أعلنت هولندا والدنمارك أنهما ستقدمان طائرات حربية من طراز F-16 لأوكرانيا، في إعلان طال انتظاره، وهو ما وصفه الرئيس الأوكراني،
فولوديمير زيلينسكي، بأنه دافعًا إيجابيًا مهمًا لقوات بلاده المنخرطة في هجوم
مضاد صعب ضد روسيا. ويمثل الإعلان أول تعهد فعلي بتسليم طائرات إف-16 للقوات
المسلحة الأوكرانية؛ حيث تمتلك هولندا حاليا 24 طائرة من طراز "إف-16"
قيد التشغيل، والتي سيجري التخلص منها تدريجيا بحلول منتصف عام 2024. وعرضت هولندا
18 طائرة أخرى للبيع.
كشف قائد القوات الجوية للقوات المسلحة الأوكرانية، ميكولا
أوليشوك، أن المقاتلة الأمريكية من طراز "إف 16" قد ظهرت سابقًا في
أوكرانيا وهبطت عدة مرات في مطارات أوكرانيا، والآن تقوم السلطات بإعداد المدارج
لها بالإضافة إلى توفر البنية التحتية والخدمات اللوجيستية والتراخيص اللازمة.
وجاءت هذه الخطوة بعدما وافقت الولايات المتحدة على نقل طائرات
مقاتلة من طراز إف-16 أمريكية الصنع إلى أوكرانيا من الدنمارك وهولندا، عندما يتم
تدريب الطيارين الأوكرانيين بشكل كامل على تشغيلها. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "بهذه الطريقة، يمكن
لأوكرانيا أن تستفيد استفادة كاملة من قدراتها الجديدة". وأشادت أوكرانيا بالقرار
الذي كانت تسعى جاهدة من أجله منذ العام الماضي. لكن من المتوقع أن تمر شهور قبل أن تتمكن كييف من استخدام طائرات إف
-16 لمحاولة مواجهة التفوق الجوي الروسي.
وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد استبعدوا في وقت سابق تقديم
طائرات إف-16 إلى أوكرانيا، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التصعيد مع روسيا
المسلحة نوويًا. ولم تعلق روسيا، التي شنت
غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022، حتى الآن على هذه القضية.
اتجاهات التغيير
من المقرر أن يبدأ تحالف يضم 11 عضوًا من حلفاء أوكرانيا في
الغرب تدريب الطيارين الأوكرانيين في وقت لاحق من هذا الشهر، ومن المتوقع أن
يكونوا جاهزين العام المقبل. وفي وقت سابق، أقر المتحدث
باسم القوات الجوية الأوكرانية، يوري إحنات، بأن كييف لن تكون قادرة على تشغيل
طائرات إف-16 في الخريف والشتاء القادمين؛ حيث تعتبر طائرات إف-16 فايتينغ فالكون،
واحدة من أكثر الطائرات المقاتلة فعالية في العالم؛ حيث يمكن تسليحها بصواريخ
وقنابل دقيقة التوجيه وقادرة على الطيران بسرعة 1500 ميل في الساعة (2400 كيلومتر في
الساعة)، وفقًا لسلاح الجو الأمريكي. وستسمح قدرات الاستهداف لطائرة إف-16 لأوكرانيا بمهاجمة القوات الروسية
في جميع الظروف الجوية وفي الليل بدقة أكبر.
ويُعتقد أن أوكرانيا لديها عشرات الطائرات المقاتلة، معظمها
طائرات ميج، تعود جميعها إلى الحقبة السوفيتية، وتتفوق روسيا حاليًا على أوكرانيا
في السلاح الجوي. وتحتاج كييف إلى طائرات
حربية حديثة للمساعدة في حماية أجوائها من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة
الروسية، ولدعم هجومها المضاد في جنوب وشرق أوكرانيا الذي لم يسفر حتى الآن إلا عن
نتائج محدودة.
وقد جاءت هذه الخطوة في وقت تشهد فيه الجبهات الروسية
الأوكرانية حالة من التصعيد والاقتتال الدامي، حيث تحاول موسكو السيطرة على المزيد
من الأراضي الأوكرانية، فيما تقاوم كييف بدعم عسكري من الغرب من خلال الاعتماد على
الطائرات المسيرة.
ففي آخر التطورات، قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الاثنين،
إنها شوشت على طائرة مسيرة أوكرانية فوق منطقة موسكو، وتم اعتراضها باستخدام وسائل
الحرب الإلكترونية، مما أدى لسقوطها. وأضافت الوزارة أن الحادث لم يسفر عن سقوط أي
ضحايا. وبعدها بقليل، أعلنت الوزارة أن أنظمة الدفاع الجوي دمرت مسيرة أوكرانية
أخرى فوق منطقة إيسترا في ضواحي موسكو. وأعلن حاكم مقاطعة موسكو عن إصابة شخصين
جراء سقوط المسيرة الثانية على منزل ريفي في بلدة إيسترا.
وفيما يتعلق بسير المعارك، تشهد جبهات شمال شرق أوكرانيا تصعيدًا
كبيرًا، خصوصًا في مقاطعة خاركيف، إذ وصفت آنا ماليار، نائبة وزير الدفاع
الأوكراني، الأوضاع في مدينة كوبيانسك بالصعبة. وقالت ماليار إن القوات الروسية تهاجم كوبيانسك في محاولة للسيطرة على
المدينة التي تعتبر نقطة مواصلات رئيسية ومركزا للهجوم الروسي في الشرق، في حين
قال مسؤول محلي إن عمليات إجلاء السكان من كوبيانسك ومحيطها مستمرة.
وفي الجانب الآخر، قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها تواصل
استهداف مواقع الجيش الأوكراني في اتجاه كوبيانسك، مشيرة إلى أن الهجمات استهدفت
تمركز القوات والعتاد ومستودعات الذخيرة ومراكز القيادة. كما قال المتحدث باسم قوات المركز في الجيش الروسي ألكسندر سافتشوك إن
قوات المركز صدت هجمات للقوات الأوكرانية في اتجاه ليمان بمقاطعة دونيتسك (شرق)،
وأكد أن الطائرات الروسية استهدفت عددًا من مراكز القيادة ونقاط تجمع أوكرانية في
المنطقة. وفي دونيتسك أيضًا، تحاول القوات الأوكرانية
إحراز مزيد من التقدم جنوب وشمال مدينة باخموت التي سيطرت عليها قوات مجموعة فاغنر
الروسية العسكرية الخاصة في مايو/أيار الماضي.
خطوات غير مكتملة
في المقابل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في يوليو
الماضي إن تسليم مقاتلات إف-16 لأوكرانيا ستعدّه موسكو تهديدًا نوويًا، على الجانب
الآخر، أفاد ضابط المخابرات الأمريكية السابق، سكوت ريتر، بأن الرئيس الأوكراني
فلاديمير زيلينسكي، لا يفهم أن توريد الطائرات المقاتلة "إف - 16" لن
يكون قادرًا على تغيير موقف القوات المسلحة الأوكرانية، التي تعاني من خسائر فادحة
على الجبهة. وكتب ريتر على حسابه في
منصة "إكس" معلّقًا على قرار هولندا بنقل طائرة "إف - 16" إلى
أوكرانيا سيتم إسقاطهم جميعًا في غضون شهر وأن هذه الإمدادات تخلق فقط وهم الأمن
لكييف. باعتبار إنه يمكن لمقاتلات التفوق الجوي الروسية الكبيرة مثل MiG-31 و Su-35 أن
تكتشف الطائرات المعادية أبعد بكثير من F-16 من
خلال راداراتها القوية والحديثة.
ورغم أن تسليم كييف مقاتلات إف-16 من شأنه أن يساعدها على المدى
الطويل، فإنّ جيشها لن يكون قادرا -حسب مراقبين- على الاستفادة من هذا السلاح
النوعي بسرعة. لكن المقاتلة قد لا تكون العصا السحرية التي تنتظرها كييف لحل
المشاكل على الجبهة، رغم أنها ستكون إضافة بالغة الأهمية للترسانة الأوكرانية.
وضمن السياق ذاته، تحتاج أوكرانيا لعدة أشهر على أقل تقدير
لتدريب طيارين وكوادر صيانة على العمل مع طائرات F-16، كما إن إدخال الطائرات في خطط العمليات قد يحتاج إلى وقت أيضًا. وقال زيلينيسكي إن
الطائرات لن تساعد على الفور الآن في المجهود الحربي. كما أعلن مسئولون في وقت
سابق إن الطيارين الأوكرانيين سيحتاجون من ستة إلى ثمانية أشهر من التدريب. وتقول واشنطن إن طائرات F-16 مثل دبابات أبرامز الأميركية المتقدمة - ستكون حاسمة على المدى
الطويل حيث تواجه كييف روسيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحصول على قطع غيار كافية، وتخصيص
التمويل للعمليات والدعم، وتنفيذ نظام جرد الصيانة، وتدريب المشرفين، والحصول على
إمدادات مستمرة من الأسلحة المتوافقة مع الطائرات هي من الأمور المهمة الأخرى التي
يجب توفيرها لضمان تشغيل ناجح للطائرات. كما أنه يجب معالجة هذه القضايا إذا أرادت
أوكرانيا أن تكون قادرة على استخدام الطائرات باستمرار؛ حيث أنه بدون خطط لدعم هذه
الطائرات، فإنها ستنهار بسرعة وتصبح أهدافًا جالسة على الأرض لصواريخ جو-أرض الروسية.
في الختام: يمثل حصول أوكرانيا على طائرات إف 16 بداية لتعزيز قدرات
أوكرانيا لقواتها الهجومية خاصة وأنها تتزامن مع تنفيذ الهجوم المضاد لاستعادة
الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وعلى الرغم من هذا التطور في قدرات أوكرانيا
العسكرية، إلا أن هذا الأمر لن ينعكس على ميدان العمليات في المنظور القريب خاصة
وأن عملية التجهيز والتدريب وتوفير اللوجيستيات الخاصة بها وتدريب الطيارين الأوكرانيين
يتطلب وقتًا كبيرًا لدخولها الخدمة، ومن
ثم لن يكون تأثيرها واضحًا، وهو ما يعني استمرار الوضع الميداني بين الاستهداف
والاستهداف المضاد، في حين أن موسكو أعلنت عن تصعيدها في حال دخول هذه الطائرات
لساحة المعركة اتجاهها نحو استخدام الأسلحة النووية التكتيكية وهو ما يؤشر على
إمكانية دخول الصراع إلى مراحل متقدمة تمتد تداعياتها على المنطقة والعالم.