شراكة استراتيجية .. قراءة في زيارة الرئيس الروسي للإمارات والسعودية
قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة
هي الأولى من نوعها للمنطقة العربية منذ إنطلاق الحرب الروسية الأوكرانية فبراير
2022، حيث قام بزيارة كلًا من الإمارات العربية المتحدة واستقبله رئيس دولة
الامارات الشيخ محمد بن زايد، وكذلك المملكة العربية السعودية وقام بإستقباله ولي
العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. جاءت
هذه الزيارة للمنطقة لبحث سُبُل تعزيز التعاون الثنائي، والارتقاء بالعلاقات بين
الجانبين. وتُعد آخر زيارة للرئيس الروسي إلى الإمارات والسعودية كانت في أكتوبر/
تشرين أول من عام 2019.
أهداف الجولة الروسية
تعكس زيارة الرئيس الروسي، "بوتين"،
لكلًا من الإمارات والسعودية في هذا التوقيت الدقيق(1)، الذي يمر به
الإقليم، مستوى التنسيق المتنامي فيما يخص
العلاقات الثنائية ولا سيما الصراع في
الشرق الأوسط، وبالتالي يمكن تناول أهم الأهداف السياسية لهذه الجولة وفقًا لما
يلي:-
كسر العزلة الدولية على روسيا: تأتي هذه الزيارة الهامة للرئيس الروسي
ليست فقط للمنطقة العربية لكن شملت ايضًا دول أخرى في الشرق الأوسط كإيران،
تأكيدًا على رفض روسيا العزلة الدولية عليها جراء حربها في أوكرانيا، ولا سيما
بعدما أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة
الجنائية الدولية(2) المدعومة من الأمم المتحدة مذكرة توقيف بحق الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين في 17 مارس 2023. والتي ردت عليها روسيا من خلال المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا
زاخاروفا بأن "روسيا ليست عضوا في نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية
الدولية، ولا تتحمل أي التزامات بموجبه"(3).
تعزيز الشراكات الاستراتيجية:
في زيارة الرئيس الروسي بوتين للإمارات صرح خلال لقاءه الشيخ محمد بن زايد، بأن "روسيا والإمارات تشتركان في
عدد من أطر التعاون الدولي متعددة الاطراف، وتعد الإمارات أكبر شريك تجاري لروسيا
في العالم العربي"، وفي اللقاء ذاته أوضح الشيخ محمد بن زايد للرئيس الروسي،
بأن "العلاقات بين البلدين تاريخية، وشهدت تطورًأ مستمرًا في كافة المجالات(4)."
ويعتبر هذا المسار المتنامي من خلال تصريحات الرئيسين الروسي والإماراتي، محدد من
محددات تنامي هذه العلاقات المتطورة بين البلدين ويعكس حقيقة حضور الركائز
الجوهرية الضامنة لاستمرار العلاقات الإيجابية وتطورها إلى علاقة مُستدامة ذات تبادل
متنافع.
من
جانب آخر، أكد الرئيس الروسي،"بوتين"، لولي العهد السعودي، الأمير "محمد
بن سلمان"، في جلسة مباحثات جمعتهما
في العاصة الرياض، بأن روسيا تاريخيًا هي داعم للمملكة، ولا يوجد أي مانع من تطوير
علاقاتهما الصديقة، وقد صرح ولي العهد للرئيس الروسي بوتين بأن التنسيق السياسي
والأمني بين البلدين في المستقبل سوف يعزز من أمن االشرق الأوسط والعالم.(5)
تؤكد هذه التصريحات الإيجابية
على تنامي قوة العلاقات الإماراتية الروسية من جانب والسعودية الروسية من جانب
آخر، وهو نتاج طبيعي قد فرضته
مُستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط على مشهد التقارب الروسي العربي الأخير، وبما
حملته هذه الظروف من ضرورة مُلحة للتوازن في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة
الأمريكية، وهذا ظهر جليًا في الموقف
العربي الموحد إزاء الحرب في أوكرانيا، بيد الجهود الدبلوماسية العربية الحثيثة
الرامية للوصول لتسوية لإنهاء هذه الحرب، وعلى رأسها الجهود السعودية للوساطة بين
روسيا وأوكرانيا.
التأكيد على اتفاق "أوبك+": ترغب موسكو من دول أوبك الاستمرار طوعًا في
عملية خفض انتاج النفط بما يساعد في انتعاشها الاقتصادي،
وذلك في ظل تعمد غربي في تجفيف مصادر تمويل روسيا خارجيًا مما ساهم في عجز تمويل موسكو
نسبيًا في حربها مع أوكرانيا، وهذا ما طالبت به الولايات المتحدة وبريطانيا عن
طريق زيادة الانتاج في السوق الدولي ولكن قوبل بالرفض من بعض دول المنظمة، وعلى
رأسهم المملكة العربية السعودية، والتي أبدت رغبة في خفض الانتاج، وقد أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك+" في 30 نوفمبر
الماضي، أن عددًا من دول المنظمة ستقوم بخفض إنتاج النفط طوعًا في الربع الأول من عام 2024
بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا، للحفاظ على
استقرار سوق النفط؛ حسبما جاء في بيان المنظمة. وأعلن مصدرٌ مسؤول في وزارة الطاقة، أن المملكة
العربية السعودية ستُمدد خفضها التطوعي، البالغ مليون برميل يوميًا، الذي بدأ
تطبيقه في شهر يوليو 2023، حتى نهاية الربع الأول من عام 2024، وذلك بالتنسيق مع
بعض الدول المشاركة في اتفاق أوبك بلس. وأعلنت روسيا أنها ستعزز خفضها الطوعي
لإمدادات النفط إلى 500 ألف برميل يوميًا وتمدده حتى نهاية الربع الأول من عام
2024.(6)
دلالات التوقيت
الحرب على غزة: تعكس زيارة
الرئيس الروسي، "بوتين"، لكلًا من الإمارات العربية المتحدة والمملكة
العربية السعودية، الدور المحوري لكلُا منهما بالنسبة للسياسية الخارجية الروسية
تجاه المنطقة العربية، وكذا التنسيق المتنامي بينهما، ولا سيما الصراع في منطقة
الشرق الأوسط، ويعكس التوقيت الدقيق لهذه الزيارة استمرارية النشاط الروسي في
المنطقة العربية وعدم انكفاء موسكو فقط في حربها في اوكرانيا وإغفالها ما يحدث في
الإقليم، بل أيضًا أهتمت روسيا بالتواجد في المنطقة مجددًا عبر الزيارات الرسمية
لدولتين محورتين في الإقليم.
وتأتي هذه الزيارة في خضم
حملة عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة على قطاع غزة عقب ما شنه فصائل المقاومة
الفلسطينية "حماس"، (طوفان الأقصى) في 7 أكتوبر 2023. ووسط ضوء أخضر
أمريكي لإسرائيل بغطاء سياسي لاختراق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في
قطاع غزة، وهذا ما يكرس الاعتقاد بالفتور المستقبلي للدور الأمريكي في هذه القضية،
وبالتالي يعزز ذلك من صعود الدور الروسي على مستوى الوساطة ولعب دور أكبر كطرف
دولي محايد يتمتع بعلاقات جيدة وتتسم بالمصداقية مع الدول العربية.
لقد كان الموقف الروسي من
الحرب الإسرائيلية على غزة ايجابيًا من منظور عربي، حيث
صريح وزير الخارجية الروسي، "سيرغي لافروف"، في 2 نوفمبر 2023،
إن القصف الإسرائيلي على غزة يتعارض مع القانون الدولي ويخاطر بالتسبّب في كارثة،
منتقدا الدور الأميركي(7) وكانت روسيا من بين اوائل الدول التي دعت لوقف
فوري لإطلاق النار في غزة، وطالب
مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، "فاسيلي نيبينزيا"، يوم 15 نوفمبر 2023، "بإقتراح روسيا تعديل مشروع قرار مجلس الأمن الدولي بشأن غزة"
المقدم من مالطا بالدعوة إلى هدنة إنسانية فورية تؤدي إلى وقف إطلاق النار. وذلك بعد فشل تبني القرار الروسي بسبب ابداء الولايات المتحدة حق الإعتراض
"فيتو".(8)
الحرب في
أوكرانيا : منذ انطلاق الحرب
الروسية الأوكرانية فبراير 2022، وبــدأ الــدور العــربي مــن
وســاطات وتفاهــات ومبــادرات للوصــول إلى حــل للأزمــة الروســية الأوكرانيــة
منــذ الأيام الأولى للأزمة، انطلاقــاً مــن المســؤولية التــي تفرضهــا الفلسـفة
العربيـة تجـاه السـلم وتحقيـق الأمـن والاسـتقرار
عـى الصعيديـن العالمي والإقليمـي، وينبـع التحـرك العـربي إدراكًا مـن الـدول
العربيـة لخطـورة الأزمـة وتداعياتهـا الســلبية عليهــا، وبهــدف الوســاطة بــين
الجانبــن وبحــث إمكانيــة المســاهمة العربيــة في التهدئـة وتخفيـف حـدة
التوتـر وتقريـب وجهـات النظـر للتوصـل إلى حـل سـياسي للأزمـة، خاصـة وأن
تداعيـات هـذه الأزمـة قد اثرت اقتصاديًا بالسلب عـى المنطقـة العربيـة.(9)
وتأتي
هذه الزيارة الروسية للمنطقة العربية وخاصة للمملكة العربية السعودية والإمارات
العربية المتحدة بعد الجهود الدبلوماسية التي قام بها الطرفان للوساطة بين
أوكرانيا وروسيا، وفي إطـار مسـاهمة دولـة الإمـارات العربيـة
المتحـدة في تحقيـق الأمـن والإسـتقرار عـلى الصعيديـن العاملـي والإقليمـي، عـرض
الرئيـس الإمـاراتي (محمـد بـن زايـد آل نهيـان)، خـلال لقائـه مـع الرئيـس الـروسي،
"بوتـن" في سـان بطرسـبورج، في اكتوبر 2022، التوسـط بـن روســيا وأوكرانيــا، كـمـا أجــرى
مباحثــات هاتفيــة مــع الرئيــس الأوكــراني ( زيلينسـي) وتعهـد (بـن زايـد)
ببـذل كل مـا بوسـع الإمـارات مـن جهـد لمنـع تفاقـم الأزمــة، وأكّــد سعــى الإمارات
لتهيئــة الأجواء للتهدئــة والتفــاوض بما يخــدم جميــع الأطــراف .وكذلك بعد
التقاء وزير الخارجية السعودي مع نظيره الروسي في موسكو مارس 2022،(10)
معلنًا عرض وساطة بلاده لإيجاد حل سلمي للحرب في أوكرانيا.(11)
وبالتالي، تعكـس تلـك الزيارة ومـا
تـم خلالهـا مـن مباحثـات ومفاوضـات خلال هذا التوقيت الدقيق، ليس فقط الـدور
المحـوري لكلًا من الإمارات والسعودية في السياسة الخارجية الروسية، وانما أيضًا
مدى الاهتمام السعودي الاماراتي بتطوير العلاقات مع موسكو.
ملء
الفراغ السياسي: جاءت تلك
الزيارة، بالتزامن مع الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة ووسط تحيز تام غربي
وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، والذي بدوره سينعكس بالسلب على
العلاقات الأمريكية العربية، وتحاول روسيا مستغلة هذا الفتور إلى انتهاج سياسة ملئ
الفراغ السياسي خلف الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في ظل إدارة جو بايدن،
وإرسال رسالة للدول الأوربية والولايات المتحدة
بأن هناك شراكة روسية عربية متنامية قائمة بين الجانبين، وأنهما يعارضان
مبدأ إزدواجية المعايير الغربية فيما يخص الصراع في الشرق الأوسط.، ويؤكدان أن
هناك عالماً جديداً متعدد الأقطاب.
يمكن
القول؛ من خلال البعد السياسي لهذه الزيارة فإنها تحمل العديد من الدلالات
والرسائل التي يتشابك بعضها بالمسار الممتد للعلاقات الروسية مع الرياض وأبو ظبي
ويرتبط بعضها الآخر بالدور الروسي الحيوي بالمتغيرات الإقليمية في المنطقة
العربية، وتأثير كل ذلك على الدور الأمريكي في المنطقة.
وإنطلاقًا من أهمية هذه المنطقة ليس
فقط في السياسة الخارجية الروسية وإنما أيضًا في تطلع قادة البلدان العربية في
تطوير العلاقات مع موسكو، فإن هذه
العلاقات ستشهد نموًا متسارعًا في
المستقبل على كافة المجالات ولا سيما السياسي والأمني.
الهوامش:
1) بوتين في زيارة نادرة للشرق الأوسط، فرنس 24،
تاريخ النشر 6 ديسمبر 2023، تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023، الرابط https://2u.pw/HmzsyzS
2) المحكمة الجنائية تصدر مذكرة توقيف بحق بوتين،
أخبار الأمم المتحدة، تاريخ النشر 13 مارس 2023، تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023،
الرابط https://cutt.us/uESiG
3) أول تعليق روسي على مذكرة التوقيف الدولية بحق
الرئيس بوتين،سي ان ان عربية، تاريخ النشر
17 مارس 2023، تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023، الرابط https://2u.pw/DASyDz5
4) الرئيس الروسي: التعاون في مجالات الاقتصاد
والصناعة مع الإمارت في تقدم ملحوظ، سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر 6 ديسمبر 2023،
تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023، الرابط https://2u.pw/62pWTBL
5) بوتين يكشف عن مستوى العلاقات بين روسيا
والسعودية، الشرق للأخبار، تاريخ النشر 6 ديسمبر 2023، تاريخ الدخول 7 اكتوبر
2023، الرابط https://2u.pw/rovCT3G
6) أوبك+ تخفض انتاج النفط، العربية نت، تاريخ النشر
30 نوفمبر 2023، تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023، الرابط https://2u.pw/DCGjBmX
7) روسيا والصين مكاسب القطب الموازي في حرب غزة،
سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر 2 نوفمبر 2023، تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023، الرابط https://2u.pw/rrcuvWD
8) مجلس الأمن الدولي يفشل في تبني مشروع قرار روسي،
روسيا اليوم، تاريخ النشر 15 نوفمبر 2023، تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023. الرابط https://2u.pw/H94CJOW
9) شيماء عبد الصبور، أفاق ومحددات الوساطة العربية
في الحرب الروسية الأوكرانية، الهيئة العامة للإستعلامات، مجلة أفاق عربية
وإقليمية، العدد الثاني عشر 2023، تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023، الرابط https://cutt.us/zReUe
10) مصدر سابق.
11) السعودية تعرض الوساطة في أوكرانيا.. ما فرص النجاح؟ ، DW عربية ، تاريخ النشر 7 مارس 2023، تاريخ الدخول 7 ديسمبر 2023، الرابط https://2u.pw/Ug2f8Dc