سيناريوهات وتهديدات...كيف يمكن أن تؤثر نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة على إيران؟
بغض النظر عن السجالات والمنافسات
الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، ستكون نتائج الانتخابات الرئاسية
الأمريكية ذات أهمية أساسية بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنطقة غرب
آسيا ومنطقة الشرق الأوسط، كما يمكن لمنطقة الخليج العربي أن تكون أحد العوامل المتأثرة
بشدة أيضاً.
وبالنظر إلى انتصارات دونالد ترامب
المتكررة في المنافسات الحزبية وإعادة تأكيده على شعار "أمريكا أولا"،
ونقص الدعم المالي لحلف شمال الأطلسي ومنع المهاجرين من دخول هذا الولايات المتحدة
الأمريكية، إلى جانب كبر سن جو بايدن، وزلاته الكثيرة أثناء خطاباته وحالته الصحية المتدهورة، الأمر
الذى أثار الكثير من الشكوك حول نتائج الانتخابات الأمريكية. وبطبيعة الحال، لا
تزال المرشحة الجمهورية الأخرى نيكي هيلي، تأمل بالفوز في الانتخابات الحزبية
الداخلية والفوز بمنصب الرئيس.
وفي هذا الصدد، يمكن التنبؤ بعدة
سيناريوهات محتملة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
أولاً- فوز الديمقراطيين
قد يكون أحد السيناريوهات المحتملة هو إعادة فوز بايدن؛ حيث تشير التوقعات الحالية
إلى إنه لن ينسحب من الترشح للرئاسة إلا بعد حسم موقف ترامب، لكن احتمالية تحقيق
هذا السيناريو ضئيلة، فمنذ عام 2021 تفاقمت العواقب الاقتصادية لجائحة كورونا، ورد
الفعل غير المواتي لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، فقد بايدن شعبيته بين
المجتمع الأمريكي، فضلاً عن كبر سنه وسلوكياته، وبالتالي، فإن فرصته في الفوز مرة
أخرى في الانتخابات المقبلة باتت ضئيلة.
أما عن السيناريو الآخر قد يكون فوز
المرشحة الأصغر سناً من الحزب الديمقراطي، ونائبة بايدن كاملا هاريس، ولكن بسبب
الأداء الضعيف لبايدن قد تكون نسب هاريس ضعيفة في الفوز، وما لم يتمكن كل من بايدن
وهاريس، من صنع أوراق رابحة جديدة من شأنها أن تغير موقفهم بين الناخبين الأمريكيين
في الأشهر التي تسبق الانتخابات، أو ما لم يقدم الحزب الديمقراطي مرشحين أكثر
فعالية وتأثيراً، فإن فرصهم في الفوز قد تكون ضعيفة للغاية. وكذلك، يمكن القول أن القلق
من فوز ترامب مرة أخرى يمكن أن يصبح أحد عوامل فوز الديمقراطيين؛ فلا يزال الرئيس
الأمريكي السابق مكروهاً بشدة في أجزاء كثيرة من البلاد وبين بعض الفئات الحيوية
داخل المجتمع الأمريكي.
وإذا تحقق أي من هذين السيناريوهين
وفاز مرشحو الحزب الديمقراطي، فمن المتوقع أنه في جميع الأحداث والتطورات التي
تشهدها منطقة غرب آسيا تقريباً، سوف تسير الأمور على وتيرتها الحالية وتشهد
استمراراً لنفس السياسات التي تتمثل في من مواصلة الاحتواء والمساومة والعودة إلى المفاوضات
النووية مع إيران. بالتوازى مع مواصلة دعم إسرائيل ، والحفاظ على علاقات ودية مع
الدول العربية في الخليج.
ثانياً- فوز دونالد ترامب
أما السيناريو الثالث فقد يكون فوز
دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولكنه يواجه الآن عدة قضايا
جنائية وتعرض للمساءلة مرتين، فبعد خسارته الانتخابات الرئاسية في عام 2020، حاول
منع الانتقال السلمي للسلطة إلى الرئيس المقبل. ومع ذلك، إذا تمكن ترامب من النجاة
من الاتهامات السياسية والاقتصادية في العديد من محاكم الولايات الأمريكية ولم يتم
استبعاده من المنافسة، فستكون لديه فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات الرئاسية
الأمريكية القادمة.
وقد تنبع فرص ترامب للفوز من استغلاله لمخاوف الأمريكيين بشأن الاختلاط
العرقي والثقافي في أمريكا، ومشاكل ملكية المنازل، والأجور المناسبة مقابل التضخم،
وبالطبع فرصة الحصول على تعليم جامعي، ومن خلال التحدث عن هذه القضايا الصعبة، يحاول
استقطاب فئة كبيرة من الناخبين الأمريكيين، وهو ما ظهر في نتائج استطلاعات الرأي الحالية.
وبالتالي، يمكن القول إنه إذا فاز
ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، فسيتم استئناف سياسة الضغط الأقصى على
إيران، وتقديم الحد الأقصى من الدعم لنظام الاحتلال في إسرائيل. وبالإضافة إلى
ذلك، سيتم استئناف اتفاقات التطبيع العربية مع تل أبيب دون تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، وهو الأمر
الذى من المتوقع أن يحظى بالأولوية مرة
أخرى في خطط الحكومة الأمريكية، بل ومن المرجح أن تتحول المصالحة بين إيران والمملكة
العربية السعودية التي جرت في مارس من العام الماضي إلى اتفاق على الورق، وسيتم
استئناف الحروب بالوكالة وسيرتفع مستوى
التوتر بين إيران وجيرانها العرب من جديد.
ثالثاً: فوز نيكى هيلي
يتضح السيناريو الرابع في فوز حاكمة
ولاية كارولينا الجنوبية السابقة وسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم
المتحدة في عهد ترامب نيكي هيلي في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. ومع أن
شعبية هيلي المنخفضة حالياً بين الناخبين الجمهوريين تضعف احتمال فوزها على ترامب،
ولكن يمكن لفوزها بالانتخابات كأول رئيسة
لهذا البلد أن يحدث تغييرات قد لا تبدو هينة في نهج الإدارة الأمريكية القادمة.
ورغم أن مقاربتها للسياسة الخارجية
ستتبع سياسات الحزب الجمهوري، لكن من المتوقع إنه لن يكون هناك مكان لسياسات ترامب
القومية المتطرفة. ومن المتوقع إنه إذا تحقق هذا السيناريو فسيتم مواصلة حملة
الضغوط القصوى في مواجهة إيران، ودعم إسرائيل واستئناف اتفاقات إبراهيم، وبذل المزيد من الجهود الهادفة إلى إيجاد مسافة بين
الدول في الخليج العربي وإيران، ومن المتوقع أن تتزايد التوترات في المنطقة.
وفي التقدير: يمكن القول إنه من المبكر الحديث بيقين عن نتائج الانتخابات
الأمريكية وتحقيق أي من هذه السيناريوهات، إلا أن النقطة الواضحة والقاطعة هي أن
نتائج الانتخابات في هذا البلد ستحظى بتأثير مباشر على النظام الأمني في المنطقة،
بما يتضمن موقف الدول العربية في المنطقة تجاه
إيران ومستوى الضغوط والعقوبات الأمريكية على هذه الأخيرة.
ولكن يمكن للسلطات الإيرانية أن تفكر
في بعض التدابير التي من شأنها أن تحد من التداعيات السلبية التي يمكن أن تشكلها
نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة على إيران، والتي تتضح في تعميق العلاقات مع الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية،
والمشاركة الفعالة في حل الأزمات الإقليمية، بما في ذلك القضية الفلسطينية. ومع
ذلك، فإن الحل الأهم والأكثر فعالية لإيران يجب أن يركز على المجال الداخلي وتنمية
رأس المال الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والأمل بين الشعب الإيراني، لأن النظام
السياسي الذي يتحرك نحو تحقيق رغبات ومطالب شعبه ويحظى بدعمه ورضاه ، لا يمكن
للأجندات الخارجية أن تنال من التأثير بشكل مباشر وقوى منه.