أعلنت تركيا خلال قمة الناتو الأخيرة موافقتها الضمنية على انضمام السويد للناتو، كما أعلنت أن الأمر سوف يكون مطروحا أمام البرلمان في خلال شهرين من أجل الموافقة أو الرفض. وقد أثارت العديد من التقارير الصحفية الجدل حول موافقة تركيا والامتيازات التي حصلت عليها الأخيرة مقابل الموافقة على انضمام السويد للناتو.

بدأ الأمر حينما غزت روسيا أوكرانيا قبل أكثر من عام بسبب رغبة الأخيرة الانضمام للاتحاد الأوروبي والناتو، ما جعل دولا مثل السويد وفنلندا تسعى للانضمام للناتو للحصول على المزيد من الدعم العسكري في حالة حدوث مواجهة مع روسيا، خاصة أن الدولتين يتشاركان الحدود البرية والبحرية مع روسيا. في يويو 2022، قال الأمين العام لحلف الناتو على هامش قمة مدريد التي هدفت لتحقيق نوع من التوافق بين تركيا من طرف والسويد وفنلندا من طرف أخر أن" تركيا وفنلندا والسويد وقعت مذكرة تتصدى لمخاوف تركيا حيال أمور منها ما يتعلق بتصدير الأسلحة ومكافحة الإرهاب". كما أعلن أن الناتو سوف يوجه دعوة رسمية للسويد وفنلندا من أجل الانضمام للناتو. من جهتها أعلنت الرئاسة التركية في بيان أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حصل على "تعاون كامل" من فنلندا والسويد ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني وحلفائهم، وأضافت: "تركيا حصلت على ما تريده".

وأوضح البيان أن البلدين المرشحين تعهدا بالالتزام بـ"التعاون التام مع تركيا في مكافحة" حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية، وكذلك ضد الحركات التابعة له. وتابع البيان أن البلدين سيح/ران أيضًا "نشاطات جمع الأموال والتجنيد" للمسلحين الأكراد و"سيحظران الدعاية الإرهابية ضد تركيا". كذلك، تعهدت هلسنكي وستوكهولم "إظهار التضامن مع تركيا في الحرب ضد الإرهاب بكل أشكاله". كذلك، قبلت العاصمتان بعدم "فرض قيود أو حظر على الصناعات الدفاعية" وفق بيان الرئاسة التركية، في إشارة إلى الحظر المفروض على تسليم الأسلحة إلى تركيا ردًا على التدخل العسكري لأنقرة في سوريا عام 2019.

بالفعل، قبلت تركيا طلب انضمام فنلندا للناتو ولم تستخدم حق النقض، كما هو منصوص في اتفاقية الناتو، لكنها أبدت اعتراضها على انضمام السويد للناتو، مبررة ذلك بأن السويد لم تحقق ما هو مطلوب منها.

ولعل أكثر ما  أثار حفيظة هو استمرار الأعضاء التابعين لحزب العمال الكردستاني تنظيم تظاهرات مضادة لتركيا في السويد، الأمر الذي دفع تركيا لرفض انضمام السويد للناتو. بررت السويد موقفها بأن القانون السويدي يمنح حق التظاهر و يكفل حرية التعبير، لكنها تجاهلت بكل تأكيد المنظمات الارهابية لابد أن تكون مستثناة من هذا الأمر، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يصنف حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا. علاوة على ذلك، تكررت حوادث حرق القرآن الكريم في السويد وقد اعتبرت أنقرة هذا الأمر استفزازيا لها مقصودا كوسيلة ضغط. أيضا، الدعم الدبلوماسي السويدي والاعلامي لحزب العمال والوحدات الكردية التابعة له في سوريا كان سببا أخرا رفضت تركيا بسببه الموافقة على انضمام السويد للناتو.

بكل تأكيد، امتلكت روسيا نظرة نفعية وحاولت الاستفادة من ورقة السويد قدر المستطاع. على سبيل المثال، تدرك تركيا تماما أن انضمام السويد للناتو أمرا مزعجا لروسي، ومن ثم قامت بتعطيل انضمام الأخيرة للناتو مقابل تحقيق تفاهمات مع روسيا في سوريا وليبيا، رغم تأكيد أنقرة حق القبول أو الرفض هو أمرا سياديا تركيا لا يحق لأي دولة أن تتدخل فيه. أيضا، تمتلك تركيا العديد من الملفات المتوترة مع أوروبا ورغبت تحقيق عدد من المنافع بخصوصها. على سبيل المثال، تنتقد أوروبا ملف حقوق الإنسان في تركيا خاصة بعد حملة الاعتقالات التي طالت الآلاف بعد انقلاب 2016 الفاشل. أيضا، تدرك تركيا أهمية انضمام السويد للناتو بالنسبة للولايات المتحدة ورغبت دفع الأخيرة على تقديم تنازلات تتعلق بتزويد تركيا بمقاتلات إف 35، مع العلم أن واشنطن قد استبعدت تركيا من مشروع إنتاج المقاتلة الأحدث في العالم بعد شراء تركيا منظومة إس 400 الدفاعية الروسية. ولأن تركيا قد دفعت بالفعل أموال عدد من مقاتلات اف 35، فكان أمامها أمران، أولهما اللجوء إلى التحكيم الدولي أو إقناع واشنطن ببيعها المقاتلات المتفق عليها. ثانيا، كان يمكن لتركيا أن تطلب شراء مقاتلات اف 16 حديثة الصنع وبمواصفات قتالية جديدة.

خلال قمة الناتو الأخيرة، قدمت تركيا عددا من الشروط منها دعم السويد لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. بالتأكيد، هذا يعتبر حلما لأنقرة لأنه بكل تأكيد سوف يساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية في تركيا من خلال ضمان الحصول على دعم أوروبي غير محدود. علاوة على ذلك، سوف يوفر هذا الأمر الفرصة للأتراك لدخول أوروبا بدون تأشيرة، ما يعني أن عدد كبير من العمالة التركية سوف تذهب إلى أوروبا، سوف يخفف الضغط الداخلي على الحكومة التركية. أيضا، سوف يزداد النفوذ التركي بسبب عدد ممثليها في البرلمان الأوروبي الذي سوف يكون تقريبا مقارب لعدد ممثلي ألمانيا، أكثر دول الإتحاد كثافة سكانية.

أيضا، أشارت تقارير إلى موافقة الولايات المتحدة على تزويد تركيا بمقاتلات اف 16 حديثة الصنع مقابل الموافقة على انضمام السويد. هناك نقاط أخري قد تكون تركيا حصلت عليها دون أن يتم الإفصاح عنها. على سبيل المثال، إيقاف الولايات المتحدة تقديم الدعم العسكري للوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة تهديدا مباشرا لها. علاوة على ذلك، قد تكون تركيا حصلت على تعهدا غربيا بعد فرض أي عقوبات عسكرية عليها نتيجة ملف حقوق الإنسان.

على صعيد آخر، بموافقة تركيا، نجد أنها خسرت ورقة تفاوضية هامة للغاية مع روسيا، لأن روسيا لا تريد للناتو أن يتوسع شرقا بالقرب من حدودها. فبينما تدخلت موسكو عسكريا لمنع انضمام أوكرانيا للناتو، نجد أن السويد وفنلندا قد انضمتا بالفعل، ما يعني أن الحسابات الروسية بشأن الحرب كانت غير دقيقة، كما فشلت التطمينات الروسية لكل من فنلندا والسويد. بطبيعة الحال، كانت تطمح روسيا أن تظل تركيا على موقفها وتمنع انضمام السويد للناتو.

في النهاية، حاولت تركيا استخدام ورقة السويد من أجل تحقيق عدد من المنافع، أهمها إيقاف الدعم السويدي للوحدات الكردية في سوريا وحزب العمال في تركيا. علاوة على ذلك، استخدمت أنقرة ورقة ضم السويد للناتو وتمكنت من إقناع واشنطن ببيعها مقاتلات اف 16 عوضا عن مقاتلات اف 35، وربما نشهد عودة تركيا مشروع المقاتلة اف 35 رغم أن أنقرة قد بدأت بالفعل في مشروعها الخاص بإنتاج مقاتلة حربية خاصة بها.