أغلقت في
29 يناير 2023 مكاتب الاقتراع في الدور الثاني للانتخابات التشريعية التونسية المبكرة،
فيما أظهرت الأرقام الأولية أن نسبة المشاركة بلغت 11.15%، بحسب تصريح المتحدث
باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري.
وهذه أول
انتخابات تشريعية يتم تنظيمها في أعقاب إعلان الرئيس قيس سعيد تدابير استثنائية
يوم 25 يوليو 2021، جمّد بموجبها البرلمان، ثم حلّ المجلس الأعلى للقضاء وهيئة
مكافحة الفساد، وأقال الحكومة السابقة، ثم صاغ دستورًا جديدًا، وعدّل قانون
الانتخابات.
وجرت الانتخابات التشريعية -منذ دورها
الأول- على وقع أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية مركبة أثقلت كاهل التونسيين وعززت
شعورهم بخيبة الأمل بسبب الغلاء وندرة المواد الاستهلاكية الأساسية، في حين قاطعت
أغلب الأحزاب الانتخابات، منفذةً بذلك سلسلة من الاحتجاجات في الشوارع ضد الرئيس
قيس سعيد. وفي الدور الأول من الاقتراع لم يشارك سوى 11%
من جملة 9 ملايين و136 ألف ناخب مسجل، وأرجعت هيئة الانتخابات ضعف المشاركة إلى
حداثة اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد، في حين قالت المعارضة إنها رسالة ضد
الرئيس.
وبوصول الانتخابات التشريعية لآخر
محطاتها بإجراء الجولة الثانية، يأمل التونسيون أن تكتب هذه المحطة المفصلية كلمة
النهاية للفوضى السياسية، التي عانتها البلاد بعد حكم حركة النهضة الإخوانية، ورغم
إجرائها في ظل ظروف اقتصادية متأزمة، إلا إن خلو الانتخابات من حركة النهضة يعني
السير المستقيم في اتجاه الإصلاح السياسي الذي بدأه الرئيس قيس سعيد بقرارات 25
يوليو قبل عام ونصف.
وفتحت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها،
في جولة ثانية لانتخابات برلمانية جرت الشهر الماضي ولم تتعد نسبة الإقبال فيها
11%، وهي نسبة قال معارضون للرئيس قيس سعيد إنها تقوض حديثه عن الدعم الشعبي
لتغييراته السياسية واسعة النطاق. بعد أن سُجِّل إقبال ضعيف للناخبين
التونسيين في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية لاختيار أعضاء برلمان محدود
الصلاحيات، في استحقاق تعد نسبة المشاركة المقياس الأساسي لنجاحه وتقاطعه المعارضة
في ظل أزمة سياسية واقتصادية تعصف بالبلاد.
وتجب الإشارة إلى أنه تنافس 262 مرشحًا
على 131 مقعدًا في البرلمان الجديد (من أصل 161)، خلال انتخابات تمثل المرحلة
الأخيرة من خريطة طريق فرضها الرئيس قيس سعيّد وأبرز ملامحها إرساء نظام رئاسي
معزز على غرار ما كان عليه الوضع قبل الثورة التونسية.
متغيرات داخلية
في يوليو 2022، تم إقرار دستور جديد
إثر استفتاء شعبي تضمن صلاحيات محدودة للبرلمان مقابل تمتع الرئيس بغالبية السلطات
التنفيذية، ومنها تعيين الحكومة ورئيسها. ويقول الرئيس إن إجراءاته قانونية
وضرورية لإنقاذ تونس من الفساد والتدهور الاقتصادي على مدى سنوات على يد نخبة
سياسية لا يهمها سوى مصالحها الذاتية.
وبالتالي، سيكون للمجلس النيابي الجديد
عدد قليل جدا من الصلاحيات، فالنواب الـ161 الذين سينتخبون ليس بإمكانهم على سبيل
المثال عزل الرئيس ولا مساءلته، فيما يتمتع الأخير بالأولوية في اقتراح مشاريع
القوانين. وليس بإمكانهم "منح الثقة للحكومة ولا يمكن أن يوجهوا لائحة لوم
ضدها، إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
على الجانب الآخر، كانت المعارضة قد
أعلنت مقاطعتها للمشاركة في هذه الانتخابات التي ستأتي ببرلمان محدود الصلاحيات.
ويواجه السكان تدهورا حادا في قدرتهم الشرائية مع تضخم تجاوز 10 بالمئة، ويعانون
نقصا في المواد الغذائية الأساسية على غرار الحليب وزيت الطبخ والسميد. وسجلت
الدورة الأولى من الانتخابات نسبة مشاركة في حدود 11,22 بالمئة.
وزاد الشعور بالإحباط من السياسة في
تونس بسبب الأزمة الاقتصادية الآخذة في التفاقم والتي أفضت إلى نقص في بعض السلع
الأساسية ودفعت الحكومة إلى خفض الدعم سعيا للحصول على دعم مالي دولي يجنبها
الإفلاس.
ومن الصعب التكهن بملامح البرلمان
القادم وخارطة التوازنات، لكن من المرجح أن تسيطر عليه الأسماء المستقلة الداعمة
لمشروع الرئيس قيس سعيّد. وسيحل البرلمان الجديد الذي سيتم الإعلان عن
ممثليه خلال الأيام المقبلة، محل البرلمان الذي تولى الرئيس قيس سعيد تجميده في 25
يوليو 2021، وكان يترأسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.
انعكاسات متعددة
يعلق الكثير من التونسيين الآمال على
النظام الجديد في الانتخابات التونسية في إنهاء عقدًا من الفساد السياسي والمالي
والفوضى الأمنية، حيث تأتي كآخر مرحلة من خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس قيس
سعيّد في يوليو 2021، خاصة وأنها جاءت في ظل أزمة سياسية تعيشها البلاد، منذ إعلان
الرئيس قيس سعيد، إجراءاته الاستثنائية، وتُعد السمة الأساسية لهذه الانتخابات هي
أن معظم المشاركين فيها من المستقلين، إضافة إلى أحزاب "لينتصر الشعب"
(يضم شخصيات وحزب التيار الشعبي)، وحركة الشعب (قومية)، وحراك 25 يوليو، وحركة
"تونس إلى الأمام".
وبالتالي يمكن القول إن نتائج التصويت
في المرحلة الأولى والثانية من انتخابات مجلس نواب الشعب بالمقارنة بما سبقها من
انتخابات، جاءت معبرة عن النظام الانتخابي الجديد، وبالتالي تكون نسبة التصويت
بمثابة تعبير حقيقي عن النظام الفردي التي تم العمل به.
كما أن هناك انعكاس واضح لطبيعة النظام
الانتخابي كتعبير عن الظروف والسياقات التي يعيشها المجتمع التونسي بسبب عشرية حكم
الإخوان: وإذا كان النظام الفردي، بالإضافة إلى تأثير إصلاحات قيس سعيد على
الخريطة الحزبية والسياسية في المجتمع التونسي، وخلق نخبة برلمانية جديدة، تسبب في
تراجع نسبة التصويت في انتخابات 2022، فإن النظام الوليد سيعالج الاختلالات في
العلاقات الداخلية بالبرلمان وكذلك في علاقته مع أطراف النظام السياسي. بالإضافة
إلى ذلك قد تختفي في برلمان 2022، تتمثل في الصراع بين الرئيس والبرلمان، والتي
أدت إلى تراجع أداء الرئيس، وكان رئيس الحكومة هو الذي يضع السياسات العامة
للدولة، خاصّة وأن تشكيل البرلمان منذ 2011، بالإضافة لأن النظام السياسي، قبل
تعديلات قيس سعيد 2022، أعطى للبرلمان سلطة تكليف تشكيل الحكومة من الحزب أو
الائتلاف الحاصل على الأغلبية، ما تسبب في خلق أزمات دائمة بين الحكومة والرئيس
كان البرلمان طرفًا رئيسيًا فيها.
وفيما يتعلق بالنظام الجديد في
الانتخاب والتصويت، حيث جرت الانتخابات التونسية للمرة الأولى بنظام المقاعد
الفردية بدلًا من القوائم الحزبية. ووفقًا للنظام الجديد في الانتخابات التونسية
فلن يتمتع النواب الجدد بالحصانة بعد أن ألغى قانون الانتخابات الجديد الحصانة
القانونية، ومنح حق سحب الثقة من النائب حال تقاعسه عن مهامه.
وفيما يتعلق بالمعارضة وعلى الرغم من توجيه
دعوة الرئيس إلى الاستقالة بعد نسبة الامتناع الكبيرة عن التصويت خلال الدورة
الأولى والثانية من الانتخابات، فلا تزال منقسمة بدورها إلى ثلاث كتل مختلفة التوجّهات،
هي "جبهة الخلاص الوطني" التي يتزعّمها حزب النهضة، والحزب الدستوري
الحرّ بقيادة عبير موسي التي تدافع عن خيارات نظام بن علي، والأحزاب اليساريّة. ويمكن الإشارة هنا إلى أنه قد دأبت أحزاب المعارضة على تنظيم تظاهرات
للتنديد بقرارات سعيّد منذ أن أقرّها. ويلاحق القضاء العديد من نشطائها. ويترافق الغليان السياسي في تونس مع مأزق اقتصادي فاقمه تعثّر
المفاوضات الحاسمة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو ملياري دولار.
في الختام: إن الانتخابات التشريعية
محطة مهمة لتركيز المؤسسة البرلمانية والانتقال من الوضع الاستثنائي إلى حالة من
الاستقرار تمكّن من القيام بالإصلاحات. ورغم أن قانون الانتخابات غيّر قواعد
اللعبة ليصبح الانتخاب على الأفراد بدلا من القوائم الحزبية، وبالتالي فإن أغلب
المرشحين يؤمنون بمسار 25 يوليو، ولديهم عناصر مشتركة فيما بينهم لبلورة تصورات
وخيارات وطنية لإصلاح الأوضاع الحالية.