تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ...كيف ساهمت الطائرات بدون طيار (المسيرات) في استمرار الحرب الأوكرانية؟
كشفت بعض
التقديرات الغربية عن أن تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي دعمت الطائرات بدون طيار
(المسيرات) عبر منع تحطمها وتوجيهها نحو إصابة الهدف حتى في ظل وجود أجهزة تشويش
قادرة على حرفها عن مسارها؛ حيث تم ذلك من خلال الاعتماد على برنامج ذكاء اصطناعي
جديد مسؤول عن التدخل الإلكتروني وهو ما تستخدمه روسيا الآن بشكل كبير، مما يؤدى
إلى استقرار الطائرة بدون طيار وإبقائها مغلقة على هدف محدد مسبقاً، حتى لو تحرك
هدفها، مما يمثل ترقية كبيرة من الطائرات بدون طيار الحالية التي تتعقب إحداثيات
محددة.
وبناءاً
على ذلك، تجنبت الطائرة بدون طيار مصير الآلاف من الطائرات الأخرى في هذه الحرب من
خلال الاعتماد على قدرات الذكاء الاصطناعي. وكذلك، تعد هذه التقنية التي يجري
تطويرها من قبل عدد متزايد من شركات الطائرات بدون طيار الأوكرانية، واحدة من
العديد من القفزات المبتكرة الجارية في سوق الطائرات بدون طيار المحلي في كييف.
ولكن
تكمن الخطورة في انتشار مثل هذه التقنيات لدى الفواعل من غير الدول مثل الجماعات
المسلحة والإرهابية بعد انتهاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، الأمر الذى
من المحتمل أن يكون له تداعيات وخيمة على الدولة القومية، ولاسيما تلك التى تواجه
الجماعات الانفصالية والمتطرفة وكارتلات المخدرات.
أولاً- الجهود الأوكرانية
رغم أن أوكرانيا
المتميزة بالصناعات الزراعية والثقيلة ليست
مكاناً واضحاً لابتكار الطائرات بدون طيار. ومع ذلك، فإن مقتضيات الحرب حولت
البلاد إلى نوع من المختبرات الفائقة للاختراع، وجذب الاستثمارات من الشخصيات البارزة
في مجال الأعمال التجارية، بما في ذلك الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google إريك شميدت؛ حيث تعمل أكثر
من 200 شركة أوكرانية تشارك في إنتاج الطائرات بدون طيار جنباً إلى جنب مع الوحدات
العسكرية على الخطوط الأمامية لتعديل وزيادة الطائرات بدون طيار لتحسين قدرتها على
الفتك بالعدو والتجسس عليه. وفي هذا السياق، قال نائب رئيس الوزراء
الأوكراني ميخايلو فيدوروف خلال مقابلة في مكتبه بالعاصمة كييف في ذلك: "هذا
سباق تكنولوجي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، والتحدي هو أنه يجب تغيير كل
منتج في كل فئة يومياً للحصول على ميزة."
وفي هذا
السياق، ساعدت بتقنية الذكاء الإصطناعي الشركات الخاصة في تدريب أكثر من 10000 من
مشغلي الطائرات بدون طيار في العام الماضي، بهدف تدريب 10000 إضافي خلال الأشهر
الستة المقبلة. وعليه، سمحت الطائرات بدون طيار لأوكرانيا
بمراقبة وضرب أهداف حساسة بعيدة عن خطوط العدو مع تحسين دقة مدفعيتها التقليدية.
وفي غضون ذلك، شاركت وزارة الدفاع
الأوكرانية تقنية التشويش الروسية مع شركات الطائرات بدون طيار الموجودة لديها،
مما سمح لها باختبار منتجاتها ضد بعض أسلحة الحرب الإلكترونية الأكثر تطورًا في
العالم، وهو امتياز لا تمتلكه الغالبية العظمى من شركات الطائرات بدون طيار
الدولية. كما يتلقى صانعو الطائرات بدون طيار ردود
فعل مستمرة من الخطوط الأمامية، مما يسمح لهم بإجراء تعديلات فورية لتقليل نقاط
الضعف وتحسين القدرة على الفتك بالهدف. كما تعمل طائرات الاستطلاع بدون طيار
كمضاعف مباشر لفعالية جميع الأسلحة تقريباً في ترسانة أوكرانيا، وخاصة المدفعية،
مما يوفر أكبر نفوذ فوري في ساحة المعركة.
ثانياً- الجهود الروسية
رغم أن
موسكو كانت متأخرة بعض الشئ في إدراك أهمية الطائرات بدون طيار الهجومية في الصراع،
لكنها قامت ببناء جيش من الطائرات بدون طيار الخاص بها وإدخال أسلحة تشويش
إلكترونية جديدة في الميدان، كما أسفر استخدامها للطائرات بدون طيار ذاتية التفجير،
بما في ذلك مسيرات شاهد إيرانية الصنع، إلى تهديد المدن الأوكرانية
وعرقلة هجوم أوكرانيا المضاد البطيء.
وكشفت
بعض التقديرات عن أن روسيا تدمر نحو ألف طائرة مسيرة أوكرانية شهرياً، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن معدل الخسارة يبلغ
10000 مسيرة شهرياً، مما دفع كييف لإيجاد طرق لزيادة إنتاج هذا النوع من الطائرات حتى تحول الأمر إلى أكبر حرب للطائرات بدون طيار
في التاريخ. ولكن من غير المرجح أن توفر الطائرات بدون طيار الهجومية في أوكرانيا
ميزة حاسمة في الهجوم المضاد بسبب نطاقها المحدود وحجم حمولتها الضئيلة أيضاً،
والتضاريس غير المستوية عبر أميال عديدة من حقول الألغام والخنادق الروسية
الكثيفة.
ورغم إنه يمكن للطائرات بدون طيار الرخيصة التي تنتجها أوكرانيا بالآلاف كل شهر، أن تحمل
قنابل، لكنها ستكون معرضة للتشويش الروسي. ومع ذلك، فإن التوجه الجديد المدعوم
بالذكاء الاصطناعي يسمح لهذه الطائرات بالبقاء مغلقة على هدفها حتى لو فقدت
الاتصال بالمشغل البشري بسبب التشويش أو وجود جسم مادي كبير مثل التل.
ثالثاً- مخاوف مستقبلية
أوضحت
بعض التقديرات أن تسارع تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، آثار قلق خبراء الأمن نظراً للعدد المتزايد من الجهات
الفاعلة غير الحكومية التي يمكن أن تستخدم الطائرات بدون طيار لأغراض فتاكة، بما
في ذلك حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق
والشام(داعش)، وكارتلات المخدرات التي تتخذ من المكسيك مقراً لها.
ففي حين
أن تكلفة بناء طائرة بدون طيار بحجم طائرة مثل MQ-9 Reaper تتجاوز
قدرات هذه الجماعات، فإن الحصول على برامج الطائرات بدون طيار المدعومة بالذكاء
الاصطناعي واستخدامها ليس كذلك؛ حيث من السهل على هذه الجماعات الحصول على
البرنامج عبر الانترنت وإعادة توظيفه.
وتأسيساً
على ذلك، تصارع القوى العسكرية الكبرى منذ فترة طويلة مع أخلاقيات السماح للآلات
باستخدام القوة الفتاكة في الصراعات؛ حيث طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بأن يظل
البشر في حلقة صنع القرار، ودعت الجيوش الرئيسية الأخرى في العالم إلى تبني نفس
المعايير.
وختاماً: يمكن
القول أن الطائرات بدون طيار ستلعب دوراً مستقبلياً حاسماً عن طريق البر والجو
والبحر في إزالة الألغام وتشكيل أسراب قوية للغاية من طائرات كاميكازي بدون طيار
المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتأسيساً على ذلك، من المتوقع أن تلعب الطائرات بدون
طيار دوراً كبيراً في تحديد مستقبل العملية
العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.