
السياسة المتوازنة والانفتاح على
العالم الخارجي، وترسخت مكانة الإمارات كعضو
فاعل في المجتمع الدولي بفضل سياساتها المتوازنة وعلاقاتها الممتدة في الإقليم
وخارجه وانفتاحها على العالم الخارجي، فضلًا عن تبنيها قواعد استراتيجية تتمثل
بالالتزام بميثاق الأمم المتحدة واحترام المواثيق والقوانين الدولية، ومساهماتها
الجادة في القضايا والأزمات الدولية، التي أهلتها لمواقع متميزة في الهيئات
والمنظمات الدولية والوكالات المتخصصة، تجسدت بفوزها بالعضوية غير الدائمة في مجلس
الأمن، بأغلبية أصوات أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال نيل المقعد
المخصص للمجموعة الجغرافية لآسيا والمحيط الهادئ.
-
تعزيز عناصر القوة الناعمة، ولم يقتصر الأمر فقط على عناصر القوة
المادية، بل استطاعت الإمارات تعزيز عناصر قوتها الناعمة، فجاءت في المرتبة
العاشرة عالميًا والأولى إقليميًا في قوة التأثير، وفق مؤشر القوة الناعمة العالمي
لعام 2022، لتُعزّز مكانتها كواحدة من أكبر دول المنطقة والعالم، من حيث التأثير
الإيجابي والسمعة الطيبة(5)، وهي نتائج تحققت بفضل اهتمام الدولة
وتشكيلها "مجلسًا للقوة الناعمة" في أبريل 2017، يقوم على صياغة منظومة
وطنية متكاملة تشمل الجهات الحكومية والخاصة والأهلية لنقل قصة الإمارات للعالم
بطريقةٍ جديدة، وتشتمل مهامه واختصاصاته على رسم السياسة العامة واستراتيجية القوة
الناعمة للدولة، ومناقشة واقتراح المشاريع والمبادرات الداعمة للقوة الناعمة
للإمارات، واقتراح ومراجعة التشريعات والسياسات المؤثرة على سمعة الدولة، وتحديد
مجالات منظومة القوة الناعمة.
ثانيًا- مؤشرات تصاعد
الدور الإماراتي:
غنيٌ عن
القول بأن القدرات الاقتصادية والمالية والسياسية والثقافية لدولة الإمارات، تُعدّ
من مقومات الصلابة التي تؤهلها للقيام بأدوارٍ عالمية، جرى استثمارها وتوظيفها على
امتداد السنوات الماضية لمواجهة الأزمات الدولية. ومن المفيد التوقف عند ست منها كان
لدولة الإمارات الدور الأبرز في مواجهتها، وهي على النحو التالي:
1- الجهود التنموية والإغاثية والإنسانية:
تميزت الإمارات بمبادراتها ذات
الطابع التنموي والإغاثي والإنساني التي امتدت إلى الدول النامية في جهات الدنيا
الأربع، عبر دعم سياسات الحوكمة، والبرامج التعليمية، والبرامج الصحية، وبرامج
الإسكان، والتنمية المستدامة، بالإضافة إلى أعمال الإغاثة ودعم المنظمات الدولية
كاليونسكو واليونيسيف ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ودعم
الدول لمواجهة حالات الكوارث والطوارئ.
وانسجامًا
مع مأسسة العمل الإنساني، تأسست اللجنة الإماراتية لتنسيق المساعدات الإنسانية الخارجية
في عام 2014، ومؤسسة هيئة الأعمال الخيرية الإماراتية، والهلال الأحمر الإماراتي، وغيرها من
المؤسسات، وامتدت المساعدات الإنسانية الإماراتية عبرها ومن خلال المؤسسات
الخيرية الأخرى إلى أكثر من 178 دولة منذ تأسيس دولة الإمارات. وباتت الإمارات
الشريك الأول للجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي
والتنمية (OECD) المعنيّة
بتقديم المساعدات الإنسانية وممارسة الأدوار التنموية في الدول الفقيرة. ومع تطور العمل
الإنساني والأهلي، تضاعفت أعداد الجمعيات والمؤسسات الأهلية والإغاثية المتخصصة الحكومية
وغير الحكومية في دولة الإمارات.(6)
ومثّلت
مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس
الوزراء حاكم دبي، في أكتوبر 2015، إضافة نوعية في مجال العمل الإنساني الإماراتي
باعتبارها مبادرة عالمية تُطلِق أكبر مؤسسة إنسانية تنموية مجتمعية في المنطقة،
حيث استهدفت أكثر من 130 مليون فرد، وتركزت برامجها في المنطقة العربية، بأنشطة التنمية
الإنسانية التي تبدأ بتوفير الاحتياجات البشرية الأساسية من صحة، ومكافحة الأمية،
والفقر، ونشر الثقافة وتطوير التعليم، وإعداد القيادات العربية الشابة، ودعم
الحوكمة، وتوفير الحاضنة للمبتكرين، والعلماء، والباحثين العرب، وفي عام 2020 قدمت
المبادرة مساعدات إنسانية وإغاثية بقيمة إجمالية بلغت 382 مليون درهم، وصل أثرها إلى
34.8 مليون شخص حول العالم.
ويكفي أن نذكر هنا على
سبيل المثال لا الحصر، خارطة المساعدات الإنسانية الإماراتية المتدفقة إلى مناطق
السلطة الفلسطينية بدءًا من دعم ميزانية السلطة الفلسطينية وقت قيامها عام 1994،
والمساهمة المستمرة في دعم ميزانية وكالة الغوث الدولية لفائدة اللاجئين
الفلسطينيين في أماكن تواجدهم كافة، وبناء المخيمات المدمرة بفعل العدوان
الإسرائيلي على قطاع غزة، وإقامة ضاحية الشيخ زايد في مدينة القدس المحتلة 2002،
وإقامة مدينتي الشيخ زايد والحي الإماراتي شمال وجنوب قطاع غزة عامي 2005 و2015
على التوالي، والمساعدات الإنسانية والتنموية والخيرية والترفيهية والتعليمية
ومشاريع كفالة الأيتام عبر مؤسسة هيئة الأعمال الخيرية الإماراتية والهلال الأحمر
الإماراتي، إضافة إلى ما تقدمه المؤسسات الفلسطينية بتمويل من دولة الإمارات، منها
المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني (فتا)، واللجنة الوطنية الإسلامية للتنمية
والتكافل الاجتماعي (تكافل)، وهي مؤسسات نشطت في تلبية احتياجات الفلسطينيين في
قطاع غزة منذ ما يزيد عن 15 عامًا في مشاريع برامج التشغيل المؤقت، والإنجاب وعلاج
العقم، ومساعدة الطلبة الجامعيين في تسديد رسومهم الدراسية وتحرير شهاداتهم،
ومشاريع الزواج الجماعي، ومساعدة الصيادين، وتوفير الأدوات الطبية المساعدة
للأشخاص ذوي الإعاقة، ودعم القطاع الصحي عبر توفير أجهزة الفحص والتنفس الصناعي
ومحطات الأكسجين والأدوية والمستهلكات الطبية، وسيارات الإسعاف، ولقاحات كورنا،
وكان آخرها توريد مليون جرعة من لقاح سبوتنيك في شهر يناير 2022، وافتتاح
"مستشفى الشيخ محمد بن زايد" جنوب القطاع في شهر فبراير 2022، وغيرها من
الخدمات الممتدة والمستمرة في الأراضي الفلسطينية وبتمويل من دولة الإمارات
ومؤسساتها.(7)
2- مواجهة جائحة كوفيد- 19:
كان
لدولة الإمارات مساهماتها الجادة في اتخاذ التدابير الاحترازية والإجراءات الصارمة
لمكافحة جائحة كوفيد- 19 وتوفير أعلى مستويات الخدمة الطبية لمواطنيها، وتطبيق
رزمة من الإجراءات والحوافز والتسهيلات المالية لمواجهة الجائحة اقتصاديًا، حتى امتدت
جهودها إلى خارج حدودها عبر المساعدات والإعانات والتجهيزات الطبية التي تتوخى
الاعتبارات الإنسانية دون سواها، مراعاةً لما تفرضه الصلات الأخويّة والروابط
المشتركة بين الدول والشعوب بلا غايات سياسية، ودون ارتباط بتوجهات ولون المستفيدين
دولًا أو جماعات أو أفراد.
ويُحدّد
محمد عبد الله العلي، الآليات الإماراتية لمواجهة الجائحة في ست آليات تشتمل على الجوانب
الصحية، والاقتصادية، والسياسية، والإنسانية، والأمنية، وجوانب تعزيز الوعي
المجتمعي. ففي الجانب الصحي، أسّست وأهّلت المستشفيات ودور الرعاية الصحية
للتعامل مع أية حالات إصابة محتملة، وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وقد حققت
الإمارات، في هذا السياق، إنجازين عالميين كبيرين: الأول هو تصدرها دول
العالم من حيث إجراء الفحوصات المختبرية للتأكد من سلامة أصحابها من فيروس كورونا
المستجد نسبة إلى عدد سكان الدولة. والثاني هو
تأسيس أكبر مختبر لتشخيص "كورونا" في العالم خارج الصين. وفي
الجانب الاقتصادي، اتخذت الدولة العديد من الإجراءات لمواجهة التبعات
الاقتصادية للأزمة، منها الإعلان عن خطة دعم اقتصادي شاملة، وخفض تكاليف المعيشة
وتسهيل ممارسة الأعمال في إمارة أبو ظبي، وحزمة الحوافز الاقتصادية لدعم الشركات
وقطاع الأعمال وتعزيز السيولة المالية في إمارة دبي. أما في الجانب السياسي، عملت
الإمارات على تعزيز التعاون مع مختلف القوى الدولية والإقليمية بهدف تنسيق جهود
مواجهة الوباء العالمي، وانعكس ذلك بوضوح في الاتصالات التي أجراها صاحب السمو
الشيخ محمد بن زايد مع العديد من قادة دول العالم والمسؤولين الدوليين لبحث سبل
تحقيق التضامن الدولي في مواجهة هذا الوباء، وتقديم المساعدات اللازمة للدول
المتضررة. وفي الجانب
الإنساني، بادرت الدولة إلى مساعدة الأفراد والأشخاص الموجودين
خارج حدودها والمتأثرين بهذا الوباء، حيث قامت بنقل رعايا عدد من أبناء الدول
الأخرى من مدينة ووهان الصينية، وأنشأت لهم مدينة متكاملة، ودعمت الجهود الدولية
الرامية إلى تقديم المساعدة للدول الفقيرة لمساعدتها على التصدي لخطر الوباء. وفي الجانب الأمني، فقد أولت
الإمارات أهمية خاصة لقضية الأمن الغذائي حتى قبل أزمة وباء كورونا، حيث أنشأت
العديد من الأجهزة والاستراتيجيات الوطنية للتعامل مع هذه القضية، ومن ذلك تعيين
وزيرة للدولة مسؤولة عن ملف الأمن الغذائي المستقبلي، لتكون أول وزيرة للأمن
الغذائي في العالم، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في نوفمبر 2018،
وتشكيل مجلس الإمارات للأمن الغذائي في يناير 2020، بهدف تحقيق الأهداف
الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي. أما في جانب تعزيز الوعي المجتمعي، فعملت على توظيف
الأدوات الإعلامية التقليدية والحديثة بكفاءة في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية
الالتزام بالإجراءات الصحية، وحققت نجاحًا كبيرًا في هذا الشأن، بعدما انضمت
مؤسسات العمل الأهلي والمؤسسات الخاصة وحتى الأفراد لجهود الدولة التوعوية، وهو ما
كان له دور حاسم في إدارة الأزمة.(8)
3- تحركات لتهدئة التوترات في الإقليم:
تنتهج
دولة الإمارات سياسة تهدئة التوترات في الإقليم وإصلاح العلاقات والتوافق على
الملفات والمصالح المشتركة وتعزيز التعاون والحوار بشأن الملفات الخلافية، وهذا ما
قامت به في السنوات الأخيرة من خلال زيارات ولقاءات المسؤولين الإماراتيين في
(تركيا وسوريا وقطر وإيران وليبيا):
- ففي 18 أغسطس 2021، زار مستشار
الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان أنقرة والتقى الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، وتبع هذا اللقاء اتصال هاتفي بين الرئيس التركي وولي عهد أبو ظبي الشيخ
محمد بن زايد آل نهيان في 31 أغسطس.
- وفي 26 أغسطس 2021، قام الشيخ
طحنون بن زايد آل نهيان بزيارة الدوحة، واجتمع بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل
ثاني، وهي الزيارة الأولى لمسؤول إماراتي للدوحة منذ بدء المقاطعة لها في عام
2017.
- وفي 28 أغسطس 2021، اجتمع نائب
رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مع أمير قطر
على هامش "قمة بغداد للتعاون والشراكة".
- وفي 9 نوفمبر 2021، زار الشيخ عبد الله بن زايد آل
نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، دمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد؛
وذلك في خطوة اُعتبرت اختراقًا دبلوماسيًا عربيًا.
- وفي 24 نوفمبر 2021، زار الشيخ محمد بن زايد آل
نهيان، ولي عهد أبو ظبي تركيا، والتقى الرئيس رجب طيب أردوغان، وتم الإعلان خلال
الزيارة عن تأسيس الإمارات صندوقًا بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في
تركيا.
- وفي 6 ديسمبر 2021، زار الشيخ طحنون بن زايد آل
نهيان، مستشار الأمن الوطني، طهران والتقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
- وكانت دولة الإمارات قد استضافت في شهري مايو 2017،
وفبراير 2019، حوارًا بين الأطراف الليبية المتنازعة من أجل تسوية الخلافات بينهما،
بما ينعكس على تهدئة الأوضاع الداخلية، وذلك التزامًا بما أعلنه سمو الشيخ محمد بن
زايد، عن وقوف دولة الإمارات إلى جانب ليبيا لتحقيق تطلعات شعبها إلى الاستقرار
والسلام والتنمية، واستعداد الإمارات لتقديم جميع أوجه الدعم إلى ليبيا للتغلب على
التحديات التي تواجهها، ومواصلة العمل مع الأطراف الإقليمية والدولية من أجل تعزيز
أركان السلام والاستقرار.
وفي السياق، دعمت
الإمارات الحوار التركي- المصري، والحوار السعودي- الإيراني، كما تبنَّت الإمارات
سياسة الحوار وخفْض التصعيد مع إيران من خلال توقيع مذكرة لتعزيز التعاون في مجال
أمن الحدود البحرية في أغسطس 2019، وأيَّدت مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي
لعام 2015، وأرسلت إشارات إيجابية إلى حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي من خلال لقاء
نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وزير الخارجية
الإيراني حسين عبد اللهيان على هامش "قمة بغداد للتعاون والشراكة" في 28
أغسطس.(9)
4- التوسط في النزاعات والأزمات الدولية والإقليمية:
تتمتع
دولة الإمارات بعلاقات متوازنة إقليميًا ودوليًا، تمنحها الميزة للعب دور الوسيط
في النزاعات والأزمات الدولية والإقليمية كي تتحقق الغايات من وراء وساطتها، وقد
سجلت مساهمات جادة على هذا الصعيد، إيمانًا منها بأن لغة الحوار والمفاوضات
والتسوية السلمية هي السبيل الأمثل لتسوية النزاعات والأزمات الدولية، وأن اللجوء
للعنف والقوة المسلحة يفضي إلى الويلات وتفاقم المآسي.
تُجَسد الوساطة التي ما
فتئت تمارسها دولة الإمارات برهانًا ساطعًا للدبلوماسية الإماراتية في تسوية
النزاعات الدولية، ولا تستطيع دولة أو منظمة دولية أو شخصية دولية أن تمارس أو
تعرض على أطراف النزاع لعب دور الوسيط الدولي إلا إذا تيقن ذلك الوسيط الدولي
بتوافر شروط الوساطة والعناصر الأساسية التي يجب توافرها في الوسيط، والتي تتضمن
الحيدة، والمصداقية، وعدم التدخل في الشؤون السيادية للدول المتنازعة، والأهم في
ذلك الصدد، ألا يلعب الوسيط الدولي ذلك الدور لأجل تحقيق مصالح ذاتية لدولته على
حساب مصالح الدول المتنازعة، ولذلك شهد عامي 2020-2021 عرض الإمارات وساطتها على
الدول الأطراف المتنازعة على سد النهضة، كما بادرت بجهود حثيثة من أجل تسوية
النزاع الحدودي المستفحل بين السودان وإثيوبيا(10)، ولعبت دورًا مهمًا في ملف المصالحة
الإثيوبية الإريترية، منذ بدء المفاوضات ووصولاً إلى الاتفاق التاريخي الذي وقعته
كلًا من أديس أبابا وأسمره يوليو 2018، والذي يعد بمثابة تتويج للجهود
الدبلوماسية الإماراتية في هذا الملف. كما يعتبر "ميثاق دبي 2012"
الذي تم توقيعه على هامش أعما ل المؤتمر الدولي الثاني لمكافحة القرصنة البحرية من
أبرز ملامح الدور الإماراتي في تسوية النزاعات بمنطقة القرن الأفريقي، حيث هدف
الميثاق إلى إجراء مصالحة بين الأطراف الصومالية المتنازعة، في محاولة لتحقيق
الاستقرار، وإتاحة الفرصة لبدء خطة تنموية شاملة تنتشل الصوماليين من دائرة الفقر
المدقع التي يعانون منها.(11)
ومع دخول الحرب الروسية- الأوكرانية
للمرحلة الأكثر تصعيدًا وخطورة، حملت زيارة صاحب السمو الشيخ
محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة "حفظه الله"،
إلى موسكو، آمالًا بتهدئة الصراع في أوكرانيا. وقد جاءت هذه الزيارة في وقتها
المهم والمتزامن مع حرص المجتمع الدولي على إنهاء الحرب لفتح المجال أمام الحلول
السلمية، حيث كانت قضية خفض التصعيد والتوتر على جدول أعمال قمة سانت بطرسبرغ،
التي عقدت بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس الروسي، فلاديمير
بوتين، الذي قال: إن الإمارات يمكن أن تلعب دورًا "مهمًا" في الجهود
المبذولة للتوصل إلى حل للحرب في أوكرانيا. وتتمتع وساطة الإمارات بالمصداقية
والقبول، ولاسيما أنها حافظت على مسافة واحدة من أطراف الصراع منذ بداية الحرب.
كما أن الإمارات عضو غير دائم حاليًا في مجلس الأمن الدولي؛ ما يجعل وساطتها محل تقديرٍ
من أعضاء المجلس الآخرين، ويجعل قمة بطرسبرغ والنتائج التي ستتمخض عنها محل متابعة
من الجميع.(12)
5- مكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز ثقافة التسامح:
كانت دولة الإمارات من أوائل الدول
التي اعتمدت استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف ونشر ثقافة التسامح، واتخذت
جملة من التدابير وصاغت رؤاها قانونيًا- تشريعيًا ودينيًا وتعليميًا وثقافيًا
وإعلاميًا.
وتتأسس
جهود الإمارات في مواجهة الإرهاب على ركيزتين، الأولى أنها لا تنظر للإرهاب
والتطرف على أنه تهديد داخلي فحسب، وإنما تهديد لأمن واستقرار محيطها الإقليمي
القريب ومحيطها الدولي الأبعد. أما الركيزة الثانية وهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا
بالركيزة الأولى ونتيجة طبيعية لها، فتتمثل في أن مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب أصبحت
على رأس أولويات صناع القرار فيها ومحركًا أساسيًا لسياستها الخارجية، وليس فقط
لسياساتها الداخلية، ما يعكس رؤية وإرادة إماراتية للتصدي لهذه الظاهرة، وصناعة
مستقبل أفضل للشعوب محصن من خطر الإرهاب وآفة التطرف.
(13)
وفي السياق، أقرّت الإمارات تشريعات
مكافحة الإرهاب وما يتصل به من أنشطة مجرمة، وتبنت تدابير مكافحة تمويل الإرهاب،
وانضمت إلى الصكوك والمعاهدات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، ومنها المعاهدات الدولية
والإقليمية والاتفاقيات الثنائية، وما تبعها من تأسيس اللجنة الوطنية لمكافحة
الإرهاب، للتأكيد على التزامها الأصيل بهذا الدور وعلى كل صعيد.
ففي سبتمبر 2001، وفي إطار التعاون
الإماراتي الدولي في مواجهة الإرهاب، أصدر المصرف المركزي الإماراتي قرارات
وتعاميم إلى البنوك والصرافات والمنشآت المالية العاملة في الدولة طلب بموجبها من
هذه الجهات إجراء عملية بحث وتجميد أية حسابات أو ودائع أو استثمارات بأسماء قادة
إرهابيين أو منظمات إرهابية أو بأسماء الذين ساعدوا الإرهابيين المُدرجة أسماؤهم
في القوائم الورادة سواء من مجلس الأمن الدولي أو مكتب مراقبة الأصول الأجنبية
بوزارة الخزانة الأمريكية، وسنّت لوائح لتضييق الخناق على تنقل المشتبه بهم وعلى
حركة أموالهم بإصدارها القانون رقم 4 لعام 2002، بشأن تجريم غسيل الأموال. وفي يوليه
2004، أصدرت الإمارات قانونًا خاصًا بمكافحة الجرائم الإرهابية، فضلًا عن ذلك، فقد
اتخذت الإمارات التدابير الأمنية لمكافحة الإرهاب فيما يتعلق بمراقبة المنافذ
والحدود، وحرصت على مراقبة إجراءات الهجرة بكل دقة، وعملت على منع تسلل أية عناصر
إرهابية من خلالها، وأنشأت السلطات الإماراتية المختصة قاعدة معلومات متطورة تهتم
بحصر العناصر المتطرفة والإرهابية، ومعرفة الجماعات والخلايا التي تدعمها وإحباط
أهدافها ومخططاتها.(14)
وفي البُعد الديني والثقافي، تستضيف
وترعى الإمارات عدد كبير من المؤسسات التي تعمل على تصحيح الأفكار المغلوطة التي
يتغذى عليها التطرف، ومن بينها: (مجلس حكماء المسلمين، والمجلس العالمي للمجتمعات
المسلمة، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، والمعهد الدولي للتسامح التابع
لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، وغيرها من المؤسسات المتخصصة في
مكافحة الإرهاب والتطرف)، وتُعدّ الإمارات من أبرز الدول الداعمة للمركز الدولي
لمكافحة التطرف العنيف "هداية"، والذي تستضيفه عاصمتها أبوظبي، كما
تعتبر من الأعضاء المؤسسين لمركز "صواب"، وقبل كل ذلك ومعه وبعده قامت
الإمارات من خلال الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بغرس وتعزيز قيم
إنسانية سامية كالاعتدال وقبول الآخر والتعايش والتسامح والوسطية في المجتمع
الإماراتي، باعتبارها حائط الصد الأساسي في مواجهة الأفكار المتطرفة التي تتربص
بالمجتمعات العربية والإسلامية(15). وتحرص دولة الإمارات على دعم
المؤسسات الدينية الوسطية في العالمين العربي والإسلامي، وفي مقدمتها الأزهر
الشريف.
وفي البُعد التعليمي والفكري، سعت
الإمارات إلى مواءمة المناهج والعلوم الاجتماعية والتربية الوطنية من خلال
المؤسسات التربوية والتعليمية لتلبي الحاجة إلى توعية الطلبة وحمايتهم من الوقوع
في براثن التطرف، والذي يُعد مطلبًا متسقًا مع الخطط التعليمية للدولة التي تشكّل
جزءًا من رؤية 2021. كما تتبنى الإمارات المبادرات المعنية بدور وسائل التواصل
الاجتماعي في مواجهة الإرهاب والتطرف.(16)
6- مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية:
تستعد
دولة الإمارات لاستضافة أعمال مؤتمر الأطراف في
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دورته الثامنة والعشرين
"كوب 28"، والمقرر انعقاده في إمارة دبي في نوفمبر 2023، وتبذل الدولة
جهودًا استثنائية لنجاح أعمال المؤتمر وتحقيق الغايات الأممية في مواجهة ظاهرة
التغير المناخي، وقد بدأت استعداداتها بتشكيل لجنة وطنية عليا للإشراف على
عملية استصافة المؤتمر يرأسها الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية
والتعاون الدولي، ويتم العمل من خلالها على وضع الإجراءات التنظيمية والجوانب
اللوجستية، والتواصل مع الجهات الفاعلة والمتخصصة لتسهيل انعقاد المؤتمر.
كانت الدولة قد اتخذت جملة من الإجراءات والتدابير القانونية
والإدارية، منها: الانضمام لاتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال
في عام 1989؛ الانضمام للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ في عام 1995؛
الانضمام لاتفاق كيوتو في عام 2005؛ استضافة المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة
المتجددة في عام 2009؛ الانضمام لاتفاق باريس للمناخ في عام 2015؛ تنظيم مؤتمر أبو
ظبي للمناخ في عام 2019؛ تنظيم حوار أبو ظبي للمناخ، والمشاركة في حوار القادة
للمناخ وطلب استضافة "كوب 28 في 2023" في عام 2021، والمشاركة في مؤتمر
"كوب 27" في شرم الشيخ بمصر في عام 2022.
وعلى امتداد هذه السنوات، أولت
الإمارات قضية التغير المناخي والحفاظ على البيئة أهمية كبرى، حيث أنشأت مدينة
مصدر كأحد التجمعات الحضرية استدامة في العالم، تعتمد على الطاقة النظيفة، وامتلكت
5 مصادر نظيفة للطاقة الكهربائية، وقادت خطط طموحة لحماية الاقتصاد الأزرق، وأطلقت
استراتيجية للتنمية الخضراء، وامتلكت أفضل غرامة تكرير نفايات بالمنطقة، وافتتحت
مركز أبو ظبي لإدارة النفايات، ووقعت اتفاقيات ومبادرات لتحقيق التنمية المستدامة
وخفض الانبعاثات مع مجموعة العشرين ومجموعة السبع والسبعين والوكالة الدولية
للطاقة المتجددة، فضلًا عن تركيزها على دعم المبادرات البيئية العالمية، واعتماد
استراتيجيات وطنية لمواجهة التغير المناخي، منها: استراتيجية دبي للطاقة النظيفة
2050، واستراتيجية الحياد الكربوني 2050 لإمارة دبي، والاستراتيجية الوطنية للطاقة
2050.(17)
ويمكن
القول إن جملة من الأسباب تدفع الإمارات إلى إيلاء ظاهرة التغيرات المناخية
ومواجهتها أولوية كبيرة، نذكر منها: 1- تزايد مخاطر التغيرات المناخية والتداعيات
الكارثية المحتملة لتفاقم الظاهرة في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير
مسبوقة في العديد من دول العالم، وانتشار ظواهر الجفاف والفيضانات وغرق المدن، وما
سيصاحب ذلك من ارتدادات سلبية على كافة المجتمعات وغيرها من التداعيات؛ 2- التكامل مع الجهود الدولية، التي بدأت منذ
نهاية السبعينيات في عقد المؤتمر العالمي الأول للمناخ من قبل لجنة برئاسة ممثل
الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1979، وما تبعها من جهد إماراتي لمساندة وتعزيز
الدور الدولي والتعاطي معه بفاعلية بما يضمن تقليص تداعيات ظاهرة التغير المناخي،
وقد توجت الجهود الإماراتية باختيارها لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم
المتحدة الإطارية، بشأن تغير المناخ "كوب 28" في عام 2023.(18)
ثالثًا- 2023.. رؤية
مستقبلية:
من
المتوقع أن يستمر الاتجاه التصاعدي لدور دولة الإمارات في النظام الدولي في العام
المقبل 2023، استنادًا إلى الجهود والأدوار التي أسستها وتبلورت في عام 2022، وما
قبله، وأن تُراكم مؤسسات الدولة على نجاحاتها في مواجهة الأزمات الدولية عبر صُنع السياسات
وتبني الصيغ الجديدة في التعامل مع تلك الأزمات، وذلك بالاتكاز على عددٍ من
المقومات والحقائق التي تتوفر لها، أهمها ما يلي:
1-
سيكون
لدولة الإمارات دورها في بناء وتعزيز المبادرات الإنسانية والتنموية حول العالم وتكثيفها
في المجالات كافة، التعليمية، والصحية، وبرامج الإسكان وغيرها من المجالات التي
سجلت الدولة من خلالها حضورًا متميزًا على امتداد السنوات الماضية، ورسخت عبرها
الانطباع بأنها في مقدمة الدول التي تستجيب لنداءات العون والإغاثة وتلبية حاجات
الدول والشعوب النامية والفقيرة، مثلما سجلت دورًا رائدًا في الاستجابة لحالات
الكوارث والطوارئ- الطبيعية والبشرية- التي تعرضت لها دول العالم قديمًا وحديثًا. ومن
المتوقع أن تستمر الإمارات كذلك في دعم الهيئات الدولية والإقليمية المتخصصة بمهام
مساندة وإغاثة الدول والشعوب لتحقيق رفاهيتها، بما يُهيئ لهذه الهيئات والمنظمات
القُدرة على الاستجابة للحاجات الإنسانية المُلحة والمبادرات الطارئة والتعاطي معها
بإيجابية.
2-
مع
استمرار وتفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية جراء الحرب الروسية- الأوكرانية التي
لا تزال قائمة بكل انعكاساتها الثقيلة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية،
وتداعيات جائحة كوفيد- 19 في الجوانب الاقتصادية والصحية أيضًا؛ من المتوقع أن تُضاعف
الإمارات من جهودها في تسخير قدراتها الاقتصادية والمالية في مواجهة هاتين
الأزمتين من خلال دعم الدول بما يحقق لها القدرة على مواجهة أزماتها الاقتصادية
والمالية وتخطيها، والعمل على ضبط أسواق الطاقة العالمية بالتشارك مع الدول
الخليجية ودول العالم، خصوصًا مع استمرار العقوبات الغربية على النفط والغاز
الروسيين.
3-
ستواصل دولة
الإمارات دورها في تعزيز ثقافة التسامح ومكافحة التطرف والإرهاب عبر توسيع دائرة
العمل الجماعي الدولي المشترك لمواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة وردعها
واجتثاثها، وتعميق مبادرات التسامح بوصفها مسؤولية اجتماعية وأخلاقية أولًا
وأخيرًا. ومن المتوقع أن تظلّ هذه القضية على امتداد عام 2023، وما بعده، على رأس أولويات
صُناع القرار في الإمارات، كمحور رئيسي في سياستها الداخلية والخارجية، بما يعزّز
دورها في تحقيق الأمن والاستقرار.
4-
بانتقال
رئاسة مؤتمر الأمم المتحدة لمواجهة تغير المناخ من مصر إلى الإمارات في الدورة 28
المنعقدة في نوفمبر 2023، تكون دولة الإمارات قد حقّقت مُنجزًا مهمًا، وحازت
الموثوقية العالمية إقرارًا بقدراتها في مواجهة هذه الأزمة الدولية المصيرية التي
تهدد دول العالم. ومن المتوقع أن تستثمر الإمارات هذا الحدث العالمي قبل انعقاده وبعده،
بالاستعداد الجيد لتنظيم دورة المؤتمر "كوب 28"، والبناء على ما تحقق في
دورة شرم الشيخ نوفمبر 2022، وذلك في اتجاهات متعدّدة، منها: - الشروع في التنفيذ
العملي لمخرجات مؤتمر "كوب 27".- رعاية وإطلاق المبادرات في مجال
الطبيعة وحماية البيئة.- العمل الفعلي على تكثيف الجهود الدولية للحدّ من تداعيات
تغير المناخ في أنحاء العالم.
5-
ربما
تنضم دولة الإمارات إلى المزيد من التكتلات الاقتصادية العالمية وتعزّز شراكتها
معها، وبذلك تكون الدولة قد راكمت على جهودها في هذا المجال بعد أن سجلت حضورًا وانخرطت
في شراكاتٍ فاعلة مع القوى والتكتلات الاقتصادية العالمية الصاعدة خلال السنوات
الماضية، بما فيها "مجموعة العشرين" التي تُشارك في اجتماعاتها. وتشكّل القمة العربية- الصينية الأولى التي انعقدت مؤخرًا في
السعودية حدثًا من شأنه أن ينقل العلاقات الاستراتيجية إلى أفق أرحب، ويفتح مسارات
جديدة للتعاون القائم على أسس المصالح المشتركة، بما يضمن مساحة أوسع للتحرك
الخارجي، وإحداث تنمية شاملة، خاصة في مجالي البنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة
لدول الخليج بصورةٍ عامة ولدولة الإمارات على نحوٍ خاص.
6-
نظرًا
لما تحظى به دولة الإمارات من ثقة لدى أطراف الصراع في الحرب الروسية- الأوكرانية،
وهم: روسيا- أوكرانيا- الولايات المتحدة الأمريكية- الاتحاد الأوروبي، فإنه من
المتوقع أن يستمر دورها في عرض الوساطة والانخراط الجديّ فيها لضمان تهدئة الأوضاع
ونزع فتيل الحرب، والمساهمة في صياغة رؤى لحل الأزمة عبر المفاوضات وإيجاد الطرق
الملائمة للتسوية بما يضمن السلم والأمن الدوليين، ويُنهي حقبة التهديدات الدولية
الكبرى ويشكك في مصداقية الإجراءات الأمنية والحلول العسكرية لتسوية النزاعات
والصراعات حول العالم، وبما يحفظ حقوق طرفي الصراع ويُجنب المدنيين من الطرفين
ويلات الحروب ومآسيها، وهو الدور الذي بدأته الإمارت في عام 2022، وقبلته أطراف
الصراع، وأشادت به دول العالم واعتبرت أنها الدولة المؤهلة للقيام بدور الوسيط لاعتباراتٍ
عدّة، أهمها المكانة السياسية التي يُمثّلها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل
نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، وعلاقته المتوازنة بطرفي الصراع،
والحياد الإيجابي الذي مثّلته الإمارات بالنأي عن الوقوف مع طرف ضد الآخر أو
مناصرة طرف في مواجهة الآخر، ومغادرتها سياسة الاصطفافات ولعبة المحاور التي
عرفتها بعض القوى الإقليمية والدولية وظلّلت جهودها وأدوارها على امتداد الشهور
الماضية ومنذ نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية.
وختامًا،
يمكن القول إن الاتجاهات المستقبلية لعام 2023، تؤشر لأدوار ومكانة كبرى لدولة الإمارات العربية المتحدة في النظام
الدولي؛ استنادًا إلى المقومات الذاتية التي امتلكتها والسياسة الخارجية المتوزانة
التي مثلتها، وفعلها الاستثنائي لمعالجة الأزمات الكبرى، واحاطتها وشمولها للقضايا
الإقليمية والدولية، وفق ما ورد في هذه الدراسة.
الهوامش
1) المجلس
الوطني للإعلام، دولة الإمارات العربية المتحدة، أبو ظبي: الكتاب السنوي لدولة
الإمارات، 2016، ص58.
2) التقرير
الاقتصادي السنوي 2021، وزارة الاقتصاد بدولة الإمارات العربية المتحدة،
إدارة المعلومات والدراسات الاقتصادية، 2021، ص45.
3) وزارة الاقتصاد بدولة الإمارات العربية المتحدة، اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري والتقني التي وقعتها دولة الإمارات، الرابط:
https://www.moec.gov.ae/economic-cooperation-map
4) أمل
الهدابي، لماذا يتصاعد دور الخليج في النظام الدولي 2023، أبو ظبي: مركز
المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 6/12/2022، الرابط:
https://futureuae.com/media/2023_17b54ec7-cf90-409d-b2a2-ae0bdc1e97af.pdf
5) المصدر
نفسه.
6) محمود
جمال عبد العال، إمارات الخير: البعد الإنساني في السياسة الخارجية الإماراتية،
القاهرة: المركز العربي للبحوث والدراسات، 7/5/2018، الرابط:
7) عزام
شعث، المواقف الأخوية العميقة، جريدة البيان الإماراتية، 11/2/2022، الرابط:
https://www.albayan.ae/opinions/articles/2022-02-11-1.4367550
8) محمد
عبد الله العلي، إدارة الإمارات لأزمة وباء كورونا المستجد: الأبعاد والدروس
المستفادة، أبو ظبي: مركز تريندز للبحوث والاستشارات، الرابط:
https://trendsresearch.org/ar/insight/%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-
9) كيف
يمكن فهم الانعطافة الأخيرة في السياسة الخارجية الإماراتية؟، أبو ظبي:
مركز الإمارات للسياسات، 8/9/2021، الرابط:
10) أيمن
سلامة، الإمارات العربية المتحدة في مجلس الأمن.. الأسس والآثار، سكاي نيوز
عربية، 12/6/2021، الرابط:
https://www.skynewsarabia.com/blog/1443911-
11) نهال
أحمد، دبلوماسية السلام: الدور الإماراتي في القرن الإفريقي، القاهرة:
المركز العربي للبحوث والدراسات، 16/7/2018، الرابط: http://www.acrseg.org/40826
12) الحرب
الروسية- الأوكرانية إلى أين؟، أبو ظبي: مركز تريندز للبحوث والاستشارات،
19/10/2022، الرابط:
https://trendsresearch.org/ar/insight/russian-ukrainian-war/
13) عاطف
السعداوي، التجربة الإماراتية في مكافحة التطرف، سكاي نيوز عربية،
9/3/2021، الرابط:
https://www.skynewsarabia.com/blog/1420443-
14) دراسة
حول تشريعات مكافحة الإرهاب في دول الخليج العربية واليمن، نيويورك:
الأمم المتحدة، 2009، ص61.
15) عاطف
السعداوي، مصدر سبق ذكره.
16) مقصود
كروز، التجربة الإماراتية في مواجهة التطرف: نموذج الاستراتيجية المتعددة
الأبعاد، دولة الإمارات العربية المتحدة: مديرية التوجيه المعنوي- القيادة
العامة للقوات المسلحة، "مجلة درع الوطن"، 6/9/2017.
17) كل
ما يخص مؤتمر المناخ كوب 28 في الإمارات "نستعد للحدث العالمي"، العين
الإخبارية، 17/11/2022، الرابط: https://al-ain.com/article/cop-28-climate-change-conference
18) محمد
فوزي، الأمن غير التقليدي: ما أبعاد الاستراتيجية الإماراتية لمواجهة التغيرات
المناخية، أبو ظبي: مركز انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 7/8/2022،
الرابط: