أدوات متعددة ...كيف يمكن تعزيز خيارات الردع السعودي في مواجهة إيران؟
رغم جهود
استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، إلا إنه يعد التهديد الإيراني للأمن القومي
السعودي من بين أهم التحديات التي يمكن أن تواجه الرؤية السعودية 2030، والتى تمهد
للنمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد النفط، ولتحقيق هذه الأهداف يجب على ولى العهد
السعودي محمد بن سلمان ليس فقط تعزيز الوضع الدفاعي للمملكة في مواجهة الهجمات
الإيرانية والحوثية، ولكن أيضاً تأسيس مستوى من الردع المناسب ضد طهران.
وفي هذا
السياق، كشفت بعض التقديرات عن أنه لدى الرياض ثلاثة خيارات ردع رئيسية، وهي لا
تتعارض بأي حال من الأحوال مع بعضها البعض: 1) الدبلوماسية، 2) الدعم الخارجي، و3) قدرات عسكرية أكثر
فعالية. وربما يكون الخيار الدبلوماسي، هو أفضل رهان للسعودية في الوقت الراهن للحفاظ
على حالة الاستقرار النسبي، ولكن للحفاظ على السلام على المدى الطويل، ليس هناك
بديل عن قيام المملكة العربية السعودية بتطوير قدرات عسكرية أكثر فعالية، بالتوازى
مع تهيئة الأجواء للحصول على الدعم الخارجي عند الحاجة إليه.
أولاً- الدبلوماسية
يمكن أن تكون
الأداة الدبلوماسية فعالة في إنهاء الخلافات الأمنية بين طهران والرياض، إذا التزم
الطرفان بتنفيذ الاتفاق السعودي الإيراني المبرم بوساطة سعودية في بكين في 10 مارس
الفائت، والذى يكشف عن مخاوف إيرانية من احتمال أن توفر المملكة العربية السعودية
منصة لعمليات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ضد إيران، وبالتالي، فإن الاتفاق يتضمن
بنداً يفيد بعدم السماح للسعوديين
باستخدام أراضيهم في عمليات عسكرية يقوم بها طرف ثالث ضد إيران. ومن ناحية أخرى،
تشعر المملكة العربية السعودية بالتهديد من قبل إيران، بسبب القدرات العسكرية واسعة
النطاق التى تمتلكها طهران والميليشات المسلحة التابعة لها في المنطقة والتى قامت
إحداها وهي جماعة الحوثي اليمنية بشن هجوم على منشأت النفط السعودية "أرامكو" في
سبتمبر 2019، مما أدى لتعطيل الانتاج وارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي.
ولذلك،
نص الاتفاق على إلزام إيران بتجنب التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وإيقاف
شحنات الأسلحة السرية إلى الحوثيين، ورغم إنه من غير المتوقع أن تتنازل إيران عن
تبعية بعض الجماعات المسلحة الموجودة في المنقطة لها، إلا أنها ستحاول الالتزام
ببنود الاتفاق وإدارة خلافاتها مع الرياض من خلال الدبلوماسية على خلفية حاجتها
للاستثمارات السعودية بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها طهران في الوقت
الحالي، والتوترات الاجتماعية والسياسية بسبب قرب موعد الذكرى الأولى لمقتل الفتاة
الكردية من أصل إيراني مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، والقرار الإيراني بعودة
هذه الدوريات واعتراض الشارع الإيراني على ذلك، فضلاً عن الرعاية الصينية للاتفاق
والمصالح الاقتصادية الإيرانية التى قد لا تبدو هينة لإيران مع الصين.
ثانياً- الدعم الخارجي
يمكن
القول أن المملكة العربية السعودية ليست غافلة عن حدود الدبلوماسية مع إيران،
ولهذا السبب لن تضع كل بيضها في سلة واحدة لتحقيق الردع ضد طهران، لذا، يمكن
للسعودية الحصول على ضمانات أمنية رسمية من حليف خارجي لمنع إيران من مهاجمتها مرة
أخرى. والمرشحان اللذان يمكن أن يلعبا هذا الدور هما الولايات المتحدة الأمريكية والصين،
ولاسيما أن هذه الأخيرة كانت راعية للاتفاق السعودي مع إيران، وراغبة في سيادة
حالة من الاستقرار بالمنطقة العربية على المدى الطويل لضمان حصولها على صادرات
التى تحظى بدور كبير في نموها الاقتصادي وتعزيز مكانتها على الصعيد العالمي، فضلاً
عن مواصلة استثماراتها الاقتصادية ولاسيما فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق التى
تلعب فيها المنطقة دوراً ملحوظاً.
وكذلك،
يمكن أن تحصل المملكة العربية السعودية على الأمر ذاته من قبل الولايات المتحدة
الأمريكية، التى على الرغم من تراجع دورها في المنطقة نسبياً، إلا أن الإدارة
الأمريكية بقيادة جو باين لطالما أكدت على حرصها ومواصلة تمسكها بنفوذها في
المنطقة ولاسيما في ظل المزاحمة من قبل روسيا والصين، وما تمثله منطقة الشرق
الأوسط من أهمية كبيرة في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية.
وتزداد فرص حدوث ذلك بالتزامن مع تصاعد الخلافات
بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها (سواء فيما يتعلق بالدول
الأوروبية أو إسرائيل) حول ملفات عدة مثل الوجود الأمريكي في المنطقة والذى ترغب
إيران في اجتثاثه، والتطور المتواصل الذى يحظى به البرنامج النووي الإيراني
والصاروخي، فضلاً عن تعثر مفاوضات العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بين
إيران ومجموعة (4+1) بشكل مباشر وواشنطن بشكل غير مباشر.
ثالثاً- تعزيز القدرات
العسكرية
شددت بعض
التقديرات على إنه بغض النظر عن مدى
فاعلية المسارات الدبلوماسية السعودية مع
إيران، وإمكانية الحصول على الدعم الخارجي، فإن ذلك لا يغنى عن ضرورة تعزيز الدفاعات
السعودية في الداخل وقدرات الردع العسكري، بالنظر إلى أن ذلك يعد إحدى القواعد
الرئيسية للبقاء في الفوضى التى يتسم بها النظام الدولي، وخاصة في بعض البيئات غير
الأمنة مثل منطقة الشرق الأوسط. ومن هنا، يجب
على المسؤولين السعوديين منح الأولوية لمزيد من الاعتماد على الذات وتطوير قدرات
عسكرية أكثر فعالية، سواء على المستوى المحلي أو بالتعاون مع الشركاء الدوليين
لردع إيران.
وبالفعل
تشير رؤية 2030 السعودية إلى ضرورة تحقيق هذا الأمر، ولاسيما أنه بموجب هذه الرؤية
يحاول السعوديون تحقيق المهمة الأكثر صعوبة التي تواجه أي قوة عسكرية طموحة، والتى
تتضح في تحويل ميزانيتهم الدفاعية إلى قوة قتالية حقيقية، وإعادة هندسة المؤسسات
الدفاعية، وهو ما يسير جنباً إلى جنب مع إحداث تغييرات كبيرة في الثقافة والمجتمع
السعودي. وكما توضح رؤية 2030 فإن كل شيء مترابط؛ حيث إن بناء جيش سعودي جديد
يتطلب بناء مجتمع سعودي جديد واقتصاد سعودي جديد.
وتؤكد
إحدى التقارير على أن العامل الذى يمكن أن يكون حاسماً في تعزيز الدفاعات السعودية
يتضح في ضرورة تطوير صواريخ باليستية، وهو ما تحاول الرياض العمل عليه بالفعل؛ حيث
قامت المملكة في عام 2019 بالتعاون مع الصين لتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية
من خلال شراء عدداً متواضعاً من الصواريخ الباليستية من بكين، متجهة نحو تعزيز
تكنولوجيا الهندسة العسكية وانتاج هذه الصواريخ محلياً.
وختاماً: ينبغى
على المملكة العربية السعودية أن تعتمد على مزيجاً من الأدوات الثلاثة حتى تؤسس
لاستراتيجة ردع جيدة في مواجهة إيران؛ فمن المتوقع أن تكون الدبلوماسية أكثر
فعالية إذا كانت مدعومة بقدرات عسكرية قوية ودعم خارجي كبير، لأن الخبرات العملية
تكشف عن أن المزيج الصحيح من العصا والجزرة من الممكن أن يكون رفيقاً قوياً
لمفاوضات دولة ما مع دولة أخرى.