الفرص وحدود التأثير .. هل يمكن للدول العربية القيام بدور الوساطة في الحرب الأوكرانية؟
بادرت بعض الدول
القيام بدور الوساطة منذ انطلاق العملية العسكرية الخاصة التي اطلقتها روسيا ضد
أوكرانيا في 24 فبراير 2022، منها من أوروبا مثل الدور الفرنسي للوساطة في بداية هذه
الحرب أو الدور التركي والذي لعب دور في
مسألة المفاوضات حول ما عرف إعلاميًا بشحنات القمح الأوكرانية أو حتى في اْسيا عن
طريق الوساطة الإماراتية-السعودية في سبتمبر 2022، حول ملف تبادل أسرى حرب لدى
روسيا من بعض الدول من بينها بريطانيا والولايات المتحدة، وصولًا مؤخرًا للمبادرة
الصينية "موقف الصين تجاه الحل السياسي
للأزمة في أوكرانيا" والتي أعلن عنها وزير الخارجية الصيني
"وانغ يي" في مؤتمر ميونخ للأمن في 18 فبراير الماضي.
وفي هذا السياق ستناقش
هذه الورقة مدى فاعلية المبادرات والأدوار التي قد عرضت من قبل بعض الفواعل
الدولية في هذه الحرب وإلى أي مدى يقوم هذا الدور بفاعليته مع بيان طبيعة الوساطة الخليجية السعودية-الإماراتية في هذه الحرب مع الإجابة
على سؤال رئيس وهو هل يمكن للدول العربية القيام بدور الوساطة في الحرب
الأوكرانية؟
أولاً- أدوار الوساطة الدولية
في الحرب الأوكرانية
1- الوساطة الفرنسية.. فاعلية محدودة
تعتبر باريس من أولى
الدول التي تبنت خطوات سياسية للوساطة بين الطرفين الروسي والأوكراني لإجاد مخرج
سلمي للحرب في أوكرانيا، فمع الدور الذي قام به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في
هذا الاتجاة اتضح أن هناك قابلية من موسكو لقيام باريس بهذه الوساطة سواء قبل
الحرب أو حتى بعد اندلاعها.
قبل إنطلاق العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا كان لباريس نشاط دبلوماسي
كبير يعكس مدى حرص باريس على خفض التوتر
القائم بين موسكو وكييف "حينذاك" ففي زيارة قام بها الرئيس ماكرون إلى
موسكو في 8 فبراير 2022، التقى خلالها الرئيس بوتين، اتضح حينها أن هناك ربما تفهم من قبل الجانبين
الروسي والفرنسي حول خفض التصعيد في اوكرانيا وأن هناك التفاف روسي حول المبادرة
الفرنسية حول التهدئة "حينذاك"، وهذا ظهر جليًا في تصريحات الرئيس بوتين
في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بالرئيس الفرنسي ماكرون في موسكو اثناء الزيارة
المشار إليها حيث قال؛ "أعتقد أن المقترحات والافكار
الفرنسية ممكنة تمامًا من أجل وضع الأساس لخطواتنا الإضافية، دعونا نرى كيف ستجري
اجتماعات الرئيس ماكرون في كييف. بعد رحلته إلى أوكرانيا، سنتصل ببعضنا البعض مرة
أخرى ونتبادل الآراء حول هذا الموضوع."(1)
في هذا السياق يتضح أن كان هناك توافقًا فرنسيًا
روسيًا حول طبيعة الدور الفرنسي من جانب والمقترحات الفرنسية من جانب أخر، ولكن
ربما لم تلقى المقترحات الفرنسية والتي لم يعلن عنها وقتها قبول من قبل كييف
وبالتالي فقد فشلت هذه المساعي الفرنسية للوساطة بين الجانبين ومن ثم أعلن الرئيس
بوتين انطلاق العملية العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا 24 فبراير 2022.
2- الدور التركي.. المصالح
والأهداف
كان للدور التركي في الحرب الروسية الأوكرانية
دورًا استراتيجيًا من جانب ودورًا سياسيًا تفاوضيًا من جانب أخر، انتهجت السياسة
التركية تجاة الحرب الأوكرانية سياسة التوازن
فقد حاولت الحفاظ على استمرار العلاقات السياسية والاستراتيجية مع موسكو من
جانب وحاولت تتبع سياسة عدم استفزاز الحلفاء الغربيين في حلف شمال الأطلسي من جانب
اْخر ويمكن تلخيص السياسة التي اتبعتها أنقرة تجاة هذه الحرب من خلال البعدين
التاليين:-
البعد الأول : مزايا
اقتصادية من الحرب
إنطلاقًا من نهج توازن المصالح في السياسة التركية تجاة
طرفي الصراع في هذه الحرب، فقد استغلت تركيا إنطلاق هذه الحرب وقد وظفتها لتدير به
مصالحها عبر التربح من وراءها، ففي مارس 2022،
صرحت وزارة الدفاع الأوكرانية؛
"أنه تم تسلم عدد غير
محدد من طائرات "بيرقدار-"TB2 بدون طيار وأنها جاهزة للاستخدام القتالي"
وقال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكى إن بلاده استفادت كثيرًا من هذه الطائرات
التركية المسيرة.(2)
بالإضافة إلى ما سبق فقد أعلن "هالوك بيرقدار" المدير العام لشركة
"بايكار ماكينا" التركية لإنتاج الطائرات دون طيار في اغسطس 2022، وبموجب
اتفاق ثنائي يتم تشييد مصنع للشركة في أوكرانيا لإنتاج مسيّرات "بيرقدار".(3)
تحاول أنقرة من
خلال سياستها تجاة الحروب كما في النزاع ببن أرمينيا وأذربيجان, وخاصة الحرب
الروسية- الأوكرانية تحقيق مبدأ التوازن وذلك وفقًا لمفهوم المصلحة الوطنية في
العلاقات الدولية فهي على الرغم من العلاقات الاستراتيجية التي تجمعها بموسكو فقد
أبدت مرونة في خطوة تسليح كييف من أجل المزايـا
السياســية والاقتصاديــة والدبلوماســية والعســكرية من جانب وعدم اثارة غضب
الحلفاء داخل حلف شمال الأطلسي من جانب اْخر.
منذ انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية وقد عانت بعض
اقتصاديات دول العالم وخاصة الاقتصاديات العربية من جراء ارتدادات هذه الحرب
السلبية على سلاسل امدادات الغذاء حيث تعتبر أوكرانيا مصدرًا اساسيًا للقمح لبعض
دول العالم حيث تنتج أوكرانيا سنويًا 86 مليون طن قمح سنويًا.
وفي هذا السياق نظرًا لدور هذه الحرب في توقف
الامدادات فقد قامت أنقرة بلعب دور الوساطة في إعادة تصدير القمح مرة أخرى بعد
توقف الامدادات، ففي يوليو 2022، وقعت روسيا وأوكرانيا اتفاقية بوساطة
تركيا برعاية أممية في إسطنبول لتأمين تصدير الحبوب الأوكرانية العالقة من موانئ
البحر الأسود.(4) ووقع
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على الاتفاق بشكل منفصل مع نظيره التركي خلوصي
أكار، وبعد ذلك وقع وزير البنى التحتية الأوكراني "ألكسندر كوبراكوف"
على الاتفاقية مع الوزير التركي بإشراف الأمين العام للأمم المتحدة.
يمكن القول أن حدود الدور التركي
في الحرب الأوكرانية لم يتخطى ما هو مطلوب لإنهاء الحرب، بل حققت تركيا من
وراء ذلك مصالح ومكاسب عدة منها البعد المتعلق بالتربح من هذه الحرب، ومن ثم حتى الأن لم تعرض تركيا مبادرة شاملة تقوم
بإنهاء هذه الحرب ولا نستطيع أن نتنبئ على المدى القصير أو المتوسط بمزيد من
الدبوماسية التركية في هذه الحرب نظرًا لإنشغال أنقرة بالوضع الداخلي عقب الزلزال
المدمر الذي وقع مؤخرًا وكذلك الانتخابات الرئاسية المقررة مايو 2023 المقبل .
3- المبادرة الصينية..تباين غربي
عاد "مؤتمر الأمن الأوروبي" في ميونيخ هذا العام لتعزيز الضغوط الغربية ضد روسيا بسبب موقفها الراهن على صعيد عمليتها
العسكرية في أوكرانيا الذي لم يخفف من بعض حدته سوى ما كشف عنه عضو المكتب السياسي
ورئيس مكتب الشؤون الخارجية باللجنة المركزية للحزب
الشيوعي الصيني وانغ يي، حول وجود مبادرة صينية
سرعان ما كشف عن كثير من بنودها في موسكو عقب لقائه الرئيس فلاديمير بوتين.(5)
على الرغم من إعلان بكين لعب دور الوساطة في هذه
الحرب إلا أن هذه المبادرة قوبلت ببعض من التابين بين الدول الغربية في حلف الناتو
بين مؤيد ومعارض لهذه المبادرة.
لقد أظهرت
الخارجية الروسية ترحيبها بالمبادرة الصينية، وانفتاحها على المباحثات حول
أوكرانيا لكنها اشترطت ذلك بالاعتراف "بالحقائق الجديدة" على الأرض هناك
(أي بضم المناطق الأوكرانية الأربع التي استحوذت عليها القوات الروسية(، فيما أعلن عضو الدوما البارز ليونيد سلودسكي دعمه الوثيقة،
مؤكداً أنها تخلق الشروط لوضع نهاية "لهيمنة الغرب" الجماعية. وفي المقابل، قوبلت الخطة بترحيب أوكراني حذر،
تلخَّص بوصفها "مؤشراً إيجابياً" على دور الصين في الأزمة، إلى جانب الدعوة لضغط صيني على
موسكو لوقف الحرب وسحب قواتها من أوكرانيا. وقد فهم الحذر الأوكراني باعتباره
إشارة إلى إمكانية قبول أوكرانيا للصين وسيطاً في المستقبل. وتبنّت دول الاتحاد
الأوروبي، في معظمها، الموقف الأوكراني ورحَّبت مبدئياً بالوثيقة، لكنها أثارت أسئلة لدى الأوروبيين حول
قدرة الصين على الوساطة في ضوء علاقاتها الوثيقة مع روسيا. فيما رفضت الولايات
المتحدة الخطة الصينية على لسان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الذي
قال إنها "يمكن أن تتوقف عند البند الأول" الداعي لاحترام السيادة.(6)
استنتاجات حول الوساطات السابقة
مما سبق
من خلال البحث في فاعلية وتأثير الوساطة من قبل باريس-أنقرة-بكين، يتضح أن هناك
عدة أسباب تقف وراء عدم قابلية تطبيق المبادرات السابقة في هذه الحرب وذلك من خلال
ما يلي:-
(1) عدم ثقة موسكو في مصداقية الوساطات الغربية وعلى رأسها باريس
والتي تلاشت بعدما اصطفت مع الدول الغربية
في فرض عقوبات اقتصادية على موسكو بالإضافة لتزويد كييف مع الحلفاء في حلف شمال
الاطلسي بالاسلحة الهجومية والدفاعية.
(2) عدم قدرة أنقرة على تقديم مبادرة سلام شاملة حتى الأن قادرة
على إنهاء هذه الحرب ولكن يبقى دورها فاعلًا حول التوسط في بعض الملفات العالقة
بين الجانبين الروسي-الأوكراني. والذي ربما يتلاشى في المدى القريب والمتوسط بسبب
تدهور الاوضاع الداخلية في تركيا جراء الزلزال الأخير وبالإضافة لقدوم الانتخابات
الرئاسية التركية في مايو المقبل.
(3) وجود اختلاف في التعاطي بين الدول الغربية مع المبادرة الصينية للسلام في أوكرانيا، بالإضافة
لتخوف واشنطن من اصطفاف بكين بجانب الحليف التاريخي موسكو في هذه المبادرة، ولا
سيما بعد تعليق المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي؛ "أن الولايات المتحدة
ليست لديها "مؤشرات" على أن الصين اتخذت قرار توفير أسلحة لروسيا، وهذا
الاحتمال يبقى مطروحا ".وأضاف جون كيربي "نعتقد أن هذا القرار لن يكون في
مصلحة الصين وسمعتها الدولية" مضيفا "عبرنا عن قلقنا للصينيين".. بالإضافة إلى أن هذا التخوف الأمريكي يأتي في
محله، عندما تبين
موقف الصين المصطف مع موسكو والذي تبنته في مجلس الأمن في مارس 2022، حول قرار
إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي امتنعت فيه الصين عن التصويت ضد روسيا(7)
ومن ثم
حتى الأن لا توجد مبادرة حقيقية تلقى قبول جميع الأطراف الدولية في هذه الحرب،
ولكن من خلال تزايد أدوار الفواعل الدولية المتطلعة لإنهاء هذه الحرب نستطيع أن نتنبأ ربما بظهور بعض المبادرات
التي تلقى قبول من جميع الأطراف المعنية في الحرب، وبالتالي فإن بعض الدول في الشرق
الأوسط والتي تتنبى مواقف حيادية تجاة أطراف الحرب مثل المملكة العربية السعودية
والإمارات العربية المتحدة ربما يستطيعان القيام بدور الوساطة بشكل متزن وفعال
لإنهاء هذه الحرب وذلك بسبب اعتبارات عديدة سيتم التطرق لها.
الموقف العربي من الحرب
الأوكرانية: جامعة الدول العربية...دبلوماسية الحياد
عبرت جامعة الدول العربية في أكثر من مناسبة حول رؤيتها
المحايدة تجاة الحرب الأوكرانية، ففي اجتماع الجامعة على المستوى الوزاري مارس
2022، عبر الأمين العامة لجامعة الدول
العربية أحمد أبو الغيط عن طبيعة الموقف العربي الشامل تحت غطاء جامعة الدول
العربية تجاة هذه الحرب حيث قال، "المبدأ الحاكم لمواقفنا وتحركنا الدبلوماسي
حيال الحرب في أوكرانيا سيظل دائما المصلحة الوطنية، والمصلحة العربية عموما-نتمنى ونتطلع لمخرج دبلوماسي للحرب الجارية في أوكرانيا، يوقف
نزيف الصراع ويحقن دماء الأبرياء من كل الأطراف، ويحفظ الحقوق ويلبي الشواغل التي
يمكن معالجتها بالحوار، وبمنطق الحلول الوسط"(8)
ليس هذا
فحسب وانما ايضًا قادت الجامعة العربية نشاط دبلوماسي مكثف عبر تشكيل
وفد مجموعة الاتصال العربية، لروسيا وبولندا لحل الأزمة الأوكرانية.(9)
من خلال
موقف جامعة الدول العربية المحايد من جانب أو حتى عبر دور مجموعة الاتصال العربية في
قيادة حراك دبلوماسي في محاولة لإيجاد مخرج دبلوماسي لهذه الحرب يمكن القول أن
الجامعة العربية لديها موقف ربما يمكن البناء عليه عبر الدول العربية-الخليجية أو
عبر رؤية عربية شاملة تحت غطاء جامعة الدول العربية للقيام بدور كبير للوساطة في
هذه الحرب ممكنًا نظرًا للموقف المحياد لجامعة الدول العربية.
ثانياً- دول الخليج وإمكانية دور
الوساطة.. السعودية والإمارات
يعبر موقف مجلس التعاون الخليجي عن موقف متوازن تجاة الطرفين
المتصارعين في الأزمة الأوكرانية، ويعتبر الموقف الجماعي في مجلس التعاون الخليجي
معبرًا عن خطوة واحدة تجاة جميع الأطراف المتنازعة في هذه الحرب، وذلك من خلال
بعدين، أولًا : إدانة الإمارات والمملكة العربية السعودية في مجلس الأمن مارس
2022، مشروع قرار يدين التدخل الروسي في أوكرانيا(10) وثانيًا: عدم إستجابة الإمارات والسعودية للمطالب الغربية حول مناشدات الولايات المتحدة في مارس 2022، بزيادة إنتاج النفط عبر
"أوبك بلس" (11)
ففي
البيان الختامي لاجتماع المجلس على مستوى وزراء الخارجية
يونيو 2022، .أوضحت
دول مجلس التعاون الخليجي، الموقف الموحد للأعضاء من ملف الأزمة الأوكرانية وروسيا
وفيما يلي ملخض الموقف وفقا لما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية(12):-
1.
أكد
المجلس الوزاري على أن موقف مجلس التعاون من الأزمة الروسية الأوكرانية مبني على
مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والحفاظ على النظام الدولي القائم على
احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها
الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها.
2.
أكد
المجلس الوزاري دعمه لجهود الوساطة لحل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، ووقف إطلاق
النار، وحل الأزمة سياسياً، وتغليب لغة الحوار، وتسوية النزاع من خلال المفاوضات.
3.
نوه
المجلس الوزاري بالمساعدات الانسانية والإغاثية التي قدمتها دول مجلس التعاون لأوكرانيا.
4.
عبر
المجلس الوزاري عن دعمه لكافة الجهود لتسهيل تصدير الحبوب وكافة المواد الغذائية
والإنسانية من أوكرانيا للمساهمة في توفير الأمن الغذائي للدول المتضررة.
وفي هذا السياق،
قادت السعودية والإمارات عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا في سبتمبر 2022،
وكانوا من مواطني المغرب والولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وكرواتيا. ولاقت تلك
الخطوة إشادة دولية واسعة سواء من جانب دول المواطنين الذين تم إطلاق سراحهم أو من
دول أخرى. بالإضافة لعدة دول، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والسويد
وكرواتيا.
وساعدت تلك الخطوة على تكرار
تلك الوساطة بشأن الإفراج وتبادل السجناء بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ففي 8 ديسمبر 2022، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية ووزارة الخارجية السعودية عن
نجاح الوساطة التي قادها الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات والأمير محمد بن
سلمان ولي العهد السعودي، للإفراج عن المسجونين (المواطنة الأمريكية بريتني
غراينر، والمواطن الروسي فيكتور بوت)، وأكد البيان الذي صدر آنذاك أن "نجاح
جهود الوساطة يأتي انعكاساً لعلاقات الصداقة المشتركة والوطيدة التي تجمع بلديهما،
بالولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، وللدور المهم الذي تلعبه قيادتا
البلدين الشقيقين في تعزيز الحوار بين جميع الأطراف". كما نجحت الإمارات، في
4 فبراير 2023، في التوسط لإبرام صفقة أسرى أخرى بين الطرفين أطلق بمقتضاها سراح
نحو 200 أسير وأعيدت جثتا بريطانيين من موظفي الإغاثة إلى أوكرانيا.(13)
يمكن القول أن الدوران
السعودي-الإماراتي يعتبران أكثر توازنَا ومرونة تجاة الفواعل الدولية في هذه الحرب
وأكثر مصداقية من بعض الدول التي قد أعلنت عن مساعيها في إيجاد مخرج للسلام بالإضافة
لتبني فكرة الحياد وذلك ليس فقط في عدم انتهاج البرجماتية السياسية أو حتى في عدم التربح من
وراء هذه الحرب وإنما ايضًا في التطلع لإيجاد
مخرج سلمي لهذه الحرب. وتبين ذلك في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي
الأمير فيصل بين فرحان إلى كييف 28 فبراير 2023، و تعد الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول سعودي وعربي إلى
أوكرانيا منذ انطلاق الحرب يوم 24 فبراير/شباط 2022.(14) حيث أكد وزير الخارجية
السعودي؛ "حرص المملكة ودعمها لجميع الجهود
الدولية الرامية لحل الأزمة (الأوكرانية - الروسية) سياسيا، ومواصلتها جهودها
للإسهام في تخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عنها". وعلى الجانب الاْخر
جاءت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي للجانب الروسي في 9 مارس الجاري
للتأكيد على دور المملكة المستعد للقيام بدور الوساطة بين الجانب الروسي
والأوكراني، حيث ألتقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وقال الوزير السعودي إن "الرياض تواصل البحث عن فرص تيسر الحوار بين
روسيا وأوكرانيا وتوقف الحرب"، مؤكداً أن بلاده مستعدة للتوسط في الأزمة
المشتعلة منذ مطلع 2022.(15)
تشكل هذه الحرب فرصة سانحة لدول
الإقليم العربي وخاصة دول الخليج العربي "الإمارات والسعودية" للإنخراط
أكثر في المعادلة الدولية وتقديم مبادرة سلام شاملة بين الطرفين. ولدى دول مجلس التعاون
الخليجي الخبرة التفاوضية الكافية للعب هذا الدور نظرًا
للدور القطري في رعاية المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية من جانب
وكذلك من جانب اْخر الدور العماني في التوصل إلى الإتفاق النووي الإيراني بين
إيران والولايات المتحدة الأمريكية عام 2015. ومن ثم فإن فرصة بلورة رؤية ومبادرة
خليجية شاملة للسلام في هذه الحرب تبقى سانحة ومتاحة.
وبالتالي فإن الحرب الروسية-الأوكرانية تبرهن لعدد من دول الإقليم أن
العقبة قد تكون هي الطريق، وأنه يمكن توظيف القيود التي تفرضها الأزمات والحروب
التي تندلع في مناطق جغرافية بعيدة نسبياً عن ساحة الشرق الأوسط لتكون فرصاً يمكن
اغتنامها بأشكال مختلفة.(16).
3- مقاومات الدور العربي للوساطة في الحرب الأوكرانية
هناك العديد من الاعتبارات
والمقاومات التي قد تمكن الدول العربية وعلى رأسهم الدول الخليجية السعودية والإمارات،
للقيام بدور الوساطة في هذه الحرب، ويمكن تناول أبرز هذه الاعتبارات فيما يلي:-
(1) العلاقات
التاريخية التي تجمع بين كلأ من روسيا والدول العربية من جانب وكذلك من جانب الدول
الغربية والدول العربية من جانب اْخر ومن ثم فإن لخصوصية هذه العلاقة ربما يكون
لها انعكاس كبير على الدور العربي في الوساطة الخاصة بهذه الحرب..
(2) الموقف
المحايد لجامعة الدول العربية تجاة طرفي الحرب الأوكرانية، ولعب الجامعة دور لا
باْس به في بداية الحرب عبر "مجموعة الاتصال العربية" الخاصة بالحرب.
(3) موقف
الدول العربية المدين لعملية الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة.
(4) نجاح
قيام الإمارات والسعودية بدور الوساطة بين روسيا والدول الغربية في عملية تسليم
أسرى الحرب لدى الجيش الروسي.
(5) موقف
السعودية والإمارت الرافض للمطالب الغربية في تزويد انتاج النفط عبر "اوبك
بلاس" للضغط على روسيا في الامدادت المالية
لحربها على أوكرانيا، وهذا الموقف له انعكاس خاص في العلاقات الخليجية الروسية.
يمكن القول أن وفقًا للإعتبارات السابقة فإن
سيناريو تقديم الدول العربية بمبادرة خليجية أو عربية إزاء هذه الحرب يبقى مرجحًا،
ولا سيما بعد نشاط الدور السعودي مؤخراً.
ختامًا
تبقى الحرب
الأوكرانية-الروسية عقب التابين الغربي حول المبادرة الصينية "موقف الصين تجاه الحل السياسي للأزمة في
أوكرانيا"، وفشل الوساطة الأوروبية عبر باريس في بداية الحرب بالإضافة لعدم
جاهزية أنقرة للعب دور الوساطة في الوقت الحالي، تبحث عن مبادرين دوليين لتقديم
مزيد من الجهود للتوصل إلى حل توافقي بين جميع الأطراف المتصارعة، ومن ثم فإن اتباع
الدول الخليجية وجامعة الدول العربية سياسة التوازن تجاة هذه الحرب منذ بدايتها تفرض
مقاومات خاصة تسمح لهم بلعب دور فعال للوساطة في الوقت الراهن ويبقى الدور المرجح
للوساطة العربية هو من قبل المملكة العربية السعودية بعد الزيارة التي قام بها وزير
الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لكييف 26 فبراير الماضي، وكذلك الزيارة التي قام
بها لموسكو في 9 مارس الجاري في محاولة وذلك في محاولة للتوفيق بين الطرفين الروسي
والأوكراني ومن ثم تأتي في المرحلة الثانية للوساطة دولة الإمارات العربية المتحدة.
الهوامش
1) بوتين
عن ماكرون: مقترحاته وافكاره قابلة للتطبيق لوضع أساس للمستقبل، CNN عربية، 8 فبراير 2022، تاريخ الدخول 3 مارس
2023. الرابط https://2u.pw/9610Lv
2) هل
تغير الطائرات المسيرة "بير قدار" التركية مسار حرب أوكرانيا؟ DW عربية، 5 مارس 2022، تاريخ الدخول 3 مارس 2023. الرابط https://2u.pw/ahBIzT
3) بدء بناء مصنع لانتاج مسيرات "بيرقدار"
التركية في أوكرانيا، روسيا اليوم، 8 اغسطس 2022، تاريخ الدخول 3 مارس 2023،
الرابط https://2u.pw/HrVikD
4) برعاية
أممية ووساطة تركية.. اتفاق غير مسبوق بين روسيا وأوكرانيا حول تصدير القمح،
الجزيرة، 23 يوليو 2022، تاريخ الدخول 3 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/Ta9YFB
5) المبادرة
الصينية بين اتفاق التقديراتوتباين التوجهات، اندبندنت عربية، 28 فبراير 2023،
تاريخ الدخول 3 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/fcm28J
6) خطة
بلا ضمانات: حدود تأثير مبادرة السلام الصينية في مسار الأزمة الأوكرانية، مزكز
الإمارات للسياسات، أبو ظبي الغمارات
العربية المتحدة، 27 فبراير 2023، تاريخ الدخول 3 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/gtdUAf
7) صوتت ضد روسيا بعد أن امتنعت مرتين.. لماذا تغير موقف
الإمارات من الحرب في أكرانيا، الجزيرة، 3 مارس2022، تاريخ الدخول 3 مارس 2023.
الرابط https://2u.pw/Wq9o6B
8) جامعة
الدول العربية تعلن عن موقفها من الحرب الروسية، روسيا اليوم، 9 مارس 2022، تاريخ
الدخول 3 مارس 2023. الرابط https://2u.pw/56lcPb
9) حسام
زكي يكشف نتائج الوساطات العربية في أزمة أوكرانيا، سكاي نيوز عربية، 9 ابريل
2022، تاريخ لدخول 3 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/wRlhxv
10) مرجع
سابق.
11) جونسون
يفشل في الحصول على تعهدات من السعودية والإمارات بزيادة إنتاجها من النفط، France24، 3 مارس 2022،تاريخ الدخول 3 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/5hqESl
12) دول
الخليج تعلن عن موقفها من 4 نقاط من الأزمة الأوكرانية وروسيا، CNN عربية، 2 يونيو 2022، تاريخ الدخول 3 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/JFdBeu
13) محمد
عز العرب، عام على الحرب الروسية الأوكرانية: تحولات ومسارات، مركز الأهرام للدراسات السياسية
والاستراتيجية،القاهرة، 27 فبراير 2022، تاريخ الدخول 3 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/HOHHQi
14) الأولى
من نوعها.. وزير الخارجية السعودي يزور أوكرانيا ويوقع اتفاقية ب400 مليون دولار
وامريكا ترحب، الجزيرة، 28 فبراير 2023، تاريخ الدخول 3 مارس 2023، الرابط https://2u.pw/EvqETB
15) وزير الخارجية السعودي يحمل فرص الوساطة من كييف إلى
موسكو، اندبندنت عربية، 9 مارس 2023، تاريخ الدخول 9 مارس 2023. الرابط https://2u.pw/Zp7K5c
16) المصدر السابق