صراع متصاعد ...حرب الرقائق الالكترونية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين
أثار
إعلان شركة Huawei Technologies لصينية في أواخر مارس 2023 نجاحها باستبدال
آلاف المكونات الإلكترونية الداخلة في تصنيع هواتفها، والتي كانت تحظرها الولايات
المتحدة الأمريكية، ببدائل صينية الكثير من التكهنات حول مدى نجاح بكين في تخطى
أزمة الرقائق الإلكترونية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق، تجادل
بعض التقديرات بأن هذه الحرب ترجع جذورها إلى السنوات الأخيرة من الولاية الثانية
للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وازدادت وتيرتها خلال إارة ترامب وتصاعدت
أكثر في ظل إدارة بايدن.
ولهذه
الحرب بعدين أساسيين يتمثل أولها في منع الصين من اللحاق بالتفوق التكنولوجي
للولايات المتحدة الأمريكية بالتوازي مع
التداعيات الاقتصادية والعسكرية المرتبطة بذلك عن طريق منع نقل التكنولوجيا، على
أن يتمثل ثانيها في تعظيم المسافة التكنولوجية بين الولايات المتحدة الأمريكية
والصين.
وعليه، يمكن توضيح أبرز محددات ذلك على
النحو التالي:
أولاً- الأهمية الاقتصادية لأشباه
الموصلات
أشباه
الموصلات هي مواد يمكن أن تعمل كموصلات (تسمح للتيار الكهربي بالمرور) أو عوازل
(تمنع مروره)، بالاعتماد على مجموعة من الظروف التى تتمثل في(درجة الحرارة، والضغط،
والإشعاع أو المجالات المغناطيسية)، وبالتالي، فإن هذه الوظيفة الثنائية تجعلها
مفيدة للغاية في صناعات الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات.
وتُستخدم
أشباه الموصلات في تصنيع مجموعة من المنتجات التكنولوجية الهامة التى تتمثل في الترانزستورات
(مكبرات الصوت والمفاتيح والمذبذبات ومعدلات الإشارات الكهربائية المستخدمة في أجهزة
الراديو والساعات والأضواء)، والصمامات الثنائية (البلورات التي تسمح فقط للتيار الكهربائي
بالتدفق في اتجاه واحد، وتستخدم لتحويل التيار المتردد إلى تيار مستمر في الألواح
الشمسية أو لمصابيح LED والرقائق (المعالجات والذاكرة لأجهزة الكمبيوتر والأجهزة
اللوحية والأجهزة المحمولة). وبالطبع هذه الفئة الأخيرة هي الأهم.
والرقاقة
أو شبه الموصله (تسمى أيضاً الرقاقة الدقيقة أو الدائرة المتكاملة) هي مجموعة من
الدوائر الالكترونية متراكبة على قطعة صغيرة مسطحة من السيليكون (المادة الأكثر
استخداماً وثاني أكثر المواد وفرة في قشرة الأرض).
والجدير
بالذكر، إنه من الصعب للغاية صنع أشباه الموصلات - وخاصة الرقائق الأكثر تقدماً،
لأنها تتطلب آلات ضخمة وحساسة، ومواد يصعب العثور عليها، وخبرة فنية عالية
المستوى؛ ففي الوقت الحالي يتكون إنتاج هذه الرقائق من شبكة معقدة من الشركات
والمرافق حول العالم، مع عدد قليل من نقاط التمركز الرئيسية. فعلى سبيل المثال،
تتحكم شركة TSMC في تايوان في 90٪ من انتاج هذه الرقائق ذات المستوى
المتقدم.
وهنا،
يتضح إنه تضافرت الأهمية الحاسمة لأشباه الموصلات وعملية التصنيع الدقيقة لتحويل
هذه الرقائق إلى ساحة معركة رئيسية في سباق جديد بين الولايات المتحدة الأمريكية
والصين لمستقبل التكنولوجيا، فإذا تم تعريف الحرب الباردة الأولى من خلال تطوير
أسلحة نووية، فإن هذه الحرب الباردة التقنية يتم تعريفها من خلال الرقائق أو أشباه
الموصلات.
ثانياً- الدور الصيني
يمكن
القول أن الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تكمن في دافعين
أساسيين يتمثل الأول في البعد الاقتصادي والثاني
سياسي. ينبع البعد الاقتصادي من رغبة الصين في بناء قدرتها الصناعية والوصول إلى
النسبة الأعلى من القيمة المضافة، وهو النهج الذى أقرته الصين خلال استرتجيتها
الصناعية حتى عام 2025. وتتمثل رؤية الوثيقة في أن تنتقل الصين إلى ما هو أبعد من
كونها "المصنع العالمي"، وهو
وضع اكتسبته بكين بفضل انخفاض تكاليف العمالة وتصنيع التكنولوجيا. وهو الأمر الذى
يتم استكماله من خلال استراتيجية التداول المزدوج للصين التى صدت في عام 2020
والتى تروج لصين أكثر استقلالية من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية، عبر منح
الأولوية للطلب الداخلي كمحرك للنمو، بالتوازى مع تحفيز استراتجية بكين للتصدير.
وفي المقابل،
أكدت الولايات المتحدة الأمريكية على أن هذه الاستراتجيات الصينية لا يقتصر هدفها
على الأمور السلمية، بل أن هذه الهيمنة الصناعية ولاسيما من خلال رقائق السيليكون
تهدف الصين إلى أن تكون من خلالها قوة اقتصادية ومن ثم عسكرية.
وفي هذا السياق، تخطط الصين لضخ استثمارات بنحو
143 مليار دولار في صناعة الرقائق المحلية، في خطوة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من
أشباه الموصلات ولمواجهة التحركات الأمريكية التى تهدف لإبطاء التقدم التكنولوجي
الصيني. وتتضمن خطط بكين في هذا الإطار إعفاءات ضريبية وحزم حوافز لمدة 5 سنوات،
وإعانات وقروض لدعم أبحاث وإنتاج أشباه المواصلات، في حين استثمرت هواوي 23.8
مليار دولار في البحث والتطوير خلال 2022.
وبالتوازي
مع ذلك، أعلن مؤسس شركة Huawei Technologies رن تشانغ فاي في منتصف مارس الفائت أن شركته
أوجدت بدائل صينية محلية لأكثر من 13 ألف مكون في منتجاتها تأثرت بالعقوبات
التجارية الأمريكية، وأعادت تصميم أربعة آلاف من لوحات الدوائر الكهربائية
لمنتجاتها.
ثالثاً- رد الفعل الأمريكي
جاء
الإجراء الأول في هذا الإطار خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؛ حيث
كان يُنظر إلى صعود شي جين بينغ إلى السلطة في الصين في نوفمبر 2012 كدليل دامغ على أن الصين كانت تتجه نحو قيادة عالمية. وفي
هذا السياق، أطلق مكتب الصناعة والأمن في وزارة التجارة الأمريكية المسؤول عن ضوابط التصدير في عام 2015، تحقيقاً
في شركة ZTE، وهي شركة اتصالات صينية كبيرة عملت كوسيط في شراء التكنولوجيا
الأمريكية، وتمت إضافتها إلى قائمة الشركات الأمريكية المشمولة بالعقوبات، بسبب
مزاعم بنقلها تكنولوجيا أمريكية حساسة.
وكذلك،
اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إجراءات مشابهة تمثلت في فرض غرامة
قدرها 900 مليون دولار على شركة ZTE لفشلها في الامتثال للعقوبات المفروضة على
إيران وكوريا الشمالية في مارس 2017، فضلاً عن التضييق بشكل أكبر على شركة هواوي،
ولاسيما فيما يتعلق بمنع حصولها على أشباه الموصلات الأمريكية وهو الأزمة التى
وصلت إلى ذروتها في عام 2019، لكن استطاعت هواوي الحصول عليها من خلال تايوان
وكوريا الجنوبية.
وجاءت
إدارة الرئيس الأمريكي جوبايدن لفرض المزيد من القيود ولاسيما فيما يتعلق بالقيود
على التصدير والمزيد من الضرائب الجمركية على أشباه الموصلات، وبالإضافة إلى ذلك
اتخذت إدارة بايدن مجموعة من الإجراءت في التي تم الكشف عنها في 7 أكتوبر 2022
والتى تتضمن الحد من تصنيع بعض المنتجات الاستراتيجية في الصين والتى تتضمن أشباه
الموصلات المتطورة، ومعدات تصنيع أشباه الموصلات (من أي نوع)، وأجهزة الكمبيوتر
العملاقة.
وختاماً: يمكن القول أنه من المتوقع أن تتصاعد حدة المنافسة بين
الولايات المتحدة الأمريكية والصين خلال الفترة القليلة القادمة، فرغم أن الولايات
المتحدة مازالت تحظى بتقدم على الصعيد الاقتتصادي والاستراتيجي العالمي، إلا أن
الصين أيضاً تتقدم بسرعة وبقدرات كبيرة للغاية، الأمر الذي ينبأ باحتمالية تفوق
بكين على واشنطن خلال فترة زمنية قليلة.