تعرضت قاعدة "التنف"
الأمريكية على حدود الأردن وسوريا، إلى هجوم أدى إلى مقتل 3 أمريكيين وإصابة 34
جنديًا، وتُعد قاعدة التنف مقرًا عسكريًا للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وتقع
في منطقة التنف في سوريا، على بعد 24 كيلومترًا غرب معبر التنف الحدودي مع العراق
والأردن. وتأسست في عام 2014 كقاعدة عمليات متقدمة لدعم عمليات التحالف ضد داعش.
ووقع الهجوم، بطائرة مسيّرة على قاعدة
شمال شرقي الأردن وفق واشنطن، وحمّل الرئيس الأميركي جو بايدن مسؤوليته لفصائل
مدعومة من إيران وتوعد بالرد. لكن الأردن أكد أن الهجوم وقع في قاعدة التنف
خارج حدود المملكة، علمًا أن هذه القاعدة تقع في سوريا على الحدود مع الأردن
والعراق.
وتجب الإشارة هنا إلى أنه منذ بدأت
الحرب على غزة في 7 أكتوبر، ضربت ميليشيات مدعومة من إيران المنشآت العسكرية
الأميركية في العراق أكثر من 60 مرة وفي سوريا أكثر من 90 مرة، بمزيج من الطائرات
المسيّرة والصواريخ وقذائف الهاون والصواريخ البالستية.
الاستجابة الأمريكية
والإيرانية
شدد الرئيس الأميركي جو بايدن، على أن
الولايات المتحدة سترد على الهجوم الذي استهدف قوات أميركية على الحدود الأردنية
السورية في قاعدة التنف، وأودى بحياة 3 جنود أميركيين، وسط تصاعد المطالبات من
الحزبين الديمقراطي والجمهوري، للرد بقوة على إيران بعد الهجوم، فيما نفت طهران
صلتها بالهجوم، معتبرة أن وراء اتهامها أهدافًا سياسية.
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن،
إن المليشيات المدعومة من إيران مسؤولة عن هذه الهجمات المستمرة على القوات
الأميركية، وسنرد في الوقت والمكان الذي نختاره، كما تعهدت كامالا هاريس، نائبة
الرئيس الأميركي، بمحاسبة المسئولين عن قتل الجنود الأميركيين، وقالت إن بلادها
ستواصل الحرب ضد الإرهاب، ونحاسب جميع المسئولين.
على الجانب الآخر، أعلنت الخارجية
الإيرانية على لسان المتحدث باسمها ناصر كنعاني في بيان نقلته وكالة الأنباء
الإيرانية "إرنا" أن الاتهامات الأميركية، غرضها سياسي ويهدف إلى قلب
الحقائق في المنطقة، وذلك تعقيبًا منه على بيان لوزير الخارجيّة البريطاني ديفيد
كاميرون دعا فيه طهران إلى وقف التصعيد في المنطقة. وأضاف كنعاني أنّ هذه الاتهامات "تُظهر أيضًا تأثرها بأطراف ثالثة،
بما في ذلك النظام الصهيوني قاتل الأطفال، في إشارة منه إلى إسرائيل. وتابع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إنّ جماعات المقاومة في هذه
المنطقة تردّ على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الصهيوني،
وهي لا تأتمر بأوامر إيران، وتُقرّر أفعالها بناءً على مبادئها الخاصّة.
تباينات داخلية
علق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب،
على الهجوم بقوله، إنه "يعتبر يومًا فظيعًا لأميركا". وقال، في بيان، إن "هذا الهجوم على الولايات المتحدة هو نتيجة
مروعة ومأساوية أخرى لضعف جو بايدن واستسلامه". وأضاف ترامب:
"قبل 3 سنوات كانت إيران ضعيفة ومفلسة، وتحت السيطرة بشكل كامل بفضل سياسة
الضغط الأقصى التي اتبعتها"، مشيرًا إلى أن "النظام الإيراني كان بالكاد
يستطيع جمع دولارين لتمويل وكلائه الإرهابيين". وتابع:
"ثم جاء جو بايدن، وأعطى إيران مليارات الدولارات، ليستخدمها النظام الإيراني
في نشر المذابح وسفك الدماء بجميع أنحاء الشرق الأوسط". وزعم ترامب
أن هذا الهجوم لم يكن ليحدث أبدًا لو كان هو الرئيس، وأيضًا لم يكن ليحدث هجوم
(حماس) في 7 أكتوبر، والحرب في أوكرانيا، وعكس ذلك كان سيكون هناك سلام في جميع
أنحاء العالم، بدلًا من وجودنا على حافة حرب عالمية ثالثة، وفق قوله. وشدد ترامب على أن الهجوم دليل آخر على أننا بحاجة إلى عودة فورية
للسلام من خلال القوة، حتى لا يكون هناك المزيد من الفوضى، ولا مزيد من الدمار،
ولا مزيد من الخسائر في الأرواح الأميركية، معتبرًا أن الولايات المتحدة "لا
يمكنها النجاة مع جو بايدن كقائد أعلى للقوات المسلحة". وتشير هذه
التصريحات إلى محاولة ترامب تسويق نفسه في الانتخابات الأمريكية القادمة واستغلال
هذه الأحداث لتعريض شعبية الرئيس بايدن للضغط الشعبي وتعزيز مركزه في الحصول على
أصوات الناخبين.
من جانب آخر، تصاعدت الأصوات في
الكونجرس من أجل الرد على الهجوم، وإعادة ترتيب السياسة الأميركية في الشرق
الأوسط، وشدد رئيس مجلس النواب، الجمهوري مايك جونسون على ضرورة أن ترسل الولايات
المتحدة رسالة واضحة إلى العالم، مفادها أنها لن تتسامح مع الهجمات على قواتنا. في
حين طالب السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام بـ"ضرب إيران الآن وبقوة"،
وقال: "عندما تقول إدارة بايدن لا تفعلوا، فإن الإيرانيين يفعلون، فخطاب
إدارة بايدن لا يلقى آذانًا صاغيةً في إيران". وقال النائب الديمقراطي جاك ريد، الذي يرأس لجنة القوات المسلحة بمجلس
الشيوخ: "أنا واثق من أن إدارة بايدن سترد بطريقة مدروسة ومتناسبة". ودعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، مايكل ماكول، إلى
"إعادة ضبط سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لحماية مصالح أمنها
القومي واستعادة الردع". ولفت ماكول في بيان إلى أن "وكلاء
إيران شنوا أكثر من 150 هجومًا على القوات الأميركية منذ أكتوبر الماضي، معتبرًا
أن سياسة إدارة بايدن الفاشلة في الشرق الأوسط دمرت قدرتنا على الردع ضد الخصوم في
الشرق الأوسط. وقال ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، إنه "لا
يمكننا الاستمرار في التردد وأنصاف التدابير في الرد على هذا العدوان.. العالم كله
يراقب الآن، معتبرًا أن أعداء أميركا أصبحوا أكثر جرأة. وقال الجمهوري توم كوتون،
عضو مجلس الشيوخ، إن الرد الوحيد على هذه الهجمات يجب أن يكون انتقامًا عسكريًا
مدمرًا ضد القوات الإيرانية، سواء في إيران، أو في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ويمثل هذا الهجوم تصعيدًا كبيرًا للوضع
المتوتر بالفعل في الشرق الأوسط؛ حيث اندلعت الحرب في غزة بعد هجوم حركة حماس على
بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر، ورغم اتخاذ واشنطن موقفًا رسميًا مفاده أنها
ليست في حالة حرب بالمنطقة، فقد شنت ضربات ضد أهداف تابعة لجماعة الحوثي اليمنية
التي تهاجم سفنًا تجارية بالبحر الأحمر. ونقل البيت الأبيض عن بايدن قوله في البيان
"سنظل ملتزمين بمحاربة الإرهاب. لا يوجد لدينا شك في أننا سنحاسب كل المسئولين
في الوقت الذي نحدده وبالطريقة التي نختارها". واستغل
معارضون جمهوريون لبايدن الهجوم باعتباره دليلًا على فشل الرئيس الديمقراطي في
مواجهة إيران التي يضرب وكلاؤها القوات الأمريكية في أنحاء المنطقة.
وتشير هذه التصريحات من مختلف المؤسسات
الأمريكية والشخصيات المؤثرة في السياسة الأمريكية إلى اتجاه واشنطن إلى التصعيد
العسكري في مناطق تواجدها داخل الشرق الأوسط وتصعيد استهدافها لمواقع المقاومة
المختلفة في سوريا والعراق وغيرها من المناطق بما يؤشر على إمكانية اتساع دوائر
الاستهداف والتصعيد وبما يعكس انخراطًا أكبر لواشنطن عسكريًا على عكس رغبة دول
المنطقة ومن ثم تفاقم التوترات الأمريكية مع هذه الدول.
في الختام: أكد قائد الحرس الثوري
الإيراني حسين سلامي، أن أي تهديد أميركي لن يمر دون رد، ويأتي هذا بينما تبحث
واشنطن طريقة الرد على مقتل جنود أميركيين على يد مسلحين متحالفين مع طهران في
الأردن. وأن طهران سترد ردًا حاسمًا على أي هجوم يستهدف أراضيها
أو مصالحها أو رعاياها في الخارج، وتشير هذه التصريحات بجانب التصريحات الأمريكية
إلى إمكانية تصعيد الأعمال العسكرية في دول المنطقة بما يشمل استهداف المصالح
الأمريكية وكذلك مواقع الجماعات التابعة لإيران، وهو ما سيترتب عليه تهديدات
للاستقرار في المنطقة قد تتطور إلى الإقليم بأكلمه.