في السنوات الخمس الأخيرة الماضية نمت وازدهرت تجارة
الكبتاغون في سوريا بشكل كبير والتي عبرت عن خط التماس بين الفصائل السورية
المتنازعة. فالكبتاغون عابر للتقسيم حيث وحد أطراف الصراع وجمع بين المعارضة
والنظام بعدما كان اسم هذا المخدر مرتبطًا بتنظيم داعش والمنظمات الإرهابية المسيطرة
على الحدود لتوفير مناخ ملائم لتهريب المخدرات عبر الحدود. وتحولت سوريا إلى دولة
مخدرات حيث أصبحت مركزًا لإنتاج وتصدير الكبتاغون من خلال شبكة ضخمة من المصدريين
والتي تمتد من لبنان والعراق مرورًا بتركيا وصولًا إلى أفريقيا والشرق الأوسط بل
طبعت بصماتها بدول أوروبية، فالاقتصاد السوري على حافة الانهيار بسبب الحرب
الدائرة منذ أكثر من 10 سنوات والتي غيرت سوريا جذريًا حيث رسمت خارطة مغايرة لما
كانت عليه قبل الحرب، وظهرت معابر وأنفاق داخلية للفصل بين مناطق النزاع، وتورط
الكثير من الأفراد والجماعات حتى النظام السوري في تجارشة الكبتاغون من أجل الحصول
على مصادر دخل بديلة وسط فرض العقوبات الاقتصادية الخانقة واشتداد الحصار مما غيب
أي حضور لحلول حقيقية من شأنها أن تنهي الأزمة السورية وتساعد في إعادة الإعمار من
جديد، وفي ضوء ذلك تحاول هذه الورقة البحثية الإجابة عن السؤال التالي: هل تحد
الضغوطات الأمريكية والإغراءات العربية من تجارة وتهريب الكبتاغون في سوريا؟
شبكات تجارة
حبوب الكبتاغون في سوريا
أضحت سوريا الغارقة في حرب مدمرة منذ 2011 دولة مخدرات
من شمالها إلى جنوبها بغض النظر عن المنطقة والقوة المسيطرة عليها سواء كانت
معارضة أو موالية للنظام، حيث تحولت تجارة الكبتاغون إلى تجارة مربحة تدر دخلًا
تقدر قيمته بمليارات الدولارات لأطراف وفصائل متنوعة في البلاد، ولقد غدت حبوب
الكبتاغون أبرز الصادرات السورية مقارنة بكافة الصادرات القانونية في سوريا في ظل
أوضاع اقتصادية متأزمة تعصف بالبلاد. ويعتبر الكبتاغون مصدر ربح لنظام الأسد
ودوائر فلكه، فالبلاد في حاجة ماسة للنقد الأجنبي. ويشرف مسؤولو الفرقة الرابعة
تحت قيادة "ماهر الأسد" على إنتاج وتصنيع وتهريب الكبتاغون عبر المناطق
الواقعة تحت سيطرة النظام السوري في كل من دمشق، حمص، حلب، اللاذقية وعلى طول
الحدود السورية_ الأردنية، واستخدام الموانئ البحرية الرسمية خاصة ميناء اللاذقية
في تصدير الكبتاغون إلى الشرق الأوسط والسوق الأوروبي عبر البحر المتوسط والبحر
الأحمر، كما تورطت الميليشيا الموالية للحكومة السورية "كتائب البعث"
و"أعضاء جهاز المخابرات العسكرية" في تجارة الكبتاغون على طول الحدود
الجنوبية السورية للتهريب عبر الأردن والعراق، وفي المقابل فتحت بعض الميلشيا
المسلحة المتحالفة مع النظام خطوطًا صغيرة لإنتاج الكبتاغون في سهل البقاع ودعم
جهود الفرقة الرابعة في تهريب المخدر خارج الحدود السورية.
وترتبط إيران
بذراعها العسكري المتمثل في حزب الله في لبنان في تجارة وتهريب الكبتاغون خاصة في
المناطق الحدودية لطالما كانت الحدود السورية_ اللبنانية نقطة انطلاقة لتهريب
أنواع عدة من البضائع، حيث سلطت العقوبات والضغوطات المفروضة الضوء على دور مهربي
لبنان الذين تربطهم علاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني. (1)
استراتيجيات محاربة تجارة الكبتاغون
"قانون الكبتاغون"
في عام 2020 انطلقت حملة إعلانية عنيفة تطالب الإدارة
الأمريكية باتخاذ قرارات وإجراءات صارمة للحد من تجارة الكبتاغون ووضع استراتيجيات
تفكيك شبكات ترويج وتهريب المخدرات في سوريا، حيث اتهمت الحملة سوريا وحزب الله
بإنتاج الكبتاغون والاتجار به، وهدفت الحملة بالأساس إلى تشديد الحصار على الدولة
السورية لتقليص حجم العوائد المالية من صادرات الكبتاغون. ووضعت الإدارة الأمريكية
الحالية برئاسة "جو بايدن" استراتيجيات وآليات تنفيذية بالتنسيق بين
الوكالات الفيدرالية الأمريكية لمحاربة الاتجار في الكبتاغون، حيث وقعت الإدارة ما
يٌعرف باسم "قانون الكبتاغون" في 23 ديسمبر 2022 الذي أقره مجلس النواب
الأمريكي في 20 سبتمبر 2022، ونص القانون على تخصيص 400 مليون دولار أمريكي لتعزيز
سلطات الجمارك وحرس الحدود في الدول العربية حليفة الولايات المتحدة، والتي تتمثل
في: مصر، الأردن، تونس، لبنان، والتي زعمت الإدارة الأمريكية بأن هذه الدول متأثرة
بصادرات سوريا من الكبتاغون، كما نص القانون على أن اتجار نظام الأسد بالكبتاغون
تهديد أمني عابر للحدود. في حين ترى وجهات نظر سورية معارضة بأن قانون الكبتاغون
ما هو إلا ممارسة ضغوطات على الدور العربية التي طبعت علاقاتها مع نظام الأسد
السوري. (2)
الهدف من قانون الكبتاغون
يهدف قانون الكبتاغون إلى عزل سوريا إقليميًا ودوليًا عن
طريق تشديد خناق الحصار ومراقبة الحدود السورية مع الدول المجاورة لصد علاقات
التطبيع مع نظام الأسد، حيث عمد القانون إلى وضع سلطات الحدود والجمارك التابعة
للدول المطبعة مع الأسد تحت الرقابة الأمريكية، وبالتالي عزوف المستثمرين عن سوريا
ومؤسساتها. وقانون الكبتاغون هو بالأساس قانون حصار لا قانون مكافحة مخدرات حيث
يقوض نظام الأسد وليس قانون إيقاف الاتجار بالمخدرات. ولا يزال السؤال مطروحًا
حول: هل سيحد القانون من تجارة وتهريب الكبتاغون؟
حتى الآن لا تبرز معالم واضحة لما نص عليه التشريع
الأمريكي الجديد بشأن تفكيك شبكات تصنيع وتهريب الكبتاغون المرتبطة بنظام الأسد،
والتي حولت سوريا إلى دولة مخدرات، كما لا يمكن الجزم بأن هذا التشريع يتشابه مع
قانوني "قيصر" و"ثروة الأسد" أم سينتهي به المطاف بوضع الرئيس
السوري، بشار الأسد ضمن قائمة المطلوبين. (3)
التقارب السوري_ العربي ووقف إنتاج وتهريب
الكبتاغون
عادت سوريا إلى الجامعة العربية بعد عزلة طال أمدها لمدة
12 عامًا، وسوريا في معزل عن محيطها العربي حيث علقت الجامعة عضويتها عام 2011
وفرضت عقوبات سياسية واقتصادية على دمشق. ولأجل التقارب السوري_ العربي وتوطيد
العلاقات مع دمشق طالبت دول عربية من النظام السوري وقف إنتاج وتهريب الكبتاغون.
ويعتبر قرار عودة سوريا لحضن الجامعة العربية خطوة وتحركًا إيجابيًا لكبح وإيقاف
إنتاج وتهريب الكبتاغون، والتي شكلت تجارته مصدر قلق كبير للزعماء والقادة العرب. وفرض
قرار العودة على دمشق جملة من القرارات السياسية والأمنية والإنسانية مقابل طي
سنوات من المواجهة مع نظام الأسد. ولطالما كان الكبتاغون أبرز الصادرات السورية
وتقدر قيمته بمليارات الدولارات استعاضة عن الاقتصاد السوري المدمر بفعل الحرب، زعمت بعض الأقاويل بتقديم مقترح سعودي لتعويض
سوريا بقيمة 4 مليارات دولار في حين عزوفها وتوقفها عن تجارة الكبتاغون ولكن نفت
مصادر في وزارة الخارجية السعودية هذه الأقاويل، على الرغم من أن التعويض ضروري
للحد من تجارة الكبتاغون وإبعاد الجماعات المسلحة المرتبطة بالنظام السوري عن
صناعة وتهريب المخدرات، كما أن حاجة النظام السوري للمساعدات الخارجية في ظل
الضغوطات والعقوبات الأمريكية هي المحدد الرئيسي لملف الكبتاغون الذي يُثار حوله
تساؤلات بشأن تأجيل التقارب السوري_ العربي. (4)
ختامًا، أضحت سوريا مركزًا عالميًا لصناعة وتهريب الكبتاغون
منها إلى العالم جراء اقتصاد الحرب وسلسلة العقوبات السياسية والاقتصادية والضغوطات
المفروضة عليها من قبل المجتمع الدولي، وانخرطت سوريا بمختلف فصائلها في تجارة
الكبتاغون حتى تورط فيها كبار المسؤولين والتجار وحتى فئة الشباب. فالكبتاغون هو
القاسم المشترك بين أطراف النزاع السوري كما أن تجارته تجارة أجيال في ظل اشتداد
الحصار على سوريا وفرض حزمة جديدة من العقوبات على دمشق، متمثلة في "قانون
الكبتاغون" الذي وقعت عليه الإدارة الأمريكية العام الماضي كاستراتيجية تفكيك
وتعطيل شبكات الاتجار بالكبتاغون في سوريا، كما هدف إلى عزل سوريا محليًا
وإقليميًا ودوليًا وفي المقابل فرض التقارب السوري_ العربي مشهدًا جديدًا في تطبيع
العلاقات العربية مع النظام السوري ووضع ملف الاتجار بالكبتاغون كورقة مساومة مع
نظام الأسد، حيث تمثل تجارة الكبتاغون أداة ضغط سياسية بيد النظام السوري مما جعله ضمن قائمة المباحثات لضم سوريا
للحاضنة العربية مرة أخرى بعد عزلة دامت لأكثر من عقد.
المصادر
1.
تيم الحاج، المخدرات: التجارة الرائجة لنظام الأسد، carnegieendowment، أكتوبر 2022، متاح على: https://carnegieendowment.org/sada/88108
2. المركز السوري للعدالة والمساءلة، شرح قانون الكبتاغون:
الفرص والقيود، يناير 2023، متاح على:
https://ar.syriaaccountability.org/shrh-qnwn-lkbtgwn-lfrs- wlqywd/
3.
consilium, Syria: EU sanctions drug trade benefitting the regime, April 2023, at:
https://www.consilium.europa.eu/en/press/press-releases/2023/04/24/syria-eu-sanctions-drug-trade-benefitting-the-regime/
4. مركز الجزيرة
للدراسات، ماذا وراء عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية؟، مايو 2023، متاح
على:
https://cutt.us/02soQ