فرص وتحديات ...كيف ترى إيران عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟
كان
لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مايو لعام 2023 أى بعد ما يقرب من 12 عاماً
من التعليق، آثار بعيدة المدى على كل من
المنطقة والمجتمع الدولي. وجاء ذلك بعد أكثر من عقد من التظاهرات التى اندلعت ضد نظام
بشار الأسد من قبل المواطنين السوريين، وهو الأمر الذى ألقى بظلاله على العلاقة
بين سوريا وجيرنها من الدول العربية. وبالتالي، قوبلت إعادة اندماج سوريا في
الكتلة الإقليمية والتى كانت بمثابة عودة بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية، برفض
بعض هذه الدول مثل قطر بقبول بشار الأسد كرئيس لسوريا.
وفي هذا
السياق، يبدو أن قرار غالبية الدول العربية بإعادة إدماج نظام الأسد يعد في جانب
كبير منه اعترافاً بالحقائق الجيوسياسية التي لا مفر منها والتي فرضتها قبضته
الدائمة على السلطة. كما عكست تحولاً في المصالح الإقليمية وتوازن القوى، فضلاً عن
إبراز الانقسام بين العالم العربي والغرب حول كيفية معالجة الأزمة السورية
المستمرة.
ومع ذلك،
فإن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تطرح سؤالاً رئيسياً: كيف يمكن أن تستفيد إيران
من هذا التطور الذى طال حليفها الرئيسي في المنطقة والمتمثل في عودة سوريا إلى
جامعة الدول العربية، ولاسيما في ظل التنبؤات التى تشير إلى أن هذا القرار من قبل
الدول العربية كان مدفوعاً بالأساس بالرغبة في كبح جماح النفوذ الإقليمي لإيران،
من خلال إعادة سوريا إلى محيطها العربي.
ولكن في
المقابل، أكد بعض الخبراء والمحللين الإيرانيين على أن إيران تدعم إعادة إرساء
الشرعية الدبلوماسية لسوريا و "إحياء قوتها"، ولكن بما يحقق مصالح طهران
في البداية. كما أكدت قناة العالم، وهي قناة تلفزيونية عربية تابعة للجمهورية
الإسلامية، على الدور الحاسم الذي لعبه الدعم الإيراني في تأمين عودة سوريا إلى
جامعة الدول العربية.
أولاً- دور إيران في سوريا
وسط تحولات دبلوماسية إقليمية
قام
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بزيارة إلى سوريا قبيل انعقاد قمة جدة في مايو 2023
على رأس وفد من كبار المسؤولين، وكان رئيسي أكبر مسؤول إيراني يزور دمشق منذ
اندلاع الأزمة السورية لعام 2011. وأشادت وسائل إعلام رسمية ومسؤولون في إيران
بالزيارة، واصفين إياها بـ "انتصار محور المقاومة"، وتم تفسيرها من
ناحية أخرى على أنها استعراض لنفوذ إيران
المستمر في سوريا.
والجدير بالذكر، أن قرار الدول العربية بإعادة
قبول سوريا في الجامعة جاء بعد شهرين فقط من إعلان إيران وخصمها الإقليمي الرئيسي
المملكة العربية السعودية اتفاق مصالحة أنهى سبع سنوات من العداء الصريح وقطع
العلاقات، وفي هذا السياق، أكدت بعض التقديرات على أن استئناف العلاقات بين الرياض
وطهران كان بمثابة عامل مساعد ومحورى في إطار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وجاء رد
فعل إيران على عودة سوريا لجامعة الدول العربية إيجابياً؛ حيث أشار المتحدث بإسم
الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في هذا السياق إلى أن حل الخلافات بين الدول الإسلامية
وتعزيز التقارب والتعاون فيما بينها لهما نتائج إيجابية على صعيد الاستقرار
والسلام الشامل في المنطقة، وأن جمهورية إيران الإسلامية ترحب بهذا النهج. وكذلك رحب
كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي بـ "التطورات الإيجابية
في العلاقات بين الدول العربية وسوريا"، قائلاً: " إنها ستفيد شعوب
المنطقة وأمنها".
ثانياً- فرص طهران بعد عودة
سوريا
تكشف
الرواية الإيرانية عن أن عودة سوريا لجامعة الدول العربية يعد بمثابة انتصار كبير
لمحور المقاومة في مواجهة ما وصفته بـ" التحديات والمؤمرات الخارجية"
التى سعت للإطاحة بالنظام الحالي في سوريا، وترى إيران أيضًا أن هذه الخطوة بمثابة
إضفاء الشرعية على دعمها لبشار الأسد، الذي يعترف به الآن من قبل نظرائه العرب
كزعيم لسوريا. وعلاوة على ذلك، فإن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يمكن أن
تحفز عمليات انتعاشها الاقتصادي وإعادة
بنائها. ويمكن لدور الدول العربية في هذه الجهود أن يزيد من توطيد دور حليف إيران بشار
الأسد، بل ويفتح لطهران آفاقاً للتعاون الاقتصادي مع بعض الدول العربية، لاسيما بعد
عودة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذى ظهرت أبرز
بوادره في الحديث عن الاستثمارات السعودية في حقول النفط الإيرانية، وشراكات أخرى
بين الطرفين في بعض القطاعات الخدمية مثل قطاع الفنادق والسياحة. وبالتالي، تنظر
إيران إلى عودة حليفها السوري إلى جامعة الدول العربية على إنه بمثابة فرصة لتحسين علاقاتها مع هذه الدول.
وعلاوة
على ذلك، يمكن أن يوفر عودة الحليف الإيراني إلى جامعة الدول العربية منصة لإيران للتأثير على قرارات الدول العربية،
أو على أقل تقدير التخفيف من ما يعرف بظاهرة الإيرافوبيا الموجودة لدى هذه الدول
تجاه طهران. وبالتالي منح الجمهورية الإسلامية عنصرًا من عناصر النفوذ الدبلوماسي
في السياسة الإقليمية.
ثالثاً- التحديات التى يمكن
أن تواجه إيران بعد عودة سوريا
رغم ذلك
تدرك إيران أن إعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية يمكن أن يقلل من اعتماد
دمشق على طهران لأنها ستزيد من تفاعلها مع لاعبين إقليميين آخرين، لكن يمكن تفسير
ذلك من منطلق تركيز إيران فيما يتعلق بعلاقتها مع المملكة العربية السعودية على
الحد من مخاطر الصراع واستعادة العلاقات الطبيعية، على الأقل في الوقت الحالي، ولم
يتطرق الأمر إلى ضرورة العمل على ذوبان الجليد بشأن التنافس الأيديولوجي والسياسي
والاقتصادي العميق الذى اتسمت به هذه العلاقات على مدى العقود القليلة الماضية.
وبالنظر
إلى القدرة الاقتصادية المحدودة لإيران بسبب العقوبات وبعض المعوقات الهيكلية داخل
الاقتصاد الإيراني والتى يتمثل أبرزها في الفساد المستشرى، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز
المشاركة العربية في سوريا، الأمر الذى من شأنه أن يأتي على حساب المصالح
الاقتصادية لإيران هناك، وعليه، أكد البعض في إيران على أن هناك حاجة لاتخاذ إجراء
سريع لاستعادة عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها طهران على دعم الأسد.
وفي
السياق ذاته، قد تحاول الدول العربية إقناع الأسد بالحد من الوجود العسكري
الإيراني وأنشطة طهران في البلاد. وتكشف بعض التقديرات عن أن أكبر التحديات التى
ستواجه إيران في هذا الإطار ترتكز حول احتمالية أن تضغط بعض الدول العربية على
سوريا لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل، أو على الأقل إقامة شكل من أشكال التسوية
المؤقتة، وقد يشمل ذلك تقديم حوافز اقتصادية أو دعم سياسي مقابل تنازلات في قضايا
رئيسية، مثل دور حزب الله اللبناني الحليف لإيران في سوريا، وبالتالي، فإن مثل هذا
التطور من شأنه أن يثير قلق طهران.
وفي النهاية: يمكن القول إنه من
غير المرجح أن تؤدي عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية إلى تغيير جوهري في دور
إيران الإقليمي، بل ستستمر الجمهورية الإسلامية في متابعة أهدافها ومصالحها
الاستراتيجية في سوريا وخارجها، بغض النظر عن الوضع الدبلوماسي لحليفها. ومن
المتوقع أن تحافظ إيران على تحالفها الوثيق مع نظام الأسد، وكذلك مع حزب الله
وجماعات "المقاومة" الأخرى في المنطقة. لذلك، فإن عودة سوريا إلى جامعة
الدول العربية تمثل تحديات وفرصاً لإيران، الأمر الذى قد يجبر هذه الأخيرة على التكيف
مع البيئة الإقليمية المتغيرة، وتحقيق التوازن بين مصالحها ومصالح الجهات الفاعلة
الأخرى.