اختتمت قمة مجموعة العشرين لأكبر
الاقتصادات في العالم (جي20) التي عقدت في العاصمة الهندية دلهي أعمالها؛ حيث سلّم
رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الرئاسة للبرازيل التي ستستضيف القمة
المقبلة. وقد شهدت قمة مجموعة العشرين في نيودلهي التقليل من أهمية الانقسامات
العميقة بشأن الحرب في أوكرانيا والتغير المناخي، وعززت دور رئيس الوزراء الهندي
ناريندرا مودي على الساحة الدبلوماسية. فيما اعتبر الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا
ووزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بأن القمة ناجحة. أما الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون فأشار إلى أن النتائج المتعلقة بالمناخ خلالها كانت غير كافية،
وقد أقيمت فعاليات القمة الـ 18 لمجموعة العشرين، التي تضم أكبر اقتصاديات العالم،
والتي تستهدف تعزيز التعاون الدولي وتحقيق الازدهار الاقتصادي المستدام ودفع العمل
المناخي وتحقيق توازن في نمو الاقتصاد العالمي وتقديم
المزيد من القروض للدول النامية من قبل المؤسسات المتعددة الأطراف، وإصلاح هيكل
الديون الدولية، واللوائح المتعلقة بالعملات المشفرة وتأثير الجغرافيا السياسية
على الأمن الغذائي والطاقة.
وباعتبارها تترأس القمة لعام 2023،
تريد الهند التركيز على التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تدابير لنشر النمو
الاقتصادي بشكل أكثر توازنا بين البلدان المتقدمة والنامية، كما توفر القمة أيضًا
فرصة لإجراء مناقشات فردية على هامش جلسات المجموعة. وقد
استطاعت قمة نيودلهي التي جاءت تحت عنوان "أرض واحدة، وعائلة واحدة، ومستقبل
واحد" إيجاد مساحة مشتركة بين الدول الكبرى، خاصة فيما يتعلق بملف تغير
المناخ، وتداعيات الحرب الأوكرانية على الدول النامية، كما كان لافتًا خلالها
الحضور العربي والإفريقي الذي يعد الأبرز منذ تأسيس التكتل عام 1999؛ حيث تمثل دول
مجموعة العشرين 85 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي و75 في المئة من التجارة
العالمية، ويمثل مجموع سكان هذه الدول ثلثي سكان الكرة الأرضية.
مخرجات عديدة
أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا
مودي، أن زعماء مجموعة العشرين، توصلوا إلى توافق بخصوص القضايا التي تواجه
المجموعة، خاصة في القضايا المتعلقة بالتغيرات المناخية والتنمية الاقتصادية، وقد عمل
الدبلوماسيون بشكل مباشر لصياغة بيان مشترك نهائي في الفترة التي سبقت القمة لكنهم
واجهوا عقبات في توصيف الحرب في أوكرانيا؛ حيث كان الرئيس الأميركي جو بايدن يأمل
في إقناع أكبر اقتصادات العالم بالالتفاف خلف أوكرانيا خلال إقامته التي استمرت
ليلتين في الهند لحضور القمة، كما ضغط لإنجاز قضايا الاستثمار الأميركي في العالم
النامي. وبينما كانت القمة لا تزال جارية، وافق الزعيمان
بايدن ومودي على الإعلان المشترك الذي يعترف بالوضع في أوكرانيا؛ حيث جاء في
الإعلان أنه يجب على جميع الدول الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة للسعي إلى
السيطرة على الأراضي، دون ذكر روسيا صراحة بشأن الحرب في أوكرانيا. كما ذكرت الوثيقة معارضة استخدام الأسلحة النووية وسلطت الضوء على
الآثار الاقتصادية للحرب خاصة أنه في مارس 2022، لم يتمكن وزراء خارجية مجموعة
العشرين من التوصل إلى اتفاقات في اجتماعهم بسبب الخلافات العنيفة بشأن الحرب بين
وفدي الولايات المتحدة وروسيا.
وقد أثنت واشنطن على نص الإعلان
الختامي، إذ وصف مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان البيان بأنه معلم مهم
لرئاسة الهند وتصويت على الثقة بأن مجموعة الـ20 يمكن أن تجتمع معًا لمعالجة
مجموعة ملحة من القضايا. وقد جاء ذلك، على الرغم من اختلاف لغة الإعلان عن قمة
العام الماضي، الذي نص سابقًا على أن معظم الأعضاء أدانوا بشدة الحرب في أوكرانيا.
وضمن السياق ذاته، دفعت الهند لتوجيه
المزيد من الاهتمام لتلبية احتياجات العالم النامي محط تركيز مؤتمر القمة، إذ عمل
المنظمون بشكل قوي لعدم هيمنة الحرب في أوكرانيا على مجرى القمة. كما اتفق
زعماء أقوى 20 دولة في العالم، على منح الاتحاد الإفريقي عضوية دائمة، بهدف زيادة
تمثيل المجموعة. بالإضافة إلى دعم الجهود المبذولة لزيادة القدرة
العالمية للطاقة المتجددة 3 مرات بحلول عام 2030، متعهّدين بتسريع العمل لمكافحة
تغير المناخ. في حين اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون أن نتائج قمة مجموعة العشرين المرتبطة بالمناخ غير كافية.
من بين فعاليات القمة، إعلان الولايات
المتحدة، اتفاقها مع الهند على حل آخر نزاع بينهما في منظمة التجارة العالمية،
والذي يتعلق بالدواجن، وعلى وجه الخصوص بقيود فرضتها الهند على استيراد بعض
المنتجات الزراعية من الولايات المتحدة بسبب مخاوف من إنفلونزا الطيور. كما كان لافتًا خلال القمة، الاتفاق على مشروع ممر طموح من شأنه أن
يربط الهند وأوروبا، عبر خطوط السكك الحديد والنقل البحري تمر بالشرق الأوسط، حيث
تم التوقيع على اتفاق مبدئي، في نيودلهي، بين الولايات المتحدة والإمارات
والسعودية والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. ومن المقرر أن يضم المشروع خطوطًا للنقل السككي والنقل البحري تربط
قارات أساسية بعضها ببعض، ومن شأنه أن يساعد في تعزيز التجارة وتوفير موارد الطاقة
وتحسين الاتصال الرقمي.
ملفات مفتوحة
وقد أعربت أوكرانيا عن خيبة أملها من نص إعلان قمة العشرين حول
الحرب، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، أوليغ نيكولينكو، إن قمة العشرين ليس
لديها شيء تفخر به، بينما شكر أولئك الذين حاولوا إدخال صياغة قوية في النص؛ حيث
أنه من الصعب على أوكرانيا أن ترى غياب أي إشارة إلى العدوان الروسي (الذي ورد في
الإعلان الأخير المتفق عليه في في قمة بالي، إلا باعتباره دلالة على أن داعميها
الغربيين يفقدون حجتهم مع الجنوب العالمي حول كيفية توصيف الحرب. وبينما يتحدث
الإعلان المشترك عن المعاناة الإنسانية في أوكرانيا، فإنه لا يدين روسيا بشكل
مباشر.
أما روسيا فقد وصف وزير خارجيتها سيرغي لافروف القمة بأنها كانت
ناجحة. وقال إنه بسبب الموقف الموحد للجنوب العالمي، فقد تمكنت روسيا من ضمان ألا
يخيّم الصراع في أوكرانيا على أجندة القمة. وقالت المفاوضة الروسية في القمة
سفيتلانا لوكاش، التي وصفت الإعلان بأنه متوازن، إنه كانت هناك مفاوضات صعبة
للغاية حول قضية أوكرانيا.
وبعيدًا من أوكرانيا، فإن دول مجموعة العشرين منقسمة أيضا بشأن
مستقبل النفط. ومع احتمال أن يصبح عام 2023 الأكثر سخونة على الإطلاق، فشل البيان
الختامي في الدعوة إلى التخلص من الوقود الأحفوري، لكن قادة دول مجموعة العشرين
أعلنوا أنهم سيدعمون الجهود المبذولة لزيادة القدرة العالمية للطاقة المتجددة ثلاث
مرات بحلول العام 2030. وفي هذا السياق، اعتبر الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون الأحد أن النتائج المتعلقة بالمناخ التي توصلت إليها دول مجموعة
العشرين خلال قمتها في الهند كانت "غير كافية"، داعيا إلى ضرورة وضع
أهداف أكثر طموحا للتخلي عن النفط.
وتابع أحذر الجميع من أننا لم نصل إلى مبتغانا مضيفًا أنه يسمع
خطابًا سهلًا للغاية يترسخ بين بعض الدول الناشئة التي تقول إن الدول الاكثر ثراء
وحدها تتحمل المسئولية. وأوضح ماكرون أن علينا جميعاً التخلي سريعًا وبشكل أسرع
مما هو عليه حاليًا، عن (التسبب بانبعاثات) الكربون اعتبارًا من العام 2030 وأيضًا
في أسرع وقت عن النفط قبل العام 2050.
وقال على الدول الغنية أن تبذل الجهد ونحن نقوم بذلك وكلفته
عالية"، "لكننا نقوم بذلك، إنه أمر مشروع وطبيعي مطالبًا الدول الناشئة
وخاصة المنتجة للنفط بأن تتحمل قسطها من المسئولية أيضًا. ومع احتمال أن يصبح عام 2023 الأكثر سخونة على الإطلاق، فشل البيان
الختامي في الدعوة للتخلص من الوقود الأحفوري، لكن قادة دول مجموعة العشرين أعلنوا
أنهم سيدعمون الجهود المبذولة لزيادة القدرة العالمية للطاقة المتجددة ثلاث مرات
بحلول العام 2030.
على الجانب الآخر، اجتمع الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لأول
مرة، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على هامش مشاركة الزعيمين في قمة العشرين،
بالعاصمة الهندية، نيودلهي، كما عقد الرئيسان مباحثات بحضور وزراء الخارجية
والمخابرات من البلدين لبحث تعزيز العلاقات بينهما، ويعتبر هذا الاجتماع هو الأول
بين السيسي وأردوغان منذ عام 2013.
في الختام: لم تحسم قمة دول العشرين في نسختها الثامنة عشر
الكثير من الملفات المفتوحة في ظل غياب كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
والرئيس الصيني شي جي بينج عن الحضور خاصة وأن طبيعة الملفات تتداخل في نطاق تأثيراتهم،
كما غابت عن القمة التطرق لجهود التنمية الاقتصادية والعمل على معالجة الأزمات
التي تعصب بالعالم بل ساهمت في إضفاء بعض الأبعاد السياسية التي لم تراع مصالح
الدول المختلفة؛ إذ يشير ذلك إلى عدم توافقهما مع الولايات المتحدة وحلفائها، وعدم
تمكنهما من فرض أجندتهما داخل المجموعة. وأن هذا علامة مبكرة على انسحاب بكين
وموسكو من المجموعة أو على الأقل تخفيف علاقاتهما معها، والتركيز بدلًا من ذلك على
منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، والتي تعتبر الصين وروسيا عضوين رئيسيين فيها
يحاولان استقطاب أصدقاء لعضوية المنظمة، لتعظيم نفوذها.