بعد عقدين من الزمن ...ما هي أبرز تداعيات حرب العراق على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم؟
يبدو من المقبول التأكيد بعد مرور 20 عاماً من القرار الأمريكي
المصيري بغزو العراق على أن حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة
بالغتا في الأدلة المتاحة لهما لتبرير التدخل العسكري في العراق في عام 2003؛ حيث
كان الإدعاء الرئيسي للدفاع عن غزو العراق هو أن بغداد تقوم بتطوير برنامج أسلحة
نووية غير مشروع، فضلاً عن احتفاظها بمخزونات غير قانونية من الأسلحة البيولوجية
والكيماوية، رغم إنه لم تعثر مجموعة التفتيش الأمريكية على أي مخابئ لأسلحة الدمار
الشامل بعد الغزو.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، ألمح الرئيس جورج دبليو
بوش ونائبه ديك تشيني في ذلك الوقت إلى وجود
أدلة إضافية لا يمكن مشاركتها علناً تشير إلى أنه إذا كان الناس فقط يعرفون ما
تعرفه الحكومة، فسيوافقون على أن العراق يشكل تهديداً كبيراً للغرب ولابد من نزع
سلاحه. وفي المملكة المتحدة، تصرفت حكومة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير آنذاك بشكل
مشابه، حيث ركزت على تفسير ضيق للأدلة التي قدمتها أجهزة المخابرات وتجاهلت العديد
من التحذيرات الرهيبة التي قدمها الأكاديميون والخبراء الآخرون؛ حيث بالغت حكومة
بلير إلى حد كبير في التهديد الذي يشكله العراق على المملكة المتحدة، وأن حجج
الحكومة استندت إلى المعتقدات الشخصية لرئيس الوزراء، فضلاً عن وعده للرئيس بوش
بدعم الغزو الأمريكي.
وبالتالي، يمكن القول أن الاعتماد على المعلومات غير
الكافية والتحليل المتحيز لغزو العراق كان له تأثير سلبي على مصداقية الولايات
المتحدة والمملكة المتحدة في بيئة السياسة الأمنية الدولية ومحلياً، وهو الأمر
الذى استمر حتى وقتنا هذا.
أولاً-
انحسار أهمية الثقة والقوة الناعمة
كان ومازال للغزو الأمريكي للعراق تأثير على القوة
الناعمة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة بسبب التصورات السلبية لقرار خوض الحرب
وكفاءة المملكة المتحدة والولايات المتحدة؛ حيث أظهر استطلاع الرأي العام الذي
أجراه مركز بيو أن التصورات الإيجابية عن الولايات المتحدة انخفضت بشكل كبير نتيجة
غزو العراق وخاصة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وهذا بلا شك يمثل تحدياً للولايات المتحدة الأمريكية،
لكن يمكن القول إنه يمثل تحدياً أكبر للمملكة المتحدة، والتي نظراً لحجمها وقوتها
تعتمد بشكل أكبر على الدبلوماسية وبناء التحالفات من أجل تحقيق أهدافها في إطار
مجموعة من المعاهدات الدولية.
فعلى مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، لم يعد يبدو أن
الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتمتعان بنفس أساس الثقة، حتى مع الحلفاء
المقربين، كما كان الوضع في السابق، فقرب نهاية عام 2021، كانت كل من الولايات
المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة تدق ناقوس الخطر بشأن الغزو الروسي الوشيك
لأوكرانيا بناءًا على المعلومات والتحليلات من أجهزتهم الاستخباراتية. وعلى الرغم
من حشد القوات والدبابات والمدفعية الروسية على الحدود التي يمكن رؤيتها بوضوح من
الجو ومن خلال صور الأقمار الصناعية، ظل العديد من الحلفاء غير مقتنعين بذلك حتى
حدوث الغزو.
ويرجع ذلك جزئياً بسبب تقييماتهم الخاصة التي أشارت إلى
أن روسيا لن تقدم على هذه الخطوة، ومن ناحية أخرى، كان الحلفاء غير مستعدين لأخذ
تصريحات الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة
المتحدة على محمل الجد، دون أن يكونوا قادرين على تقييم المعلومات بأنفسهم.
ووجد المسؤولون الأمريكيون هذا الأمر محبطًا لأنه يعني
أن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي كانا أبطأ في دعم أوكرانيا مما كان يمكن أن
يكون عليه. ومع ذلك، فإن دقة المعلومات الاستخباراتية الأمريكية/ البريطانية حول التدخل
الروسي، إلى جانب مشاركتها علناً، ربما أعادت الثقة في قدراتهما وتحليلاتهما.
ثانياً-
تعزيز دور الاستخبارات
يبدو على مدى السنوات القليلة الماضية، أنه كان هناك
تغيير في الممارسة المقبولة فيما يتعلق بمشاركة المعلومات الاستخباراتية
واستخدامها؛ حيث اتبعت وزارة الدفاع البريطانية نهجاً أكثر انفتاحاً تجاه
المعلومات الاستخباراتية في الحرب في أوكرانيا؛حيث قامت بمشاركة أحدث المعلومات
الدفاعية علناً لمواجهة ما وصفته بالتضليل
الروسي.
وهذه خطوة إيجابية لضمان إمكانية مناقشة المعلومات الاستخباراتية
وتقييمها بشكل نقدي؛ قد يكون الانفتاح أكثر على الاستخبارات السرية مرتبطًا
بالقدرات المتزايدة للاستخبارات مفتوحة المصدر (OSINT)؛ حيث أصبح
بإمكان المنظمات غير الحكومية والدولية ووسائل الإعلام الآن الوصول إلى البيانات المصورة
من الأقمار الصناعية ويمكنها التحقق بشكل مستقل من المعلومات الواردة من الحكومات.
ثالثاً-
بروز دور المعايير المزدوجة المتصورة
لم يكن تراجع الثقة في المخابرات الأمريكية والبريطانية
هو التأثير الوحيد لغزو العراق؛ حيث استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوتين
قرار غزو العراق، وكذلك التدخل الإنساني لحلف شمال الأطلسي في كوسوفو، لتبرير
تصرفات روسيا في شبه جزيرة القرم. بل وقامت بدلاً من ذلك باستخدام لغة موازية لنشر
معلومات حول "مسؤولية حماية حياة" سكان القرم ("ذو العرق الروسي ").
كما استخدمت روسيا بشكل متكرر أسلوب أسلحة الدمار الشامل لخلق روايات حول مختبرات
الأمن البيولوجي الأوكرانية لتبرير الأعمال العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.
وبالتالي، يتضح أن قرار غزو العراق تحت ذريعة كاذبة قد
أضعف من تطبيق سيادة القانون الدولي وأدى إلى نوع من ازدواجية المعايير، بما يعنى
إنه يمكن تهميش المؤسسات الدولية، أو تجاهلها تمامًا حتى تستطيع القوى الكبرى
تحقيق أهدافها.
رابعاً-
الحد من هيمنة الولايات المتحدة داخل النظام الدولي
تركت حرب العراق لدى العديد من الدول الصغيرة والمتوسطة
الحجم خارج أوروبا وأمريكا الشمالية انطباعاً بأن الدول القوية ليست ملتزمة بنظام
دولي منصف وبدلاً من ذلك ستلوي القواعد لتناسبها مع محاسبة الدول الأخرى،
وبالتالي، تشكل هذه الديناميكية مشكلة خطيرة للنظام الدولي.
فمن شأن ذلك أن يفتح الباب أمام ترويج الدول لأفكارها
التى يمكن أن تكون مضللة كما فعلت روسيا في الحرب على أوكرانيا، الأمر الذى من
شأنه أن يقوض الاعتقاد في أهمية القانون الدولي، ويزعزع استقرار النظام الدولي على
المدى الطويل، بالتوازي مع التحديات
الأنية التى فرضتها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلا أن إصلاح وتعزيز
النظام الدولي لجعله أكثر إنصافًا سيكون أحد أهم التحديات التي ستواجهها الولايات
المتحدة والمملكة المتحدة خلال العقد المقبل.
خامساً
- زعزعة المكانة الإمريكية في الداخل
بالنسبة للمواطنين الأمريكيين المحبطين بالفعل، فإن
الخداع على المعلومات الاستخباراتية هو دليل آخر يشير إلى أن حكومتهم ليست جديرة
بالثقة وقد لا تكون مصالحهم في الصدارة. وهذا له آثار عميقة على نظام الحكم
الديمقراطي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مما يجعل من الصعب على الحكومات
مواجهة قابلية المواطنين لحملات التضليل.
وبسبب ذلك، أضعفت مثل هذه الإدعاءات قدرات الولايات
المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة على استدعاء التضليل الروسي عندما تستخدم
روسيا نفس اللغة التى تم استخدامها فيما يتعلق بغزو العراق لتبرير أفعالها ضد
أوكرانيا.
ففي الوقت الذي أصبحت فيه حملات التضليل أكثر انتشارًا
حول مجموعة كبيرة من الموضوعات من الصحة إلى الهجرة إلى الحرب في أوكرانيا، فإن
زيادة التعرض للمعلومات المضللة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار المحلي
وتقويض الحوكمة الفعالة.
وفي النهاية: يمكن
القول أن كل هذه العوامل تركت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة
يعانيان من عجز في الثقة، والذي سيتعين عليهما معالجته بالكامل، الأمر الذي يشمل إعادة
بناء الثقة في الحكومة محلياً، وزيادة قدرة سكانها على الصمود أمام المعلومات
المضللة، وإعادة بناء الثقة على الصعيد
الدولي، وإصلاح وتعزيز النظام الدولي.
وعلى الرغم من التحقيقات في غزو العراق في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لم يكن هناك استيعاب كافٍ للدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب، وبالتالي، إذا أرادت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مواجهة تحدياتهما، فإن تعلم هذه الدروس أمر حيوي.