آثار إعلان وكالة بلومبيرغ الأمريكية
في 25 يناير 2024 في تقرير لها عن إن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات دون طيار
من نوع "مهاجر 6" مؤهلة لمهام الرصد ونقل المتفجرات في قاعدة وادي سيدنا، شمالي أم درمان انتباه
الكثير من المحللين حول حدود الدور الإيراني في الصراع بالسودان. وارتبط ذلك
بإعلان السلطات في كل من الخرطوم وطهران في 9 أكتوبر الفائت عن نيتهما لعودة
العلاقات بين البلدين بعد أن انقطعت في عام 2016 عندما كانت الخرطوم من العواصم
التي قطعت علاقتها مع إيران عقب اقتحام السفارة السعودية في إيران.
ولكن اللافت للانتباه في هذا السياق،
هو قرار هذه البلدين بالعودة إلى العلاقات الطبيعية فيما بينهما في خضم تصاعد حدة الصراع المسلح بين قوات الجيش
السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل الماضي، على نحو يكشف عن أن هذا
القرار لا ينفصل عن محاولات الجيش تعزيز مواقعه في مواجهة الدعم السريع عبر البحث
عن ظهير إقليمي جديد.
وتم اتخاذ هذا القرار أثناء لقاء وزير الخارجية
السوداني بالوكالة علي الصادق ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على هامش
اجتماع وزاري لقمة عدم الانحياز التي عقدت في العاصمة الأذرية باكو في 6 يوليو 2023.
وتواصلت الاتصالات بين الطرفين، حيث عقد لقاء آخر بين نائب الرئيس الإيراني محمد
مخبر ووزير الخارجية السوداني بالوكالة علي الصادق على هامش قمة حركة عدم الانحياز
التي عقدت في العاصمة الأوغندية كمبالا، في 20 يناير الحالي، حيث ناقشا سبل تسريع
استعادة العلاقات الثنائية وإعادة افتتاح السفارتين.
وسيتم العرض فيما يلي لأبرز المحفزات
الرئيسية وراء دعم إيران للجيش السوداني بمسيرات مهاجر 6 في مواجهة قوات الدعم
السريع:
1- انهاء الخلاف
بين طهران والخرطوم القائم منذ عام 2016
تتصل
أولى دوافع إيران من وراء دعم الجيش السوداني بالمسيرات في الصراع مع قوات الدعم
السريع برغبة إيران في التأكيد على إنهاء كل الخلافات المرتبطة بفترة التوتر في
العلاقات بين البلدين، والتي دعمت القرار الذي اتخذته السعودية بقطع العلاقات
الدبلوماسية مع إيران بعد الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران
ومشهد احتجاجاً على إعدام السلطات السعودية الشيعي نمر باقر النمر.
ولاسيما
أن ذلك جاء بعد أن استعادت إيران علاقتها مع المملكة العربية السعودية في 10 مارس
2023، إلى جانب جيبوتي وجزر المالديف. كما تطورت علاقاتها مع بعض دول مجلس التعاون
الخليجي مثل الإمارات والكويت، إلى جانب سعيها لتطوير العلاقات مع مصر. وهنا، فإن
إيران اعتبرت بهذه الإجراءات أنها نجحت في تجاوز الأزمة التي فرضتها تلك التطورات،
والتي ساهمت في تعرضها لضغوط وعزلة أكبر نتيجة السياسة التي تتبناها، وتقوم في
الأساس على التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
2-
تعزيز النفوذ الإيراني في البحر الأحمر
يأتي
ذلك في سياق سعي إيران لإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر وهي منطقة حيوية في الاستراتيجية الإيرانية، وإحياء أجندتها الإقليمية من
خلال توسيع وجودها في السودان، وأوضحت بعض المصادر بأن الشخصيات الإسلامية التي
تحظى بنفوذ داخل الجيش السوداني، وعدت طهران بالمساعدة على توسيع نفوذها في
السودان وتعزيز وجودها على البحر الأحمر إذا مضت إيران قدماً في تزويد الجيش
السوداني بالإمدادات العسكرية. ولكن من المرجح أن يؤثر ذلك بشكل سلبي على المبادرات
الإقليمية الرامية إلى وقف الحرب ويؤدي إلى أشكال أخرى من التدخل الخارجي في
الصراع، فضلاً عن التأثير على مسارات استعادة العلاقات بين طهران والرياض التى
كانت من أشد المعارضين للنفوذ الإيراني المتصاعد في السودان خلال فترة حكم البشير.
ويتوازى
ذلك مع تراجع النفوذ الغربي ولاسيما الفرنسي والأمريكي في أفريقيا، والعلاقات الوثيقة التى تربط إيران
بالقوات المسلحة السودانية منذ عهد البشير، فضلاً عن النفوذ الروسي المتصاعد في
أفريقيا ولاسيما في السودان، الأمر الذى يكشف عن أن الظروف باتت شبه مهيئة
لاستعادة إيران لنفوذها في السودان والذى من المتوقع أن تتخذه كوسيلة لتوسيع
نفوذها مع باقي دول القارة.
ويمكن
القول أن هذه الجهود الإيرانية لاستعادة العلاقات مع السودان تتصل بشكل كبير
بأجندة السياسة الخارجية للحكومة الحالية في إيران بقيادة إبراهيم رئيسي والتى
تتخذ من الانفتاح وتعزيز العلاقات مع دول الجوار ركيزة أساسية. ومن هذا المنطلق،
وبعد أن استأنفت إيران علاقتها مع المملكة العربية السعودية، فإنها ترغب في
استعادة علاقتها مع جمهورية مصر العربية التى تعد من دول الجوار القريب للسودان،
بما يمكن إيران من تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأحمر، دون عوائق أو توترات مع
الدول ذات النفوذ مثل المملكة العربية السعودية، فضلاً عن دول جوار السودان مثل
مصر.
3-
مواصلة إيران
لدورها العسكري في السودان
دعمت إيران توسيع وتعزيز البنية
التحتية العسكرية في السودان من أجل مواصلة الدفع
بالعتاد والسلاح إلى منطقة غرب أفريقيا وكذلك الصمود في وجه الضربات
الانتقامية المحتملة من بعض دول هذه المنطقة مثل نيجيريا. وهكذا، كان قرار إيران بالاندفاع غرباً عبر غرب إفريقيا وصولاً إلى
سواحل المحيط الأطلسي هو العامل الأبرز وراء التغيرات الاستراتيجية في السودان.
وفي هذا السياق، ارتفعت وتيرة بناء
المنشآت العسكرية الإيرانية في جميع أنحاء السودان؛ حيث زادت وتيرة ونطاق بناء
القواعد البحرية والعسكرية واللوجستية الإيرانية في بورتسودان بشكل ملحوظ؛ حيث
قامت الوحدات الهندسية التابعة للحرس الثوري الإيراني بملابس مدنية وعدد كبير من
العمال السودانيين في مايو لعام 2013 ببناء أرصفة لوجستية لتنزيل السفن وتحميلها
بسرعة، وأرصفة عسكرية لدعم السفن الحربية والغواصات.
وبعيداً عن الميناء، قام الإيرانيون
والسودانيون ببناء عدة مجموعات جديدة من المخابئ المحصنة ومواقع التخزين الأخرى،
القادرة على التعامل مع الدبابات والمركبات القتالية وأنظمة الصواريخ والمدفعية
ذاتية الدفع وغيرها من الأسلحة الثقيلة. وفي منتصف مايو لعام 2013، بدأت وحدات الحرس
الثوري الإيراني في بناء السياج وأبراج المراقبة والتحصينات، فضلاً عن بناء مواقع
دفاع جوي محصنة لنشر بطاريات الصواريخ، وهو ما بات على إثره من الصعب إخفاء الوجود
والنفوذ العسكري الإيراني في السودان.
وفي النهاية: يمكن القول أن الجيش السوداني يسعى خلال المرحلة
الحالية إلى توسيع هامش المناورة المتاح أمامه على المستوى الإقليمي، للتعامل مع
التطورات الجديدة التي فرضتها توازنات القوى العسكرية في الداخل. لكن هذه السياسة
الجديدة قد تأتى بنتيجة عكسية ربما تساهم في تعزيز موقع قوات الدعم السريع،
واكتسابها أرضية جديدة خاصة على صعيد القوى الخارجية الداعمة لطرفي الحرب.