ارتدادات عكسية...كيف يمكن أن تؤثر عملية "طوفان الأقصى" على الانتخابات التشريعية في إيران؟
كشفت بعض
التقديرات عن أن عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس على إسرائيل
في السابع من أكتوبر 2023 سيكون لها بالتأكيد تداعيات قد لا تبدو هينة على الاستحقاقات
التشريعية القادمة في إيران والتي من المقرر عقدها في مارس من العام القادم؛ حيث
قد تتضح أبرز هذه التأثيرات في انخفاض نسبة المشاركة خلال هذه الانتخابات بالنظر
إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها إيران في الوقت الحالي، وأن
نسبة كبيرة من المجتمع الإيراني تدين انخراط إيران في أنشطة إقليمية على حساب
المستوى المعيشي المناسب للشعب الإيراني.
ويتوازي
ذلك، مع تغطية الأحداث في غزة على المستوى الصحفي والإعلامي ما عداها من أمور
سياسية واجتماعية، بالتالي من غير المتوقع أن تكون الدعاية الانتخابية للمرشحين
كالمعمول بها في الأعوام السابقة، ويتوازي ذلك، مع تزايد الانقسامات والخلافات بين
النخب الحاكمة في إيران، واستمرار نظام الولي الفقيه في إيران في تشديد سيطرته على
التوجهات السياسية للمرشحين وتفاقم إنحيازه للتيار الإصولي المتشدد على حساب نظيره
الإصلاحي. وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1-
انخفاض نسبة المشاركة: رغم تراجع الاهتمام الداخلي الإيراني بتطورات الحرب في
غزة، وهو ما يعود إلى عوامل عدة يتضح أبرزها في استمرار الشرخ القائم في العلاقة
بين النظام والشارع، وعدم استبعاد السلطات الإيرانية تجدد الاحتجاجات الداخلية مرة
أخرى، وارتباك الموقف الإيراني في التعامل مع تطورات الحرب، وتزايد تأثير الاتجاه الأصولي
القومي داخل إيران، إلا إنه مازالت تشغل الحرب بين إسرائيل وحركة حماس مساحة كبرى
من الاهتمام في السياسة ووسائل الإعلام المحلية، ما يترك مجالاً محدوداً للحملة
للانتخابات النيابية المقرَرة في مارس 2024 والتي سيسعى من خلالها المحافظون
لإحكام قبضتهم على السلطة.
وكذلك، تتزامن
هذه الاستحقاقات مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في إيران، ولاسيما في ظل فشل الفريق
الاقتصادي التابع لحكومة إبراهيم رئيسي في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية
الراهنة في إيران؛ فطبقاً لإحصاءات البنك المركزي وصل معدل التضخم السنوي خلال الـ
22 شهراً الماضية على أكتوبر 2023 إلى 54.8 %، ما يعني أن تكلفة معيشة الأسرة في
طهران يجب أن تبلغ 25 مليون تومان ولكن في ظل تقاضي غالبية الأسر ولاسيما من
العمال لدخل شهري لا يتجاوز الـ9 ملايين تومان، وبالتالي، لا تتم تغطية سوى 36% من
الحد الأدنى للنفقات، وعليه يكشف ذلك عن أن جيوب العمال تظل فارغة لأكثر من نصف الشهر.
ومن هنا،
يمكن القول أن سياق هذه الاستحقاقات التشريعية في إيران بات محملاً بالمزيد من
الأحداث التي من شأنها أن تقلص من شأن الدعايا الانتخابية التي يمكن أن يقوم بها
المرشحين، وخاصة أن ذلك يأتي عقب أحداث عصيبة للغاية شهدتها إيران بعد مقتل الفتاة
الإيرانية من أصل كردي مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق بسبب عدم التزامها بالزي
المعمول به في إيران، والتي وافقت الذكرى الأولى لها منتصف سبتمبر الفائت، مع
توقعات بإمكانية اندلاعها مرة أخرى في أي لحظة بالنظر إلى الأوضاع الصعبة التي يمر
بها المجتمع الإيراني على كافة الأصعدة.
2-
تكثيف الاستبعاد: يمكن القول أن الحرب في غزة تعد بمثابة فرصة سانحة
بالنسبة لنظام ولاية الفقيه في إيران لفرض المزيد من التعتيم على سياسات مجلس
صيانة الدستور المنوط به القيام بنوع من التصفية للمرشحين بناءاً على تهم فضفاضة
ولا توجد مؤشرات واضحة لقياس مدى صحتها مثل الدعايا ضد النظام، وعدم الالتزام بمبادئ
الثورة الإسلامية في إيران؛ حيث تم الإعلان في منتصف نوفمبر الجاري عن إنه من بين
24982 متقدماً، جرى استبعاد نحو 28% منهم في مرحلة الفحص الأولي التي تشرف عليها
لجنة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية.
وتحظى
هذه النقطة بأهمية كبيرة ولاسيما في ظل قيام حكومة إبراهيم رئيسي بحملات تطهير
للمؤسسات الحكومية مثل الجامعات والمدارس والإدارت المختلفة ضد المحسوبين على
الحكومة السابقة بقيادة الرئيس الإيراني حسن روحاني أو بالأحرى تيار الإصلاحيين
بشكل عام، بالتوازي مع إعادة توظيف التابعين للتيار الأصولي المتشدد في المقابل.
ويمكن أن يتخذ النظام من الحرب في غزة بمثابة
متغيراً يمكن على أساسه "فلترة" المزيد من المرشحين لصالحه وخاصة أن
نسبة قد لا تبدو هينة من الإيرانيين لا توافق على الدعم الإيراني لحركات المقاومة
في المنطقة، وترى أن إيران لا يجب أن "تتورط" أكثر من ذلك في هكذا ملفات
خارجية، بل ويجب أن تركز على شؤونها الداخلية التي تجعل المجتمع الإيراني يبدو
وكأنه على شفا الانفجار.
3-
تأجيج الخلافات: من المتوقع أن تلقى الانقسامات بين النخب الإيرانية
والتي أثارتها الحرب في غزة بظلالها على الاستحقاقات التشريعية القادمة في إيران؛
حيث طالبت بعض التيارات السياسية في إيران وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان
بالاستقالة على خلفية تدهور الوضع في قطاع غزة. فقد اتهم عضو لجنة السياسة الخارجية والأمن
القومي بالمجلس محمود عباس زاده مشكيني، الدائرة الدبلوماسية بأنها فقدت دورها
المركزي في حل الوضع حول فلسطين وتخلت عن مسار تدمير إسرائيل. وتمثلت إحدى الشكاوى
في أن وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تعد وفقاً لوجهة النظر
الإيرانية"أقوى دولة في محور المقاومة"، لم تعرض عقد قمة منظمة التعاون
الإسلامي، التي عقدت مؤخراً في المملكة العربية السعودية على أراضيها.
وبالتالي،
من شأن هذه الانقسامات السياسية المتزايدة في إيران خلال هذه الفترة أن تقلص من
معدل المشاركة، وتوسع من نطاق سيطرة النظام على العملية الانتخابية بمبررات تتعلق
بالأمن القومي ونظرية "العدو الخارجي" الذى لطالما حاول النظام في إيران
جاهداً أن يصدرها للمواطنين. وفي ظل غياب التيار الإصلاحي على الساحة السياسية في
إيران بعد أن تم إقصائه عقب فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية السابقة، من
المتوقع أن تكون الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضي لمزيد من السيطرة من قبل
المحافظين في إيران على العملية السياسية، والتحكم في مستقبل الفترة القادمة من
الحكم في إيران.
وفي النهاية: يمكن القول إنه من المتوقع أن يستمر الناخبون في
الابتعاد عن صناديق الاقتراع، ما لم يتمكن النظام السياسي للجمهورية الإسلامية في
إيران من أن يقدم لهم دوافع أمل وتغيير حقيقي يضمن لهم مشاركة ديمقراطية وحياة
اقتصادية ذو مستوى معيشي يتناسب مع دولة غنية بالموارد النفطية مثل إيران. كما أن تطور
الحرب بين إسرائيل وحماس قد يؤثر على نتائج الانتخابات النيابية، إذ إن أية هزيمة
لحركة حماس المدعومة من إيران ستُضعف موقف المؤيدين للحكومة في إيران وتعزز من
موقف التيار المناهض للانخراط الإيراني في الإقليم وهم غالباً من الإصلاحيين.