شهدت الأوضاع في تشاد تصعيدًا خطيرًا
خلال الأيام الثالثة الماضية وأدت المواجهات العنيفة بين أنصار الحزب الحاكم،
بقيادة الرئيس محمد دبي، وأنصار حزبي المعارضة الرئيسيين، التجمع الوطني والحزب
الاشتراكي بلا حدود، إلى سقوط 8 قتلى على الأقل منهم 5 من أنصار المعارضة و 3 من
أنصار الحزب الحاكم. ويخشى المراقبون من تأثيرات أي تطورات سلبية للأوضاع في تشاد
على الأوضاع الداخلية والخارجية ذات الصلة.
وقد أعلنت وسائل إعلامية في تشاد مقتل
زعيم "الحزب الاشتراكي بلا حدود"، يحيي ديلو، بعد إصابته في اشتباكات
بين قوات الأمن وأنصار للحزب، أعقبها القبض عليه، كما أدت معارك الشوارع التي
اندلعت في العاصمة التشادية انجمينا في النهاية إلى مقتل زعيم المعارضة التشادية
يايا ديلو، بعد أن اقتحم الحرس الجمهوري الحكومي مقر الحزب المعارض. وكان ديلو قد
صرح قبل يوم واحد فقط لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الناس يريدون القضاء عليه
جسديًا، وتأتي هذه الأحداث بعد إعلان هيئة الانتخابات، أن الانتخابات ستُجرى في 6
مايو المقبل، والتي سبقها الانتهاء من خطوة إعداد دستور جديد للبلاد، والاستفتاء
عليه في ديسمبر 2023، والمفترض أن تُنهي الفترة الانتقالية الممتدة منذ 3 سنوات.
كما تمثل هذه الأحداث امتدادًا لصراع لأكثر من 3 سنوات بين أجنحة داخل قبيلة
الزغاوة الحاكمة، ومتوقع يلقي بظلاله على الانتخابات الرئاسية المقررة مايو
القادم، والمرشح فيها الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي إتنو، وتجب الإشارة هنا
إلى أن الرئيس الانتقالي محمد ديبي كان قد وعد بتسليم السلطة إلى المدنيين وتنظيم
الانتخابات في غضون 18 شهرًا، لكنه أضاف عامين آخرين على الفترة الانتقالية.
مسارات التصعيد
أصدرت الحكومة التشادية بيانًا جاء فيه
أنه تم القبض على زعيم "الحزب الاشتراكي بلا حدود" وآخرين، بتهمة
التحريض على مهاجمة مقر المخابرات ومحاولة اغتيال رئيس المحكمة العليا في البلاد. ويأتي هذا
التصعيد على خلفية اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وسط اتهامات متبادلة من
الطرفين باللجوء إلى استخدام العنف. ومن المعروف أن الرئيس محمد دبي كان قد تولى
رئاسة البلاد بعد مقتل والده في العام 2021 ولفترة انتقالية تمتد إلى 18 شهرًا يتم
بعدها تسليم الحكم للمدنيين بعد انتخابات حرة ونزيهة. لكن الرئيس محمد دبي قرر
تمديد الفترة الانتقالية لمدة 24 شهرًا إضافيًا لإعطاء الفرصة لاستكمال الحوار
الوطني والتحضير للانتخابات، بالإضافة إلى ذلك، هناك صعوبات تحيط بالقدرة على التكهن
بمآلات الأوضاع وتطوراتها إزاء مشهد كهذا في تشاد، خاصة أن المشكلة الرئيسية تكمن
في أن الصراع يحدث داخل الأسرة الحاكمة وأن ذوي زعيم الحزب الاشتراكي وأعضاء حزبه
لن يقفوا عاجزين إزاء ما لحق بهم.
كما أنه ومع اقتراب موعد الانتخابات،
اصطفت غالبية الأحزاب والتنظيمات السياسية خلف مرشح الحزب الحاكم، الجنرال محمد
دبي، ما عدا حزب التجمع الوطني والحزب الاشتراكي بلا حدود؛ حيث قرر الحزبان خوض
الانتخابات بمرشحيهما في مواجهة الرئيس محمد دبي. كما أن تدخل المحكمة العليا في
تشاد في انتخابات رئيس حزب التجمع الوطني واعتبارها انتخابات غير شرعية صب المزيد
من الزيت في نيران الخلافات، وهو ما يفسر اتهامات الحكومة في انجمينا بمحاولة
اغتيال رئيس المحكمة العليا قبل أيام والذي فتح باب التصعيد من جديد. وتظاهر مؤيدو
حزبي المعارضة أمام مقر وكالة الأمن الوطني التشادية؛ حيث حدثت مواجهات مع أنصار
الرئيس محمد دبي. وهو ما أعقبه أن شنت القوى الأمنية التشادية هجومًا على مقر
الحزب الاشتراكي بلا حدود وألقت القبض على عدد من قياداته، قبل أن تعلن لاحقًا عن
مقتل زعيمه يحي ديلو خلال هذا الهجوم. ويمكن اعتبار هذه الاشتباكات بمثابة صدى
لصراع أجنحة داخل قبيلة الزغاوة الحاكمة في تشاد، فيحيى ديلو هو ابن عمة الرئيس
الانتقالي للبلاد، محمد إدريس ديبي، وانضم إلى حزبه صالح ديبي، عم الرئيس، ومتوقّع
أن يلقي هذا الصراع بظلاله على الانتخابات الرئاسية المقررة مايو المقبل، والمرشح
فيها الرئيس الانتقالي.
على الجانب الآخر، حذر نواب برلمان
ومعارضون من أن هذه المواجهات، التي تسبق الانتخابات الرئاسية بشهرين، تفتح الباب
أمام كافة الخيارات، بداية من إحكام الرئيس الانتقالي الحالي، محمد إدريس ديبي،
سيطرته كاملة على البلاد بعد الانتخابات، أو الانزلاق نحو مواجهات عنيفة مع
المعارضة والحركات المتمردة.
تداعيات إقليمية ودولية
لم تصدر أي تصريحات رسمية من أي جهة
خارجية حتى الآن تجاه ما يحدث في انجمينا، بما في ذلك فرنسا التي نقلت جنودها
المنسحبين من النيجر إلى قواعدها الـ3 في تشاد، وحسب تجارب التدخل السابقة فإن
باريس لا تتدخل إلا عند اللحظة الحرجة أو بطلب من السلطات، إلا أن هذه الأحداث تضع
الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وخاصة فرنسا، في موقف حرج؛ فتشاد شريكًا أمنيًا
حيويًا في منطقة مضطربة، بمساعدتها في محاربة الإرهابيين في منطقة الساحل واحتواء
عدم الاستقرار الناجم عن ليبيا والسودان المجاورتين. وباعتبارها القوة الاستعمارية السابقة، تحتفظ فرنسا بعلاقات وثيقة مع
تشاد وتساعد في تطوير صناعة النفط الناشئة في تشاد، بحسب الموقع الأمريكي، الذي
قال إن الولايات المتحدة تدعم تشاد بسخاء من خلال المساعدات العسكرية والتدريب
ومجموعة من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
على الجانب الآخر، فإن روسيا هي
المستفيد الأكبر من عدم الاستقرار في تشاد لأنه يقلل من قيمة تشاد كشريك إقليمي
موالٍ للغرب، وأن هذه العلاقة الوثيقة بين تشاد والغرب جعلت منها نقطة جذب للتدخل
الروسي من جانب مجموعة فاجنر، إلا أن العلاقة بين روسيا وتشاد متقلبة؛ ففي أبريل
2023، أظهرت وثائق مسربة أن روسيا كانت تحاول إنشاء قواعد تدريب في جمهورية
أفريقيا الوسطى المجاورة في مؤامرة متطورة للإطاحة بالحكومة التشادية. كما كانت
تشاد إحدى الدول التي تجاهلت روسيا خلال القمة الروسية الأفريقية في يوليو 2023.
وعندما وقع الانقلاب في النيجر المجاورة، والذي كان له أيضًا بصمات روسية؛ حيث
سافر محمد إدريس ديبي إلى النيجر للقاء الرئيس المخلوع ومحاولة الوساطة. وقد وضعت هذه الأحداث الدول الغربية في موقف ضعيف واتجاهات التعامل معه،
إلا أن روسيا قد تستفيد من حالة عدم الاستقرار الداخلي والتدخل لتعزيز نفوذها هناك.
في الختام: إن ما جرى في تشاد تكرار
لمشهد 2021، حين حاصرت قوات من الجيش منزل أسرة يحيى ديلو، وأطلقت النار ما تسبب
في وفاة والدة ديلو. وأن رفض محمد إدريس نداءات المعارضة بعدم الترشح
للانتخابات، يشبه رفض والده لنداءات مماثلة بألا يترشح في الانتخابات التي فاز بها
وسبقت مقتله بأيام، وهو ما يعني تنامي الانقسامات بين النخبة الحاكمة في وقت حرج
سياسيًا تستعد فيه الدولة الواقعة وسط أفريقيا للعودة إلى الحكم الديمقراطي عبر
صناديق الاقتراع. وفق تصور أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في مايو هي مسألة
مصيرية بالنسبة إلى محمد إدريس ديبي وأنصاره لمزيد من ترسيخ البعد القبلي في الحكم
والبحث عن شرعية انتخابية بعيدًا عن الشرعية العسكرية التي حصل عليها بعد وفاة
والده ، باعتبار أن الفوز في الانتخابات المقبلة يؤطر لفترات طويلة من الحكم
لاسيما بأنه شاب لم يتجاوز عمره 40 عامًا.