في خضم حالة الاحتقان التي يمر بها
الإقليم منذ الـ7 من أكتوبر الماضي، من جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، وتوسع
التصعيد إلى البحر الأحمر، جاء الإعلان الأممي عن توصل الأطراف اليمنية إلى جملة
من التدابير تسبق خريطة طريق مرتقبة لحل الأزمة في البلاد. وحتى اللحظة لم يتم الاتفاق على مكان وزمان التوقيع على خريطة الطريق
بين الأطراف اليمنية، وسط مخاوف من غياب الآلية الضامنة لتنفيذ جملة الإجراءات
التي كشف عنها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس جروندبرج، في بيانه.
وقد توصلت الأطراف المتحاربة في الصراع
المستمر منذ سنوات في اليمن إلى اتفاق يقضي بالالتزام بخطوات لوقف إطلاق النار
الذي من شأنه إنهاء الحرب، وفق ما أفاد مبعوث الأمم المتحدة الخاص هانس جروندبرج.
ويغرق اليمن في نزاع منذ منتصف العام 2014، تسبب بمقتل وإصابة مئات الآلاف وحدوث أسوأ
أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة.
وأضاف أنه يرحب بتوصل الأطراف للالتزام
بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين
الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة
تحت رعاية الأمم المتحدة". وقد جاء ذلك بعدما استضافت السعودية التي
تقود تحالفًا عسكريًا في اليمن داعمًا للحكومة المعترف بها في مواجهة الحوثيين،
وفدًا حوثيا لمناقشة عملية السلام في اليمن بعد نحو 9 سنوات من اندلاع الحرب في
أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
مواقف داعمة
أعربت وزارة الخارجية السعودية، عن
ترحيبها ببيان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس جروندبرج،
بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام في البلاد التي مزقتها الحرب. وأكد بيان للخارجية السعودية دعم المملكة لمساع التوصل إلى حل سياسي
دائم وشامل للأزمة في اليمن. كما جددت الوزارة التأكيد على استمرار وقوف المملكة
مع اليمن وشعبه الشقيق، وحرصها الدائم على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة
الحوار؛ للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم برعاية الأمم المتحدة، والانتقال باليمن
إلى نهضة شاملة وتنمية مستدامة تحقق تطلعات شعبه الشقيق.
وضمن السياق ذاته، رحبت دولة الإمارات
بإعلان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن بشأن التوصل إلى اتفاق
بين الأطراف اليمنية للعمل على خارطة طريق لدعم مسار السلام، معربة عن الأمل في
إنجازها والتوقيع عليها في أقرب وقت.
وأثنت وزارة الخارجية، في بيان لها،
على الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص وكل من المملكة العربية
السعودية وسلطنة عمان للوصول إلى حل سياسي مستدام للأزمة اليمنية، بما يعزز السلام
والاستقرار في اليمن والمنطقة. وشددت الوزارة، على أن دولة الإمارات تدعم كافة
الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لإيجاد حل سياسي في اليمن بما يحقق تطلعات
شعبه الشقيق في الأمن والنماء والاستقرار. كما جددت التأكيد على وقوف دولة الإمارات إلى جانب الشعب اليمني، ودعم
طموحاته المشروعة في التنمية والازدهار في إطار سياستها الداعمة لكل ما يحقق مصلحة
شعوب المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، بحث رئيس مجلس
القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي، في العاصمة اليمنية عدن، مع سفير
الإمارات لدى اليمن محمد حمد الزعابي المساعي الأممية لإحلال السلام في اليمن بناء
على جهود الأشقاء في السعودية، وسلطنة عمان لوقف الحرب. وأشاد العليمي -وفقًا لما
أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)- بالعلاقات الثنائية المتينة بين البلدين
الشقيقين، وبدور الإمارات ضمن تحالف دعم الشرعية، وتدخلاتها الانمائية والإنسانية
للتخفيف من معاناة الشعب اليمني وتحقيق تطلعاته في استعادة مؤسسات الدولة،
والاستقرار، والتنمية والسلام.
على الجانب الآخر، رحب البرلمان
العربي، بالبيان الذي أصدره المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن،
بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام وتوصل الأطراف المعنية باليمن
لمجموعة من التدابير، وأعرب البرلمان العربي، عن أمله في أن تسهم هذه التدابير في
التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة في اليمن، مشددًا على ضرورة التزام جميع
الأطراف بتنفيذ هذه التدابير للخروج بنتائج إيجابية للوضع الحالي في الجمهورية
اليمنية.
كما أكدت منظمة التعاون الإسلامي، التي
تضم في عضويتها 57 دولة مسلمة، مساندتها الدائمة لليمن وشعبه، وحرصها على تشجيع
الأطراف اليمنية على الحوار البناء للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم برعاية الأمم
المتحدة، يضع حدا لمعاناة الشعب اليمنى، ويمكنه من توجيه جهوده وقدراته نحو
استتباب الأمن والاستقرار، ودفع التنمية الشاملة والمستدامة تحقيقًا لتطلعاته.
بنود الاتفاق
مرّت الأزمة في اليمن بالعديد من
المحطات، وعرفتها الأمم المتحدة بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم. وفي عام 2015،
قادت السعودية تحالفًا عسكريًا ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، بعد استيلائها
على مساحات شائعة من البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء، وطرد حكومة الرئيس السابق
عبد ربه منصور إلى عدن. وقد ورحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بإعلان
الأمم المتحدة توصل أطراف النزاع في البلاد إلى وقف شامل لإطلاق النار وتحسين
المعيشة.
وقال بيان لمكتب المبعوث الأممي إن
التدابير تتضمن أيضًا الانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت
رعاية الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن جروندبرج سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة
لوضع خارطة طريق برعاية أممية تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها.
وأضاف البيان أن خارطة الطريق التي
سترعاها الأمم المتحدة ستشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق
النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط،
وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار
صنعاء وميناء الحديدة. كما ستنشئ خارطة الطريق أيضًا آليات للتنفيذ
وستعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة.
انعكاسات عديدة
تراجعت حدة القتال في اليمن بشكل ملحوظ
بعد وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيز التنفيذ في أبريل
2022. ولا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر
2022. لكن الأزمة الإنسانية في البلد الفقير لا تزال
تتفاقم، مع تراجع المساعدات الإنسانية بسبب نقص التمويل؛ حيث يشهد اليمن، للعام
التاسع، صراعًا مستمرًا على السلطة بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة
"أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي.
وتسيطر جماعة "أنصار الله"
منذ سبتمبر 2014، على غالبية المحافظات وسط وشمالي اليمن، بينها العاصمة صنعاء،
فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية، في 26 مارس 2015، عمليات عسكرية دعمًا
للجيش اليمني لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة. وأودت الحرب الدائرة في اليمن، بحياة الآلاف، كما ألحقت بالاقتصاد
اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار، في حين بات 80% من الشعب اليمني
بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب الأمم المتحدة.
ولعل الترحيب الإقليمي والدولي بالبيان
الذي أصدره السيد هانس جروندبرج المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى
اليمن، بشأن توصل الأطراف اليمنية إلى خريطة طريق واتفاق يقضي بالالتزام بمجموعة
من التدابير من بينها وقف إطلاق النار في عموم البلاد، وتنفيذ إجراءات لتحسين
الظروف المعيشية والاستعداد لاستئناف العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، يأتي
باعتبار ما تمثله خريطة الطريق المتفق عليها لدعم مسار السلام من خطوة رئيسية مهمة
نحو تحقيق الحل السياسي الشامل للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة، وإحلال
السلام المستدام الذي يحقق تطلعات الشعب اليمني في الأمن والتنمية والازدهار.
كما أن اتفاق الأطراف اليمنية من خلال
هذه الخطوة الجديدة في مسار حل الأزمة، تمثل نافذة أمل للشعب اليمني لمستقبل مشرق،
بعد أن حان الوقت وآن الأوان أن يحصل الشعب اليمني الشقيق على حقه في الأمن
والسلام والحياة الكريمة، من خلال تسوية شاملة للأزمة والتوصل إلى حل سياسي يلبي
تطلعات الشعب اليمني على أساس مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات
مجلس الأمن ذات الصلة وبخاصة القرار 2216، ووضع حد نهائي للمعاناة في اليمن الذي
يصنف كواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
في الختام: يبدو أن المبعوث الأممي
أراد من وراء إعلانه الأخير، توجيه رسالة طمأنة للداخل اليمني بأن جهود حلحلة
الملف اليمني مستمرة بوتيرة عالية، وأن التصعيد في البحر الأحمر ليس له تأثير كبير
على الجهود الجارية، كما أنه من المحتمل أن تنعكس متطلبات هذه المبادرة على مستقبل
اليمن السياسي ومحاولة دمج الأطراف المتصارعة داخليًا في معالجة سياسية شاملة
لتحقيق التجانس بينهم وتشكيل حكومة موحدة والحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية ووقف
التدخلات الخارجية في الأزمة، وإن كان أكثر ما يثير المخاوف بشأن الإعلان الأممي
حول خارطة الطريق المرتقبة، هو التباين العميق بين المكونات اليمنية، وغياب آليات
تنفيذية واضحة.