اتجاهات جديدة: تداعيات مناورات حلف الناتو "المدافع الصامد"
وسط استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، من المقرر أن يبدأ حلف
شمال الأطلسي (الناتو) مناوراته العسكرية الأكثر أهمية منذ عقود، "المدافع
الصامد". بمشاركة من قوات الناتو وإجراء مناورات حربية جوية وبحرية وبرية.
وسبق الإعلان عن المناورات توقعات لمسئولين وخبراء غربيين لا يستبعدون هجومًا روسيًا
محتملًا على أوروبا وحلف شمال الأطلسي خلال السنوات القليلة المقبلة. وفي عرض حاسم
للقوة، يستعد حلف الناتو لمناورات "المدافع الصامد 2024"، وهي أكبر
تدريبات عسكرية في تاريخه بمناسبة مرور 75 عامًا على إنشاء أقوى حلف غربي. وتأتي هذه المناورات في
الوقت الذي تفتقد فيه الحرب الروسية الأوكرانية الحسم لأي من الطرفين، بينما لم
تنجح كييف بشكل أوضح في استعادة أراضيها التي سيطر عليها الجيش الروسي.
وتركز التدريبات على كيفية تعزيز القوات الأميركية لحلفاء
أوروبيين في دول محاذية لحدود روسيا وعلى الجناح الشرقي للحلف إذا تصاعد الصراع، وأن
"المدافع الصامد 2024" هي المناورة العسكرية المشتركة الأضخم من حيث
الحجم والمدة ورقعة الانتشار منذ عام 1988 خلال الحرب الباردة، والتي يستعد
إطلاقها حلف شمال الأطلسي خلال الأيام المقبلة. كما أن المناورة المرتقبة هي الأطول في تاريخ الناتو بمشاركة من
جميع دول الناتو البالغ عددها 31 دولة، ودولًا أخرى من بينها السويد التي تسعى
للانضمام للحلف رغم عدم التصديق على طلبها بعد.
وقد أكد الجنرال الأمريكي كريستوفر كافولي، القائد الأعلى لحلف
الناتو، أن هذه المناورة ستُظهر قدرة الحلف على تعزيز منطقة الأطلسي الأوروبية،
بما في ذلك الحركة عبر الأطلسي للقوات من أمريكا الشمالية. يُعد هذا العرض بمثابة
تأكيد على التضامن والجاهزية للدول الأعضاء وتحذير للخصوم بشأن آلية الدفاع
الجماعي للناتو.
انتقادات روسية
تفاعلا مع إعلان إجراء المناورات، انتقدت روسيا المناورات
الضخمة من حيث العتاد والعديد المرتقبة لحلف شمال الأطلسي (المدافع الصامد)، وقالت
إنها تشكل عودة لا رجعة فيها من الناتو إلى مخططات الحرب الباردة، وأعلن ألكسندر
جروشكو نائب وزير الخارجية الروسي لوكالة الإعلام
الروسية الرسمية أن "هذه التدريبات هي عنصر إضافي في الحرب التي يشنها الغرب
على روسيا". وتابع:
"تدريب على هذا النطاق يشكل العودة النهائية والتي لا رجعة فيها من حلف
الناتو لمخططات الحرب الباردة حيث يتم تجهيز وإعداد عملية التخطيط الحربي والموارد
والبنية التحتية لمواجهة مع روسيا". ولم
يأت الحلف على ذكر روسيا بالاسم صراحة في إعلانه، لكن وثيقة حلف الناتو الأبرز
للاستراتيجيات تحدد روسيا على أساس أنها التهديد الأكبر والأكثر مباشرة لأمن الدول
الأعضاء في الحلف.
وكان نائب الأمين العام لحلف "الناتو" ميرتشا جيوانا
قد أكد أنه ينبغي فهم مناورات "الناتو" القادمة "المدافع الصامد
2024" على أنها ردع للخصوم المحتملين؛ حيث تشارك في مناورات الناتو نحو 50
سفينة حربية و80 طائرة و1100 مركبة قتالية من أنواع مختلفة. وتعد هذه المناورات
الحربية، الأهم منذ مناورة "ريفورجر" في 1988، في خضم الحرب الباردة
آنذاك بين الاتحاد السوفياتي وحلف شمال الأطلسي.
في حين اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي أن أي أحداث بهذا الحجم
تزيد بشكل كبير من خطر وقوع حوادث عسكرية عرضية، وتزيد زعزعة استقرار الوضع
الأمني، مشيرًا إلى أن مصالح الأمن الأوروبي اليوم غير مهمة بالنسبة لمن يحكمون في
الناتو، والشيء الرئيسي بالنسبة لهم هو الحفاظ على النفوذ الأمريكي والهيمنة
الغربية في العالم. وأكد أن موسكو تمتلك كل الإمكانيات اللازمة لضمان السيطرة
الأمنية والدفاعية في جميع الظروف.
اتجاهات المناورات
وفق وكالة الأسوشيتد برس، تأتي هذه المناورات في وقت تشهد الحرب
بين روسيا وأوكرانيا جمودًا، إذ لا يشارك الناتو بشكل مباشر في الصراع، لكن يدعم
تزويد كييف بأسلحة وذخائر وتوفير التدريب العسكري بشكل فردي أو في إطار تحالف. وخلال
المناورة المرتقبة، ستنتقل القوات إلى أوروبا وعبرها حتى نهاية مايو فيما يصفه
الناتو بأنه "سيناريو محاكاة لصراع ناشئ مع خصم قريب من نظيره"، إذ
ستكون مصممة لمحاكاة الصدام مع تحالف وهمي يسمى "أوكاسوس"، وبموجب خطط
الناتو الدفاعية الجديدة، فإن خصومه الرئيسيين هم روسيا والمنظمات الإرهابية.
وضمن هذا السياق، أعلن القائد الأعلى للحلف في أوروبا الجنرال
الأميركي كريستوفر كافولي، إن الحلف يحتاج إلى "التدرب على خططنا وتحسينها من
خلال المناورات الصارمة"، وبالتالي ستكون تلك المناورات "دليلًا واضحًا
على وحدتنا وقوتنا وتصميمنا على حماية بعضنا البعض". كما أشارت صحيفة "ذا هيل" الأميركية، إلى أنه من
المتوقع أن تشمل المناورات تعبئة لسفن وأصول بحرية أخرى، إلى جانب مركبات وطائرات
بما في ذلك طائرات "إف-35"، و"إف/إيه-18"،
و"هارير"، و"إف-15"، وهليكوبتر، وطائرات بدون طيار. وأوضحت أنه في حين أن نشر القوات على نطاق
واسع هو جزء من مناورات منتظمة لحلف شمال الأطلسي، إلا أنه يأتي بعد ما يقرب من
عامين من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ووسط حالة تأهب متزايدة في
أوروبا من اتساع الحرب، وبالتالي ستكون تلك المناورات رسالة إلى موسكو وغيرها من
الخصوم بأن الحلف مستعد للدفاع عن حدوده. وأوضح "كافولي" أن المناورة ستشمل خصوصًا قوات من
أميركا الشمالية كتعزيزات للقارة الأوروبية.
من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، إرسال نحو 20 ألف
جندي للمشاركة في المناورات، بالإضافة إلى سفن حربية وطائرات مقاتلة؛ حيث تشمل
عملية النشر 16 ألف جندي من الجيش البريطاني سيتمركزون في شرق أوروبا، بالإضافة
إلى مجموعة حاملة طائرات وطائرات هجومية من طراز "إف 35 بي" وطائرات
استطلاع. ووفقًا لصحيفة "تليجراف"
البريطانية، حذر رئيس اللجنة العسكرية للناتو الأدميرال روب باور من إمكانية نشوب
حرب شاملة مع روسيا في السنوات العشرين المقبلة، قائلاً إنه يتعين على المدنيين
الاستعداد للأمر.
ويمكن الإشارة هنا إلى أنه قبيل تنفيذ تلك المناورات، انعقدت
اللجنة العسكرية لحلف الناتو في جلسة لوزراء الدفاع بمقر الناتو في بروكسل؛ حيث
ركز قادة دفاع الحلف على مدى قابلية تنفيذ الخطط الدفاعية الجديدة، والتحول
القتالي للحلف، ودعم الناتو المستمر لأوكرانيا، والتعاون العسكري مع الشركاء.
في الختام: تشير هذه التدريبات إلى إظهار قدرة الحلف على الدفاع
عن أراضيه. هذه الخطوة مهمة، خاصة في ظل الصراع الجاري في أوكرانيا وتصاعد
التوترات مع روسيا؛ حيث تهدف المناورة إلى تغطية منطقة واسعة، تمتد من الشمال
العالي إلى وسط وشرق أوروبا، مما يُظهر قدرة الناتو على إجراء عمليات معقدة متعددة
الأبعاد على مدى فترة طويلة وعبر آلاف الكيلومترات. وفيما يتعلق بتوقيت هذه
المناورات، فيمكن وصفه بالحاسم؛ حيث يأتي خلال فترة تبدو فيها الحرب الروسية على
أوكرانيا كأنها تتعثر. بينما لا يشارك حلف الناتو بشكل مباشر في هذا الصراع، كما تُعد
المناورة رمزًا قويًا لاستعداد الحلف والتزامه بحماية دوله الأعضاء. إنها استجابة
واضحة للوضع المتصاعد على الجناح الشرقي للناتو، مؤكدة على استعداد الحلف لمواجهة
التهديدات المحتملة من روسيا.
كما لا تقتصر المناورة على عرض القوة العسكرية فحسب؛ بل هي
أيضًا أرض اختبار لاستراتيجيات الدفاع المحدثة للناتو. مع التركيز على تحديات
الحرب الحديثة، بما في ذلك التهديد من الخصوم المماثلين والمنظمات الإرهابية،
ستختبر "المدافع الصامد 24" قدرات الناتو في سيناريو صراع ناشئ محاكي؛
حيث يُعد هذا التكيف مع المشهد الأمني العالمي المتطور أمرًا حاسمًا للأهمية
الاستراتيجية طويلة الأمد للناتو وفعاليته في حماية أعضائه.