اتجاهات التوتر: الخلافات الصينية الأمريكية بعد إسقاط المنطاد
أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن
مقاتلاتها أسقطت منطادًا صينيًا فوق المياه الإقليمية الأمريكية، بعد أن قضى
المنطاد الصيني بضعة أيام محلقًا فوق أمريكا الشمالية قبل أن يتعرض للاستهداف قبالة
ساحل ساوث كارولاينا جنوب شرقي الولايات المتحدة الأمريكية بصاروخ أُطلق من طائرة
إف-22 ليسقط المنطاد الصيني فوق منطقة من المياه الضحلة نسبيًا، بحسب مسؤولين في
البنتاغون.
وأغلقت السلطات الأمريكية ثلاث مطارات وأعلنت منطقة حظر طيران في المنطقة
التي كان يحلق فيها المنطاد فوق ساحل ولاية ساوث كارولاينا، وذلك قبل أن تقوم
طائرة عسكرية باستهدافه وإسقاطه فوق المحيط الأطلسي.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة
أوضحت أن المنطاد كان منخرطا في عمليات تجسس، لكن الصين دحضت ذلك، وأصرت على أنه
بمثابة مركبة أبحاث مدنية خرجت عن مسارها، وعلى الرغم من تأكيد جمهورية الصين
الشعبية، أن المنطاد الذي يطير فوق شمال الولايات المتحدة هو منطاد صيني، ولكنه
مدني ويُستخدم في الأبحاث وخاصة لأغراض الأرصاد الجوية، ومع قدرة محدودة على
التوجيه الذاتي، وقد انحرف المنطاد بعيدًا عن مساره المخطط له، في حين قالت وزارة
الخارجية الأمريكية إن الوزير أنتوني بلينكن أبلغ نظيره الصيني تشين جانج بإلغاء
زيارته إلى بكين على خلفية أزمة المنطاد، وأشارت إلى أن بلينكن اعتبر وجود المنطاد
عملًا غيرَ مسؤول وانتهاكًا واضحًا لسيادة البلاد والقانون الدولي.
وتتميز المناطيد بأنها تمتلك قدرة
كبيرة على التخفي لما تمتلكه من محدودية في الانبعاثات التي يمكن رصدها بالوسائل
التقليدية أو وسائل الرصد الحديثة، كما أن المناطيد يمكن أن تفعل بعض الأشياء التي
لا تستطيع الأقمار الاصطناعية القيام بها، مثل الحركة لفترة أطول والصعود والهبوط فوق
منطقة معينة على خلاف الأقمار التي يمكن التنبؤ بحركاتها في المدار.
رفض صيني
أعربت
وزارة الخارجية الصينية في بيان عن "استيائها الشديد واحتجاجها على استخدام
القوة من جانب الولايات المتحدة لإسقاط المنطاد المدني غير المأهول"، مشددة
على أنها "تحتفظ بحق اتخاذ مزيد من الردود الضرورية. ويأتي ذلك بينما أشادت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بإسقاط
المنطاد الصيني المزعوم بأنه للتجسس فوق مياه الأطلسي المطلة على السواحل
الأمريكية.
وأضافت أن "الجانب الصيني
أبلغ الجانب الأمريكي مرارًا وتكرارًا بعد التحقق من أن المنطاد مخصص للاستخدام
المدني ودخل الولايات المتحدة بسبب ظروف خارجة عن السيطرة.. الصين طلبت بوضوح من
الولايات المتحدة التعامل معه بشكل صحيح وبطريقة هادئة ومهنية وضبط النفس.. وكما
صرح متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بأن المنطاد لن يشكل تهديدًا عسكريًا أو
شخصيًا للأفراد على الأرض". وجاء بيان الخارجية
الصينية عقب إسقاط طائرات مقاتلة أمريكية المنطاد
فوق المحيط الأطلسي في مهمة أشاد بها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ووصفتها بأنها
ناجحة.
وضمن هذا السياق، أعلنت الولايات
المتحدة بأن مسار رحلة المنطاد، الذي جرى رصده لأول مرة فوق مونتانا قد يرصد عددًا
من المواقع الحساسة، ويقولون إنهم يتخذون خطوات للحماية من جمع المعلومات
الاستخباراتية الأجنبية.
وأوضح مسؤول دفاعي أمريكي، أن هذه ليست المرة الأولى التي يُرصد
فيها منطاد صيني فوق الولايات المتحدة، لكن يبدو أن هذا المنطاد يتصرف بشكل مختلف
عن البالونات السابقة. وأن هذا البالون يحوم لفترة أطول من الوقت،
وأكثر ثباتًا مما كان عليه في الحالات السابقة.
ومن جانب الصين فقد أعلنت وزارة
الخارجية، أن المنطاد الذي تشتبه الولايات المتحدة في أنه كان يتجسس بأجوائها،
مدني ويُستخدم للأبحاث، لاسيما أغراض الأرصاد الجوية. وورد في بيان الوزارة أن للمنطاد قدرة توجيه محدودة، وأنه انحرف عن
مساره المخطّط له بسبب الرياح. كما جاء في البيان أن الصين تأسف لدخول المنطاد
بشكل غير مقصود إلىي المجال الجوي الأمريكي. وكانتِ الصين قد ذكرت في وقت سابق من أنها تبحث في تقارير تفيد
بأن منطاد تجسس صينيًا كان يحلّق في المجال الجوي الأميركي، وحثت على الهدوء.
وأضافت أن الصين دولة مسؤولة، وقد
التزمت دائمًا بصرامة بالقوانين الدولية، وليس لديها أي نية لانتهاك أراضي ومجال
أي دولة ذات سيادة. أما بالنسبة للمنطاد، فإننا نبحث في الوضع ونتحقق منه، ونأمل
أن يتمكن الطرفان من التعامل مع هذا الأمر معًا بهدوء وحذر. واتهمت بكين بعض
السياسيين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة" باستغلال الحادث ذريعة
لمهاجمة الصين وتشويه صورتها.
تداعيات عديدة
واصلت البحرية الأمريكية الأحد
عملية البحث عن حطام المنطاد الصيني، وقال الجنرال غلين فانهيرك قائد القوات
الأمريكية في بيان إن عناصر من البحرية “يقومون حاليًّا بعمليات استرداد للحطام،
بمساعدة خفر السواحل الأميركيين في تأمين المنطقة والحفاظ على السلامة العامة. وقال
الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الأمريكية مايك مولين، إنه يتوقع أن يتم
استرداد حطام المنطاد “في وقت قريب نسبيًّا” من المياه قبالة ساحل ولاية كارولاينا
الجنوبية.
وعلى الرغم من أن قدرات هذا
المنطاد غير واضحة، لكن الخبراء يقولون إن مهمته توجيه «إشارة» للولايات المتحدة
أكثر من كونه تهديدًا أمنيًا، إلا أن خبر تحليق منطاد تجسس صيني فوق الولايات
المتحدة، جعل الكثيرين يتساءلون عن سبب رغبة بكين في استخدام أداة غير متطورة
نسبيًا للتجسس على أراضي الولايات المتحدة.
ربما تحاول بكين إرسال إشارة إلى
واشنطن مفادها رغم أننا نرغب بتحسين العلاقات بيننا لكننا على الاستعداد دائم لخوض
منافسة مستمرة مع الولايات المتحدة بكل الوسائل الضرورية، دون التسبب بتوتر شديد
بين البلدين.
من ناحية أخرى، فإن اختراق
مِنطادٌ صينيّ الأجواء الأمريكيّة والكنديّة ويُحلّق فوق قواعد عسكريّة حسّاسة
لعدّة أيّام قبل أن يتم اكتشافه، فهذا اختراقٌ أمنيّ وعسكريّ خطير يكشف هشاشة
الإجراءات الأمنيّة لدولةٍ عُظمى مِثل الولايات المتحدة الأمريكيّة، ودُخولها
مرحلة الشّيخوخة أمام خصمٍ استراتيجيٍّ في حالةِ صُعودٍ على مُعظمِ الجبهات.
ومن ثم تتمثل رسالةٌ الصين التحذيرية
المُحتملةٌ إلى الولايات المتحدة كرد فعل على الممارسات الأمريكية التي تخترق
الأجواء، والمِياه الإقليميّة الصينيّة في خليج تايوان والمِياه الدوليّة في بحر
الصين، من خِلالِ إرسال حاملات الطّائرات والفُرقاطات العسكريّة، وتنخرط في
مُناوراتٍ مُكثّفةٍ بالأسلحةِ كافّة مع كوريا الجنوبيّة واليابان، وتُقيم قواعد
جديدة في الفلبّين وغيرها من دُول شرق وجنوب آسيا.
في الختام: علقت الكثير من الآمال على زيارة وزير الخارجية
الأميركي أنتوني بلينكن إلى الصين من أجل تحسين العلاقات بين البلدين، إلا إن
اختراق منطاد صيني ضخم للمجال الجوي الأميركي، أفسد الزيارة ورفع سقف التوتر بين
الجانبين، خاصة وأن هناك تحليلات تفسر الاعتماد على هذه الأساليب بأنها ضمن إطار أعمال
الاستفزاز الأقل مرتبة من النشاط العسكري الصريح بهدف استكشاف رد واشنطن على مثل
هذه الخطوات وكيفية تعامل الولايات المتحدة والصين تجاه تهدئة التوترات بين قوتين
محاصرتين في تنافس جيوسياسي حاد، ولهذا هناك حاجة إلى مشاركة دبلوماسية فعالة
لتجنب خروج المنافسة بينهما عن السيطرة. وبالنسبة للولايات المتحدة فإن ذلك سيشير
إلى أن الإدارة الأمريكية تتحرك في الواقع في اتجاه أكثر تشددًا، وأن العلاقات
الثنائية ستكون أكثر صعوبة مما هي عليه، ومن ناحية أخرى، ففي حال حدوث العكس،
وأشارت الحكومة الأميركية إلى أنها تريد استئناف المحادثات وتخفيف التوترات، فإن
ذلك من شأنه أن يكشف عن نزعة تميل أكثر إلى الحد من التصعيد.