أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن
فرنسا قررت سحب قواتها من النيجر بعد انقلاب 25 يوليو في الدولة الواقعة بغرب
أفريقيا، مما يوجه ضربة قوية للنفوذ الفرنسي وعمليات مكافحة التمرد في منطقة
الساحل. ويأتي انسحاب الجنود الفرنسيين الـ1500
المتمركزين في هذا البلد في أعقاب اضطرار القوات الفرنسية إلى الخروج من مالي
وبوركينا فاسو بضغط من الجيش الذين تسلموا الحكم في هذين البلدين. وأضاف ماكرون أن القوات الفرنسية ستنسحب من النيجر بحلول نهاية عام
2023، وأن فرنسا ترفض أن تكون رهينة للانقلابيين.
ومن المرجح أن يؤدي خروج فرنسا من
النيجر إلى تفاقم المخاوف الغربية في شأن نفوذ روسيا المتزايد في أفريقيا. وتوجد
مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة بالفعل في مالي المجاورة للنيجر. في حين يرفض الرئيس الفرنسي الاعتراف بالمجلس العسكري باعتباره السلطة
الشرعية في النيجر، لكنه قال إن باريس ستنسق سحب القوات مع قادة الانقلاب. وقال
الرئيس الفرنسي أيضًا إنه قرر إعادة سفير البلاد لدى النيجر سيلفان إيتي إلى
فرنسا. ويأتي ذلك بعد أسبوع من تصريح ماكرون بأن السفير محتجز كرهينة. كما أنه قبل
انقلاب 26 يوليو كان النيجر أحد آخر حلفاء باريس في منطقة الساحل. ويأتي انسحاب
الجنود الفرنسيين المتمركزين في هذا البلد، في أعقاب اضطرار القوات الفرنسية إلى
الخروج من مالي وبوركينا فاسو بضغط من العسكر الذين تسلموا الحكم في هذين البلدين.
متغيرات جديدة
أكّد المجلس العسكري في النيجر أنّ
خروج القوات الفرنسية وسحب السفير الفرنسي من الأراضي النيجرية يمثل لحظة تاريخية
في النيجر. وقال المجلس العسكري، في بيان: نحتفل اليوم
بحقبة جديدة في مسار سيادة النيجر حيث جرى الإعلان عن مغادرة السفير الفرنسي
والقوات الفرنسية قبل نهاية العام. كما وعدّ المجلس العسكري أنّ انسحاب فرنسا من
النيجر يؤكد تصميم وإرادة الشعب النيجري، ويمثل لحظة تاريخية للبلاد. ويأتي ذلك
بعد قرار هيئة الطيران المدني في النيجر، منع الطائرات الفرنسية مِن عبور المجال
الجوي للبلاد، وذلك بحسب رسالة إلى الطواقم الجوية، نُشرت على موقع وكالة الأمن
والملاحة الجوية في أفريقيا.
ويُذكر أنّ المجلس الانتقالي في
النيجر، كان قد طلب، في 25 أغسطس 2023، مِن السفير الفرنسي، سيلفان إيتي، مغادرة
البلاد، مُشدّداً حينها على أنّ تصرفات الحكومة الفرنسية تتعارض مع مصالح نيامي. كما طالب المجلس، في 31 من نفس الشهر بالانسحاب الكامل للقوات الفرنسية
من الدولة الواقعة في غربي أفريقيا، الأمر الذي دعمته بشدّة المطالب الشعبية في
النيجر. وفي أولى ردود الفعل الشعبية على لإعلان تظاهر المئات من النيجيريين أمام
القاعدة العسكرية الفرنسية برخان بالعاصمة نيامي، خاصة أن فرض المئات من قوات
الأمن والمتظاهرين المدنيين العزل طوقا حول قاعدة "برخان"، وقام المجلس
العسكري بعزل المنطقة العسكرية التي توجد فيها القاعدة الفرنسية عن بقية مناطق
العاصمة.
يُشار إلى أن فرنسا أكدت مرات عدة
دعمها لوجهة نظر "إكواس" إزاء الأوضاع في النيجر، فيما وصلت العلاقات
بين باريس ونيامي إلى أدنى مستوى لها مؤخرًا، وذلك بعد الإطاحة بمحمد بازوم،
الموالي لباريس، من رئاسة البلاد. وقال ماكرون إنه لا يزال يعتبر الرئيس المنتخب
ديمقراطيًا محمد بازوم، الذي يحتجزه حاليًا قادة الانقلاب، الزعيم الشرعي للبلاد،
مشيرًا إلى أنه أبلغه بقراره.
وكان ماكرون قد رفض الامتثال لمطالب
القيادة العسكرية في النيجر، التي طالبت باريس بسحب قواتها المتمركزة في نيامي
ورحيل السفير الفرنسي، متمسّكاً بسلطة الرئيس المعزول محمد بازوم. واتّهم الرئيس
الفرنسي، منتصف الشهر الحالي، المجلس العسكري في النيجر باحتجاز السفير سيلفان
إيتيه.
وتقلص نفوذ فرنسا في مستعمراتها
السابقة بغرب أفريقيا في السنوات الأخيرة، فيما تزايد الانتقاد الشعبي اللاذع لها؛
حيث تنظم مسيرات بانتظام في
الشوارع المحيطة بالقاعدة للمطالبة بطرد القوات المتمركزة في العاصمة. ونظم عشرات
الآلاف احتجاجًا على فرنسا هذا الشهر وحملوا خلاله نعوشًا ملفوفة بالعلم الفرنسي.
ولوح متظاهرون مؤيدون للانقلاب في نيامي بالأعلام الروسية، وهو ما زاد مخاوف الدول
الغربية من أن النيجر يمكن أن تحذو حذو مالي وتستعيض عن قواتها بمقاتلي فاغنر.
اتجاهات التحول
منذ توليه السلطة، ألغى الجيش بقيادة
الجنرال عبد الرحمن تياني اتفاقات التعاون الدفاعي بين باريس ونيامي، بزعم أن
القوة الفرنسية موجودة بشكل غير قانوني في النيجر. ومنذ وقوع الانقلاب ضد حكم
الرئيس محمد بازوم في أواخر يوليو الماضي، اتخذ المجلس العسكري الحاكم في النيجر
سلسلة خطوات تقلص إلى حد كبير النفوذ الفرنسي في البلاد. شمل ذلك وضع السفير الفرنسي لدى ينامي سيلفان إيتيه، قيد الإقامة
الجبرية في مقر السفارة، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى اتهام
قادة الانقلاب باحتجاز الدبلوماسي. من ناحية
أخرى، شجع العسكريون الاحتجاجات الشعبية المناوئة لوجود القوات الفرنسية في
النيجر، وحشدوا الآلاف أمام القاعدة الفرنسية الرئيسية. وهو ما تبعه
منح العسكريون في النيجر القوات الفرنسية مهلة لمغادرة البلاد، لكن باريس قالت إن
هؤلاء لا يملكون شرعية اتخاذ قرار كهذا. بالإضافة إلى ذلك ألغوا أيضًا اتفاقات
عسكرية مع باريس تتصل بالوجود الفرنسي العسكري في النيجر.
على المستوى الداخلي يواجه الرئيس
الفرنسي إيمانويل ماكرون مجموعة من التحديات الضاغطة بجانب الانتكاسات الخارجية في
أفريقيا؛ حيث تمكنت المعارضة اليمينية الفرنسية من الاحتفاظ بهيمنتها في مجلس
الشيوخ، في انتكاسة أخرى لحزب الرئيس إيمانويل ماكرون الحاكم. وخلافًا لمجلس
النواب في الجمعية الوطنية، لا يتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ بالاقتراع العام
المباشر ولكن من قبل نحو 150 ألف ناخب يُعرفون باسم الناخبين الكبار، ويتمتع مجلس
الشيوخ ببعض السلطة خصوصًا فيما يتعلق بالقضايا الدستورية، إلا أنه يفتقر إلى
صلاحيات مجلس النواب في الجمعية الوطنية. ويعكس
هذا المجمع الانتخابي نتائج الانتخابات المحلية والذي يفتقر فيه حزب النهضة بزعامة
ماكرون إلى القاعدة الشعبية وكان أداؤه سيئًا باستمرار. خاصة وأن خسر حزب ماكرون
غالبيته في الجمعية الوطنية في الانتخابات البرلمانية لعام 2022، لكنه اعتمد
للمصادقة على سلسلة من القوانين، بينها إصلاح نظام التقاعد، على مادة مثيرة للجدل
تسمح بتمرير مشاريع القوانين بدون تصويت.
وفيما يتعلق بأزمة النيجر، تعزو باريس
تصاعد الشعور المعادي لها إلى روسيا من خلال المجموعات المحلية التي تدعمها في
أفريقيا لتعزيز حضورها على حساب المصالح الفرنسية، إلا أن فشل التعامل الفرنسي مع
هذه التطورات عمل على إدخال فرنسا في مأزق، فهي منذ حصول الانقلاب، رفضت الاعتراف
بالسلطة الجديدة التي يترأسها الجنرال عبد الرحمن تياني بصفتها سلطة أمر واقع، بل وكانت
الأكثر تشددًا من بين الدول الغربية كافة في التنديد بالمجلس العسكري، وأصرت على
اعتبار أن شرعية الحكم تعود للرئيس المعزول محمد بازوم. والأهم من ذلك أن باريس
دعمت قرارات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) التي هددت باللجوء إلى
التدخل العسكري لإعادة الانتظام الدستوري إلى النيجر، وتحرير الرئيس المحتجز،
وتمكينه من استعادة سلطاته. وراهن الجانب الفرنسي على التدخل العسكري. وبعد أن
وجدت باريس أنه لا فائدة من الاستمرار في الإنكار وتجاهل سلطة الأمر الواقع، سلكت
مسلكًا آخر، وقال ماكرون إن القوة الفرنسية ستعود بطريقة منظمة في الأسابيع
والأشهر القادمة، وأن بلاده ستتشاور مع الانقلابيين؛ لأننا نريد أن يتم ذلك
(الترحيل) في هدوء.
في الختام: ثمة إجماع في العاصمة
الفرنسية على اعتبار أن التطور الأخير بالنسبة للانسحاب من النيجر ودول المنطقة
يشكل نكسة جديدة للسياسة الفرنسية في منطقة الساحل. فانسحاب القوة الفرنسية من
النيجر هو الثالث من نوعه بعد انسحابها تباعًا من مالي قوة برخان ثم من بوركينا
فاسو قوة الكوماندوز. وفي الحالتين، نقلت قيادة الأركان الفرنسية جزءً من القوة
المنسحبة إلى النيجر التي كانت باريس تقيم معها علاقات هي من بين الأفضل في منطقة
الساحل. والسؤال المطروح اليوم على السلطات الفرنسية يتناول الجهة التي سيتم
الانسحاب إليها هل ستعاد هذه القوات إلى فرنسا أم أنه سيتم إعادة نشرها في المنطقة
كما هو الحال في تشاد؛ حيث يوجد عدد من القوات الفرنسية هناك أم في بلدان خليج
غينيا خاصة وأنها تقترح مساعدة البلدان المحتاجة لتعزيز قدراتها على محاربة
التنظيمات الإرهابية الساعية للتمدد إليها.