آثار التساؤل الذى تم توجيهه إلى رئيس
منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي خلال حوار له مع أحد مذيعي القناة
الثانية بالتليفزيون الإيراني، في 14 يناير 2024 حول "مدى إمكانية اتجاه
إيران إلى إنتاج القنبلة النووية من أجل ردع التهديدات التي تتعرض لها إيران على
المستوى العالمي والإقليمي بالوقت الحالي انتباه الكثير من المحللين على خلفية
تأكيد إيران في أكثر من مناسبة إلى أنها لا تسعى للوصول إلى هذا المستوى في
برنامجها النووي، بالاعتماد على الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى الأول روح الله
الخميني بحرمة تصنيع مثل هذه الأسلحة.
ولكن يمكن القول أن طرح هكذا سؤال في
هذا التوقيت يمكن أن يكشف عن رغبة إيرانية في تكثيف حدة الضغوط المفروضة على
منافسيها في الإقليم، ولاسيما فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل،
وخاصة في ظل الحرب الدائرة في غزة والتهديدات التي يتعرض لها حلفاء إيران بالإقليم، بالتوازي مع
تعثر محادثات الاتفاق النووي وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران.
وسيتم العرض فيما يلي لأبرز محددات
التهديد الإيراني بالوصول إلى مرحلة القنبلة النووية:
أولاً: الرد على التهديدات
الإسرائيلية
يأتي التلميح الإيراني إلى إمكانية
الوصول إلى مرحلة القنبلة النووية بالتوازى مع تهديد تل أبيب بإمكانية استخدام
السلاح النووي في قطاع غزة، وخاصة تلك التي تحدث عنها وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، في 11
نوفمبر الماضي، باستخدام القنبلة النووية في تدمير قطاع غزة، وقد سعت إيران عبر
ذلك إلى تحقيق أهداف عديدة منها التركيز على الازدواجية التي يتعامل بها المجتمع
الدولي مع البرنامجين النوويين لكل من إيران وإسرائيل، وفي الوقت نفسه الترويج إلى
أن إسرائيل قد لا تتوانى عن استخدام الخيار النووي في إدارة صراعها مع خصومها،
بهدف إضفاء نوع من الزخم على الأنشطة النووية التي تقوم بها إيران، رغم إصرارها
على تأكيد أن هذه الأنشطة سوف تستخدم للأغراض السلمية.
وفي السياق ذاته، يبدو أن إيران تحاول
الاستعداد للتهديدات التي يمكن أن تفرضها عليها تل أبيب خلال مرحلة ما بعد الحرب
في غزة، وهو الأمر الذى يحظى بوجاهة كبيرة خاصة في إصرار إسرائيل على المضي قدماً
في تصفية حساباتها مع القوى المناوئة لها، خاصة في ظل إصرارها على الترويج لأن
الدعم الإيراني المتواصل لحماس والفصائل الأخرى هو السبب الرئيسي الذي دفع حماس
إلى شن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.
وكذلك، لا تستبعد إيران أن تحاول
إسرائيل تصفية عدد آخر من قادتها العسكريين، وفي مقدمتهم قائد فيلق القدس التابع
للحرس الثوري إسماعيل قاآني، فضلاً عن استئناف العمليات الاستخباراتية لاختراق
المنشآت النووية، ولا سيما التي تحظى باهتمام خاص من جانب النظام الإيراني، على
غرار مفاعل ناتانز، إلى جانب منشأة فوردو، بالتوازي مع شن المزيد من الهجمات
السيبرانية.
ثانياً: تعزيز الضغوط على
واشنطن
يأتي الإعلان الإيراني عن إمكانية
التفكير في الوصول إلى مرحلة القنبلة النووية بالتوازى مع توجيه تهديدات أمريكية
لها بإمكانية الانخراط في هجمات سيبرانية على منشأتها النووية، وذلك بالتوازى مع تعمد بعض وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية،
في 9 يناير 2024، الإشارة إلى قضية العميل الهولندي إريك فان سابين، الذي قام بزرع
"فيروس ستاكسنت" داخل أجهزة الكمبيوتر في المنشآت النووية، ما أدى إلى
تدمير ألف جهاز طرد مركزي في عام 2010؛ يمثل مؤشراً على أن كلاً من واشنطن وتل
أبيب قد تحاولان الانخراط في المسار نفسه خلال المرحلة القادمة، وذلك للرد على
نجاح الفصائل المدعومة من جانب إيران، ولا سيما حركة حماس الفلسطينية وحزب الله
اللبناني، في اختراق الإجراءات الأمنية الإسرائيلية.
من هنا، فإن إيران تسعى عبر تلك
التلميحات إلى ممارسة ضغوط قوية على إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة
الأمريكية، بأن بدء مرحلة جديدة من استهدافها في فترة ما بعد انتهاء الحرب في غزة
قد يدفعها إلى تغيير المقاربة الحالية التي تتبناها بشأن برنامجها النووي. ومن
ناحية أخرى، تأتي هذه التلميحات الإيرانية بالتفكير في امتلاك القنبلة النووية
بالتوازى توقف محادثات خطة العمل الشاملة
المشتركة؛ حيث لم تحقق المفاوضات التي أُجريت بين إيران والولايات المتحدة
الأمريكية حول الاتفاق النووي، خلال المرحلة الماضية، أية نتائج إيجابية، باستثناء
المساعدة في الوصول إلى صفقة تبادل السجناء التي بدأ تنفيذ بنودها في 18 سبتمبر
الماضي بالإفراج المتبادل عن بعض السجناء الأمريكيين والإيرانيين. وبدا واضحاً أن
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسعى إلى تأجيل البت في الملف النووي الإيراني إلى
مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر القادم.
وانطلاقاً من ذلك، فإن إيران تحاول
ممارسة ضغوط استباقية على الإدارة الأمريكية، عبر التهديد بأنها قد تغير نهجها
الحالي، من أجل دفعها إلى مواصلة المفاوضات مع إيران والوصول إلى صفقة تستوعب
حسابات ومصالح إيران، لتجنب اتجاه الأخيرة -حسب تلميحاتها- إلى تبني مسار الوصول
إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية.
ثالثاً: مطالب المتشددين في
إيران
رغم أن هناك فصيل سياسي غالبيته من
الإصلاحيين وبعض المتشددين يرفضون انخراط إيران في تصنيع قنبلة نووية، وذلك
انطلاقاً من فتوى الخميني بتحريم تصنيع مثل هذا النوع من السلاح، إلا أن ذلك لا
ينفى أن هناك اتجاهاً سياسياً آخر يطالب بتصنيع إيران مثل هذا النوع من السلاح حتى
يكون بمثابة عامل ردع في مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية التي تواجهها إيران
والتي زادت حدتها بالوقت الحالي.
وتستند تلك الاتجاهات في منطقها إلى أن
الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالنسبة للنظام في إيران ليس صراعاً
سياسياً أو أيديولوجياً، وإنما هو صراع وجودي، بما يعني أن الدولتين تسعيان، في
رؤية تلك الاتجاهات، إلى إسقاط النظام الإيراني، وتأسيس نظام بديل يتبنى سياسة
تتوافق مع مصالحهما وحساباتهما، بدليل سعيها إلى دعم الاحتجاجات التي اندلعت في
إيران في منتصف سبتمبر 2022 واستمرت حتى بداية يناير 2023.
وربما يتزايد تأثير هذه الاتجاهات،
التي يمتلك بعضها نفوذاً داخل العديد من مؤسسات النظام، في حالة ما إذا واصلت
إسرائيل سياسة الاغتيالات والتصفية التي تستهدف بعض القادة العسكريين والعلماء
النوويين، كجزء من محاولة تحميل إيران القسم الأكبر من المسؤولية عن عملية طوفان
الأقصى.