ألقى
تصريح المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني حول الرغبة الإيرانية في
التقارب مع مصر في 6 مارس 2023 بظلاله على
الدعوات الإيرانية المتكررة لتطوير علاقاتها مع بعض الدول العربية مثل المملكة
العربية السعودية وجمهورية مصر العربية؛ حيث قال كنعاني خلال مؤتمره الصحفي
الأسبوعي في ذلك: "نرحب
بدور العراق في العلاقات بين إيران والسعودية، ونعتبر مصر جارنا الإقليمي"، وتابع
كنعاني قائلاً: "منحت الحكومة الثالثة عشرة الأولوية لحسن الجوار وتطوير
العلاقات مع دول المنطقة، وأعلنت ذلك كسياسة رئيسية لها"، وأضاف كنعاني
قائلاً: "حل المشاكل مع دول المنطقة
من أولويات أجندة السياسة الخارجية للحكومة الثالثة عشرة، ومصر ليست استثناءً من
هذه القاعدة".
وفي
السياق ذاته، ترتبط هذه الدعوات بتطورات عدة في الداخل الإيراني وخارجه خلال
الفترة الحالية. وتتمثل أبرز هذه التطورات
في التدهور الحاد الذى لحق بوضع الاقتصاد الإيراني ولاسيما فيما يتعلق بسعر العملة
"الريال" الذى وصل إلى أدنى مستوياته، بالتوازى مع الاحتجاجات اللاحقة
عل حادثة مقتل الفتاة الإيرانية من أصل كردي مهسا أميني التى وفاتها المنية على يد
شرطة الأخلاق في منتصف سبتمبر 2023. أما على الصعيد الخارجي، فتوقفت مفاوضات
الاتفاق النووي إثر بعض القضايا الخلافية بين إيران ومجموعة (4+1)، بالإضافة إلى
الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن
ناحية أخرى، تشوب العلاقات الإيرانية الغربية (الولايات المتحدة الأمريكية والدول
الأوروبية) الكثير من التوترات خلال الفترة الحالية، على خلفية أسباب عدة تتصدرها
قضية حقوق الإنسان، وعدم تقيد إيران بالتزاماتها الواردة في الاتفاق النووي.
وعليه، يمكن تفصيل دوافع إيران وراء
دعواتها المتكررة للتقارب مع مصر على النحو التالي:
أولاً- أولوية العلاقات
الاقتصادية
ترغب
الحكومة الإيرانية بقيادة إبراهيم رئيسي في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع أكبر عدد ممكن من دول المنطقة، على خليفة وضع
الاقتصاد الإيراني الذى تدهور للغاية خلال الأونة الأخيرة. وهنا، تعول الحكومة
الإيرانية على فرضية مفادها أن استخدام القدرات الجغرافية وإنشاء روابط خاصة مع
الجيران يمكن أن يحل العديد من التحديات، لا سيما في مجال توفير موارد النقد
الأجنبي أو استلام البضائع المطلوبة بطيء إن نشاط عجلات الصناعة من خلال صادرات
البلاد يخلق فرص عمل ودخل للبلاد والشعب.
وفي هذا
السياق، تعد مصر – في حال وجود علاقات كاملة مع إيران- سوقاً كبيراً للسلع
الإيرانية. ورغم أن مصر تستورد بعض المنتجات الإيرانية مثل المكسرات والسجاد من
طهران، إلا أن إيران تهدف إلى توسيع مستوى التبادل التجارى فى رغبة منها لتخطى
القيود التى فرضتها العقوبات الغربية عليها. وأوضحت بيانات مركز الإحصاء الإيراني
أن صادرات إيران إلى مصر بلغت خلال عام 2021 أكثر من 5 ملايين و 600 ألف دولار،
مما يجعل مصر في المرتبة 71 فيما بالدول المستوردة من إيران. كما أن حجم الواردات
من مصر يقارب 3 ملايين و 900 ألف دولار بزيادة 51٪ عن عام 2020.
ثانياً- التعويل على مصر
للخروج من عزلتها الدولية
تعانى
إيران في الوقت الحالي من عزلة كبيرة على المستوى
العالمي والإقليمي على خلفية العقوبات الاقتصادية التى تم تكثيفها عليها
عقب حملة الضغط الأقصى التى فرضت عليها خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد
ترامب ومستمرة، بل وزادت عليها الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جوبايدن. وجاء
ذلك على خلفية بعض القضايا الهامة مثل حقوق الإنسان وخرق إيران للالتزاماتها بموجب
الاتفاق النووي.
لذا،
تحاول إيران إصلاح علاقتها مع جمهورية مصر العربية وبعض الدول الخليجية الكبرى مثل
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لاستغلال ذلك كورقة ضغط في
مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة فيما يتعلق بمفاوضات الاتفاق النووي. ومن
ناحية أخرى، تحاول إيران كسب ود القاهرة وبعض العواصم العربية التى طالبت بأن تكون
متضمنة في مفاوضات العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة وأن يؤخد برأيها فيما
يتعلق ببرنامج إيران النووي، على خلفية كونها أحد الأطراف الرئيسية التى من المؤكد
أن التداعيات السلبية لهذا الأمر ستطالها من دون شك.
وعليه، تهدف إيران بأن تحتضن الدول العربية وعلى
رأسهم مصر إلى صفها في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الغربية
الأخرى، الأمر الذى من شأنه أن يشير إلى أنها ليست دولة منبوذة بل تتمتع بعلاقات
متميزة مع كافة دول العالم.
ثالثاً- تحييد التأثير
المصري على الإقليم
يأتى
تجدد دعوات إيران لتطوير علاقتها مع مصر في وقت تتصاعد فيه التصريحات العدائية بين
طهران وتل أبيب في ظل وجود حكومة إسرائيلية متطرفة بقيادة رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، الذى هدد في
أكثر من مناسبة بشن ضربات عسكرية على المواقع النووية الإيرانية.
وهنا،
يتضح أن إيران تحاول استغلال مبدأ السياسة الخارجية المصرية القائم على عدم الدخول
في تكتلات أو أحلاف عسكرية ضد الدول الأخرى - وهو الأمر الذى اتضح قبيل قمة النقب
الأولى في مارس من العام الفائت عندما أعلنت جمهورية مصر العربية عن رفضها
للانضمام إلى التضامن العسكري العربي الإسرائيلي ضد إيران – لكسب ود مصر والتعاويل على تطوير العلاقات معها في مواجهة تل
أبيب.
ومن
ناحية أخرى، يمكن القول أن إيران لا ترغب في أن تعود مصر للعب دور فعال في محيطها
الإقليمي على اعتبار أن ذلك من شأنه أن يخصم من نفوذ إيران المتداعي بالفعل في
المنطقة. وفي هذا السياق، كشفت بعض التقديرات عن أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة
التى تمر بها إيران في الوقت أثرت بشكل نسبى على دعم وكلائها، وبالتالي على نفوذها في المنطقة، الأمر الذى تجلى قبيل تصريح
قائد جماعة "حزب الله" اللبناني المدعومة إيرانياً الذى طلب فيه الدعم
الاقتصادي للبنان من بعض الدول الخليجية مثل المملكة العربية السعودية، وباعتبار أنه
المسيطر على مفاصل الدولة اللبنانية فمن البديهى أن تذهب هذه الأموال له.
ختاماً؛ يمكن القول أن هناك مجموعة من التحديات التى قد لا تبدو
هينة تواجه تطور العلاقات الإيرانية المصرية يتمثل أبرزها في التدخل الإيراني في
شؤون بعض الدول العربية مثل العراق ولبنان واليمن وسوريا. وفي السياق ذاته، تقف
العلاقات المصرية المتنامية مع دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية كحجر عثرة
في هذا الإطار، فضلاً عن علاقة إيران المتطورة بأثيوبيا التى توجد لديها علاقات
متوترة مع مصر بسبب أزمة سد النهضة، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.