في الذكرى الأولى لمقتل مهسا أميني...صراع النخبة في إيران إلى أين؟
تكشف
عودة "شرطة الأخلاق" إلى الشارع الإيراني مرة أخرى عن ما هو أكثر من مجرد
انتصار للتيار المتشدد في إيران، بل ويبدو أن هذا الأمر ما هو إلا خطوة على طريق
أوسع لتوطين المؤيدين لهذا التيار في كافة المؤسسات الحكومية في سياق عملية تطهير
كبيرة. ولكن قد تؤدى هكذا إجراءات إلى إيجاد نظام سياسي يفتقر للوسائل اللازمة
لإدارة صراعات النخبة، وبالتالي إنتاج جهاز حاكم أكثر مركزية ولكنه في نفس الوقت
أكثر عرضة للخطر، لأنه يؤدى إلى إثارة المزيد من الصراعات بين النخب في إيران.
وإدراكاً
من النظام الإيراني لحجم التداعيات السلبية التى يمكن أن تخلفها عملية التطهير
هذه، شرع في بذل المزيد من الجهود للحد من التوترات مع دول الجوار، لأن آخر ما
يحتاجه المرشد الأعلى وحلفاؤه هو مفاجأة قد تعقد سعيهم لتمهيد الطريق إلى السلطة في
إيران. ومن هنا، يدافع قادة الحرس الثوري عن استراتيجية "المقاومة"
العالمية الطموحة، والتي قد تكون محفوفة بالمخاطر؛ حيث يعتمد نجاحها على افتراض
مفاده أن توسيع العلاقات الدبلوماسية من شأنه أن يوفر مظلة أمنة لدعم مبيعات إيران
من النفط، وتعزيز قدرتها على ردع أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي على منشآتها النووية.
أولاً- ملامح تعزيز السيطرة
بدأ خامنئي
في تمهيد الطريق لاستيلاء المتشددين في إيران على السلطة في فبراير 2019، عندما
أعلن عن "المرحلة الثانية من الثورة"، وحذر من المسؤولين الذين
"ابتعدوا عن... القيم الدينية"، ودعا الشباب إلى مقاومة الأفكار الغربية غير الأخلاقية على حد
وصفه، وطالب بتطبيق ذلك على جميع مجالات الدولة والمجتمع، وبالتالي ضمان أن ثمار
الثورة الإيرانية لعام 1979 لن تتعرض للخطر. وتوضح إقالة شمخاني في 22 مايو2023
واستبداله بأحمديان أن مثل هذه التعيينات لطالما كانت لصالح المرشد الأعلى وحلفائه؛ حيث كان شمخاني
وهو أعلى مسؤول أمني من أصل عربي يتمتع بخبرة كبيرة باعتباره رجلاً براغماتياً
صارماً يستطيع التعامل مع الإصلاحيين والمحافظين المخضرمين والمتشددين، لكن دعم
المتشددين كان هو الأهم بالنسبة لخامنئي.
وتأسيساً
على ما سبق، شرع التيار المتشدد في إيران على مدى العامين الماضيين، بتوسيع نطاق
وصوله إلى أكبر عدد ممكن من مؤسسات الدولة المرتبطة بالأمن مثل المجلس الأعلى
للثورة الثقافية، والمجلس الأعلى للفضاء السيبراني، ومجلس الأمن القومي، الذي
يرأسه أحمديان الآن. ويبدو أن مهمة هؤلاء القادة هي تمهيد الطريق للانتخابات البرلمانية
لعام 2024، ولمجلس الخبراء وهو الهيئة التي ستقرر من سيكون المرشد الأعلى المقبل
عندما يتوفى خامنئي الذي يبلغ من العمر الآن 84 عاماً.
وبالنظر إلى
الخلفية الأوسع لهذه الديناميكيات السياسية، فإن تعيين أحمديان رئيساً للمجلس
الأعلى للأمن القومي يبدو منطقياً تماماً، وعلى الرغم من أن لديه خبرة سياسية
قليلة، إلا أنه كان ضابطًا وعسكرياً منذ فترة طويلة في الحرس الثوري الإيراني، والذى
سعى منذ توليه إدارة المجلس الأعلى للأمن القومي إلى توسيع دور الحرس الثوري في
العديد من مؤسسات الدولة مع تعزيز العلاقات الوثيقة مع زملائه ذوي التفكير المماثل
في المجتمع الأمني.
ثانياً- تهئية الأوضاع الخارجية
يمكن
القول إنه مع تشكك التيار المتشدد في خطة العمل الشاملة المشتركة منذ البداية، فيبدو
أنهم غير حريصين على التوصل إلى اتفاق مع واشنطن والدول الغربية في هذا الأمر،
وإنطلاقاً من ذلك فقد دعموا زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، بالتوازى مع تعزيز وضع برنامج
الصواريخ الباليستية، والتى تضمن آخرها صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت ويبلغ مداه
1400 كيلومتر ويطير بسرعة خمسة أضعاف سرعة الصوت. وطالبوا بمواجهة الوجود الأمريكي
في المنطقة؛ حيث يعتقد هؤلاء القادة أن المواجهة مع واشنطن تشكل جزءاً لا يتجزأ من
الصراع العالمي ضد الهيمنة الأمريكية والذي ينبغي لإيران أن تساعد في قيادته.
وتأكيداً لهذا الموقف، عقدت جامعة الدفاع الوطني العليا في إيران يومي 15 و16 مايو2023
مؤتمراً دولياً بعنوان "هندسة العالم
الجديد".
وافتتح
المؤتمر رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية سيد كمال خرازي، الذي قال
للجمهور إن إيران تمكنت من تطوير قوتها شبه الصلبة والناعمة، وحققت إنجازات
اقتصادية وسياسية وثقافية وعلمية وتكنولوجية، مؤمنة بأن مزيجاً ذكياً من القوى
قادر على ترسيخ مكانة البلاد في النظام الإقليمي والعالمي الجديد. ورغم أن تقييم
العواقب الملموسة التي قد تخلفها هذه المزاعم الجريئة على سياسات إيران الإقليمية
ليس بالأمر السهل، فإن الأجندة الطموحة التي يطرحها خرازي قد تصبح مقيدة على نحو
متزايد بفعل الارتباطات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية العالمية.
ثالثاً- تأزم وضع المجتمع
الإيراني
في الوقت
الذى قام فيه المتشددون بقمع حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، كشفوا عن الانقسامات
الحادة داخل النخبة الحاكمة والمؤسسة الأمنية حول ما إذا كان يجب سحق المتظاهرين
أو استيعابهم بطريقة أو بأخرى. ومن المرجح أن يحدث إحياء لهذه الحركة بالتزامن من
اقتراب الذكرى الأولى لمقتل الفتاة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2023 على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتدهورة للغاية
في إيران، وارتفاع معدلات التضخم، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية وعدم قدرة
المواطنين على شرائها.
وهنا
يمكن القول إنه حتى لو قام حلفاء خامنئي بتطهير معظم منافسيهم، فإن الرغبة في
الاستحواز على القوة الكاملة من الممكن أن تفسح المجال أمام الاقتتال الداخلي،
وبالتالي خلق فرص سياسية صغيرة ولكنها ذات مغزى. ومن بين الزعماء الذين ينتظرون
مثل هذه اللحظة قد يكون شمخاني نفسه، الذي ترشح للرئاسة في عام 2001، والذي يتوقع
بعض المراقبين أنه قد يترشح مرة أخرى في عام 2024.
وختاماً: يمكن القول أن الوضع في إيران سيزداد تعقيداً خلال
المرحلة القادمة، ولاسيما في ظل حملة التطهير الواسعة التى يتبعها الرئيس الإيراني
إبراهيم رئيسي التى من المؤكد أنها تتم بإيعاز من المرشد الأعلى علي خامنئي على
خلفية مجموعة من الأسباب يتضح أهمها في عدم وجود رؤية واضحة من جانب حكومة رئيسي
لكيفية التعامل مع الأزمة الاقتصادية الراهنة في ظل عدم الكفاءة التى يتحلى بها
فريقه الاقتصادي، بالتوازي مع إتجاه التيار المتشدد لإغلاق معظم فرص المتنفس
القليلة المتاحة لدى التيار الإصلاحي والمعتدل، فضلاً عن غياب أفق إتجاه العلاقة
مع الولايات المتحدة الأمريكية ولاسيما فيما يتعلق بملف الاتفاق النووي، وحالة
الاستقطاب الشديدة في الداخل الإيراني حول ملف السياسة الخارجية وضرورة عدم
الانزلاق وراء تطوير العلاقات مع دول الشرق وإهمال الغرب، الأمر الذى يكشف عن أن
الأوضاع في إيران باتت وكأنها على شفا الإنفجار.