اتجاهات التسوية: ماذا ينتظر السودان بعد إعلان مبادرة حميدتي؟
طرح قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، الملقب بحميدتي،
مبادرة للحل في السودان من 10 مبادئ. واشترط حميدتي في المقترح
حكمًا ديمقراطيًا مدنيًا كأساس لحل الأزمة في البلاد يقوم على الانتخابات العادلة
والحرة في كل مستويات الحكم، مشيرا إلى أن النظام الفيدرالي هو الأنسب لحكم
السودان. كما شدد في بيان رسمي، على
وجوب الإقرار بضرورة تأسيس وبناء جيش سوداني جديد وذلك بغرض بناء مؤسسة عسكرية
قومية مهنية واحدة تنأى عن السياسة، وتعكس تنوع السودان. وأنه يجب إشراك أوسع
قاعدة سياسية واجتماعية ممكنة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من كافة
مناطق السودان في السلطة، مشيرا إلى وجوب مشاركة جميع حركات الكفاح المسلح في أي
حل سياسي. وشدد حميدتي على ضرورة
البدء في المرحلة الانتقالية والتحول الديمقراطي وإجراء انتخابات.
وقال إن البحث عن اتفاق لوقف إطلاق نار طويل الأمد يجب أن يكون
مقرونًا بمبادئ الحل السياسي الشامل الذي يعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان. كما أشار إلى وجوب إقامة
مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية على الأسس العالمية المعتمدة وتصفية الوجود الحزبي
أو السياسي داخلها.
يذكر أن السودان انزلق إلى حرب طاحنة تفجرت بين الجيش وقوات
الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023، كما تبادل الطرفان العديد من الاتهامات حول
ارتكاب انتهاكات أعمال نهب وسرقات، فضلًا عن تحقيق انتصارات. ولم تفلح حتى الآن العديد الوساطات الدولية الإقليمية والداخلية حتى في
التهدئة ووقف إطلاق النار بغية التوصل إلى حل نهائي، على الرغم من التحذيرات
الأممية من أن هذا الصراع يثير وضعًا إنسانيًا طارئًا له أبعاد هائلة، يهدد البلاد
برمتها.
مبادئ المبادرة
تضمنت المبادرة مجموعة من الأهداف والإجراءات يمكن إبراز أهمها
على النحو التالي:
1. ضرورة البحث عن اتفاق لوقف إطلاق نار طويل الأمد مقرونًا
بمبادئ الحل السياسي الشامل، الذي يعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان.
2. حرب الخامس عشر من أبريل يجب أن تكون الحرب التي تنهي كل
الحروب في السودان.
3. نظام الحكم يجب أن يكون ديمقراطيًا مدنيًا، يقوم على
الانتخابات العادلة والحرة في كل مستويات الحكم، ويمكن جميع السودانيين من
المشاركة الفاعلة والحقيقية في تقرير مصيرهم السياسي، ومحاكمة الذين يديرون شؤونهم
البلاد على كافة المستويات.
4. من الضروري أن تعكس الحكومة المدنية في تشكيلها بحق وعدالة
كل أقاليم السودان، وذلك عبر آليات أو أسس يتم الاتفاق عليها بين جميع الأقاليم.
5. بسبب التعدد والتنوع الباهر في السودان، فإن النظام الفيدرالي
غير التماثلي أو غير المتجانس، الذي تتفاوت فيه طبيعة ونوع السلطات التي تتمتع بها
الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي، هو الأنسب لحكم السودان.
6. الاعتراف بأن المدخل الصحيح لتحقيق السلام المستدام في
السودان هو إنهاء وإيقاف العنف.
7. السلام لا يعني إسكات أصوات البنادق أو إيقاف الاعتداءات
المستمرة من مؤسسات الدولة القهرية وغير القهرية على المواطنين وأراضيهم أو
ممتلكاتهم، وإنما كذلك إنهاء التفاوتات البائنة للجميع في المشاركة السياسية
وتوزيع الثروة والفرص المتاحة للمجتمعات والمجموعات والأفراد.
8. العمل على إشراك أكبر وأوسع قاعدة سياسية واجتماعية ممكنة من
الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة والمرأة من كافة مناطق
السودان.
9. الإقرار بضرورة تأسيس وبناء جيش سوداني جديد من الجيوش
المتعددة الحالية، وذلك بغرض بناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة تنأى عن السياسة.
10. الإقرار بضرورة احترام وتطبيق مبدأ محاربة خطاب الكراهية
والاتفاق على حزمة إصلاحات قانونية.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن هذه المبادرة
جاءت بعدما حذرت الأمم المتحدة من كارثة إنسانية لها أبعاد هائلة، مع تزايد الجوع
وانهيار الرعاية الصحية وتدمير البنية التحتية. كما تواجه قوات الدعم السريع
وجماعات متحالفة معها تهما بارتكاب التطهير العرقي في ولاية غرب دارفور.
سياقات متغيرة
ميدانيًا، استمرت الاشتباكات والغارات
الجوية في العاصمة وضواحيها؛ حيث جاءت المبادرة ولا تزال المعارك دائرة في مناطق
متفرقة من السودان وفي ظل أوضاع إنسانية صعبة، كما فر أكثر من 4 ملايين شخص من
منازلهم، وانهارت الخدمات الأساسية، وأفسح القتال المجال أمام هجمات عنيفة تشنها
قوات الدعم السريع والفصائل المسلحة المتحالفة معها في دارفور.
بالإضافة إلى ذلك، وفي أثناء طرح
المبادرة شن الجيش غارات جوية على مواقع لقوات الدعم السريع، قرب مقر القيادة
العامة للجيش في الخرطوم، كما وقعت انفجارات في أحياء جنوب وشرق الخرطوم. وفي أم درمان، قصفت المدفعية التابعة للجيش عددًا من المواقع التي
تتمركز فيها قوات الدعم السريع، في وسط المدينة وجانبها الشرقي. كما تجددت الاشتباكات في الأحياء المحيطة بسلاح المهندسين جنوبي أم
درمان.
من ناحية أخرى، وصل قائد الجيش
السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر في
شرق البلاد، في خروج نادر له من العاصمة منذ بدء الحرب بين قواته وقوات الدعم
السريع قبل أكثر من أربعة أشهر. في أول جولة له خارج الخرطوم منذ اندلاع الصراع
مع الدعم السريع؛ حيث غادر البرهان مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، الذي تقول
قوات الدعم السريع إنها تحاصره، وشوهد في مقاطع فيديو وصور في مدينة أم درمان على
الجهة المقابلة من نهر النيل. وتداول الجيش السوداني مقاطع فيديو للبرهان
وهو يزور قاعدة لسلاح المدفعية في عطبرة بولاية نهر النيل شمالي الخرطوم، وظهر
الجنود وهم يحملون البرهان. وبعد هذه الجولة، ذكر مصدران حكوميان أن البرهان
يعتزم أيضًا مغادرة السودان لإجراء محادثات في دول الجوار تشمل مصر والسعودية بعد
زيارة قواعد للجيش وبورتسودان، مقر الحكومة المؤقت. لبحث تسريع وقف الحرب وحلّ
الأزمة المتواصلة في البلاد.
وقد أثار هذا الظهور جدلًا واسعًا بشأن
توقيته وهدفه، خاصة وأن قوات الدعم السريع ظلت تردد منذ بدء الحرب أن
"البرهان محاصر في بدروم (قبو) داخل مقر قيادة الجيش. وبعد ساعات من ظهوره في
أم درمان، توجه البرهان إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل (شمال) التي تبعد عن
الخرطوم 310 كيلو مترات، وتفقد مقر سلاح المدفعية، وزار مصابي القتال من الجيش في
مستشفى الجيش والشرطة. وبعدها، توجه إلى مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر
النيل؛ حيث تفقد نازحي الحرب الفارين من الخرطوم. وتباينت الآراء حول الظهور المفاجئ للبرهان، الذي يخوض معارك شرسة ضد
نائبه المعزول محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقواته في الخرطوم ومدن أخرى عديدة. واعتبر مراقبون أن خطوات البرهان محسوبة بغرض إجراء تحركات سياسية تدعم
موقفه التفاوضي، بينما رأى آخرون أن خروجه يدل على قرب انتهاء القتال، وثقته بقدرة
الجيش على حسم المعركة قريبًا. إلا أن أهميتها جاءت قبل أول جولة خارجية
محتملة لقائد الجيش عبدالفتاح البرهان منذ اندلاع المعارك. ووسط سيناريوهات قاتمة
ومخاوف من دخول السودان إلى حرب أهلية في ظل انضمام حركات جديدة للقتال الدائر،
وكذلك توسع دائرة المعارك؛ حيث يستلزم إنهاء الأزمة الحالية تفاهم طرفي الصراع على
ضرورة التصدي بشكل حازم لعناصر النظام السابق التي تبث سمومها بين الجانبين لإشعال
المعارك، فلا يوجد أكثر من الفوضى مناخًا أكثر ملاءمة لفلول إخوان السودان
لاستثمار الأزمة الراهنة بصب الزيت على النار والدفع نحو الهاوية. ويذكر أن البرهان
كان قد سحب وفده من مفاوضات جدة في أكثر من مناسبة، متمسّكًا باشتراطات وصفت
بالتعجيزية على غرار مطالبته بفكّ الحصار الذي تشنه قوات الدعم السريع على بعض
مقاره الإستراتيجية بالعاصمة، كما قاطع مباحثات احتضنتها أديس أبابا في سياق
مبادرة أفريقية لإنهاء النزاع.
في الختام: يمكن القول إن الحرب في
السودان لن تنتهي إلا بالتفاوض، وظهور قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان
خارج العاصمة الخرطوم، وزيارة قاعدة فلامنجو دليل على أن المعركة ستستمر. وأن بيان
قوات الدعم السريع الذي أصدره الفريق أول محمد حمدان دقلو للاستهلاك المحلي،
ولدغدغة مشاعر السودانيين الذين يحلمون بالحكم المدني، وذلك ردًا على ظهور قائد
الجيش السوداني خارج العاصمة الخرطوم. كما أن هذه المبادرة لن تجد استجابة في ظل
الانتهاكات المستمرة لقوات الدعم السريع في السودان. ويمكن القول إن هدف المبادرة
التي طرحها قائد قوات الدعم السريع، هو تقسيم السلطة في البلاد وضمان وجود شرعي
لقواته وتأمين مصالحه الخاصة.