في الذكرى الـ44 لانتصار الثورة الإسلامية....إيران إلى إين؟
تحيى
إيران ذكرى انتصار الثورة الإسلامية لعام 1979 في 11 فبراير القادم، وسط مجموعة من
التحديات التى لا تبدو هينة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي؛ حيث عكست أربعة
أشهر من الاحتجاجات التى مازالت مستمرة في إيران اتجاهاً عميقاً من الغضب من قبل
الجيل Z مع توجهات رجال الدين، ولاسيما فيما يتعلق برغبة نظام الولي
الفقيه في فرض الحجاب الإلزامي على النساء. وعلى نطاق أوسع جاءت التظاهرات في
إيران رافضة للطابع الثيواقراطي الذى يحظى به نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
ويتوازى
ذلك، مع تدهور وضع الاقتصاد الإيراني، وهو الأمر الذى اتضحت أبرز ملامحه في ارتفاع
معدل التضخم إلى ما يزيد عن 40%، وتجاوز معدل البطالة حاجز الـ 12%، بالتوازي مع
انخفاض قيمة الريال الإيراني في مواجهة الدولار.
أما على الصعيد الخارجي، فمازال مستقبل خطة
العمل الشاملة المشتركة يكتنفه الكثير من الغموض، وسط تدهور للعلاقات مع الولايات
المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التى فرضت غالبيتها الكثير من العقوبات
الاقتصادية على إيران خلال الفترة القليلة الماضية بسبب قمع النظام في إيران
للمحتجين. ورغم علاقات إيران الجيدة مع المعسكر الشرقي(روسيا والصين)، إلا أن ذلك كانت
له عواقب وخيمة على علاقات طهران مع نظيره الغربي.
وعليه،
سيتم العرض فيما يلي لأبرز التحديات التى تواجه إيران خلال الذكري 44 للثورة:
أولاً- وضع داخلي مضطرب
رغم
تضاؤل وتيرة الاحتجاجات منذ بداية عام 2023، إلا إنه لا يزال السخط الشعبي موجود
على خلفية عدم إتجاه النظام في إيران للبحث في الجذور الرئيسية لأسباب الأزمات، أو بالأحرى عدم رغبته اتباع المسارات
المناسبة لحل هكذامشكلات. ولكن ربطت بعض التقديرات بين مستقبل هذه الاحتجاجات
ونظيرتها التى اندلعت في عام 2009 والتى كانت تعرف باحتجاجات "الحركة الخضراء"،
وأشاروا إلى أن هذه التظاهرات من المحتمل أن تواجه المصير نفسه الذى واجتهه
نظيرتها التى اندلعت في عام 2017 و2019، والتى تلاشت تحت وطأة التكتيكات الأمنية
القاسية.
أما على
الصعيد الاقتصادي، فقد شهد العام الأول للرئيس الحالي إبراهيم رئيسي وضعاً
اقتصادياً متدهوراً للغاية؛ حيث وصلت قيمة الريال إلى 400 ألف ريال للدولار
ارتفاعًا من 70 ريالًا للدولار فقط عندما أطاحت الثورة بالنظام الملكي قبل أربعة
عقود. وبالمثل، ارتفع معدل التضخم أيضاً؛ ففي نوفمبر 2022، اعترفت الحكومة بأن
أسعار المستهلكين قد ارتفعت بنسبة 48% في عام واحد فقط، بينما ارتفع متوسط أسعار
المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 68%، الأمر الذى جعل البقاء على قيد الحياة يشكل
معضلة كبيرة بالنسبة لملايين الإيرانيين.
وفي السياق
ذاته، بلغ معدل البطالة بشكل عام في 2022 ما يقرب من 9%، في حين تجاوزت البطالة
بين جيل الشباب 16%. لكن اللافت للانتباه أن مايسمى بـ"اقتصاد المقاومة"
قد تمكن من الصمود بل والتوغل أيضاً بسبب غياب الرقابة الدولية المالية على إيران
نتيجة عدم إنضمامها إلى معاهدة
"فاتف" (اتفاقية مكافحة غسيل الأموال والإرهاب)، بالإضافة إلى
الخبرة الإيرانية في التغلب على العقوبات المفروضة عليها منذ عهد الثورة في عام
1979.
وتمثلت
أبرز ملامح توغل "اقتصاد المقاومة" في قدرة الحكومة الإيرانية على تصدير
كميات كبيرة من النفط رغم استمرار بل وتكثيف العقوبات؛ حيث أكدت أحد الإحصائيات
على أن إيران تمكنت من بيع ما يزيد على نصف حصتها المقررة في الظروف الطبيعية
والبالغة 2.5 مليون برميل يومياً، وكانت الصين هي المشترى الرئيسي من إيران، الأمر
الذى دفع المبعوث الخاص لشؤون إيران روبرت مالي خلال الأيام القليلة الماضية
للإعلان عن استهداف صادرات النفط الإيرانية إلى بكين.
ثانياً- توترات مع الغرب
يبدو أن
أزمات إيران الداخلية قد ارتبطت بالتوترات مع الغرب؛ حيث وصلت المشاورات بشأن خطة
العمل الشاملة المشتركة بين إيران والدول الست الكبرى في العالم - بريطانيا والصين
وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية– في أغسطس 2022 إلى طريق مسدود، بعد أن أقرت إدارة الرئيس
الديمقراطي جو بايدن العودة مرة أخرى إلى الاتفاق النووي. وهنا تكشف بعض التقديرات عن أن التشدد الذى
تمارسه حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلعب دوراً أساسياً في هذا الإتجاه،
فضلاً عن حالة عدم الثقة التى تخيم على موقف كل من أوروبا والولايات المتحدة
الأمريكية من ناحية وإيران من ناحية أخرى.
ففي
الوقت الذى تطالب فيه إيران بضمانات للتأكد من عدم حدوث إنسحاب أمريكي مرة أخرى،
وهو الأمر الذى أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلينكن عدم قدرة واشنطن على
توفيره، ترغب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في فرض المزيد من القيود على مكونات
البرنامج النووي الإيراني لضمان عدم انتهاك إيران لهذه الالتزامات مرة أخرى، فضلاً
عن ربطها بين الملف النووي وبعض الملفات الأخرى مثل حقوق الإنسان، والبرنامج
الصاروخي وهو الأمر الذى ترفضه طهران.
وفي
السياق ذاته، ربطت القوى الغربية بين أزمة البرنامج النووي الإيراني والدعم الإيراني
لروسيا خلال عمليتها العسكرية في أوكرانيا؛ حيث زعمت بعض أجهزة المخابرات الغربية
تصدير إيران لطائرات بدون طيار (مسيرة) من طراز "شاهد 131 و 136 "و"مهاجر
2 " إلى موسكو لدعمها في أوكرانيا، وهو الأمر الذى اعترف به وزير الخارجية
الإيراني أمير عبد اللهيان في وقت لاحق. وهنا، يمكن القول أن دعم إيران لروسيا أدى
لتعميق الأزمة بين إيران والغرب.
ثالثاً- نظام مخترق
رغم سياسات التحدي الصارمة والتهديد التي تنتهجها
إيران، لكن يبدو النظام بات أكثر هشاشة من أي وقت مضى ولاسيما منذ عهد الثورة؛ حيث
بلغ المرشد الأعلى علي خامنئي سناً كبيراً، غير إنه مصاب بسرطان البروستاتا منذ عام 2014، في ظل عدم الاتفاق على من سيخلفه.
ويتوازي ذلك مع الاختراقات العسكرية الكبيرة التى تقوم بها إسرائيل في الداخل،
الأمر الذى ظهرت آخر ملامحه في الهجمات على منشأة أصفهان العسكرية في أواخر يناير
2023.
ومن
ناحية أخرى، تنذر سيطرة المتشدديين في إيران على كافة مفاصل مؤسسات السلطة بأزمة
كبيرة فيما يتعلق بوضع الإصلاحيين المهمشين بشكل كبير؛ فالطالما شنت صحيفة
"كيهان" الأصولية حملات هجومية على الرئيس السابق محمد خاتمي وزعيم
الحركة الخضراء مير حسين موسوي بسبب مطالباتهم بإصلاح النظام، وهو الأمر الذى تجلت
أبرز ملامحه في المطالبات الأخيرة من قبل موسوي بوضع دستور جديد للبلاد، وإجراء
بعض الإصلاحات الجوهرية ولاسيما فيما يتعلق بتخفيف القبضة الحديدية على الحريات
والحقوق من قبل خاتمي.
وختاماً: من المتوقع أن تستمر التحديات الداخلية في إيران ما لم
يدرك النظام حجم هذه الأزمات ويقوم بإصلاحات حقيقية، وهو الأمر الذى تتزايد حدته
في ظل مطالب المتظاهرين بالتخلى عن الطابع الثيوقراطي الذى يتميز به نظام ولاية
الفقيه في إيران. أما على الصعيد الخارجي، فيمكن أن تؤدى انتقادات الرأي العام
الحادة في إيران بعدم الانصهار في بوتقة المحور الشرقي الذى يضم كل من روسيا
والصين إلى القيام ببعض الموازنة في العلاقات بين الشرق والغرب، وهو الأمر الذى من
المحتمل أن يتم إذا عادت إيران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.