تعقد المشهد السياسي في السودان جراء الصراعات الدموية
والقتال بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع
بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" الوضع الذي طرح تساؤلات عدة حول
الأوضاع الراهنة في السودان ومن يسيطر على الميدان؟ ومن سينتصر على من؟ حيث يظل
الغموض سيد الموقف، فالمشهد السوداني يتجه نحو السيناريو الأكثر تعقيدًا بعدما فشل توقيع اتفاق سياسي بين طرفي النزاع
واستبدلت لغة الحوار بالقتال وأصبح لا صوت يعلو على صوت الرصاص بعدما دخل المكونان
العسكريان في البلاد في حرب دموية، الأمر الذي بات يشير باحتمالية اندلاع حرب
أهلية في ظل تصاعد الخلافات والاشتباكات بين الطرفين.
أصبحت العملية السياسية قيد المجهول أمام الوضع الراهن
في ظل اشتداد القتال في السودان وفشل المساعي الدولية في حل الأزمة ووقف إطلاق
النار خاصة بعد اختراق الهدنة مما
أوقع طرفي الصراع، حميدتي والبرهان في مأزق سياسي، فالقتال الدائر حاليًا في
السودان بدأ من الناحية السياسية بين مكونين عسكريين كانا حليفين لبعضهما البعض،
فالسودان في واجهة المجهول نظرًا لأن العملية السياسية التي كان من المقرر أن تمهد
لتحول ديمقراطي في السودان وتأسيس حكم مدني هي السبب في الاشتباكات المسلحة
الدائرة الآن، فلقد نشب الخلاف حول التوقيت الزمني لدمج قوات الدعم السريع في
القوات المسلحة في السودان في إطار عملية الإصلاح المدني والعسكري ضمن الاتفاق
الطارئ الموقع بين مدنيين من تحالف قوى الحرية والتعبير "المجلس
المركزي" والشق العسكري. وفي ضوء ما سبق يظل السؤال ملحًا حول: ما مستقبل
العملية السياسية في السودان في ظل التوترات وتصاعد القتال العسكري دون حسم؟!
فرص وجود تهدئة حقيقية في السودان
لا توجد خطوط حمراء بشأن المصالح الوطنية في البلاد
بحوزة النخبة السياسية في السودان للحفاظ
على وجودها وأدوارها الوظيفية في ظل عدم استطاعة الجيش السوداني حسم الموقف مع
قوات الدعم السريع واشتباك القوات في المدن المفتوحة وتحول الحرب إلى حرب شوارع
والسيطرة على المواقع الاستراتيجية والحيوية بالتبادل بين الطرفين ولكن هناك
اتصالات مكثفة على الصعيد الدولي والإقليمي لتهدئة الأوضاع واستقرارها في السودان؛
حيث أعلنت جمهورية مصر العربية وجنوب السودان عن "مبادرة الوساطة"
واتخذت الاتصالات المصرية - السودانية مسارًا سياسيًا للبحث عن أفق جديدة لتهدئة
الأوضاع وإعادة إطلاق العملية السياسية في السودان من جديد واللجوء إلى الحوار
السلمي لكن الاشتباكات الميدانية تمثل تهديدًا وتحديدًا أمام فرص الوصول لتهدئة
حقيقية بين الأطراف المتنازعة، فلا يمكن لأي جهود عربية أو دولية أن تحقق مسعاها
ونتائج ملموسة دون التوصل إلى تهدئة حقيقية أولًا بين طرفي النزاع خاصة وأن الوضع في السودان معقد ولا
يشجع على اتخاذ أي خطوات ومبادرات لوجستية للتوصل لحل فعلي وواقعي بين القوى
السودانية وفتح المجال أمام الاتصالات السياسية والجهود الرامية لتحقيق استقرار
حقيقي في السودان.
وقد دعا كل من وزير الخارجية المصرية، سامح شكري ووزير
الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونون ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى
ضرورة تكثيف الجهود وتعزيز ثقافة الحوار وحل الخلافات بطرق سلمية ووقف الأعمال
الدموية فورًا وتحقيق الاستقرار في السودان كما دعا وزراء خارجية دول مجموعة السبع
المجتمعة في اليابان الأطراف المتنازعة في السودان بضرورة وقف القتال واحتواء
الأزمة.
أما على الصعيد
الداخلي، فقد أكدت قوى الحرية والتعبير رفضها التام للاشتباكات الدائرة بين الجيش
السوداني وقوات الدعم السريع عبر بيان رسمي لها نشرته على الفيسبوك وأكدت على عدم
قبول نتائج الحرب أيًا كانت، وحثت القوى المدنية على أخذ زمام المبادرة وإدانة
الأعمال الدموية والدعوة لإيقافها على الفور وإعلان حالة من الإضراب السياسي
والعصيان المدني الشامل واستخدامه كورقة ضغط تحمل طرفي النزاع مسؤولية الحرب كاملة
وانتهاك حقوق الإنسان والتسبب في كوارث إنسانية بسبب عدم الالتزام بالهدنة المعلنة
مسبقًا من قبل الأمم المتحدة. (1)
وساطة إقليمية -
دولية للتوصل لهدنة بين طرفي الصراع
لا يزال هناك بصيص أمل حول وقف إطلاق النار على الرغم من
وجود تقارير تفيد بوجود قصف جديد وعدم التزام الطرفين بالهدنات السابقة، لكن أكد
الفريقان المتنازعان أنهما سيوقفان إطلاق النار وأعلن الجيش السوداني وقوات الدعم
السريع موافقتهما على هدنة جديدة في الخرطوم لمدة ثلاثة أيام تحت وساطة إقليمية
ودولية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وانضمام كل من السعودية والإمارات
والاتحاد الأفريقي والأوروبي لتبني حوار بين الفرقاء في السودان، وبدأ الحوار في
الرياض منذ أيام، وأعلنت واشنطن عن هدنة ووقف إطلاق النار بين حميدتي والبرهان منذ
منتصف الرابع والعشرين من أبريل 2023 والعمل على نجاح المفاوضات المكثفة التي دارت
على الجانبين للحد من تداعيات وتصاعد الأزمة في السودان. وتوصل وزير الخارجية
الأمريكي، أنتوني بلينكن، للهدنة بالتنسيق مع كافة الأطراف والجهات المعنية محليًا
وإقليميًا ودوليًا والتنسيق مع القوى المدنية في السودان لتأسيس لجنة للإشراف على
المفاوضات وإدارة الحوار والضغط على فرقاء الصراع لوقف إطلاق النار والأعمال
العدائية وتبني مواقف مسؤولة والوفاء بالالتزامات الإنسانية.
مستقبل العملية السياسية في السودان مع
استمرارية المعارك الدائرة
ما يحدث في السودان حاليًا ما هو إلا صراع حول السلطة
تسببت العملية السياسية في تطوره عسكريًا؛ حيث
يدور النزاع بين حميدتي والبرهان حول الفوز برئاسة مجلس السيادة خلال
المرحلة الانتقالية الجديدة. إلى الآن لا يوجد أي أفق سياسية في ظل الوضع الحالي
واستمرارية الاشتباكات العسكرية الدموية دون حسم مما يلح بضرورة وضع اتفاق مرضٍ
لكافة الأطراف واستئناف حوار حقيقي للتوصل لاستقرار وتهدئة خاصة بعدما انتهت وظيفة
ودور الاتفاق الإطاري الذي وقعت عليه القوى المدنية وهي الأقرب لفريق حميدتي بينما
البرهان قريب من الكتلة الديمقراطية. فالاشتباكات والصراعات الدموية في السودان
عرقلت من مسار العملية السياسية لفرض حكم ديمقراطي قائم على مبدأ التبادل السلمي
للسلطة والحكم المدني ورفض استمرارية حكم عسكري شمولي بعد القيام بثورة شعبية
أطاحت بالنظام السابق.
لا يمكن التكهن بشأن مستقبل العملية السياسية في السودان
الآن في ظل الحرب الدائرة لكن يمكن القول بأن الحل يكمن في استعادة الديمقراطية
وإتاحة الفرص للقيادات المتمكنة والكفئة وتوحيد الجبهة المدينة بحيث تتضمن كافة
التنظيمات السياسية والمجتمعية لتجنب البلاد ويلات الحروب الأهلية كما أن مكونات
المجتمع السوداني رافضة لتوقف العملية السياسية التي كان من المقرر أن تضع اتفاقًا
سياسيًا نهائيًا لتشكيل حكومة جديدة يوافق عليها كافة الأطراف والتنظيمات في
السودان. (2)
يمكن للجيش السوداني التحاور مع القوى السياسية بشأن
مستقبل إصلاح المؤسسات العسكرية والمرحلة الانتقالية وتوقيت هذه الإصلاحات ولكن في
حالة حسمه للمعركة الدائرة والتخلص من قوات الدعم السريع ودمجها في المؤسسة
العسكرية، فلا يمكن تجميد العملية
السياسية التي كانت جارية أو تعطيلها كليًا. ويتعين على القوى السياسية أن
توسع من دائرة المشاركة في الاتفاق السياسي بحيث يشتمل كافة المكونات والكيانات
السياسية الجديدة لضمان استقرار المرحلة الانتقالية والاستعداد لانتخابات عامة.
تأثير القوى السياسية على المؤسسة العسكرية في
السودان
على الرغم من عدم اكتمال نضج المكونات السياسية في
السودان من الناحية الفكرية، فهي عبارة عن تقسيمات تحمل لافتات قومية وليست أحزابًا
مؤسسية بالمعنى المتعارف عليه وغياب وجود حزب قوي يحكم البلاد وهذا ما أوقع
السودان في المأزق المعقد سياسيًا الآن، إلا أنه يمكن للقوى السياسية في السودان
ولا سيما الأحزاب السياسية الداخلية أن تمارس ضغوطات على المؤسسات العسكرية وتحقيق
نتائج لإبرام اتصالات لوقف إطلاق النار، فالتأثير الداخلي عادة ما يكون هو الأسرع
لكن الوضع في السودان مختلف بسبب ضعف المناشدات الداخلية بسبب اشتداد حدة الصراع
مما يجعل من الضغط الخارجي هو الأكثر تأثيرًا. (3)
ختامًا،
يتضح لنا أن الأزمة السودانية وتسارع الأحدث نحو الأسوأ بسبب اشتداد القتال
والاشتباكات المسلحة والأعمال الدموية العنيفة في الخرطوم وغيرها من مدن السودان
بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، المكونان العسكريان في البلاد، قد وضعت
العملية السياسية في السودان في مهب الريح، وجعلت عملية التحول الديمقراطي والتأسيس
نحو الحكم المدني أكثر صعوبة. ويمكن القول بأن حسم الصراع لصالح الجيش السوداني لا
يعني بالضرورة نجاح البرهان والتخلص من حميدتي وقوات الدعم السريع وحل الأزمة
سياسيًا بل يتوقع أن ينزلق بالسودان نحو السيناريو الأسوأ والأكثر تعقيدًا نظرًا
لنفوذ قوات الدعم السريع القوي في دارفو فضلًا عن تلقي الإمدادات والدعم إقليميًا
ودوليًا من أطراف ترغب في استمرارية الصراع في السودان وتنامي القدرات الاقتصادية
لقوات الدعم السريع في ظل تردي الأوضاع سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا في السودان مع
احتمالية تحول قوات الدعم السريع إلى حركة تمرد تشكل ضغوطًا عسكرية واقتصادية
والدخول في حرب أهلية طويل الأمد.
المصادر
1. حسن أبو طالب، السودان في مواجهة المجهول، مركز
الأهرامات للدراسات السياسية والاستراتيجية، أبريل 2023، متاح على:
https://acpss.ahram.org.eg/News/18858.aspx
2. REUTERS, Feud
between Burhan and RSF's Hemedti risks civil war in Sudan, theeastafrican, April 2023, at:
https://www.theeastafrican.co.ke/tea/rest-of-africa/sudan-army-chief-the-warlord-and-a-feud-that-risks-civil-war-4206004
3. أماني الطويل، أي مستقبل ينتظر السودان على وقع المعارك؟، independentarabia، أبريل 2023، متاح على: https://cutt.us/7Mr5Z