بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون لإعادة تأكيد دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا التي تواجه وضعا حرجًا في
مواجهة موسكو وبات مصيرها متوقفًا على المساعدات الغربية. احتضنت العاصمة الفرنسية
باريس في 26 فبراير 2024 اجتماعًا لنحو عشرين دولة أغلبها من أوروبا لدعم أوكرانيا
بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا الذي بدأ
في الـ 24 فبراير 2022. وأعلنت فرنسا إن هدف الاجتماع يكمن في إعادة التعبئة
ودراسة كافة سبل دعم أوكرانيا بشكل فعال خاصة مع تنامي الشكاوى الأوكرانية من عدم
الحصول على ما يكفي من الدعم الغربي لمواجهة روسيا، لا سيما بعد سيطرة القوات
الروسية على مدينة أفدييفكا على الجبهة الشرقية الأوكرانية. كما يأتي الاجتماع للتأكيد
مجددًا على وحدتهم ودعمهم لأوكرانيا التي تواجه وضعًا مأزومًا بعد أكثر من عامين
من حرب ضارية مع موسكو. ويذكر أن الاتحاد الأوروبي قدم مساعدات عسكرية بقيمة 28
مليار يورو لأوكرانيا منذ بداية الحرب، ووقعت عدة دول اتفاقيات أمنية ثنائية مع
كييف، لكن تسليم القذائف والأسلحة لا يزال متأخرًا. وبالتالي بحث الأوروبيين
الوسائل اللازمة لدعم أوكرانيا وعدم التراجع في تنفيذ التزاماتهم. في حين صرح رئيس
الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، أن بعض دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي
تدرس إمكانية إرسال قواتها العسكرية إلى أوكرانيا على أساس اتفاقيات ثنائية.
اتجاهات متعددة
ذكرت الرئاسة الفرنسية أن "الأمر
يتعلق بدحض الانطباع بأن الأمور تنهار، والتأكيد من جديد على أننا لم نتعب وأننا
مصممون على وقف العدوان الروسي. نريد أن نبعث رسالة واضحة إلى بوتين بأنه لن ينتصر
على أوكرانيا". من خلال الإعلان عن مساعدات جديدة، كما بحث المشاركون سبل
القيام بعمل أفضل وأكثر حسمًا، في حين أكدت كييف، أن نصف الأسلحة الغربية الموعودة
يتم تسليمها بشكل متأخر. وقالت الرئاسة الفرنسية "الجميع يبذلون كل
ما في وسعهم لتسليم الأسلحة. يجب أن نكون جميعًا قادرين على القيام بعمل أفضل معًا،
كل وفق قدراته".
ويمكن الإشارة هنا إلى أن دولًا أوروبية عدة
بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وقعت اتفاقات أمنية ثنائية مع كييف في الأسابيع
الأخيرة، لكن الاتحاد الأوروبي يجد صعوبة في الإيفاء بالتزاماته، خاصة فيما يتعلق
بتسليم القذائف. خاصة وأن المساعدة الأميركية التي تعتبر بالغة
الأهمية بالنسبة لكييف، معلقة حاليًا من جانب أنصار ترامب الجمهوريين الذين
يتمتعون بالأغلبية في مجلس النواب، وهو ما يثير قلقًا بالغًا في الاتحاد الأوروبي
بشأن قدرة أوكرانيا على الاستمرار في مواجهة روسيا، كما ناقش الاجتماع التحديات
الأمنية والاقتصادية التي تواجهها أوكرانيا، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية
والمعلوماتية المتزايدة من جانب روسيا في وقت تواجه فيه كييف نقصًا حادًا في
الأسلحة والذخيرة لمواجهة التحدي الروسي. كما دعا ماكرون أوروبا إلى تحرك جماعي في
مواجهة روسيا، في وقت ما زال الكونجرس يعرقل الدعم الأميركي بالغ الأهمية لكييف،
كما يثير احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض قلق الاتحاد الأوروبي.
التذبذب الأمريكي والدعم
الأوروبي
حمّل الرئيس جو بايدن تقاعس المشرعين
الأميركيين مسئولية سيطرة روسيا على مدينة أفدييفكا في شرق أوكرانيا، بينما يعرقل
الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس إقرار 60 مليار دولار من
المساعدات العسكرية التي تحتاجها أوكرانيا بشدة. كما دعا الرئيس فولوديمير
زيلينسكي الكونجرس الأميركي إلى إقرار حزمة المساعدات الإضافية لكييف، قائلًا في
مقابلة إن التقاعس عن القيام بذلك سيكلّف الأوكرانيين أرواحهم. وإن الانسحاب
الأوكراني من أفدييفكا جاء بعد أن اضطر الجيش الأوكراني إلى تقنين استخدام الذخيرة
بسبب تضاؤل الإمدادات نتيجة تقاعس الكونجرس، مما أدى إلى تحقيق روسيا أول مكاسب
ملحوظة منذ أشهر. بالإضافة إلى ذلك فإن جفاف التمويل الأميركي الحالي، كان بسبب
حلفاء الرئيس السابق دونالد ترامب في مجلس النواب يعطلون المساعدات الحاسمة
لأوكرانيا؛ حيث يعارض ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل في السباق الرئاسي في نوفمبر
2024، مساعدة كييف، وقد استخدم نفوذه مؤخرًا لعرقلة تشريع لإصلاح قوانين الحدود
كان سيسمح أيضًا بتقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن الحرب وصلت
إلى طريق مسدود؛ حيث اضطرت أوكرانيا إلى الانسحاب من بلدة أفدييفكا الرئيسية بعد
أشهر من القتال العنيف، مما يمثل أسوأ هزيمة لها منذ سقوط باخموت في مايو 2023 وهو
ما يمكن وصفه بتآكل الوحدة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، وإن دعم
الغرب المدوي لأوكرانيا منذ عام 2022 فاجأ الكثيرين في العالم الدبلوماسي، وكلما
طال أمد الحرب، زاد الإرهاق. ومع عدم وجود نهاية للصراع في الأفق، والتنافس على
الاهتمام السياسي في الشرق الأوسط، فضلًا عن المخاوف المحلية الناجمة عن أزمات
تكاليف المعيشة الناجمة عن التضخم في جميع أنحاء العالم، ومن ثم قد يصبح إنفاق
مبالغ ضخمة على أوكرانيا أكثر صعوبة من الناحية السياسية للحكومات الأوروبية.
وضمن هذا السياق، برزت مجموعة من
التساؤلات حول مدى استدامة الدعم المقدم لأوكرانيا، وأصبحت القضية الشائكة تتمثل
فيما إذا كانت أوروبا قادرة على تزويد كييف بالأسلحة التي تحتاجها لكسب الحرب دون
دعم أميركي خاصة أن أوروبا لا تتمتع بالثقل التصنيعي في الوقت الحالي اللازم لخدمة
أوكرانيا بشكل مستقل على مدى الأشهر القادمة. ومع ذلك فإن الدبلوماسيين الغربيين
متفائلون بأن تسليح أوكرانيا يتناسب تمامًا مع التوجه الأوروبي لتخفيض اعتماده على
الولايات المتحدة الأمريكية. على الجانب الآخر، يتفق معظم الأوروبيين على
أن أوروبا تحتاج إلى شراء المزيد من الأسلحة وانتهاج سياسة أمنية لا تعتمد على
الولايات المتحدة. وفي جميع الأحوال، يعتقد معظم المسئولين الغربيين أنه إذا تمكنت
أوروبا من قضاء العام المقبل من جعل نفسها قادرة على القتال، فسيكون من الأسهل
إبقاء الرئيس المستقبلي ترامب إلى جانبها.
من ناحية أخرى، فإن استمرار الضغوط على
الصناعات الدفاعية لحلف الناتو، أو زيادة التداعيات الداخلية للحرب أو الأولويات
الأخرى مثل ردع الصين، قد تجبر شركاء أوكرانيا على تقليل دعمهم، إن لم يكن إنهاءه.
إذا حدث ذلك، فستصبح القدرة على التحمل هي من تحدد قوة كل طرف، وهو ما يمكن أن
تفوز بها روسيا. ومن ثم يتمثل هذا الاجتماع في الحفاظ على استمرارية القادة
السياسيون الأوروبيون في دعم أوكرانيا إذا خفضت الولايات المتحدة وحلف شمال
الأطلسي بشكل مفاجئ المساعدة إلى الحد الذي لا تستطيع فيه أوكرانيا الاستمرار في
القتال، خاصة وأن اللوم عن الظلم الناتج يقع جزئيًا على عاتقهما، لتجنب الوصول إلى
النقطة التي لم تعد فيها المساعدة لأوكرانيا مجدية من الناحية السياسية، ومن ثم
يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي النظر في مقدار المساعدة التي ستقدمها
لتجنب هزيمة أوكرانيا وتقديم ذلك الآن بدلًا من تقديمها بشكل مجزأ كرد فعل على
النجاحات الروسية.
في الختام: من غير المرجح أن يؤدي
اتباع هذه الإجراءات إلى إقناع بوتين بالتفاوض ومع ذلك، نظرًا لوقائع هذه الحرب،
فإن هذه الإجراءات تدافع عن حقوق الأوكرانيين في امتلاك القدرة العسكرية لاستعادة
أراضيها بالكامل، علاوة على ذلك، فهذه المخرجات يجب أن تجعل أوكرانيا أكثر أمانًا مع
وضع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في وضع أفضل لمعالجة التدخل العسكري
الروسي.