اتجاهات الدعم: هل سيؤثر الدعم الغربي لإسرائيل على دعم أوكرانيا في معركة الشتاء؟
قوّضت الحرب في غزة آمال أوكرانيا في
عقد قمة للسلام تجمع زعماء العالم في الأشهر المقبلة، وفق ما ذكره دبلوماسيون
غربيون لصحيفة "وول ستريت جورنال"، مشيرين إلى أن المساعي الأوكرانية
لذلك بدأت تفقد زخمها، نتيجة التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط؛ حيث حولت هذه
الأزمة الانتباه الدولي عن أوكرانيا، والتي استحوذت على انتباه صانعي السياسات
الذين يركزون الآن على العديد من التحديات الأخرى، مثل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم
"حماس"، وإيصال المساعدات إلى المدنيين في غزة، ومنع تصعيد الصراع
واتساع رقعته في المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك، قال وزير الدفاع
الألماني بوريس بيستوريوس إن برلين سترفع مساعداتها العسكرية لأوكرانيا خلال السنة
المقبلة لتصل ثماني مليارات يورو. يأتي ذلك في ظل مخاوف أوكرانية من انعكاس
التصعيد بين حماس وإسرائيل على حجم الاهتمام الأوروبي والدولي بها. ومنذ بدء
"عملية عسكرية" روسية في أوكرانيا في فبراير 2022، ظلت الدول الغربية
سخية في مساعداتها الموجهة إلى كييف، لكن اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل جعل
تركيز العالم ينصب على هذه المنطقة.
وقد جاءت هذه التطورات بعدما طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالاستعداد لموجات جديدة من الهجمات الروسية على البنية التحتية مع اقتراب فصل الشتاء، مشيرًا إلى أن القوات تتوقع هجومًا في الجبهة الشرقية للحرب. وأصدر زيلينسكي تحذيره خلال خطابه المسائي المصور بعد يوم من تنفيذ القوات الروسية أول هجوم صاروخي لها على العاصمة كييف منذ حوالي 7 أسابيع. وقال زيلينسكي: "نتجه صوب منتصف نوفمبر تقريبا ويجب أن نكون مستعدين لحقيقة أن العدو قد يزيد من عدد الهجمات الصاروخية أو الطائرات المسيرة على بنيتنا التحتية". وأضاف: "روسيا تستعد لمواجهة أوكرانيا. وهنا في أوكرانيا ينبغي تركيز كل الاهتمام على الدفاع وعلى الرد على الإرهابيين وعلى كل ما يمكن لأوكرانيا أن تفعله لتجاوز فصل الشتاء وتحسين قدرات جنودنا".
سياقات متباينة
في الشتاء الماضي، وبعد نحو 10 أشهر من
اجتياح روسيا لجارتها أوكرانيا، شنت روسيا موجة من الهجمات على محطات الكهرباء
وغيرها من المحطات المتصلة بشبكة الطاقة، الأمر الذي أدى إلى انقطاع التيار
الكهربائي بشكل متواصل في مناطق متفرقة على نطاق واسع. وسبق أن أعلنت كييف أنها
تعزز دفاعاتها لحماية البنى التحتية. وقال زيلنسكي "المؤسف أن (الدرع الجوية)
لا تحمي جميع الأراضي في شكل كامل. ونعمل على تحسينها". ودعا المجتمع الدولي
إلى التجاوب مع ندائه.
فبعد أن فقد أوكرانيا الكثير من
التركيز الدولي منذ بدء التصعيد بين حماس وإسرائيل، أعلن وزير الدفاع الألماني
بوريس بيستوريوس أن بلاده سترفع مساعداتها العسكرية لكييف إلى ثماني مليارات يورو
خلال العام المقبل. وتعد ألمانيا أحد أكبر الداعمين لأوكرانيا منذ بدء روسيا
"عملية عسكرية" في الأراضي الأوكرانية أواخر فبراير 2022. وقدمت برلين
لكييف مساعدات إنسانية ومالية وعسكرية بقيمة 22 مليار يورو منذ بدء الغزو الروسي
قبل حوالي عامين. وهذه إشارة قوية تظهر أن الغرب لن يتخلى عن أوكرانيا التي تواجه
الغزو الروسي، في الوقت الذي يتركز فيه الاهتمام الدولي على الحرب بين إسرائيل
وحماس.
استعادة الزخم
في الأول من نوفمبر 2023 بدأ الرئيس
الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في إعادة الزخم بشأن الصراع المحتدم بين كييف
وموسكو، حيث أجرى عدة اتصالات مع زعماء أوروبا لبحث سُبل الدعم العسكري الذي تخشى
أوكرانيا من تراجعه نتيجة الحرب في غزة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس.
فمع انشغال العالم بالحرب الدائرة في
غزة، ومسارعة حلفاء أوكرانيا إلى دعم إسرائيل ماليًا وعسكريًا، وتقديم الاستشارات
إليها، ظلّت وسائل الإعلام الغربية مجالًا لكبار المسئولين الأوكرانيين للتعبير عن
قلقهم، وللتحدّث بشفافية غير معهودة عن الخسائر التي تتعرض لها أوكرانيا، بالإضافة
إلى الصعوبات أمام هجوم كييف المضاد.
ويهدف زيلينسكي من وراء هذه التحركات إلى
لفت نظر الولايات المتحدة والقوى الغربية إلى أوكرانيا مرة أخرى بعد أن تزايدت
الاهتمامات بوتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة والأراضي
الفلسطينية، وتحويل معظم الدعم الغربي المقرّر لكييف صوب تل أبيب دون اهتمام واسع
بحرب أوكرانيا كما كانت الأمور قبل 7 أكتوبر. خاصة أنه مع موافقة مجلس النواب
الأميركي الذي يسيطر عليه الجمهوريون على مشروع قانون لتقديم مساعدات بقيمة 14.3
مليار دولار لإسرائيل، وبأغلبية 226 صوتًا مقابل 196 صوتًا دعمًا لها في حربها في
غزة، وهو ما من شأنه مضاعفة القلق الأوكراني المتصاعد.
ويعارض الجمهوريون منح المزيد من
المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا، مطالبين بالتركيز على دعم إسرائيل ورفض
طلب الرئيس بايدن حزمة بقيمة 106 مليارات دولار تشمل مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا
ومبالغ مخصصة لأمن الحدود، وتمويلًا لتعزيز المنافسة مع الصين في منطقة المحيطين
الهندي والهادئ.
ولهذا ينتاب القلق العارم الأوكرانيين
من أن تفجر الأوضاع في الشرق الأوسط بهذا الشكل الخطير، خطف الأضواء عن قضيتهم وما
يضاعف من حدة هذا التوجس هو أنه لا بوادر لنهاية قريبة للحرب المندلعة في غزة،
والتي قد تتسع رقعتها حتى لتتحول حريًا إقليمية كبيرة، وهو ما سيعني المزيد من
الإهمال للموضوع الأوكراني، ولعل أبرز مؤشراته تمرير قانون الدعم الخاص بإسرائيل
فقط في مجلس النواب الأميركي.
وضمن هذا السياق، قال مساعد الأمين
العام لحلف "الناتو" ديفيد فان ويل إنه كلما طال أمد القتال في
أوكرانيا، أصبح من الأصعب على دول الحلف مواصلة تقديم المساعدات لكييف. وجاء ذلك في
مقابلة لفان ويل مع صحيفة "أساهي" اليابانية؛ حيث أعلن: "إن
أوكرانيا تقاتل من أجل حريتها، ولكن في الوقت نفسه من أجلنا. وإذا بدأ الكلل من
المساعدة، فسيكون هذا بمثابة ضربة للأمن الدولي.. وكلما طال أمد الحرب، أصبح تقديم
المساعدة أكثر صعوبة".
من ناحية أخرى، اعترف مسئول السياسة
الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بأن الاتحاد الأوروبي ليس لديه الوقت
لتنفيذ خطة إرسال مليون قذيفة وصاروخ إلى أوكرانيا، بحلول نهاية العام الحالي. وأنه
حتى الآن، زودت دول الاتحاد الجيش الأوكراني، بما يزيد قليلًا عن 300 ألف قذيفة
فقط.
وتجب الإشارة هنا إلى أنه في 23 أكتوبر
2023، أعلن جوزيب بوريل، أن وزراء خارجية 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، فشلوا
في اجتماعهم في لوكسمبورغ، مرة أخرى في الاتفاق على تخصيص الدفعة الثامنة التي
تبلغ 500 مليون يورو من صندوق السلام الأوروبي لإمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا.
في الختام: أفضت التطورات التي شهدتها
الأحداث في فلسطين وما اتبعته إسرائيل من سياسات إلى الاستحواذ على الاهتمام
والدعم الغربي في تنفيذ هذه الإجراءات وتحويل الاهتمام من أولوية الأزمة
الأوكرانية إلى دعم إسرائيل في تنفيذ العدوان على غزة، وهو ما تسبب في تصاعد القلق
الأوكراني من مدى جدية الدول الغربية في دعمها في مواجهة روسيا خاصة مع عدم قدرة
أوكرانيا على تحقيق تقدم نوعي على المستوى الميداني منذ انطلاق الهجوم المضاد، وقد
ساهمت هذه التطورات في اتجاه أوكرانيا إلى محاولة الاستحواذ مجددًا على الاهتمام
الغربي وإيلاء أهمية كبيرة لعملياتها العسكرية في مواجهة روسيا بعد أن قامت
الأخيرة بتنفيذ مجموعة من العمليات العسكرية داخل الأراضي الأوكرانية بما يؤشر على
إمكانية استغلال روسيا للانشغال الغربي بتطورات الأوضاع في فلسطين على حساب
قضيتها.