دلالات التوقيت ...لماذا أعلنت إيران عن تشكيل قوة الباسيج البحري؟
أعلن
قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تنكسيري في 19 ديسمبر الفائت
عن تشكيل وحدة باسيج بحرية يمكنها القيام بعمليات عبر السفن الثقيلة والخفيفة حتى
شواطئ تنزانيا، وبغض النظر عن الهدف المعلن من قبل إيران، إلا أن توقيت الإعلان عن
هذه القوة يحمل دلالات عدة بالتوازى مع عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس
في السابع من أكتوبر 2023، بما يتضمن الرد على تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية
لقوة بحرية في مواجهة الوكيل الإيراني في اليمن وهو جماعة الحوثي اليمنية، وزيادة
الضغوط على تل أبيب، فضلاً عن تزايد حدة المخاوف الإيرانية من استمرار الوجود
العسكري الأمريكي المكثف بالمنطقة.
وفي هذا
السياق، يمكن القول أن جماعة الحوثي اليمينة تحظى بأهمية كبيرة لدى إيران من خلال
حروب الوكالة، فقد منحت حرب غزة إيران دوراً مهماً استغلته بقوة مقارنة بدول أخرى
في المنطقة، هذا بجانب إيعازها لحزب الله لشن هجمات ضد إسرائيل ولكن محدودة عبر
آلية الكر والفر، حيث تتبع إيران آلية "القيادة المحكومة والمنظمة" لمنع
تصعيد الحرب الإقليمية بشكل كبير حتى لا تتضرر منها بقوة أو يتم القضاء بشكل كامل
على وكلائها، فما زال الصراع محكوماً بآليات وتفاهمات معينة بين أطراف المنطقة،
وكذلك إيران لها أهداف قوية في المنطقة، لهذا تريد تحقيقها عبر تقوية ودعم جماعة
الحوثي بأسلحة متقدمة مثل الطائرات المسيرة الذكية والصواريخ الباليستية طويلة
المدى، وهذا ساهم في الضغط على دول المنطقة بشكل كبير.
وسيتم العرض فيما يلي لأبرز الدلالات
المتعلقة بتشكيل إيران لقوة الباسيج البحري في ظل محددات السياق الإقليمي الحالي:
1-
الرد
على تشكيل واشنطن لتحالف "حارس الازدهار": جاء الإعلان الإيراني عن تشكيل قوة الباسيج البحري
بالتزامن مع إعلان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن إطلاق الولايات المتحدة
عملية أمنية متعددة الجنسيات لتأمين التجارة في البحر الأحمر، حيث أجبرت هجمات
جماعة الحوثي الموالية لإيران المزيد من شركات الشحن الكبرى على تغيير مسار سفنها.
و حمل أوستن إيران المسؤولية المباشرة عن هجمات الحوثيين، مشدداً على أن دعم إيران
هجمات الحوثيين على السفن التجارية يجب أن يتوقف.
وفي هذا السياق، أطلقت وسائل الإعلام الحكومية
والصحف الإيرانية حملة للدفاع عن هجمات جماعة الحوثي الموالية لإيران ضد سفن
تجارية في البحر الأحمر؛ حيث أبدت صحيفة "فرهيختغان" التابعة لمكتب علي
أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، عن قلقها من وجود إجماع دولي ضد الحوثيين، وأشارت
الصحيفة إلى أن أكثر من 20 سفينة تصدت لهجمات من الحوثيين بصواريخ كروز وبالستية
ومسيرات انتحارية، لكنها أصرت على أن الهجمات استهدفت سفناً تتجه إلى إسرائيل.
وكذلك اتهمت الصحيفة شركات شحن عالمية أعلنت وقف حركة سفنها في البحر الأحمر،
بالانخراط في دعاية تهدف إلى التوصل لإجماع ضد الحوثيين، وتشكيل تحالف بحري، مؤكدة
على إنه يندرج في إطار تهديد غربي للحوثيين.
2-
تعزيز
الضغوط على تل أبيب: ترغب
إيران من وراء تشكيل هذه القوة في فرض نوع من الضغط على الولايات المتحدة
الأمريكية وحليفتها إسرائيل ومنعهما من إحراز تقدم في مواجهة جماعة الحوثي
اليمنية، وكذلك زيادة الضغوط المفروضة على الاقتصاد الإسرائيلي الذى تكبد خسائر
فادحة جراء ما تقوم به جماعة الحوثي في البحر الأحمر، ولاسيما في ظل أن حجم
البضائع المستوردة إلى إسرائيل تبلغ حوالي 400 مليار شيكل سنوياً، و 70% منها تصل
عن طريق النقل البحري.
وفي هذا
السياق، أوضح أحد الخبراء الاقتصاديين من تل أبيب أن تأثير التهديد الحوثي يتجلى
على ثلاثة مستويات: المستوى الأول هو زيادة تكلفة التأمين على النقل البحري إلى
إسرائيل، نتيجة زيادة علاوة المخاطر. والمستوى الثاني هو تأثير تغيير مسار إبحار
السفن من الشرق إلى إسرائيل، حيث بدلا من المرور عبر مضيق باب المندب والبحر
الأحمر، ستضطر إلى استخدام طريق إبحار مختلف يحيط بالقارة الأفريقية. وهذا يعني
تمديد مدة الرحلة 30 يوماً وزيادة في سعر النقل البحري. أما المستوى الثالث فقد
يتجلى في امتناع شركات الشحن الأجنبية بشكل كامل عن الوصول إلى الموانئ
الإسرائيلية، لتجنب المخاطر، أو بسبب القيود المفروضة على شركات التأمين.
3-
زعزعة
استقرار الوجود الأمريكي بالمنطقة: أبدت
إيران خلال الفترة الماضية قلقاً واضحاً إزاء تزايد الوجود العسكري الأمريكي في
منطقة الشرق الأوسط. فقد قرأت إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن إرسال حاملتي
طائرات أمريكيتين إلى منطقة شرق المتوسط مع بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في
قطاع غزة، وهما "يو إس إس جيرالد فورد" و"يو إس إس أيزنهاور"،
على أنه محاولة لردعها عن التدخل مباشرة في الحرب أو الإيعاز للمليشيات الموالية
لها بالانخراط فيها. لكن الأهم من ذلك هو أنها باتت ترى أن الولايات المتحدة
الأمريكية قد لا تتجه مجدداً إلى تقليص هذا الوجود العسكري حتى بعد انتهاء
العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة أياً كان المسار الذي سوف تنتهي
الحرب الحالية التي تدور رحاها بين إسرائيل وحركة حماس.
ويعني
ذلك أن واشنطن سوف تعمل على رفع مستوى تهديداتها لإيران خلال المرحلة القادمة،
خاصةً مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، التي تعني عدم قدرة إدارة الرئيس
الأمريكي جو بايدن على تسوية الخلافات العالقة مع إيران في بعض الملفات، وفي
مقدمتها الملف النووي، فضلاً عن برنامج الصواريخ الباليستية، إلى جانب الدعم
العسكري الذي تقدمه لروسيا لمساعدتها على إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وعليه، يُمكن
تفسير أسباب اهتمام إيران بوجود حاملة الطائرات “يو إس إس أيزنهاور” في منطقة
الخليج العربي، والتي تحركت من منطقة شرق المتوسط ووصلت إلى مضيق هرمز في 26
نوفمبر الفائت للقيام بدورات لحماية حركة الملاحة، حيث حرص الحرس الثوري على نشر
فيديو، في 17 ديسمبر الجاري، يزعم فيه أن التحذيرات التي وجهتها قواته البحرية إلى
حاملة الطائرات الأمريكية دفعتها إلى تغيير مسارها بعد أن أجابت -حسب تصريحات
تنكسيري نفسه- على كل الأسئلة التي وجهتها القوات البحرية الإيرانية، وخضعت لكافة
إجراءات السيطرة والمراقبة من جانب هذه القوات.
وختاماً: يمكن القول أن اتجاه إيران للإعلان عن خطوات جديدة لتعزيز
قدراتها العسكرية أو على الأقل للترويج لهذه القدرات يمثل مؤشراً على أنها تبدو
مقبلة على مرحلة جديدة في علاقاتها مع خصومها، ولا سيما الولايات المتحدة
الأمريكية وإسرائيل، في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الحالية التي تدور رحاها في
قطاع غزة، على نحو يعني أنها ربما تسعى إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية،
سواء على مستوى برنامجيها النووي والصاروخي، أو على مستوى نفوذها الإقليمي في
المنطقة.