تحالف الضرورة...محددات التعاون التكتيكي بين روسيا والميليشيات الإيرانية في سوريا
يمكن
القول إنه منذ تدخل روسيا في سوريا في عام 2015، وتتعاون موسكو وطهران على جبهات
عسكرية مختلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتشكل الميليشيات التي تدعمها هذه
الدول عاملاً حاسماً لعلاقاتها الأمنية. وهنا، يبقى السؤال الرئيسي كيف تنظر موسكو
وطهران إلى دعم بعضهما البعض للجماعات المسلحة؟ وما هو الدور الذي تلعبه هذه
المجموعات في تقارب أو تباعد علاقاتها؟
كشفت بعض
التقديرات عن إنه في حين أن علاقة إيران بالجماعات المسلحة هي جزء لا يتجزأ من
استراتيجيتها الدفاعية، فإن هذه الجماعات أقل بروزًا في نموذج تدخل موسكو في
المنطقة. ومع ذلك فقد صاغت موسكو منظوراً عملياً
بشأن إقامة علاقات مع هذه الجماعات، بهدف إيجاد تنسيق أفضل مع طهران، ولكن يبدو أن
نجاح إيران في استخدام هذه الجماعات يحفز موسكو على أن تحذو حذوها، وإن كان على نطاق
أكثر محدودية.
وعليه،
سيتم العرض فيما يلي لأبرز محددات هذا التعاون:
أولاً- تباين المقاربات
الإيرانية والروسية حول الجماعات المسلحة
تعد الجماعات
المسلحة أو ما يعرف بالميليشيات العسكرية بمثابة أداة بارزة في النموذج الأمني الإيراني
في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي هذا السياق، جاء دعم إيران لهذه الجماعات في إطار
مراحل عدة، بداية من دعم بعض الأعمال العسكرية غير المنظمة، ولكنها ذات دوافع
أيديولوجية، وصولاً إلى أن أصبح ذلك بمثابة أداة استراتيجية شاملة. فزادت طهران من
اعتمادها على بناء شبكة من الميليشيات المعروفة باسم "محور المقاومة"،
إنطلاقاً من ثلاثة أهداف أساسية تتمثل في: مواجهة هيكل الأمن الجماعي الذي تقوده
الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وبناء تحالف إقليمي بقيادة طهران،
فضلاً عن تعزيز قدرة إيران على الردع من خلال توسيع "العمق الاستراتيجي".
ومع ذلك،
تحظى هذه الأداة بقدر أقل من الأهمية بالنسبة للنموذج الروسي من الناحية الأمنية.
فرغم أن ظهور بعض الجماعات المسلحة في
سوريا، قد جاء بالتزامن أو قبل وقت قصير
من تدخل روسيا الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن موسكو لا تعتمد على الشبكات
المدعومة أيديولوجياً ومؤسسياً بنفس القدر الذي تعتمد عليه إيران، وهو الأمر الذي
يمكن إرجاعه لفقدان روسيا للعامل الأيديولوجي أو المذهبي الديني الذي أسست عليه،
فضلاً عن عدم قدرة هذه الألية على توفير العمق الاستراتيجي لروسيا، كما هو الوضع
في الحالة الإيرانية.
والجدير
بالذكر، أن دعم روسيا لبعض الجماعات المسلحة في المنطقة ليس سراً، لكن يمكن وصفه
بـ"التحالف الخاص"؛ ففي كثير من الأحيان، استخدمت روسيا علاقاتها مع بعض
ميليشيات الشرق الأوسط لزيادة ثقلها السياسي كجزء من عودتها إلى المنطقة بعد أن
كانت نشطة بشكل هامشي خلال الحقبة السوفيتية.
ورغم
التصورات والأدوار المختلفة للجماعات المسلحة التى تحظى بها مثل هذه الأداة في كل
من الاستراتيجية الإيرانية والروسية، إلا أنهما يتفقان على ضرورة تقديم الدعم لمثل
هذه الجماعات كجزء من سياسة إبقاء الولايات
المتحدة الأمريكية مشتتة بصراعات متواصلة ومنخفضة الحدة. ونتيجة لذلك، يبدو أن
هناك اعترافاً متبادلاً بنهجهم الفريد في استخدام الجماعات المسلحة. ومن ثم، لم يحاول
أي من الطرفين إقناع الطرف الآخر بتغيير المسار، بل حاولت كل من موسكو وطهران التنسيق وإرساء
قواعد التفاعل بين طرق عملهما المختلفة.
ثانياً- تحديات التنسيق بين
موسكو وطهران بشأن الجماعات المسلحة
يمكن
القول إنه لايزال التنسيق بين موسكو وطهران فيما يتعلق بالتعامل مع الميليشيات
المسلحة يمثل تحدياً كبيراً، وهو الأمر الذي يتجلى في الاشتباكات بين الجماعات
الروسية والمدعومة من إيران في سوريا. فعلى سبيل المثال، كشفت بعض التقارير عن
حدوث اشتباكات بين الفيلق الخامس العسكري المدعوم من روسيا والميليشيات المدعومة
من إيران في مدينة تدمر السورية خلال عام 2022.
وتنشأ الصعوبات
في التنسيق من حقيقة أن كل طرف يدعم المجموعات التي قد تكون على خلاف مع بعضها
البعض. فعلى سبيل المثال، استغلت كل من طهران وموسكو قوات الدفاع الوطني لمزيد من
الإنخراط في المجتمعات المحلية. ويرجع حرص موسكو على الاهتمام بهذا التنسيق إلى رغبتها
في حل خلافاتها مع طهران في سوريا، فضلاً عن منع التصعيد مع إسرائيل.
فعلى سبيل المثال،أكدت بعض التقديرات على أن جماعة حزب الله السورية تحافظ على اتصالات سياسية
منتظمة مع الحكومة الروسية، من خلال اجتماعات رفيعة المستوى بين ممثلي الحزب ووزير
الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وكذلك نائبه في شؤون الشرق الأوسط ميخائيل
بوغدانوف.
ولكن
اللافت للانتباه أن روسيا حريصة على عدم تعميق علاقاتها مع الميليشيات الإيرانية
ولاسيما حزب الله خارج سوريا بغرض عدم استعداء إسرائيل. وتمثلت أبرز ملامح ذلك في
عدم استخدام روسيا لدفاعها الجوى في حماية مواقع حزب الله من الضربات الجوية
الإسرائيلية.
ثالثاً- هل تتعلم موسكو من
النموذج الإيراني؟
يبدو أن
روسيا قد بدأت تحاول استخدام نفوذها على الجماعات المسلحة كأداة استراتيجية ضد خصومها؛
فمع تصاعد التوترات مع أوروبا بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفي
محاولة للحفاظ على اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، شجعت موسكو حزب الله على تصعيد
نزاعه مع إسرائيل بشأن حقل غاز كاريش - أحد مزودي الإمدادات البديلة المحتملين.
كما أفادت
بعض التقارير بأن شركات عسكرية روسية خاصة مثل "فاغنر" قد شاركت في
تدريب بعض الميليشيات في جمهورية الكونغو الديمقراطية وفنزويلا وليبيا. وتواردت
بعض الأنباء حول محاولات "فاغنر" تجنيد مقاتلين من لبنان، ومن المرجح أن
يكون المسلمون الشيعة هم المرشحون الأكثر ترجيحاً –لكن هكذا سياسة لن تكون ناجحة
بدون موافقة حزب الله.
وبالتالي،
يبدو إنه من خلال استخدام النموذج الإيراني، بدأت روسيا في تأطير تجنيدها
للمقاتلين السوريين في أوكرانيا حول رواية مناهضة للإمبريالية، لكن يتمثل الدافع
الرئيسي لموسكو في استخدام المقاتلين الأجانب بحملتها العسكرية في أوكرانيا بغرض التخفيف
من المخاطر السياسية للتعبئة الشاملة في روسيا.
وختاماً: يمكن القول إنه بالنسبة لروسيا فإن تقديم المساعدة
الأمنية للجماعات المسلحة ليست أداة استراتيجية أساسية، وأنما تأتي لأغراض بعينها مثل المساعدة في السيطرة على الأوضاع في سوريا أو إظهار الدعم لحلفاء مثل إيران.
لكن الجدير بالذكر، إنه في ظل ظروف التدخل الروسي
في أوكرانيا والمحاولات اللاحقة لعزلها اقتصادياً وسياسياً، نما الاعتماد على دعم
إيران لتحدي هذه العزلة. وبالتالي، يتضح إنه فيما يتعلق بدعم الجماعات المسلحة، لن
تذهب موسكو إلا إلى المدى الذي يخدم فيه هذا الدعم مصالحها الخاصة، وهو الأمر الذى
يختلف بشكل جذري مع النموذج الإيراني في الإطار، والذى يعتبرها بمثابة
الركيزة الأهم في الاستراتجية العسكرية
الإيرانية.