نفوذ متواصل...كيف سيكون مستقبل فاجنر في أفريقيا بعد وفاة يفغيني بريغوجين؟
آثارت
وفاة مؤسس مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين في أواخر أغسطس الجاري الكثير من
الشكوك حول دور هذه الجماعة في أفريقيا ومستقبل قيادتها والسيطرة عليها، هل سيكون
الأمر في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أم لا؟، وهل ستؤثر وفاته على دور هذه
الشركة في أفريقيا؟ والشاهد على ذلك، إنه رغم قرارات نفيه وبعض عناصر الشركة إلى
بيلاروسيا، فإنه لم يُلاحظ أي تأثير على أداء الشركة في الدول الموجودة بها في إفريقيا.
وفي هذا
السياق، ساهمت جماعة فاجنر في زيادة نفوذ روسيا لدى عدد من الدول الأفريقية،
ولاسيما من خلال توسيع نفوذها الأمني والعسكري عبر القارة؛ حيث أصبحت مجموعة فاغنر
وهي قوة عسكرية خاصة قوامها الآلاف من الأفراد، في السنوات الأخيرة واحدة من أكثر
أدوات السياسة الخارجية الروسية أهمية ونفوذاً، وهو الأمر الذى ساهم في توسيع
نفوذها بأفريقيا، من خلال تزويد عملائها بالدعم العسكري المباشر والخدمات الأمنية
ذات الصلة.
أولاً: ما هي جماعة فاغنر؟
هى جماعة
أسسها رجل الأعمال الروسي الراحل يفغيني بريغوزين، وهى عبارة عن شركة عسكرية خاصة
بارزة مرتبطة بالكرملين؛ ظهرت لأول مرة في عام 2014 أثناء ضم روسيا لشبه جزيرة
القرم وعملت منذ ذلك الحين في سوريا وما لا يقل عن ست دول أفريقية. وهي عبارة عن شبكة
معقدة من الشركات ومجموعات المرتزقة التي ارتبطت عملياتها ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع
العسكري والاستخباراتي الروسي. يقدر أن لديها حوالي خمسة آلاف عضو متمركزين في
جميع أنحاء إفريقيا، وهم مزيج من الجنود الروس السابقين والأجانب.
ورغم أن
الشركات العسكرية الخاصة غير قانونية بموجب القانون الروسي، إلا أن الكرملين
يستخدم شركة فاغنر لإعادة توجيه مصالح سياسته الخارجية في إفريقيا، بما يمكنها من حشد الدعم الدبلوماسي الذي تأمل في استخدامه في بعض
المنتديات الدبلوماسية الدولية مثل الأمم المتحدة. وعلاوة على ذلك، يحقق الانتشار
الخارجي لفاجنر في أفريقيا الكثير من الأرباح المالية الخاصة.
وفي يناير 2023، صنفت الولايات المتحدة الأمريكية فاغنر كمنظمة إجرامية عابرة
للحدود.
ثانياً: أين تعمل فاجنر في
أفريقيا؟
قامت مجموعة
فاغنر بالعديد من المهام في عدد من البلدان الأفريقية؛ حيث تركز العديد من
عملياتها على القضايا الأمنية، فغالباً ما قدمت خدمات أمنية ومساعدات شبه عسكرية
وشنت حملات تضليل للأنظمة المضطربة مقابل أرباح مالية وبعض الدعم الدبلوماسي. وتنتشر
فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا ومالي والسودان، وكلها بلدان لا تمتع
بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الموروثات الاستعمارية
والاختلافات السياسية المتأصلة.
وتختلف
خدمات فاغنر بناءًا على احتياجات عملائها، والتي تشمل الجماعات والأنظمة المتمردة؛
حيث دعمت قوات فاغنر الحكومات الأفريقية في العديد العمليات القتالية ضد الجماعات
المتمردة، والعكس صحيح. فدخل ما يقرب من
ألف جندي من فاجنر جمهورية إفريقيا الوسطى في عام 2018 للدفاع عن حكومة الرئيس
فوستين أرشانج تواديرا ضد هجمات المتمردين على العاصمة بانغي.
وفي المقابل، حصلت فاجنر على حقوق غير مقيدة في
قطع الأشجار والسيطرة على منجم ذهب نداسيما المربح. وبالمثل، انتشرت قوات مجموعة
فاغنر في موزمبيق في عام 2019 للمساعدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في
العراق والشام "داعش" في مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية، ولكن فشلت فاجنر
في احتواء التمرد وانسحبت من المنطقة بعد بضعة أشهر.
وكذلك، تعمل
فاغنر كداعم أمنى للأنظمة الضعيفة؛ حيث عملت المجموعة كجزء من حماية شخصية لرئيس
جمهورية إفريقيا الوسطى لتواديرا وساعدت في تدريب جيش جمهورية إفريقيا الوسطى
للاستعداد لمحاولات انقلاب محتملة. وتعمل فاغنر في السودان منذ عام 201؛ حيث تقوم
بتدريب القوات السودانية، وحراسة الموارد المعدنية، وقمع المعارضة ضد حكومة الرئيس
عمر البشير، وكل ذلك في مقابل صادرات الذهب إلى روسيا. في كثير من الحالات، يتم
استكمال دعم فاغنر بمساعدة عسكرية روسية رسمية، كما هو الحال في مالي؛ حيث تلقت
القوات المسلحة طائرات قتالية ومراقبة من موسكو.
ثالثاً- أهمية أنشطة فاجنر بالنسبة لروسيا
يحد وضع
فاغنر بصفتها شركة عسكرية خاصة من التكاليف المالية للتدخل الروسي ويمنح الكرملين قدرات
كبيرة فيما يتعلق بإنكار أعمالها في الخارج، مما يسمح له بإخفاء الخسائر البشرية
عن الجمهور الروسي مع استخدام البنية التحتية العسكرية الروسية في الوقت نفسه. وفي
المقابل، برز بريغوزين كشخصية بارزة في الحرب في أوكرانيا وبين الجمهور الروسي.
ففي بعض
الحالات، أدى تورط فاغنر في إفريقيا إلى انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان وتفاقم
انعدام الأمن الإقليمي. ففي ليبيا؛ حيث اتُهمت قوات فاغنر التي قاتلت إلى جانب
الجيش الوطني الليبي خلال حملة طرابلس 2019 بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القانون
وزرع ألغام أرضية في مناطق مدنية. وفي الآونة الأخيرة، ورد أن الجماعة كانت تزود
ميليشيا قوات الدعم السريع السودانية بالصواريخ خلال حربها ضد الجيش السوداني. وتعمل
قوات فاغنر أيضًا في نفس المناطق التي تعمل فيها بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة
في جمهورية إفريقيا الوسطى، مما يهدد قدرة الأمم المتحدة على حماية المدنيين.
وفي غضون ذلك، واصلت فاجنر توسيع موطئ قدمها في منطقة الساحل؛ حيث كشفت معلومات استخباراتية أمريكية مسربة مؤخراً أن فاغنر يعمل مع المتمردين التشاديين للإطاحة بالرئيس الانتقالي للبلاد، ويتوقع بعض المحللين أن بوركينا فاسو قد توظف فاغنر قريباً للمساعدة في مواجهة التمرد الجهادي المتزايد بعد أن سحبت فرنسا قواتها من البلاد في وقت سابق من هذا العام.
رابعاً- مستقبل فاجنر في
أفريقيا بعد رحيل بريغوجين
بالنظر
إلى المعطيات السابقة ومدى الأهمية التى تتمتع بها الشركة بالنسبة لتوسيع النفوذ
الروسي في عدد من الدول الأفريقية، وارتباط ذلك برغبة روسيا في إنهاء الهيمنة
الغربية ولاسيما الأمريكية والفرنسية داخل أفريقيا، فضلاً عن إيجاد نوع من
التعددية القطبية، ف‘نه من غير المتوقع أن يؤثر رحيل بريغوجين على وجود الشركة أو
نفوذ روسيا في أفريقيا، بل وربما تتجه الأوضاع نحو مزيد من السيطرة الروسية على
الشركة وقيادتها، وخاصة في ظل الشكوك المثارة حول دور الكرملين في مقتل بريغوجين.
ويدعم
ذلك تصاعد الخلافات بين قادة الدول الأفريقية وبعض الدول الغربية مثل فرنسا، والتى
وقع انقلاب في النيجر خلال الفترة القليلة الماضية من أجل الإطاحة بمؤيديها، فضلاً
عن طرد القوات الفرنسية من بعض الدول الأفريقية الأخرى مثل مالي وبوركينا فاسو.
ولذلك، ربما أدرك الكرملين أن دول القارة مقبلة على مرحلة جديدة تتطلب إزالة كافة
العقبات التى يمكن أن تحول دون تعزيز النفوذ الروسي في دول القارة، وقد يكون أحد
أهم هذه العقبات هو بريغوجين الذى قام بانقلاب على موسكو خلال حربها في أوكرانيا
في يونيو 2023.
وفي
التقدير: يمكن القول أن وفاة بريغوجين لن تؤثر على النفوذ الروسي
في أفريقيا، بل من المتوقع أن تكون بداية لمرحلة جديدة ستشهد تعزيز لهذا النفوذ. وفي
السياق ذاته، بات من الصعب على الغرب في الوقت الحالي صياغة استراتيجيات كبرى
جديدة في الأوقات التي تكافح فيها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للحفاظ على
جهودهما المشتركة في أكثر ساحات المنافسة الاستراتيجية إلحاحاً وهي أوراسيا ومنطقة
المحيطين الهندي والهادئ؛ حيث أعلن أصحاب المصلحة الغربيون الرئيسيون التقليديون
في إفريقيا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، مؤخرًا عن "إعادة
صياغة" لمقارباتهم تجاه أفريقيا، بما يتضمن استبعاد الجانب الأمني لصالح الارتباطات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يتيح المجال لروسيا للتقدم أمنياً بشكل كبير في
القارة الأفريقية، ولاسيما بعد رحيل بريغوجين.