في 26 يوليو 2023 أُطيح برئيس النيجر محمد
ببازوم في انقلاب قاده الجنرال عبد الرحمن تشياني، المعروف باسم عمر تشياني، رئيس
وحدة الحرس الرئاسي في النيجر، وقد بدأت الرؤية تتضح أكثر للأحداث الدائرة في
النيجر بعدما ظهر الجنرال عبد الرحمن تشياني على التلفزيون الرسمي وأعلن بيانًا
بصفته رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن، وكان تشياني، البالغ من العمر 62 عامًا،
قد تولى مهمة قيادة وحدة الحرس الرئاسي في النيجر في عام 2011، ثم رقّاه الرئيس
السابق يوسفو إلى رتبة جنرال في عام 2018. وارتبط اسم تشياني في عام 2015 بمحاولة انقلاب فاشلة ضد الرئيس السابق،
لكن تشياني نفى ذلك أمام محكمة.
وفي خطاب متلفز، قال تشياني إن رجاله
العسكريين استولوا على السلطة بسبب مشكلات عديدة في النيجر، تشمل غياب الأمن
وصعوبات اقتصادية وفساد. وحاول تشياني طمأنة حلفاء النيجر حول العالم،
قائلًا إن قيادته ستفي بكل التزامات بلاده الدولية، بما في ذلك حقوق الإنسان. وعلى الصعيد الداخلي، حذّر المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد
الانقلاب معارضيه بقوة، متّهما أعضاء من الحكومة المعزولة- الذين لجأوا إلى سفارات
دول أجنبية- بالتآمر عليه. وقال المجلس إن تلك المحاولات قد تؤدي إلى إراقة
الدماء، وهو ما تمّ تفاديه حتى الآن. ومنذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، شهدت النيجر أربع
انقلابات عسكرية ناجحة، فضلًا عن عدد كبير من محاولات انقلابية فاشلة. وقد زاد
انقلاب النيجر من ضبابية المشهد في منطقة الساحل الأفريقي، لا سيما وأنه يأتي بعد
انقلابين شبيهين في بوركينا فاسو ومالي إذ أن النيجر هي ثالث دولة تشهد انقلابًا
منذ العام 2020.
مواقف متعددة
شجب شركاء نيامي الغربيون بقوة
الانقلاب، فضلًا عن دول إفريقية عدة والأمم المتحدة، مع المطالبة بالإفراج عن محمد
بازوم؛ حيث ندد رئيس نيجيريا بولا تينوبو الذي ترأس بلاده الجماعة الاقتصادية لدول
غرب إفريقيا، بالانقلاب ووعد بأن الجماعة والأسرة الدولية ستبذلان كل الجهود دفاعًا
عن الديموقراطية وتجذرها في المنطقة. وفي تصعيد من جانب المجموعة الاقتصادية لدول
غرب أفريقيا "إيكواس" تم فرض حظر سفر وتجميد أصول على المسئولين
العسكريين الضالعين في محاولة الانقلاب بالنيجر وتجميد أصول جمهورية النيجر في
البنوك المركزية للدول الأعضاء بها وإيقاف جميع المعاملات التجارية والمالية بين
النيجر وجميع الدول الأعضاء فيها. كما دعت إلى استعادة النظام الدستوري
بالكامل في النيجر. بالإضافة إل الإفراج الفوري عن رئيس النيجر
محمد بازوم وإعادته للسلطة مع منح قادة الانقلاب مهلة لمدة أسبوع لتسليم السلطة،
مع عدم استبعاد استخدام القوة.
أما الاتحاد الإفريقي فقد أمهل
العسكريين الانقلابيين 15 يومًا لإعادة السلطة الدستورية، فيما أكد وزير الخارجية
الأمريكي أنتوني بلينكن لبازوم دعم واشنطن "الثابت، مشددًا على أن الانقلاب
يهدد الشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر. وتحدث بلينكن إلى نيتوبو معربًا عن
قلقه العميق ومشيدًا بجهود رئيس نيجيريا لإعادة النظام الدستوري في النيجر وفق ما
أفاد به الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر. كما قرر الاتحاد
الأوروبي وقف دعمه المالي للنيجر، ومن جانبها هددت الولايات المتحدة بفعل الشيء
ذاته.
وقد أعلنت وازرة الخارجية في الجزائر
إنها تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع في جمهورية النيجر، وأكدت أن الجزائر تدين
بشدة محاولة الانقلاب، وشدد على تمسكها بالمبادئ الأساسية التي توجه العمل الجماعي
للدول الإفريقية داخل الاتحاد الإفريقي، بما في ذلك على وجه الخصوص الرفص القاطع
للتغييرات غير الدستورية للحكومات.
وضمن السياق ذاته، دعا مجلس الأمن الدولي إلى إطلاق سراح بازوم
دون شروط، كما أدان الجهود التي تدفع إلى تغيير غير دستوري للحكومة الشرعية في
النيجر. وأدانت منظمات دولية من
بينها الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، الانقلاب في النيجر
بشدة. وقالت فرنسا، التي كانت النيجر ضمن إمبراطوريتها الاستعمارية، إنها لن تعترف
بقادة الانقلاب، ولن تقرّ بغير بازوم رئيسًا للدولة. ويُعد بازوم أوّل رئيس منتخب للنيجر
يخلف رئيسًا منتخبًا منذ استقلال البلاد في عام 1960. وكان يُنظر إلى بازوم على أنه حليف رئيسي
للدول الغربية في الحرب على الإرهابيين في المنطقة بالإضافة إلى ذلك تمتلك كل من
الولايات المتحدة وفرنسا قواعد عسكرية في الدولة الغنية باليورانيوم.
في المقابل، قالت وزارة الخارجية
الروسية إن محاولات اتهام روسيا بالتدخل في الوضع بالنيجر لا أساس لها، وإنه لا بد
من تسوية الوضع في أسرع وقت ممكن، غير أن زعيم مرتزقة فاغنر الروس،
يفغيني بريغوجين، أثنى على الانقلاب في النيجر واصفا إياه بالانتصار. وأفادت
تقارير بأن بريغوجين قال، عبر قناة على تليجرام يعتقد أنها مرتبطة بفاغنر، إن ما
حدث في النيجر ما هو إلا كفاح شعب ضد مستعمريه وأن شعب النيجر اليوم يحقق
استقلاله. ويُعتقد
أن مجموعة فاغنر لديها آلاف المقاتلين في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، حيث تمارس
المجموعة الروسية أعمالًا تجارية مربحة، كما تدعم علاقات روسيا الدبلوماسية
والاقتصادية.
استجابات مختلفة
أعلن تياني أن استيلاءه على السلطة جاء بسبب تدهور الوضع الأمني
في البلاد، مقررًا تعليق العمل بالدستور وحل المؤسسات ومحذرًا من أي تدخل عسكري
أجنبي. وكان قادة انقلاب النيجر
أعلنوا الجنرالَ تياني رئيسا للبلاد، قائلين إنهم أطاحوا ببازوم، في سابع استحواذ
للجيش على السلطة خلال أقل من 3 أعوام.
وأشار بيان العسكريين الانقلابيين أيضًا إلى تعليق عمل كلّ
المؤسّسات المنبثقة من الجمهوريّة السابعة. وسيكون الأمناء العامّون للوزارات
مسؤولين عن تصريف الأعمال وأن قوات الدفاع والأمن تُدير الوضع، وطُلب من جميع
الشركاء الخارجيّين عدم التدخّل، إضافة إلى ذلك، تم إغلاق الحدود البرّية والجوّية
حتى استقرار الوضع وفرَض حظر تجول شامل على كامل التراب حتى إشعار آخر.
وضمن السياق ذاته، أصدر المجلس العسكري في النيجر بيانًا حول
المواقف الأفريقية والغربية الداعية للعدول عن الانقلاب على السلطة، كما دخل
الرئيس السابق للبلاد محمد إيسوفو على خط الأزمة، وبدأ وساطة بين قادة الجيش
والرئيس المطاح به محمد بازوم بالتزامن مع تصاعد نبرة التهديدات الغربية
والأفريقية لقادة الانقلاب. في حين اتهم المجلس العسكري -الذي شكله الإنقلابيون-
في النيجر دول مجموعة غرب أفريقيا (إيكواس) بالتخطيط لتدخل عسكري في العاصمة نيامي.
وترفض الدول الأجنبية المتحالفة مع النيجر حتى الآن الاعتراف
بحكومة القائد السابق للحرس الرئاسي، والذي أعلنه قادة عسكريون رئيسًا للدولة. وتجب الإشارة هنا إلى أنه لم
يتضح بعد حجم الدعم الذي يحظى به المجلس العسكري بين مواطني النيجر، حيث خرجت
أعداد غفيرة لدعم بازوم لكن اليوم التالي شهد نزول أنصار مؤيدين للانقلاب إلى
الشوارع أيضًا خاصة أنه لم تصدر أي تعليقات من بازوم بعدما كان محتجزًا داخل القصر
الرئاسي، لكن الاتحاد الأوروبي وفرنسا وآخرين يقولون إنهم ما زالوا يعترفون به
رئيسًا شرعيًا.
وقد نفت اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم ما سمته الشائعات
والأخبار الكاذبة التي تربط بين الانقلابيين وتلقيهم مساندة الرئيس السابق ومؤسس
الحزب إيسوفو بشأن الانقلاب على الرئيس الحالي (بازوم). وفي بيان لها، قالت اللجنة إن هذه الشائعات تضر بوحدة الحزب، وإن
إيسوفو سلم القيادة لبازوم قناعة منه بالمبادئ الديمقراطية، وإن على أنصار الحزب
ومناضليه العمل من أجل استعادة القانون والنظام والحكم الشرعي.
في الختام: تمتد تداعيات الانقلاب الذي شهدته النيجر على
مستويات عديدة سواء فيما يتعلق بالاستقرار في منطقة الساحل والصحراء أو فيما يتعلق
بانتشار جماعات التطرف والإرهاب، ومن المرجح أن تجلب محاولة الانقلاب في النيجر
المزيد من انعدام الأمن إلى المنطقة ككل. إضافة لما ستجلبه من تحديات إضافية
لواحدة من أفقر دول العالم فيما يتعلق ببناء الدولة وتنميتها، ولعل الزخم الإقليمي
والدولي الذي ظهر لمواجهة تداعيات هذا الانقلاب تؤشر على حجم الضغوط التي يواجها
قادرة الانقلاب للعدول عن موقفهم، بالإضافة إلى جهود الوساطة؛ حيث التقى الرئيس
التشادي محمد إدريس ديبي رئيس النيجر المعزول محمد بازوم، بعد وصوله إلى العاصمة
نيامي في إطار وساطة لحل الأزمة في النيجر، والإفراج عن بازوم وعودته إلى منصبه.